تقديم
وفي النهاية نجحت حكومة الأقلية البيضاء في وضع السود والملوَّنين — الذين يتطلعون نحو الحرية — تحت مظلة الاستعباد والسيطرة.
-
«الطائر الذهبي The Golden bird» (۱۹۰۸م).
-
«الطريق إلى يستربرج The Road the yesterberg» (۱۹٥۹م).
-
«صانع المطر The Rainmaker» (۱۹۷۱م).
-
وأخيرًا «طالب زند The Student of Zend» (۱۹۷۲م).
بالإضافة إلى كثير من الروايات السابقة واللاحقة التي نحاول أن نتعرض لأهمها وأكثرها تعبيرًا عن ذلك المناخ المتفرد والصاخب الذي تموج به جنوب أفريقيا، والذي لم يجد فيه المبدعون سوى الرواية وسيلة للتعبير عن قضاياهم؛ إذ إن الأشكال الأدبية الأخرى قد لا تسعفهم في التعبير عنها بطريقة مشبعة، والجدير بالذكر أن تلك الروايات في معظمها وإن لم تكن جميعها تتسم بالاحتجاج والرفض الكامل لمختلف أشكال القهر والعنصرية مع الحلم الكبير بوطن حر مستقل.
وهكذا نتعرف منذ البداية على مشاغلها والقضية التي تؤرقها وسط جو زاخر بالتفرقة بين الناس على أساس اللون.
وُلدت «بيسي هيد» في مدينة «بيترمارتيزبورج» عام ١٩٣٧م من أصل مختلط ثم انتقلت إلى كيب تاون، حيث عملت بالتدريس والصحافة، وتعيش الآن في بتسوانا وفرانسيس تاون مع ابنها.
ثم يحاول تفسير معنى الكلب الأسود فيقول: «إنه مجرد إحساس … إن أولئك البيض معتادون على سلوكنا الغريب وحين نرتجف من سياطهم ويصيبنا الفزع تنتابهم سعادة بالغة لأننا بالنسبة لهم لسنا سوى كلاب سوداء على هيئة بشر … إنهم يضحكون علينا وعندما نتحول إلى كلاب مجنونة يضحكون بصوت أعلى.»
لم تستطع صديقته المسيحية الطيبة أن تفهم شيئًا مما قاله فقد كانت واحدة من الذين عاشوا حياتهم داخل جلدهم الأسود في هدوء، فقالت لتخفيف حدة الكراهية لديه: «أنت لست كلبًا أسود ولا يجب أن يخدعوك بضحكاتهم … إنني لا أعرف أولئك الناس البيض، لكن إيماني علَّمني أن الحياة عبارة عن حريق كبير يولد فيه الناس أجمعين إلى أن يحين موعد إغلاق المحل.»
فتقول المؤلفة: «استدارت مارجريت وابتسمت؛ إذ لم يكن بمقدورها أن تشرح له عذاب تلك الأيام.»
ثم تستطرد: «لقد تعلمت مارجريت الرسم لأن شيئًا ما بداخلها كان أكثر قوة من قدرة جسدها على الاحتمال … لقد تعلمت الرسم من أجل أن تحتمل ومن أجل أن تكبح عواطفها طمعًا في حياة يمكن احتمالها.»
وعندما يتزوج الشاب «مارو» من «مارجريت» يعد ذلك انتصارًا عرقيًّا غير أن الناس في قرية «مارو» يعبرون عن رفضهم لذلك الزواج المختلط، ويتحدثون عن «مارو» وكأنه قد مات ثم تشرح العاهرة المريضة «ديليب» موقفهم وتقول: «إنها مجرد نزوة!»
بينما يرى أهل «مارجريت» وقبيلتها أن الباب قد انفتح بهدوء على حجرة صغيرة مظلمة خالية من الهواء كانوا يعيشون فيها منذ زمن بعيد، وأن رياح الحرية تدفقت داخل الحجرة، وتستطرد «هيد» حتى تقول: «لقد استيقظت إنسانيتهم.»
إن «بيسي هيد» التي ترفض كل ما يحدث في جنوب أفريقيا وتحلم بالتغيير عن طريق تبادل الحب بين الأجناس البشرية ترى في ذلك الزواج طريقة للعيش بين الناس في سلام بعيدًا عن لون بشرتهم.
أما في رواية «سبيل القوة» فإن «إليزابيث» لا تختلف كثيرًا عن «بيسي هيد» نفسها، فهي أيضًا تعمل بالتدريس وتشتغل بالسياسة، ونرى «إليزابيث» وقد غادرت جنوب أفريقيا في الرواية كما فعلت «هيد» في الواقع، كما أنها تعاني من حالة اغتراب شديد وإحساس بفقدان الجذور، وتعبر المؤلفة عن ذلك في بداية الرواية على لسان «سيلو»: «إنني مجرد أي شخص.»
