سعيد باشا
هو ابن محمد علي باشا، وُلد في الإسكندرية عام ١٢٣٧ﻫ/١٨٢٢م وكان محبًّا للعلم بارعًا فيه وعلى الخصوص في اللغات الشرقية والعلوم الرياضية وسلك الأبجر والرسم، وكان يتكلم الفرنساوية جيدًا. تولى زمام الأحكام عام ١٢٧٠ﻫ أو ١٨٥٤م بعد وفاة عباس باشا ابن أخيه، وكان محبًّا للعدل والفضيلة، وكان مهتمًّا بالإصلاح الإداري، ومن أعماله المبرورة إتمام الخطوط الحديدية والتلغرافية بين إسكندرية ومصر، والشروع في مد غيرها، وتنظيم لوائح الأطيان واسترجاعها من المتعهدين إلى أربابها، وقد عدَّل الضرائب فجعلها عادلة، ورفع كثيرًا من الضرائب التي كان يتظلم منها الرعايا، ونزح ترعة المحمودية، وفي أيامه تمت معاهدة «ترعة السويس»، وقد نشطها تنشيطًا كبيرًا، وأقام على طرفها الشمالي مدينة حديثة دعيت باسمه وهي «بورت سعيد» وغرس الأشجار في طريق المنشية.
وفي السنة الثانية من توليه على مصر وضع الحجر الأول لأساس القلعة السعيدية عند رأس الدلتا فيما بين القناطر الخيرية، تداعت أركانها الآن، وقد عثرنا على قطعة فضية مستديرة قطرها قيراطان ونصف على أحد وجهيها رسم النيل عند تفرعه والقناطر الخيرية، يليها على الجانبين برجا القناطر وبينهما عند رأس الدلتا القلعة السعيدية، وكل ذلك في أجمل ما يكون من الرسم، وعلى الوجه الآخر كتابة تركية تفيد «أن المغفور له سعيد باشا بن محمد علي باشا المشهور قد وضع أساس القلعة السعيدية وما يليها من الاستحكامات بيده في يوم الأحد ٢٣ جمادى الآخرة عام ١٢٧١ﻫ لأجل حماية الديار المصرية.» نشرنا نصها التركي في كتابنا تاريخ مصر الحديث.
وفي أيامه ثارت مديرية الفيوم على الحكومة، فبعث إليها وأخمد الثورة فهدأت الأحوال. ولما اختتن نجله طوسون أطلق كلَّ من كان في السجون من المجرمين، حتى القاتلين، وفي أيامه أُعطيت بلاد السودان بعض الامتيازات، وتولى عليها البرنس حليم باشا حكمدارًا، وفي عام ١٢٧٦ﻫ أو ١٨٥٩م توجه لزيارة سوريا، فمكث في بيروت ثلاثة أيام، ونزل ضيفًا كريمًا على وجهاء المدينة، وكان في أثناء مروره في الطرقات ينثر الذهب على الناس.
وفي عام ١٢٧٨ﻫ أو ١٨٦١م تُوفِّي المغفور له السلطان عبد المجيد وتولى السلطان عبد العزيز، وفي يوم السبت ٢٦ رجب عام ١٢٧٩ﻫ أو ١٧ يناير (ك٢) ١٨٦٣م تُوفِّي سعيد باشا في الإسكندرية ودُفن فيها.