مغامرات توم في غياب إدوارد
وجد توم كانتي الكثير من الأمور لتسليته عندما تُرك بمفرده في غرفة الأمير. فقضى وقتًا طويلًا ينظر لنفسه في المرآة، واستدار أولًا يسارًا ثم يمينًا، ثم سار مبتعدًا مقلدًا مشية الأمير، ونظر خلفه أثناء السير حتى يرى نفسه في المرآة. تظاهر توم أن الغرفة مليئة بكبار القوم ممن يحملون لقب دوق وإيرل، وتحدث مع كلٍّ منهم بشأن أمور مهمة للغاية. وعندما انحنت هذه الشخصيات التي نسجها خياله أمامه، طلب منهم النهوض ولوح بيده محاولًا بأقصى جهده تقليد تلويح الأمير.
وفي آخر الأمر، أدرك توم أن الأمير قد طال غيابه كثيرًا. وقد بدأ اهتمامه بالتقاط الأشياء وتأملها يفتر، كما بدأ يتسلل إليه شعور قوي بعدم الراحة؛ فماذا يمكن أن يحدث إذا دخل أي شخص وأمسك به مرتديًا ملابس الأمير؟ وما عقوبة انتحال شخصية الأمير؟
مشى توم على أطراف أصابع قدميه حتى وصل إلى الباب وفتحه بهدوء، ثم أنعم النظر في الرواق. فهب ستة خدام من مقاعدهم واقفين، وسأله أحدهم: «أمرك يا سيدي؟»
تراجع توم سريعًا إلى داخل الغرفة، وأغلق الباب. وأخذ يفكر: «إنهم يسخرون مني. سيسرعون في استدعاء الحراس الآن.» وأخذ يسير جيئة وذهابًا في الغرفة.
وفي هذه اللحظة، فُتح الباب وأعلن أحد الخدم: «ليدي جين جراي.» اندفعت فتاة صغيرة السن ترتدي فستانًا جميلًا إلى داخل الغرفة، وأسرعت نحو توم، لكنها توقفت عندما رأت النظرة التي علت وجهه.
سألت ليدي جين: «سيدي اللورد، هل أنت على ما يرام؟»
تعذر على توم التحدث، وحاول جاهدًا إخراج الكلمات من فمه، فقال: «نعم، أرجوكِ، عليكِ أن تساعديني. فأنا لست لوردًا أو أميرًا. اسمي توم كانتي، وأنا هنا عن طريق الخطأ. تبادلنا أنا والأمير ملابسنا، وكان من المفترض أن يستمر الأمر بضع دقائق فقط، لكنني لا أدري أين ذهب. كان من المفترض أن يعود منذ وقت طويل.»
وعندئذٍ ركع توم أمام ليدي جين، وشابك يديه متوسلًا إياها أن تصدقه.
فصاحت ليدي جين: «سيدي اللورد، أتركع على ركبتيك؟ هذا غير مقبول يا سيدي.» واستدارت تاركةً توم وخرجت مسرعة من الغرفة.
استبد اليأس بتوم، وجثم على الأرض يبكي. «لا أمل، سأسجن الآن بلا شك.»
وفي هذه الأثناء، بدأ الذعر ينتشر في باقي أنحاء القصر، وسرعان ما ذاع الخبر بأن الأمير قد جُن؛ فهو يظن نفسه شخصًا آخر ولا يعرف ليدي جين. كيف لا يمكنه التعرف على فتاة عرفها طوال حياته؟ فوالدها صديق مقرب للملك، وقضى الأطفال وقتًا طويلًا معًا. كان الملك يرقد مريضًا في غرفته منذ فترة، وعندما تناهى إلى سمعه أخبار جنون الأمير، أرسل في طلب ابنه.
اقتيد توم المسكين من غرفة الأمير، وسار عدة أروقة طويلة، محاطًا بالأطباء والخدم وأفراد البلاط الملكي، وقد ملأ الرعب قلبه. لم تكن لديه أي فكرة عما يمكن أن يحدث. فبالتأكيد سيدرك الملك على الفور أنه محتال.
