كم تحت هذه السماء من أعين باكية!
تحت مضارب الظلم، وفي استغراق سكونها، حركات تحجبها أستار الغيوب، هي الأقدار لا تُغالَب؛ لأنها خُلقت غالبة، ولا تُتقى لأنها ترى ولا تُرى، والبرايا أغراض منصوبة تنتزعها بالرمية بعد الرمية، فتصيب الأجساد وتنفذ منها إلى الأرواح، ولا يُسمع لوقعها إلا مثل وقع القبلة على جبهة الميت في نعشه.
ما توشك البسمة أن تنطفئ فوق ثغر إلا وتجعده آثار البكاء، إن ينابيع الدموع لمعينة، وإن منابت الحسرات لخصبة، وللأمل الكاذب وميض في ليالي الخطوب، أشقى الناس مَن يعلق به بصره.
سمعت يمامة ترجع على فنن الدوح، فهاجني ترجيعها، قلت يا يمامة، دوحك مورق فينان، وماؤك عذب رقراق، وعشك تلاعبه أنفاس الصبا، وملعبك طيات النسائم وملك الله في فضائه، فما شجاك فأبكاك؟ ومَن ألقى عليك هذا الترجيع؟ يطاردك الصياد الخائن فتعجزينه ولا تعلمين أنه مدركك يومًا، وتتوعدك كواسر الهواء متحاومة عليك، وإن في عشك فراخًا زُغب الحواصل، فهل أتاك أن للأقدار وثبات لا مهرب عنها؟ تذكرت قول أبي فراس:
لقد تتقي الحرب بالسلام، ولكن بم تتقي الأقدار؟
مكان الدمعة الحائرة على المحجر المسهد مكان اليتيم الضائع على السبيل الموحشة، تتلألأ ثم تختفي، ولو دامت مكانها لكانت الشقوة أعظم.
أيتها الأم الثاكلة أجملي جزعًا، وأيتها الأيم الواله اقتصدي وجلًا، ويا ملك المهد، ابكِ واستبكِ، صوتك مرنان ودمعك لؤلؤ رطب، دع الأيام تنظم من ذلك اللؤلؤ قلادة تلبسها الرحمة، هي أولى بهذا الحلي دون كل الحسان.
في ذمة الله أيتها الأنفس المستفاضة والأشلاء الضائعة بين السماوات والبحار، اذكرينا إنا ذاكروك، وابكي علينا إنا باكون عليك، لم يبقَ بيننا وبينك رسائل سوى العَبَرات.