الغرفة

تأليف: وليم تريفور١

سأل: «هل تعرفين لماذا تفعلين هذا؟» ترددت كاترين، ثم هزَّت رأسها، مع أنها كانت تعرف.

شَفَت تسعُ سنوات البلوى تقريبًا، يسَّر كل يوم مرَّ الأمر قليلًا، حتى أخذ بلسم العمل منها، وفي كسلها وإهمالها توقف الشفاء. كانت هنا لهذا السبب، لا يمكن أن تفكر في سبب آخر، لكنها لم تَفُهْ به.

«وأنت؟» سألتْ بدلًا من ذلك.

كان ذات يوم في متناول اليد. قال إنها جذبته حين جلب الوحدة على نفسه بالشجار المتكرر مع زوجته التي أنجبت أطفاله وقدمت الرعاية له.

قال: «آسف بشأن الغرفة.»

كانت أشياؤه ملفوفة، كُتب وكراتين وحقائب مفتوحة، لم تُفَكَّ محتوياتها بعد. مُشغِّل وُرْد لم يُوصَّل، كابلاته مُلقاة على الأرض؛ ملابس على حمَّالات مكوَّمة خلف الباب؛ دراسة تشريحية لفيل تُزين أحد الجدران، مع أسهم تُشير إلى مواضع أعضاء معينة تحت البشَرة الجلدية. لم تكن هذه الصورة الرمادية صورته، قال حين سألتْ كاترين؛ كانت في الغرفة التي عثر عليها في عجالة. كان هناك حوض في الزاوية نفسها بمثابة بانيو، وغلَّاية كهربية وحلقة غاز على رف، ستارة خضراء من البلاستيك غير مسدلة.

قال وبدا كأنه يعني الغرفة: «إنها الآن أكثر خصوصية إلى حد ما عمَّا كانت عليه حين كنتِ هنا.»

حين نهضت كاترين لترتدي ملابسها كانت تستطيع القول إنه لا يرغب في أن تغادر. لكن كان عليه هو، لا هي، أن يغادر؛ تستطيع البقاء بعد الظهيرة بطولها. لاحظتْ، وهي تُزر كُمَّ ثوبها، أنها على الأقل عرفت الآن الإحساس بالخداع.

قالت: «كيف كان وقع ذلك على فيير.»

سحبت حافة الستارة إلى الخلف قليلًا ليسقط الضوء بشكل مباشر أكثر على المرآة الوحيدة في الغرفة. سرَّحتْ شعرها، ما زال أسمر، لم يظهر فيه شعر رمادي بعد. لم يشِب شعر أمها على الإطلاق، ولم يشِب شعر جدتها إلا وهي طاعنة في العمر، وهو شيء لا تتمناه كاترين لنفسها؛ كانت في السابعة والأربعين. حدَّقت عيناها في انعكاس صورتها في المرآة، أحمر شفاهها مُلطخ، ثمة فراغ في ملامحها لا يتناسب مع الحاجة إلى إصلاح مكياجها. يضمحل جمالها، لكن ببطء، ولا يزال هناك بعض الجمال.

سأل: «هل كنتِ حريصة على ذلك؟» اكتمل لباسه. «الخداع؟»

«نعم، كنتُ حريصة.»

«وهل تكونين حريصة مرة أخرى؟»

لا تزال كاترين تُعدِّل اضطراب وجهها، لم تستطع الرد على الفور. ثم قالت: «إذا أردْتَ».

في الخارج كان جو بعد الظهيرة دافئًا، وبدا الشارع حيث الغرفة — فوق محل مراهنات — أكثر إشراقًا ولطْفًا عمَّا لاحظته كاترين وهي تقطعه سيرًا من قبل. كان هناك هدوء بعد الظهيرة رغم المحلات والسيارات. كانت الطاولات خاوية خارج «الأمير والكلب»، سلال الباذنجان مُعلَّقة على جانبي صورته الفخمة، ويوغسلافي بقدم مرفوعة. وكان هناك مقهى كوستا بجوار بريت مانجر وكاترين تعبر إليه.٢ «قهوة بالحليب»، أمرت الفتيات اللائي يُشَغِّلْنَ ماكينات الجاجيا والتقطن الفطيرة من صندوق زجاجي على الطاولة وهي تنتظرها.٣

لم تعرف الرجل الذي نامت معه. رقص معها في حفلة ذهبت إليها بمفردها، ثم رقص معها مرة أخرى، وضمَّها أكثر، سألها عن اسمها وعرَّفها باسمه. لم يكن فيير يصطحبها إلى الحفلات في تلك الأيام، ولم تكن تذهب غالبًا. لكنها كانت تعرف ما عزمتْ عليه، الذهاب إلى تلك الحفلة.