وبعد فترة وجيزة، كان توم يقف في غرفة دافئة وجميلة، وكان هناك رجل ذو لحية ضخم البنيان ممتلئ الجسم يستلقي على أريكة بالقرب من المدفأة. بدا الرجل صارمًا؛ وكان يهابه الكثير من الناس، لكن صوته كان حانيًا عندما تحدث مع الصبي.
سأل الملك هنري: «كيف حالك، يا بني؟ لقد أفزعت ليدي جين حقًّا.»
قال توم متلعثمًا: «أ … أنت الملك؟» وهز رأسه: «إذن فهذه بالتأكيد نهايتي.»
تنهد الملك وهو يقول: «آه يا إدوارد، لقد تمنيت يا بني أن تكون الشائعات غير صحيحة، لكن ما أراه هو أنك تعاني من اضطراب شديد. اقترب مني يا بني.» أمسك هنري وجه الصبي في يديه بحنان وقال له: «ألا تتعرف على والدك العزيز؟» ونظر الملك إليه عن كثب ثم قال: «كم يحزنني أنك لا تتعرف عليّ.»
فأجاب توم: «أظن أنك الملك.»
شعر الملك بارتعاش بدن الصبي، فقال له: «أرجوك، لا تخف. لن يمسك أحد هنا بأذى.»
«أرجوك يا سيدي، عليك أن تصدقني، فأنا أقول الحقيقة. لست الأمير إدوارد، اسمي توم كانتي، وأنا متسول من «أوفال كورت»، ووجودي هنا جاء عن طريق الخطأ. ولا أعلم أين الأمير إدوارد الآن.» وبدأ توم يبكي. «لا أريد أن أُسجن! أرجوك، لا أريد سوى العودة إلى منزلي وأسرتي وأصدقائي!»
رد الملك متسائلًا: «السجن؟ بني العزيز، بالطبع لن تُسجن. لماذا تفكر في مثل هذا الأمر؟ لماذا قد أرغب في عقابك؟ أنت حر دائمًا في الذهاب أينما شئت وفعل ما ترغب في فعله.»
فسأل توم والحماس يملؤه: «إذن، فأنا حر في الذهاب لأي مكان؟»
فقال الملك: «يمكنك الرحيل وقتما شئت، وإن كنت أتمنى أن تبقى بضع دقائق أخرى» ثم دقق النظر في توم وقال: «أين ستذهب؟»
«سأعود إلى منزلي بالطبع. فأصدقائي وأسرتي في «أوفال كورت» يبحثون عني بالتأكيد الآن.» شعر توم بالحماس وقد أوشك على الخروج من هذه المحنة.
نكس الملك رأسه وهو يقول: «ابني مجنون. نرجو رحمتك يا رب، أمير إنجلترا مجنون؛ لا يعلم من هو.»
نظر الملك إلى الأطباء وموظفي البلاط الملكي الموجودين في الغرفة، وقد بدا عليهم جميعًا القلق، ثم قال لهم: «أخبركم الآن جميعًا أن ابني سيصبح يومًا ما ملك إنجلترا، سواء أكان عاقلًا أم مجنونًا.»
تقدم كبير مستشاري الملك إلى الأمام، ويُدعى لورد هيرتفورد، ويتولى مساعدة الملك في عمله، وكان دائمًا بجوار الملك داعمًا إياه. قال هيرتفورد: «رغبات الملك أوامر.» ثم انحنى أمام الملك وتوم.
تنهد الملك مرة أخرى وقال: «ينبغي أن أرتاح الآن.» ثم أراح رأسه على الوسادة. «إدوارد، اذهب مع عمك هيرتفورد الآن يا بني، وتعال لرؤيتي في وقت لاحق بعد أن أنال قسطًا من الراحة.»
قاد لورد هيرتفورد توم إلى خارج الغرفة، وسار توم عبر الردهات مرة أخرى حتى عاد إلى غرفة الأمير. طالما راود توم حلم الحياة أميرًا في القصر، لكن حلمه كان يتحول سريعًا إلى كابوس.