أولى ليالي إدوارد بعيدًا عن القصر
في هذه الأثناء، استمرت حياة الأمير إدوارد خارج القصر. وبينما كان توم يتعلم كيف تكون حياة الأمراء، كان إدوارد يتعرف على مدى صعوبة حياة الفقراء. فهو لم يعتد أن يتجاهله الناس، بل جرت العادة معه أن يهب الناس لتنفيذ أوامره في الحال. لكنه لم يتمكن من جعل السيد كانتي يستمع إليه.
جرَّ جون كانتي الأمير المتوسل إلى الغرفة التي تعيش فيها الأسرة. قاوم إدوارد وأخذ يصيح، لكن كانتي أحكم قبضته عليه.
قال السيد كانتي متجهمًا: «لقد نلت كفايتي منك ومن ردودك الوقحة. ستخرج فجر غد للتسول في الشوارع والحصول على المال! وستظل هناك، فليس هناك وقت للعب أو لمقابلة أصدقائك.»
صاحت السيدة كانتي: «دع الفتى وشأنه!»
نظر كانتي إلى زوجته في ذهول. «كيف تجرئين على الحديث معي بهذه الطريقة؟! سأفعل ما أشاء في منزلي.» لكنه أفلت الصبي وأمره بالذهاب إلى النوم.
ألقى إدوارد نظرة على أنحاء الغرفة. كانت تضيئها شمعة واحدة والظلام يعمها. جلست سيدة عجوز في الركن، ونظرت إليه فتاتان تجلسان بجوارها والشفقة تملأ عينيهما. حاولتا الابتسام، لكن القلق بدا عليهما.
قال إدوارد مخاطبًا السيد كانتي: «سوف تعلم أن هذه المعاملة لن تمر مرور الكرام. فأنا إدوارد، أمير ويلز. سوف تدفع ثمن أفعالك عندما أعود إلى القصر.»
نظر جميع من كانوا في الغرفة إلى إدوارد، وبدأت السيدة العجوز الجالسة في الركن في الضحك: «أخيرًا، فقد الصبي عقله!» وأخذت تتأرجح في كرسيها وهي تقهقه مع نفسها.
نظرت السيدة كانتي إلى الصبي مشفقةً عليه، وقالت له: «ابني العزيز، هل تشعر بالمرض؟» ثم وضعت يدها على جبينه لترى هل يعاني من الحمى، وشرعت في البكاء وهي تملس على وجنته. «آه، حبيبي توم المسكين.»
قال إدوارد برفق: «آسف، اسمي ليس توم، اسمي إدوارد، الأمير إدوارد.» لقد أدرك في الحال أنها امرأة حنون للغاية، ولم يرغب في إخافتها أكثر من ذلك، فقال: «ابنك بخير، أرجوك لا تقلقي. إنه في القصر الآن، لقد تبادلنا الملابس …»
قال السيد كانتي مقاطعًا: «حسنًا، ألسنا محظوظين حقًّا. لا يحظى الجميع في «أوفال كورت» بزيارة ملكية.» ثم نظر إلى السيدة العجوز وغمز بعينه، واستمرت هي في الضحك.
«هيا، نان! بيت! لا تجلسا أمام الأمير. ألا تعلمان أن هذا تصرف وقح؟» وقف السيد كانتي واضعًا يديه بجانبيه. «نحن لا نريد أن يأخذ الأمير فكرة سيئة عنا.» وعندما لم تتحرك الفتاتان، غضب السيد كانتي وصرخ فيهما: «ألم تسمعاني؟ يجب عليكما الركوع أمام الأمير.»
قالت نان: «أبي، إن توم متعب، ويجدر بنا السماح له بالحصول على قسط من النوم.»
وأضافت بيت: «أنا على يقين أنه سيصبح أحسن حالًا في الصباح.»
فردت السيدة العجوز: «ضاعت أموال هذا اليوم أيضًا هباءً!»
وقف إدوارد، وقال: «كفى! أنا ابن الملك.»
نظر السيد كانتي إلى إدوارد وقد احتقن وجهه من شدة الغضب.
فجذبت السيدة كانتي الصبي بين ذراعيها وقالت بصوت حانٍ: «أرجوك، دعه ينام الليلة، وستتحسن الأمور في الصباح.»
نظر السيد كانتي إلى زوجته، وقال: «حسنًا، سندع الأمر الآن. ولكن ذلك لأن تعب اليوم قد حلَّ بي فقط.»
أومأت السيدة كانتي برأسها ومسحت على شعر إدوارد وهي تقول: «تعال يا بني. استلق هنا وحاول أن تنام.» وسوت السيدة كانتي البطاطين على الحصيرة القش وأحكمتها حول إدوارد. حاولت أن تشعره بالراحة قدر الإمكان، وأخرجت من جيبها قطعة من الخبز كانت قد ادخرتها له من حصتها في الطعام.