كانت الطاولات القليلة مشغولة كلها. وجدتْ مقعدًا على البار الذي يمتد بطول أحد الجدران. «محظور على المراهقين!» اعترض عنوان بارز في صحيفة مسائية مع شخص آخر، بنبرة انتقام، ولبضع لحظات تساءلت لماذا هذا كله، ولم تبالِ بعد ذلك.

كان فيير هادئًا على مكتبه في قميصه من دون جاكت، القميص الأزرق المُخطَّط الذي كواه أول من أمس، شعره مُجعَّد يُشبه الزنجبيل كما كان ذلك الصباح الذي غادرت المنزل فيه، ترحب ابتسامته المقبولة بكل من يقترب منه. رغم ما حدث منذ تسع سنوات، لم يصبح فيير زائدًا عن الحاجة، هذا التعبير المهذب يفيد أنه مطرود. كان الإبقاء عليه تقديرًا لنجاحه في الماضي، ولم يكن من المناسب، بالطبع، تدمير رجل ساءت به الحال. «ينبغي أن نرحل»، قالت وتذكرت أن تقول الآن، لكنه لا يرغب، لأن الرحيل لم يكن شيئًا لم يُفعَلْ، رغم ذلك. ربما كان سيدعوه رحيلًا؛ في الحقيقة دعاه.

حكى لها، في هذه الأمسية، عن يومه، وحكتْ له عن يومها، وكان عليها أن تكذب. واستمعا وهي تجلب مختلف الأطباق إلى مائدة الطعام، وكان يصب نبيذًا لها. لم يصب نبيذًا لنفسه لأنه لم يعدْ يشرب إلا إذا ضغط أحد عليه، وفي هذه الحالة فقط حتى لا يبدو فظًّا. «تحطم زواجي»، أفضى الرجل الذي مارس الحب معها في سَكَنِهِ المؤقت بدخيلة نفسه حين رقصا معًا مثل غريبين. سألها: «وزواجك؟» ترددت وقالت: لا، لم يتحطم. لم يدرْ حديث حول ذلك أبدًا. وحين رقصا في المرة الثانية، بعد أن شربا معًا، سألها بعد قليل إن كان لديها أطفال، وقالت ليس لديها أطفال. هذا ما لم تعرفه قبل الزواج وأصبح جزءًا منه، كما هو حال وظيفتها في معهد شرترهاوس، التي استمرت حتى قبل ستة أسابيع، حين قرر المعهد غلق أبوابه.

«الكسل مزعج»، قالت وهما يرقصان، وسألت عشيقها المستقبلي إن كان قد سمع عن شارون ريتشي. كثيرًا ما اعتقد الناس أنهم لم يسمعوا عنه ثم يتذكرون بعد ذلك. هزَّ رأسه والاسم لا يزال غريبًا عليه حين أخبرته بالسبب الذي ربما جعله يسمع عنه. «قُتِلت شارون ريتشي»، قالتْ، وما كانت لتقول لو لم تشرب. «كان زوجي متهمًا.»

نفخت على سطح قهوتها، وكانت لا تزال شديدة السخونة. سكبت السُّكَّر من ورقته على ملعقتها، وشاهدت السُّكَّر يقتم والقهوة تتشربه. أحبت مذاقه، مثلما أحبت مذاق كل شيء عصر ذلك اليوم. «أوه، خُنِقتْ»، قالتْ حين سُئلتْ كيف ماتت مَنْ كانت تُدعى شارون ريتشي. «خُنِقتْ بوسادة.» كانت حياة شارون ريتشي حقيرة، كانت تعيش ببذخ في مكان رائع، يزورها كثير من الرجال.

