توم يتعلم قواعد القصر
في وقت لاحق بعد ظهر ذلك اليوم، أحضر لورد هيرتفورد مجموعة من الرجال إلى غرفة الأمير، وأشار إلى أحد المقاعد موضحًا أن على توم الجلوس. فعل الصبي كما أُمر، لكنه شعر شعورًا غريبًا، فهو يعلم أنه ليس من اللياقة الجلوس بينما يقف من هم أعلى منه شأنًا. طلب منهم الجلوس، فانحنى له جميع الرجال لكن ظلوا واقفين.
كاد توم يلح في طلبه عندما همس له لورد هيرتفورد في أذنه: «جلالتك، لا تلح في هذا الأمر. فليس من اللائق أن يجلسوا في حضرتك.»
استطرد لورد هيرتفورد: «اعذرني، جلالتك، لكنني بحاجة للتحدث إليك على انفراد للحظة» ووقف أمام توم وقال له: «أنا على يقين أنك تعلم مدى أهمية ثقة شعب إنجلترا في ملكهم.»
أومأ توم برأسه ببطء.
«وأنا متأكد أيضًا أنك تعي أن مرض والدك أقلق الكثير من الناس.» راقب هيرتفورد توم وهو يومئ برأسه مرة أخرى، ثم قال: «أصدر والدك أوامر بألا تتسبب في أي مشكلات أخرى، وطلب ألا تذكر بعد الآن هذا الفتى المدعو توم كانتي أو «أوفال كورت».»
أومأ توم برأسه، فهو يعلم أن ليس هناك ما يمكن قوله. لقد شعر أنه حبيس ملابس الأمير.
وبينما كان توم يراقبهم، تابع لورد هيرتفورد والرجال الآخرون عملهم. وكان توم يستمع إليهم ويومئ برأسه كدليل على الموافقة عندما كان هيرتفورد يشير له بضرورة ذلك. ورحل بعد ذلك جميع الرجال ما عدا لورد هيرتفورد، ودخلت الأميرة إليزابيث وليدي جين مبتهجتين.
مال لورد هيرتفورد على توم ليهمس في أذنه: «أرجو منك أن تتذكر رغبات والدك أيها الأمير إدوارد. فنحن لا نريد إزعاج أي شخص آخر.»
أومأ توم برأسه مرة أخرى، وأجاب بهدوء: «أجل.»
وجه توم بعد ذلك انتباهه إلى إليزابيث وجين. كانت الفتاتان مرحتين وممتعتين. وساعد وجودهما في إلهاء توم عن مشكلاته، لكن الأمر لم يكن يسيرًا تمامًا عليه؛ فتحدثت الفتاتان عن أشخاص وأشياء لم يعرفها، كما تحدثتا أحيانًا إليه بلغات لم يفهمها. لاحظت إليزابيث أنه كان يواجه صعوبة ما، فبذلت أقصى ما بوسعها لمساعدته عند ارتباكه، حتى إنها أمسكت بيده عندما بدا منزعجًا. وأدرك توم أنه مهما حدث له وهو حبيس هذا القصر، فسيظل يشعر دائمًا بالسعادة لالتقائه بإليزابيث وجين.
وبعد رحيل الفتاتين، أدرك توم شعوره بالتعب؛ فقد كان يومًا طويلًا. لذا طلب من لورد هيرتفورد والآخرين في الغرفة تركه بمفرده فترة من الوقت.
قال لورد هيرتفورد: «بالطبع، منك الأمر ومنَّا الطاعة.»
غادر الجميع الغرفة عدا الخدم، وانتظر توم أن يخرجوا أيضًا، فقال: «شكرًا على مساعدتكم، لكن أظن أنني سأغفو قليلًا الآن.»
«بالطبع يا سيدي.» قال أحدهم ذلك وهو يمسك برداء توم ويبدأ في فك أزراره.
تبيّن لتوم أنهم موجودون لمساعدته في خلع ملابسه، وتذكر حينئذٍ اندهاش الأمير إدوارد من عدم وجود من يساعد أختيه على ارتداء ملابسهما وخلعها. وقرر توم عدم المجادلة في الأمر، وبدلًا من ذلك، وافق على مساعدتهم له وهو يتنهد بعمق.
بعد استيقاظه من غفوته، عانى توم من المحنة نفسها، لكن هذه المرة بالعكس. فبدلًا من خلع ملابسه ليغفو، ألبسه الخدم ملابس ثقيلة وثمينة لتناول العشاء، ثم تقدمه أحدهم إلى غرفة كبيرة بها مائدة واحدة طويلة. فجلس توم على كرسي كبير ومريح بأحد أطراف المائدة.
بالرغم من أن توم كان يتناول الطعام وحده، فلم يكن بمفرده في الغرفة، حيث أحاط به الخدم ومقدمو الطعام. واستغرب توم الأمر؛ فبالرغم من أن لديه أخيرًا ما يكفي من الطعام لتناوله، كان من الصعب عليه الاستمتاع به.
نظر توم إلى منديل المائدة، ووجده مصنوعًا من قماش رقيق وناعم ويحيط بأطرافه خيط ملون. كان المنديل جميلًا للغاية، فقال توم لكبير الخدم: «رجاءً أبعد هذا المنديل كي لا أتسبب في اتساخه.»
أخذ كبير الخدم المنديل من توم دون أي تعليق.
راقب الخدم توم وهو يأكل، ولم يكن من اليسير عليهم رؤية أميرهم في مثل هذه الحالة. فلم يستخدم الشوكة الصحيحة عند تناول السلاطة، ورشف من الكوب محدثًا صوتًا مرتفعًا، كما دس أصابعه في الخضروات. فهو لم ير من قبل اللفت أو تلك الأوراق الخضراء المعروفة بالخس. ونظر الخدم إليه في ذعر وهو يضع الشوكة جانبًا ويتناول ما تبقى من وجبته بيديه.
وفي منتصف الوجبة، اكتشف توم مشكلة جديدة؛ فقد شعر بحكة في أنفه ولم يعلم ما يتوجب عليه فعله: هل عليه حكها بنفسه؟ فإن لم يكن مسموحًا له ارتداء ملابسه بنفسه، فهل سيكون مسموحًا له حك أنفه؟
قال توم: «عذرًا، هل يمكن أن يخبرني أحد، رجاءً، هل بإمكاني حك أنفي؟» تسمر جميع الخدم في أماكنهم محدقين في توم في ذهول، ولم يعلم أحد منهم ما يمكن فعله، فظلوا صامتين. وفي آخر الأمر، استسلم توم للأمر الواقع وحك أنفه بنفسه.
عند الانتهاء من العشاء، وقف توم، وملأ جيوبه بالمكسرات — تحسبًا لشعوره بالجوع في وقت لاحق — وتوجه عائدًا إلى غرفته بعد أن قال: «شكرًا لكم على الطعام، أتمنى لكم ليلة سعيدة.» ولوح بيده للجميع، وترك الغرفة.
راقب الخدم توم وهو يترك الغرفة، وتمنوا ألا يطول مرض الأمير.