همس إدوارد: «شكرًا لك، سيدة كانتي، سوف أتذكر دائمًا طيبة قلبك.»
وعندما راح الجميع في النوم، نهضت السيدة كانتي ووقفت بجانب إدوارد لتشاهده وهو ينام لبضع دقائق. بدا لها الأمر مستحيلًا ألا يكون هذا ابنها، لكن ثمة أمر غير صحيح. ربما نبرة صوته أو هيئته، ربما طريقته في التلويح بذراعه عندما لا يعجبه شيء ما، فهو يفعل ذلك وكأنه يدفع الأفكار أو الناس غير المرغوب فيهم بعيدًا.
لقد كانت تعلم إيماءات توم وعاداته جيدًا؛ كلما كان يستيقظ من النوم أثناء الليل، كان يضع يده أمام وجهه مع توجيه راحتها للخارج. لقد فعل ذلك آلاف المرات، ودائمًا يتبع الأسلوب نفسه.
جثت السيدة كانتي بجانب الصبي، ودغدغت أنفه بريشة من فراشها. فتح الصبي عينيه جيدًا وجلس مستقيمًا قليلًا، لكنه لم يضع يده أمام وجهه. وبدلًا من ذلك، أغلق عينيه وعاد يغط في نوم عميق مرة أخرى. وللتأكد من الأمر، دغدغت السيدة كانتي أنفه بالريشة مرة أخرى، فلم يفتح الصبي عينيه هذه المرة، وكل ما فعله هو أنه تقلب في نومه وسحب البطانية إليه.
لم تعرف السيدة كانتي هل ينبغي عليها الضحك أم البكاء. فقد سعدت بأن هذا الصبي ليس ابنها؛ فذلك يعني أن توم ليس مجنونًا. لكنها كانت قلقة؛ فهل ابنها بأمان؟ هل هو حقًّا في القصر؟ بالتأكيد سيلاحظ الملك وجود اختلاف ما. ربما جن جنونها، فكيف لا يكون هذا ابنها؟ بدا الأمر برمته بلا معنى لها.
عادت السيدة كانتي إلى سريرها، وهي تفكر: «لا بد أنه حلم، ستعود الأمور إلى طبيعتها في الصباح.»
لكن في الصباح التالي، كان كل شيء أبعد ما يكون عما هو طبيعي. استيقظ جميع من في الغرفة الصغيرة على صوت صياح في الخارج، وطرق أحدهم الباب فجأة طرقات عديدة قوية.
«من هناك؟» صاح السيد كانتي وهو على السرير. «ماذا تريد؟»
قال رجل: «يجدر بك الرحيل يا كانتي. فأنت في ورطة كبيرة؛ ذلك الرجل الذي طرحته أرضًا الليلة الماضية كان القس العجوز، الأب آندرو. لقد ضربته بقوة، ونُقل إلى المستشفى، والشرطة تتجه الآن إلى هنا.»
هب السيد كانتي واقفًا، ليس هناك وقت لإضاعته! «هيا، لينهض الجميع! سنغادر في التو.»
انتصب إدوارد في جلسته مدهوشًا ومرتبكًا. ما كل هذه الجلبة؟ واستغرق منه الأمر بضع دقائق ليتذكر المكان الذي هو فيه، وأنه لم يعد في القصر. وعاوده الشعور بالإحباط من جديد.
وقبل أن يدرك إدوارد الأمر، كان يركض نزولًا على السلالم مع آل كانتي. كانت الشوارع مزدحمة ومفعمة بالإثارة، إذ كان هناك مهرجان مقام بالشارع. وكانت هناك ألعاب وموسيقيون وألعاب نارية على طول ضفة النهر. والسفينة الملكية تشق طريقها في الماء! كان الأمر كما وصفه توم للأمير بالضبط، لكن لسوء الحظ، لم يكن لدى إدوارد الوقت للاستمتاع بالأمر.
أمسك السيد كانتي بيد إدوارد لجذبه وسط الحشد، وتبعتهما السيدة كانتي ونان وبيت ومن ورائهم السيدة العجوز. وكان المحتشدون المتحمسون يرتطمون بهم ويدفعونهم. فقد السيد كانتي توازنه وكاد يقع على الأرض، واحتاج كلتا يديه ليستعيد توازنه. وبمجرد أن أفلت يد إدوارد حتى اندفع الأمير خلسة بين الحشد واختفى. وفي لحظات قليلة، كان قد تحرر من والده المزعوم وجرى على طول ضفة النهر.