جلست كاترين وقتًا طويلًا تُحدِّق في فتات فطيرتها، وقهوتها المشروبة. «نتعايش مع الظروف»، قالتْ حين غادرا الحفلة معًا، ليعود إلى زوجته التي لم يعد يواصل معها، وتعود إلى زوجها الذي انتهى خداعه لها بموت. مفتونة بذلك، منذ ساعة في الغرفة التي كانت سَكَنَهُ المؤقت، أراد عشيق بعد الظهيرة معرفة كل شيء.

في النفق، واصلت مشاهدة الغرفة: صورة الفيل، الحقائب، الكابلات المُلقاة، الملابس خلف الباب. صوتاهما اللذان تردد صداهما، فضوله، مراوغاتها، ثم إضافة بضع كلمات لأنها، رغم كل شيء، كانت تدين له بشيء ما. دفع لها بشيك ذات يوم، أوه، منذ فترة طويلة. هكذا ورطوه في الأمور. وحين تحدثوا إلى العجوز التي في الشقة عبر منبسط درج شقة شارون ريتشي تعرَّفت عليه من صورة عرضوها عليها. «أوه، نعم، نتعايش معها.»

لم تُشغِّلْ تذكرتُها بابَ الخروج وهي تحاول مغادرة محطة الأنفاق، وتذكرتْ أنها خمنتْ كم قيمة الأجرة، ولا بُدَّ أن هناك خطأً. كان الهندي الذي هناك للتعامل مع مثل هذه الأخطاء أقرب إلى الحدة. حاولتْ توضيح أن رحلتها كانت مختلفة من قبل؛ اختلطت عليها الأمور. «حسنًا، هذه أمور تحدث»، قال الهندي، وأدركتْ أن حدته غير مقصودة. حين ابتسمتْ لم يلاحظ. اعتقدت أنها طريقته أيضًا.

اشترت صدري دجاجة طبيعية عضوية؛ وقَرْعًا صيفيًّا وفاكهة. لم تعدْ قائمة كما اعتادتْ، وتساءلتْ إن كان ذلك يتلاءم مع عصر ذلك اليوم، واعتقدت أنه قد يتلاءم. حاولتْ أن تتذكر أي حبوب للفطور يجب استكمالها ولم تستطِعْ. ثم تتذكر زُبْد نورماندي والطماطم. كانت الساعة قبل الخامسة تمامًا حين دخلت الشقة. كان التليفون يرن، وقال فيير إنه متأخر بعض الشيء، ليس كثيرًا، ربما عشرين دقيقة. جرت إلى الحمام.

خبطت أطراف أصابعها الذراع القريبة منه. قال إنه يعتقد أنه يحبها. هزت كاترين رأسها.

قال: «أخبريني.»

«أخبرك، مع ذلك.»

لم يلح. مكثا في صمت بعض الوقت.

ثم قالتْ كاترين، «أحبه أكثر، الآن أشعر بأسف شديد عليه، أيضًا. أشفق عليَّ حين عرف أنني محرومة من الأطفال الذين كنا نرغب فيهم. يصنع الحب قدرًا كبيرًا من الشفقة، ألا تعتقد ذلك؟»

«بلى. أعتقد.»

حدَّثتْه أكثر، وأدركت أنها ترغب في ذلك، وهو ما لم تعرفه من قبل. حين أتى الشرطيان في الصباح الباكر، لم تكن قد لبست ملابسها. كان فيير يُعِدُّ القهوة. «فيير ألكسندر وربرتون»، قال أحدهما. سمعته من غرفة النوم، وماء الحمام الذي أخذته لا يزال يتساقط. اعتقدت أنهما أتيا ليكتبا تقريرًا عن حالة وفاة، كما يفعل رجال الشرطة أحيانًا: أمها أو خالة فيير، قريبته. حين نزلت الدرَج، كانوا يتحدثون عن موت شخص لا تعرف اسمه. «من؟» سألتْ، وقال الشرطي الأطول: «شارون ريتشي»، ولم يقل فيير شيئًا. «شرح زوجك»، قال الرجل الآخر، «لم تعرفي مس ريتشي.» في ليلة الخميس، الثامن، منذ أسبوعين، قالا. في أي وقت — يمكن أن تتذكر — جاء زوجها؟

