عاش ملك إنجلترا!
بينما كانت السفينة الملكية تشق طريقها في نهر التايمز، جلس توم على عرش فاق ارتفاعه أي شيء آخر على السفينة. وتمتع توم من موضعه هذا بإطلالة رائعة على المهرجان المقام في الشارع. لم يسبق له أن رأى المهرجان من الماء من قبل وأدهشه مدى جماله.
ألقى توم نظرة على إليزابيث وجين، اللتين كانتا تتبادلان الحديث، ولم تلاحظا الأضواء على الشاطئ أو الناس وهم يغنون. أدرك توم أنهم رأوا بالتأكيد المهرجان مرات كثيرة من قبل. لم يكن ذلك ليثير انتباههما.
رست السفينة، وتلقى توم وإليزابيث وجين المساعدة للوصول إلى الشاطئ. وأثناء سيرهم وصولًا إلى قاعة كبيرة، تفرق الحشد لإفساح الطريق للثلاثي الملكي. ونُفخ في الأبواق أثناء مرورهم من الباب، وانحنى الجميع لهم. قادت مجموعة من الحرس توم والفتاتين إلى مقاعدهم على منصة. وما إن جلس الأطفال الثلاثة حتى جلس الآخرون جميعًا.
ساد الهدوء القاعة لبضع دقائق فقط، ثم بدأ الاحتفال، وشاهده توم من كرسيه على المنصة. كان المشهد خلابًا؛ بدأ الناس يرقصون والألوان تتراقص. ونسي توم لحظة كل ما يؤرقه من مشكلات؛ فنسي أنه محاصر في شخصية الأمير، وأنه ما من أحد يصدقه، وأنه سيُسجن بلا شك إذا اكتشف أحد الحقيقة. فشرد مغتبطًا وسط مظاهر الاحتفال وأصواته.
كم كان غريبًا أنه في الأثناء ذاتها التي كان توم يستمتع فيها بمباهج الاحتفال، كان الأمير الحقيقي لإنجلترا خارج القاعة يحاول مستميتًا أن يدخل إليها. بذل إدوارد أقصى ما لديه لإقناع الحراس أنه الأمير الحقيقي، لكنهم رفضوا الاستماع إليه، وبالطبع ضحك الحشد المحيط به. وتساءل إدوارد هل سيمكنه في أي وقت الاعتياد على مثل هذا النوع من الضحك، فقد سمعه مرات كثيرة في اليومين الماضيين، وكان موقنًا أنه لم يرُق له.
قال إدوارد: «عليكم أن تصدقوني، أنا أمير ويلز الحقيقي! ومن يجلس بالداخل ليس سوى مدعٍ.»
قالت سيدة وهي تحاول النظر إلى داخل القاعة: «ابتعد عن هنا، أيها الصبي!»
ثم قال رجل: «لا تدع أحدًا يزعجك. فسواء أكنت الأمير الحقيقي أم لا، ليس لديهم الحق في معاملتك بهذا الأسلوب.»
نظر إدوارد لأعلى ليرى رجلًا طويلًا ونحيفًا يقف بجانبه. كان حسن الملبس، وإن كانت ملابسه قد نالت منها يد الزمان. كان معطفه مغطى بالرُقع والأزرار غير المتطابقة. لكن بدت طيبة القلب على وجهه، وابتسم لإدوارد.
قال الرجل: «اسمي مايلز هيندون.» ومد يده ناحية إدوارد.
لم يصافحه الفتى، وإنما أومأ برأسه بدلًا من ذلك وهو يقول: «وأنا إدوارد».
رد مايلز: «نعم، بالطبع. يسعدني الالتقاء بك، أمير إدوارد.» انحنى مايلز أمام إدوارد وقال: «دعني أتحدث مع هذا الحارس من أجلك.»
عندما سمع الناس مايلز وهو يدافع عن الفتى، أخذوا يضحكون. «انظروا! ها هنا أمير آخر متخفٍ.»
وقال آخر: «ربما يجب علينا مساعدتهما.»
فرد عليه الأول: «نعم، أعتقد أنهما بحاجة إلى بعض المساعدة. إنهما بحاجة إلى بعض المساعدة لإلقائهما في البركة.»
ضحك الجميع، وشعر إدوارد فجأة بيد على ذراعه. كان يسحبه أحدهم إلى مكان أبعد داخل الحشد، فصرخ إدوارد وأشهر مايلز سيفه.
أفلت الرجل ذراع إدوارد، وابتعد عنه وعن مايلز.
قال مايلز: «دعه وشأنه. لا شأن لك به.»
بدا أن آخرين في الحشد لا يرغبون في الابتعاد، فقد تحركوا ناحية مايلز ولم يبد عليهم الخوف من سيفه.
وفجأة نُفخ في أحد الأبواق، وقال عازفه بينما ظهر رجل بالقرب من بوابات القاعة: «أفسحوا الطريق لرسول الملك». استدار الجميع لمشاهدة الرجل وهو يسير إلى داخل القاعة، وانتهز مايلز الفرصة ليمسك بإدوارد ويأخذه إلى مكان آمن. لكن ذلك للأسف كان يعني أنه سيفوتهما سماع الأخبار التي يحملها الرسول؛ تلك الأخبار التي كانت تهم الفتى كثيرًا.
توقف جميع الحاضرين داخل القاعة للاستماع بينما كان رسول الملك يقترب. كان توم سعيدًا للغاية بمجرد الجلوس ومشاهدة الراقصين. كان يومًا غريبًا، لكن توم كان مستمتعًا. وعندما استيقظ أخيرًا من حلم اليقظة الذي كان يعيش فيه، أدرك أن أنظار كل من كانوا في القاعة كانت موجهة إليه. كانوا جميعًا بانتظاره ليقول للرسول أن بإمكانه التحدث.
نُفخ في البوق مرة أخرى، وتنحنح الرسول، ثم قال: «تُوفي الملك!» ساد الصمت القاعة، وحدق الجميع — وعلى رأسهم توم — في صمت مطبق. وأعاد الرسول قوله: «تُوفي الملك!»
أحنى جميع من في القاعة رءوسهم وأخذوا يتلون صلاة في صمت، ثم التفتوا إلى توم، ورفعوا كئوسهم وأياديهم وهم يهتفون جميعًا: «عاش ملك إنجلترا!»
لم يكن لدى توم المسكين أي فكرة عما يجب عليه فعله. فأخذ يبحث بعينيه في القاعة عن وجه ودود — عن شخص يخبره بما يجب عليه فعله — لكن الجميع كانوا ينظرون إليه ليقوم بالخطوة التالية، وهم يهتفون لملك المستقبل.
مال توم على هيرتفورد وهمس في أذنه متسائلًا: «هل صحيح أنني سأُنصَّب ملكًا على البلاد قريبًا؟»
فأجاب هيرتفورد: «نعم، جلالتك. في غضون أسابيع قليلة، ستُنصَّب ملكًا على كل إنجلترا. وحتى ذلك الحين، سنراجع معًا جميع التفاصيل، وسأساعدك في تولي مهام منصبك الجديد بسهولة ويسر. وعندما يحين موعد تتويجك، ستكون على علم بكل ما يتعين عليك معرفته عن حياة الملك.»
جلس توم على مقعده بائسًا. ملك إنجلترا القادم! ماذا عساه أن يفعل؟