إدوارد في الشرك ثانيةً
بحث مايلز في الشوارع عن إدوارد، وركض على طول الجسر، ومن مكان لآخر مستوقفًا الناس طوال الطريق ليسألهم هل رأوا السيد كانتي والصبي. وتمكن من تتبع آثارهما بضع وحدات سكنية، ثم فقدها. لم يرهما أحد، ولا يعلم أحد مكانهما.
واصل مايلز بحثه طوال اليوم وأثناء الليل. وقد تملك منه التعب والجوع، ونفدت لديه جميع الأدلة التي تساعده في اقتفاء أثرهما. وقرر أخيرًا أنه يجدر به تناول العشاء ونيل قسط كاف من النوم، وسوف يبدأ البحث من جديد في الصباح.
استلقى مايلز في السرير متأملًا. كان يعلم أن إدوارد سيحاول الهرب من الرجل الذي يدعي أنه والده. «ماذا ستكون خطوته التالية؟ هل سيعود إلى لندن؟ كلا، فسيجازف هكذا بأن يُمسك به من جديد إذا عاد إلى هذا الحي. هل هناك من يمكن للصبي الاعتماد عليه؟ كلا.» كان مايلز يدرك أنه الحامي الوحيد لإدوارد، ولم تكن هناك العديد من الخيارات أمام إدوارد بخلاف البحث عن صديقه الوحيد. وبما أن العودة إلى لندن كانت أمرًا مستبعدًا تمامًا، كان الخيار الوحيد أمام إدوارد هو التوجه إلى قصر هيندون. فقد أخبره مايلز أنه في طريقه للعودة إلى منزل أسرته. لذا قرر مايلز التوجه إلى قصر هيندون في الصباح، إذ كان متيقنًا من أنه سيعثر على إدوارد في طريقه إلى هناك، أو أن «ملك المستقبل» الشاب سيعثر عليه في المنزل.
كان إدوارد — للأسف — لا يزال في قبضة السيد كانتي. لكن لم يكن السيد كانتي بمفرده هذه المرة، فكان يصاحبه صديق صغير السن يُدعى هوجو. وكان هذا الفتى الجديد لصًّا. صُدم إدوارد وثار حنقه عندما رأى هذا الرجل الكريه. وكان جرُّه له في الشوارع أمرًا مهينًا ومخزيًا. بدا أن السيد كانتي لا يتمتع بصحة جيدة، فكانت ذارعه معلقة في حمالة كتف والرضوض تحيط بإحدى عينيه، وأيضًا كان يعرج قليلًا. وبذراعه السليمة، أمسك كانتي بإدوارد واستمر في جذبه.
وأخيرًا توقف إدوارد وأبى أن يواصل السير. فكان من المفترض أن يأتي مايلز إليه، وليس العكس. قال إدوارد: «لن أمضي لأبعد من هنا الليلة، لقد نلت كفايتي.»
فقال السيد كانتي: «لكن صديقك بحاجة إليك، صديقك ذا المعطف الفاخر.» وكان صوته تشوبه نبرة تهكمية. «لقد جُرح وأرسل في طلبك.»
قال إدوارد: «جُرح؟ لماذا لم تقل ذلك من قبل؟ من الذي يمكن أن يفعل شيئًا كهذا له؟»
واصل الثلاثة السير، وتجاوزوا أسوار المدينة وصولًا للغابة. وأخيرًا وصلوا إلى حظيرة قديمة بالقرب من أحد بيوت المزارع. ودخل السيد كانتي وهوجو وإدوارد إليها، وتفقد إدوارد جميع أرجاء المكان بنظره ثم قال: «أين هو؟»
وجاء الرد على سؤاله ضحكة خبيثة من السيد كانتي. «حسنًا، أنت ابني بلا شك. فقد كنت بالغباء الكافي لتتبعني في الغابة. كان من المفترض أن تعي الأمر أفضل من ذلك.»
قال إدوارد: «لست والدي. لا أدري ما يمكنك فعله، لكني أطلب منك أن تكون رجلًا صالحًا وتعيدني إلى النُزل.»
قال السيد كانتي: «لا أظن ذلك يا بني. المدينة ليست مكانًا آمنًا بالنسبة لي. فأنا رجل مطلوب للعدالة، ألا تعلم ذلك؟» وأخرج ذراعه من حمالة الكتف ولوح باتجاه إدوارد. «أنا متنكر. فالمرء لا يعرف أبدًا أين يختفي أعداؤه.»
حاول إدوارد التراجع للوراء، لكن السيد كانتي أمسك به مرة أخرى. «أخبرني يا فتى، أين والدتك؟ وأين أختاك؟»
نظر إدوارد له مباشرة في عينيه، وقال: «كفاك ألغازًا. لقد توفيت والدتي؛ وأختاي في القصر.»
تحرك هوجو باتجاه إدوارد، ونظر إليه وكأنه سيدفع الصبي الذي يصغره حجمًا، لكن السيد كانتي أوقفه. «اتركه يا هوجو. ما من جدوى في إضاعة الوقت مع هذا الصبي.»
بينما كان السيد كانتي وهوجو يتحدثان بصوت خافت، سار إدوارد إلى ركن مظلم في الحظيرة. رتب لنفسه سريرًا في القش واستلقى عليه. تجاهل الأصوات المتهامسة، وأخذ يفكر في والده. إذا لم يصل إلى القصر في الوقت المناسب، فستفوته جنازة والده. تذكر إدوارد كل اللحظات الحانية التي تشاركها مع الملك. فبالرغم من بعده أحيانًا، كان هنري أبًا صالحًا. ولم يستطع إدوارد أن يلومه على بعده عنه، فليس هينًا أن يكون المرء ملك إنجلترا، حيث يشغل هذا المنصب جزءًا كبيرًا من الوقت.