تلعثمت، تاهت وسط هذا كله. «لكن مَنْ هذا؟ لماذا أنتما هنا؟» وقال الشرطي الأطول إن هناك بضعة أهداف غير محددة. «اجلسي يا مدام»، تدخل زميله، وسُئلتْ مرة أخرى في أي وقت عاد زوجها. تأخَّر أسوأ من المعتاد في مترو الأنفاق، قال في تلك الليلة، الخميس قبل الماضي. انتظر وانصرف كما فعل الآخرون جميعًا. ولم يكن العثور على تاكسي سهلًا بسبب الأمطار. «هل تتذكرين يا مدام؟» ألحَّ الشرطي الأطول، وجعلها شيء ما تقول إن فيير عاد في الوقت المعتاد. لم تستطِع التفكير؛ لم تستطِع لأنها تحاول أن تتذكر إذا كان فيير ذكر شارون ريتشي في وقت ما. «زار زوجك مس ريتشي»، قال الشرطي نفسه، ورن بيجر الرجل الآخر فأخذه إلى النافذة، وأدار لهم ظهره. «لا، نتحدث إليه الآن»، غمغم فيه، محافظًا على انخفاض صوته، لكنها استطاعت أن تسمع. «أوضح زوجك أن ذلك كان اليوم الذي قبله»، قال زميله. «وقبل ذلك — في وقت الغداء — كانت آخر زيارة قام بها إلى مس ريتشي.»

مُتذكِّرة، أرادت كاترين أن تبقى هنا، في الغرفة. أرادت أن تنام، لتعرف الرجل الذي لم تعرفه جيدًا بجوارها، لتجعله ينتظرها حين تستيقظ. بسبب موجة الحرارة التي بدأت منذ أسبوع، شغَّل مكيف الهواء، من طراز قديم في النافذة.

قال: «ينبغي أن أنصرف».

«لن أمكث طويلًا بالطبع.»

تحتهما، سِبَاق آخر للجياد وصل إلى مرحلته المثيرة، وتعليق الراديو يصل إليها شاحبًا وهما يرتديان ملابسهما. نزلا معًا سلالم ضيقة غير مفروشة، بعد الباب المفتوح لمحل المراهنات.

سأل: «هل تأتين مرة أخرى؟»

«نعم.»

واتفقا على اللقاء عصرًا بعد عشرة أيام، لأنه لا يستطيع الخروج من المكتب الذي يعمل فيه.

قالت قبل أن يفترقا: «لا تتركني أتحدث عن ذلك، لا تسألْ، لا تتركني أتحدث.»

«إذا كنتِ لا ترغبين.»

«هذا كل ما كان. وهو مُمل بالنسبة لك، أو سيكون مُملًّا عن قريب.»

بدأ يقول إنه لم يكن، كانت تلك هي المشكلة. عرفتْ أنه بدأ يقول ذلك لأنها تستطيع رؤيته على وجهه قبل أن يُغيِّر رأيه. وكان بالطبع على حق؛ لم يكن أحمق. لا يمكن قمع الفضول بسهولة.

لم يتعانقا قبل أن يسرع مبتعدًا، لأنهما فعلا كل ذلك. حين رأته يمضي، بدا كأنها عادة بالفعل، وتساءلت وهي تعبر الشارع إلى كافيه كوستا إن كانت أوقات بعد الظهيرة هنا ستشهد، بالتكرار، بعض الاختلاف في النظام وأنماط العمل الذي افتقدته كثيرًا.

«أوه، لا شيء إطلاقًا»، قالت حين سُئلت إن كانت هناك فُرص لشيء آخر. وتساءلت آنذاك إذا كانت ستقوم مرة أخرى برحلاتها الصباحية عبر لندن، بمهارة في محطات الأنفاق المزدحمة، مكبوسة في القطارات المزدحمة أيضًا، وضعها المهم، والزملاء الكرام الذين عوَّضوها عن الكآبة وأبعدوا عنها أشباحها. لم تعرف حتى قال فيير، ليس منذ زمن طويل، بدا ذلك الروتين، بالنسبة له، غالبًا مثل ترياق للعته.