إن رواية «سبيل القوة» تعد من أنضج أعمال «هيد» ففيها — رغم التشابه الذي أشرنا إليه — تتحرر من عبء السيرة الذاتية والسرد الوقائعي لحياتها وتستخدم الرمز وتنتقل إلى شخصيات أخرى تمثل مختلف القضايا الأخرى.
أما السبب الثاني فهو أسلوب نادين جورديمر في الكتابة … ذلك الأسلوب البالغ التعقيد والذي يفوت على القارئ قدرته على المتابعة، وبالتالي يفقده التعاطف المطلوب، وهذا الأسلوب وتلك التركيبات اللغوية بالغة الصعوبة هما السبب — على ما أعتقد — في إحجام المترجمين عن التصدي لترجمة أعمالها الكثيرة على العكس مما حدث مع أعمال كل الحاصلين على نفس الجائزة من قبلها.
يذكرنا السبب الأول بضرورة الإشارة إلى اثنين من أهم المبدعين السود في جنوب أفريقيا وأكثرهم تميُّزًا، ألا وهما «أليكس لاجوما» و«حزقيال مغاليلي».
وُلد «أليكس لاجوما» في مدينة كيب تاون عام ١٩٢٥م، وظل تحت الحراسة منذ عام ١٩٦٢م حتى غادر البلاد مع عائلته عام ١٩٦٦م، وكان ممنوعًا من الدخول بسبب أنشطته السياسية.
تتميز أعمال لاجوما القصصية والروائية بالغوص في أعماق الناس وإظهار معاناتهم، وتسيطر عليه فكرة الأرض واللون والحركات النضالية والرفض الكامل لسياسة التمييز العنصري، وتكمن قوة كتاباته في البناء المحكم البسيط والواقعية المتمثلة في الفعل والشخصيات.
ونرى «جو» الذي يعشق البحر ويتخذ لنفسه فلسفة بسيطة في الحياة وهو يمضي في نهاية الرواية نحو البحر، حيث يمكنه التحايل على العيش فيقول: «المشي وحيدًا في الظلام المضاء بالنجوم.»
ثم يضيف «أليكس لاجوما» بأسلوبه الأخَّاذ: «في الصباح يصبح مشبعًا برائحة المحيط وينحني قريبًا من السطح الأخضر ليرى سعف النخيل وأعشاب البحر، ومن خلال الصخور يتفحص غموض الحياة في كائنات البحر المختلفة الرائعة، ويستمع إلى الموج القاسي وهو يصطدم بتلك الصخور.»
كتب «لاجوما» أهم الروايات التي تحتل مكانًا بارزًا في كيب تاون مثل رواية:
-
«الحبل الثلاثي And The Three Fold Cord» (١٩٦٤م).
-
« الوطن الحجري the Stone Country» (١٩٦٧م).
-
«عندما ينقشع الضباب In The Fog of The Season’s End» (۱۹۷۳م).
-
«زمن البوتشربيرد Time of The Butcherbird» (۱۹۷۹م).
وأهم ما يلفت الانتباه في تلك الروايات هو ميلودراما الجريمة والعنف والاختطاف، وموت الأطفال في الحرائق، والاعتقالات والمنشورات السياسية. وتبدو كل شخوص «لاجوما» ضد النظام وتحتل التفرقة بين الأبيض والأسود مكانًا بارزًا في إبداعاته كما في رواية «الوطن الحجري» على سبيل المثال، حيث تصل التفرقة إلى داخل السجن أيضًا فلا المعاملة هي نفس المعاملة ولا الطعام هو نفس الطعام.
لا يفوت «لاجوما» تفسير السبب وراء القبض على السود والزج بهم داخل السجون إذا لم يكونوا من السياسيين فيقول: «إنهم يدخلون السجن نتيجة ليأس شديد من لونهم الأسود مما يجعلهم يرتكبون الجرائم.»
في رواية «عندما ينقشع الضباب» التي كتبها في المنفى يسود الضباب في نهاية الرواية وينتهي التمرد بموت إلياس حتى يخيل للقارئ أن «لاجوما» يمثل رؤية تشاؤمية نظرًا لنهاياته المنهزمة لكنه في الحقيقة متفائل بالغد لأنه يرى في عذابات إلياس الحرية في استمرار الآخرين، وهذه الاستمرارية هي ما تشغله أكثر من عذابات إلياس.