بعد فترة من الوقت، بدأ جفنا إدوارد يتدليان. تعذر عليه البقاء مستيقظًا، وكاد يغلبه النوم عندما سمع أصواتًا أعلى تأتي من الطرف الآخر للحظيرة. جلس السيد كانتي وهوجو بالقرب من النار، وكان هناك العديد من النساء والرجال الآخرين أيضًا، وكانوا يضحكون ويتحدثون بصوتٍ مرتفع. لم يشعر إدوارد بالأمان، فلم يبد عليهم حسن الخلق.
تبين بعد قليل لإدوارد أن السيد كانتي كان صديقًا قديمًا لهذه الجماعة. وأخذ يستمع إلى ما يروونه من قصص عن عمليات السرقة والمؤامرات. فتحدثوا عن أصدقائهم ممن تُوفوا أو سُجنوا أو تعرضوا لما هو أسوء من ذلك. وعلم أيضًا أن بعضًا من أفراد هذه الجماعة لم يختاروا كونهم لصوصًا. فلم يكن أمامهم ببساطة أي مكان آخر يذهبون إليه عندما فقدوا مزارعهم. وقد وجهوا اللوم للملك في هذا الشأن بقولهم إن هنري أخذ أراضيهم ولم يوفر لهم وظائف يعملون بها. فحاولوا التسول في الشوارع، لكن ألقي القبض عليهم حيث كان التسول أمرًا غير قانوني أثناء فترة حكم الملك هنري. ونظرًا لإعالتهم أسرًا تحتاج إلى الطعام، تحولوا للسرقة. وتساءل إدوارد عن مدى مصداقية هذه الروايات. فهل من الممكن أن يكون والده قد فعل شيئًا بهذا السوء؟
وقف «الزعيم» — أو هكذا أطلق عليه الجميع — وشمر عن ظهره، وقال: «أترون هذه الندوب؟ لقد أحدثها لي حراس السجن عندما تجرأت على الشكوى. قلت إن التسول ليس جريمة، فضربوني بالسوط. وإذا سُجنت الآن، فسيكون ذلك بسبب كوني لصًّا. إن لم يكن هناك اختلاف في العقوبة، فلماذا لا أسرق؟»
«ستتغير القوانين قريبًا!» صاح إدوارد بذلك وهو في الجانب الآخر للحظيرة، ثم سار باتجاه الجماعة التي حدق أفرادها جميعًا فيه والدهشة تملؤهم. فلم يكن أحد يعلم بوجوده سوى هوجو ووالده. «ستتغير القوانين من اليوم!»
سأل «الزعيم» السيد كانتي: «من هذا؟»
هز السيد كانتي رأسه وهو يشعر بالإحراج. «إنه ابني. لا تعره اهتمامًا، لقد أصابه مكروه ما في عقله، ويظن أنه الملك.»
قال إدوارد: «أنا الملك بالفعل.» واندفع باتجاه السيد كانتي وهو يقول: «قريبًا لن تشكك في هذا الأمر. أنت لم تسىء معاملة عائلتك فحسب، ولكنك أيضًا لص. لن تفلت من العقاب.»
قال السيد كانتي غاضبًا: «هل ستشي بي، يا فتى؟»
رد إدوارد بفتور: «سأسلمك للعدالة.» فلم يكن خائفًا من هذا الرجل.
قال «الزعيم»: «الآن، يمكنك أن تطلق على نفسك ملكًا أو فقيرًا إن شئت. ولن يعتقد أحد هنا في هذا أو ذاك، لكننا لا نتهاون مع من يشي، نحن لا نحب الواشين.»
لم يرد إدوارد، حيث أدرك أن هذا الرجل يخيفه، وفطن إلى أن هذا «الزعيم» شخص خطير.
قال «الزعيم» لباقي أفراد الجماعة: «والآن، أيها الإخوة والأخوات، لنشرب نخب ملك إنجلترا القادم، فلا توجد بيننا كل يوم شخصية ملكية.»
«عاش إدوارد، الملك القادم!» هتف الجميع بذلك ما عدا السيد كانتي، حيث جلس وقد ارتسمت على وجهه نظرة غاضبة.
قال إدوارد: «شكرًا لكم.»
دفع هذا الرد جميع من في الحظيرة إلى قهقهة صاخبة، حتى السيد كانتي ظهرت على وجهه ابتسامة خافتة.
قالت إحدى السيدات: «إنه يستحق اسمًا أفضل من إدوارد، ذلك الاسم القديم العادي. أي شخص يمكن أن يُدعى إدوارد.»
واقترح شخص آخر: «ماذا عن فوو فوو؟»
فردت السيدة: «هذا ممتاز، فوو فوو الأول!» وهلل الجميع مرة أخرى.
«إنه بحاجة إلى تاج.» قالت السيدة ذلك والتقطت سلطانية ووضعتها مقلوبة على رأسه، وألقى شخص آخر ببطانية على كتفيه كما لو كانت رداء الملك.
فقالت السيدة: «وعرش!» فحملوا إدوارد ووضعوه على أحد البراميل.
هلل جميع من في الحظيرة ورقصوا حول إدوارد. جثوا أمامه وقبلوا قدميه. وحاول إدوارد دفعهم جانبًا، وصاح فيهم ليتوقفوا، لكن دون جدوى؛ فهم لا يستطيعون سماعه وسط ضحكاتهم الصاخبة، ولم يهتم أحد بما كان يرغب في قوله.