محمد توفيق باشا الخديوي السابق
هو أكبر أنجال المرحوم إسماعيل باشا الخديوي الأسبق، وُلد سنة ١٨٥٢ وأدخله والده مدرسة المنيل وسنُّه تسع سنوات، فدرس فيها اللغة، والجغرافية، والتاريخ، والطبيعيات، والرياضيات، واللغات العربية، والتركية، والفرنساوية، والإنكليزية، وكان ميالًا للعلم من صغر سنه فأحرز منها جانبًا أهَّله لرياسة المجلس الخصوصي في حياة والده وسنُّه ١٩ سنة. ثم تقلد نظارة الداخلية ونظارة الأشغال ورئاسة مجلس النظار.
ولما بلغ الحادية والعشرين من عمره تزوج بكريمة المرحوم إلهامي باسي، وهي مشهورة بالجمال والتعقل والكمال، وفي السنة التالية (١٨٧٤) وُلد له بِكره (الخديوي الحالي) فسماه عباس حلمي، ثم ولد البرنس محمد علي سنة ١٨٧٧ والبرنسس خديجة هانم سنة ١٨٧٧ والبرنسس نعمت هانم سنة ١٨٨١.
وما زال يتقلد المناصب في عهد المرحوم أبيه حتى قضت الأحوال بإقالته كما تقدم في ترجمته فاستلم رحمه الله أزمَّة الأحكام في ٢٦ يونيو سنة ١٨٧٩ وجاءه الفرمان الشاهاني المؤذن بذلك، وكان مشهورًا بحبه للوطن المصري، وقد شعر باحتياجه إلى الحرية والرفق بالرعية فخفف الضرائب، ونظر في تأمين أصحاب الديون، وفي أيامه تشكلت لجنة التصفية وأنشأت قانونها فصادق هو عليه، ثم طاف القطر المصري لتفقد الرعية واستطلاع أحوالهم فدرس في أثناء تلك الرحلة ما يحتاج إليه القطر من الإصلاح، وحالما عاد عمد إلى إصلاح حال الفلاح من حيث ما عليه من الضرائب، فأمر بتقسيط الأموال والعشور على أشهرٍ معلومة، وأن تُقتضى من الكبير والصغير على السواء مع اتخاذ الرفق في تحصيلها، ومن تأخر عن السداد تُباع أرضه، فانتظمت الأحوال أحسن انتظام.
ثم وجه عنايته إلى إصلاح شئون المعارف، فأمر بإنشاء المدارس العالية والابتدائية، ووسع دوائر المدارس التي أنشأها آباؤه ونظم شئونها، وجعل للبلاد نظامات شورية، وشكَّل مجالس المديريات ومجلس شورى القوانين والجمعية العمومية.
وفي أيامه أنشئت المحاكم الأهلية، وتحسنت حال الري بإنشاء الترع وبناء القناطر الخيرية، ورفع العونة والسخرة، وأنشأ لائحة المستخدمين الملكية والعسكرية ومعاشاتهم.
وكان مع سهره على مصالح رعاياه تقيًّا ورعًا، بنى المساجد ونظر في الأوقاف الخيرية وأصلح فيها، وكان شفوقًا على رعاياه كثير الرفق بهم، فأكثر من تنشيط أهل العمل بالرتب والنياشين وكانت الرتب على عهد أبيه تستلزم زيادة الرواتب، فلما كثرت في أيامه جعلها لا تستلزم الرواتب بل هي علامة شرف من أمير البلاد.
وكأنه بالغ في إكرام الناس وزاد في إطلاق الحرية قبل استعداد البلاد لها فانقلب النفع المنتظر منها إلى ضرر، فحدثت الثورة الوطنية المعروفة بالثورة العرابية، وسيأتي تفصيلها في ترجمة أحمد عرابي (باشا)، والحوادث السودانية، وسيأتي تفصيلها في ترجمة محمد أحمد المهدي.
وأصيب رحمه الله بالنزلة الوافدة إصابة شديدة لم تمهله إلا أيامًا قليلة، فتوفي في ٨ يناير سنة ١٨٩٢ فبكاه الناس على اختلاف الطبقات والعناصر والمذاهب؛ لما كان عليه من صدق النية وإخلاص الطوية والرفق والعدل، ودُفن في مصر.