إن الحوار عند «أليكس لاجوما» مختصر ويوحي بالدلالة ودائمًا ما نجد أبطاله المنشغلين بالأنشطة السياسية يعرفون ما يفعلونه وما يفكرون به كما في رواية «الوطن الحجري»، حيث لا يشعر جورج آدمز بأي أسف لاعتقاله بسبب تهمة سياسية، ويعبر المؤلف عن ذلك بقوله: «لقد فعل الصواب من وجهة نظره وكان يعرف النتائج.»
قبل العودة إلى «نادين جورديمر» يتحتم علينا عند ذكر الإبداع والرواية في جنوب أفريقيا أن نشير إلى عميد الأدب الأفريقي كما يلقبونه هناك، والذي عانى مثل «أليكس لاجوما» من قسوة المنفى، ولقد عبر عن ذلك بقوله: «أريد أن أبقى على اتصال ببيئتي، فالكتابة خارج البلاد بلا معنًى، خاصة وأن القدرة على استرجاع الأحداث تصبح متعذرة بعض الشيء.»
إنه «حزقيال مغاليلي» المولود عام ١٩١٩م في بريتوريا، والذي غادر جنوب أفريقيا مع أسرته قاصدًا نيجيريا.
-
الأيام الكاذبة (١٩٥٣م).
-
صاحب الحيازة (١٩٥٨م).
-
عالم الغرباء (١٩٥٨م).
-
مناسبة للحب (١٩٦٣م).
-
العالم البرجوازي الزائل (١٩٦٦م).
-
ضيف شرف (۱۹۷۰م).
-
ابنة برجر (۱۹۷۹م).
-
شعب جولاي (۱۹۸۱م).
-
قصة ابني (۱۹۹۰م).
-
وجهًا لوجه (١٩٤٩م).
-
فحيح الأفعى الناعم (١٩٥٢م).
-
ست أقدام من البلاد (١٩٥٦م).
-
آثار أقدام نهار الجمعة (١٩٦٠م).
-
غير صالح للنشر (١٩٦٥م).
-
شيء ما هناك (١٩٨٥م).
-
نزوة الطبيعة (۱۹۸۷م).
وقد تُرجمت أعمالها إلى عدة لغات، وكانت الحكومة العنصرية في جنوب أفريقيا — قبل حصولها على الجائزة — تمنع تداول أعمالها بسبب وجهات نظرها الجريئة ومقاومتها لسياسة التمييز العنصري.
وإذن فنحن أمام كاتبة غزيرة الإنتاج يستولي على إنتاجها موضوع أثير لديها، وهو الوقوف بشدة ضد سياسة الأبارتايد والاشتغال بالسياسة والمطالبة بالمساواة والحرية وإدانة المجتمع الأبيض، كما في هذه الرواية التي تعرِّي فيها ذلك المجتمع، فتقول على لسان جراهام: «إنهم يدعوننا بالعالم البرجوازي الزائل.» والجدير بالذكر أن الحكومة البيضاء قد صادرت هذه الرواية بحجة أن الشخصيات الرئيسية من البيض والسود غارقون في علاقات جنسية، غير أن السبب الحقيقي هو إدانة المجتمع الأبيض … ذلك المجتمع القاسي الذي ينقصه الشعور والقدرة على التواصل، ليس فقط بين الأبيض والأسود وإنما أيضًا بين الأبيض والأبيض.
إن نادين جورديمر تريد أن تقول ببساطة في هذه الرواية إن البيض في جنوب أفريقيا قوم مجردون من الصفات الإنسانية، حتى إنهم يخافون من العيش كسائر البشر ويخشون التعامل بصدق مع أحاسيسهم لأنهم موافقون ضمنًا على العيش في ظل قوانين غير إنسانية.
إن المصادرة والنفي والاعتقال والتفرقة العنصرية هي الملامح الرئيسية في أدب جنوب أفريقيا، حتى إن الكتابة لدى مبدعيها تشكل ضرورة ملحة في مواجهة ذلك المناخ السياسي المعادي للإبداع، ولا شك أن نادين جورديمر واحدة من أولئك الكتَّاب الذين رأوا في الكتابة تلك الضرورة.
قال «وول سوينكا»: «لو أنه لا يوجد سوى شكل أدبي واحد وطريقة تواصل لغوية واحدة لأصابنا الفناء بفعل الضجر والملل.»
ولعل هذه المقولة تفسر تلك الضرورة وذلك التفرد الإبداعي الذي تتميز به القارة الأفريقية السوداء عمومًا، وجنوب أفريقيا على وجه التحديد.