ما كان ينبغي أن تتحدث كثيرًا في عصر ذلك اليوم، قالت كاترين لنفسها، وهي تجلس في الموضع الذي كانت تجلس فيه من قبل. لم تخبر أبدًا أي شخص آخر بأي شيء على الإطلاق، ولم تتحدث عمَّا حدث لمن تعرفهم. إنني قلقة، اعتقدتْ، وفي الخارج هطل المطر فجأة، مع رعد بعيد، منهيًا الحرارة المرتفعة.

حين انتهت كاترين من تناول قهوتها، لم تغادر الكافية، لم يكن معها مظلَّة. كانت الأمطار تهطل في لندن في تلك الليلة أيضًا. هطل عليها المطر لأن العجوز في الشقة عبر بسطة السلم نظرت إلى الخارج حين هطلت الأمطار، وأخبار السادسة تبدأ في الراديو أيضًا. تذكرت المرأةُ ذلك قبل أن تعبر النافذة الواسعة المفتوحة شبه طائرة إلى السلم العمومي على الفور لتغلقها، لكن السجادة كانت مشبَّعة بالمياه مرة أخرى. وهي تفعل ذلك سمعت باب ردهة الدور السفلي تُفتح ووقع خطوات تبدأ على السلم. حين وصلتْ إلى بابها، وصل الرجل إلى بسطة السلم. «لا، لم أعتقدْ أبدًا أن هناك شيئًا بهذا الشؤم»، قالت فيما بعد، صراحة. لا شيء بهذا الشؤم بشأن الفتاة التي شغلت الشقة التي في الناحية الأخرى من بسطة السلم، بشأن الرجال الذين اعتادوا زيارتها. قالتْ: «لم أُحدِّق». التفتتْ وهي تصل إلى باب شقتها وألقتْ نظرة على الرجل الذي جاء في تلك الليلة. رأتْه من قبل، طريقة وقوفه في انتظار أن تسمح الفتاة له بالدخول، ملابسه، شعره، حتى وقْع أقدامه على السلم: لا شك في ذلك إطلاقًا.

امتلأ الكافيه، ازدحم المدخل بأناس احتموا به، واصطف آخرون عند الطاولة. سمعت كاترين استدعاءً متقطعًا من تليفونها المحمول، وهو صوت تكرهه، مع أنها اختارته في الأصل بنفسها. صوت كأنه صوت طفل يقول شيئًا لا تفهمه، ثم تكرر، ثم انقطع الخط. كانت أصواتٌ كثيرة تُشبه صوت الطفل في تلك الأيام، على ما اعتقدتْ، وأعادت التليفون إلى حقيبة يدها. قال فيير: «موضة، صوت التليفون الذي يُشبه صوت الرضيع، غريب على ما يبدو.»

«لا شيء مرة أخرى؟» كان فيير يستفسر دائمًا حين يدخل. اهتمَّ بما فُرِضَ عليها بشكل عشوائي غير متوقع، وأعاد مرة أو اثنتين الحديث عن الوظائف الشاغرة. وحتى في أشد حالات جزعه، ولطفه، اعتاد التفكير في الأمر. كان أمرًا سيئًا وسيكون كذلك دائمًا بالنسبة لفيير، ذلك الشروع في التفكير.

رنَّ تليفونها المحمول مرة أخرى، وقال صوته إنه في ساعة الغداء اشترى هليون٤ لأنه لاحظه في الكشك، وكان يبدو جيدًا ولم يكن غاليًا. ذكرا الهليون أمس، وأدركا أنه موسمه؛ كانت ستشتري بعضًا منه لو لم يتصل. «في طريق الخروج من السينما»، قالتْ، قالت بالفعل إنها رأت للتو «الطريق»٥ مرة أخرى. حاول الاتصال بها قبل ذلك بساعة، لكن تليفونها كان مغلقًا. قال: «حسنًا، نعم، بالطبع.»

كان عُمْرُ العلاقة الغرامية التي حدثت ستة شهور لأن شيئًا آخر كان خطأً، قال ذلك الرجل الذي قابلته في الأمسيات، وكان يعرف أكثر مما تعرف كاترين عن العلاقات الغرامية. وكأنه كان يدرك دائمًا أنه بعد مرور أكثر من ستة شهور بقليل سيعود إلى زوجته. ومنذ ذلك الوقت، أبقى على الغرفة حتى يستقر الالتئام من جديد — وربما إذا لم يحدث ذلك — لكن أشياءه لم تعد هناك. بالنسبة لكاترين بدت الغرفة أكبر، لكنها أكثر قذارة بدون أشيائه.

«لماذا تحبين زوجك يا كاترين؟ بعد هذا كله — المأزق الذي وضعك فيه؟»

«لا أحد يستطيع الرد على هذا السؤال.»

«أنت وهو، يختبئ كل منكما من الآخر.»

«نعم.»

«وهل أنت خائفة يا كاترين؟»

«نعم. إننا خائفان. نحلم بها، نراها ميتة. ونعرف في الصباح إن كان الآخر حلم. نعرف ولا نقول.»

«لا ينبغي أن تخافي.»

لم يتجادلا أبدًا في الغرفة، ولا حتى باعتدال، لكنهما اختلفا ولم يتتبَّعا خلافاتهما. أو فشلا في الفهم وتركا ذلك أيضًا. لم تسأل كاترين عن إمكانية التئام الزواج مع بقاء هذه الغرفة لهما لغرض من الأغراض. لم يدفعها عشيقها العابر للكشف عمَّا لا تزال تحتفظ به.

قال: «لا أستطيع تخيله»، لكن كاترين لم تحاول وصْف زوجها، علَّقت فقط بأن اسمه الأول يناسبه. قالت إنه اسم عائلة.

«تعرفين أنك رائعة بمعنى الكلمة، لا زلْتِ تحبينه بكل هذا العمق.»

«وأنا هنا مع ذلك.»

«ربما قصدتُ ذلك.»

«لا يعرف الناس غالبًا سبب ما يقومون به.»

«أحسدك على جديتك. هذا ما يجعلني أحبك.»

ذات مرة كان عليه أن ينصرف وبقيتْ. كان متعجلًا في ذلك اليوم، ولم تكن جاهزة تمامًا. قال: «أغلقي الباب فقط.»

استمعتْ إلى خطواته تدب على الدرَج وتذكَّرت العجوز التي تقول إنها تعرَّفت على خطوات فيير. كان على محامي فيير أن يسأل في المحكمة إن كانت متأكدة من ذلك، وتساءل كيف يمكن لها، حيث إنها لكي تسمعها في مناسبات سابقة ينبغي أن تكون على بسطة السلم في كل مرة، وهو أمر بعيد الاحتمال بالتأكيد. كان عليه أن يوحي بأنها على ما يبدو تقضي على البسطة المشتركة وقتًا أكثر مما تقضيه في شقتها. وتساءل إن كان لغريب عابر أن يترك وراءه انطباعًا جليًّا بملامحه، حيث كل من واجهه هناك لم يواجهه لأكثر من برهة.

وحدها في الغرفة، لا تريد مغادرتها بعد، عادت كاترين إلى السرير الذي تركته منذ دقائق فقط. شدت الغطاء عليها رغم عدم برودة الجو. لم تُسحَبْ ستائر النافذة وسرَّها ذلك. قال فيير بعد أن انصرف الشرطيان: «لم أعد أهتم بتلك الفتاة، لكنني كنتُ مغرمًا بها بشكل مختلف. عليَّ أن أقول ذلك يا كاترين، آسف.» أحضر إليها قهوتها وتركها تجلس حيث كانت. قال إن بعض الرجال على هذه الشاكلة. «تحدثنا فقط. أخبرتني ببعض الأمور.» قال إن فتاة مثلها انتهزت الفرصة كلما ردتْ على جرس الباب؛ وحين بكى عرفت كاترين أن البكاء كان على البنت لا على نفسه. قالت: «أوه، نعم، أفهم. أفهم بالطبع.» فهمتْ أنها علاقة رخيصة مع عاهرة من طراز رفيع، كما فهم حين أخبرتْه بأنها لا تستطيع أن تنجب، حين قال لا يهم، رغم معرفتها بأهمية المسألة. «خاطرتُ بالعزيز»، هَمَسَ زوجها وهو يشعر بالعار، واعترف بأن خداعه لها كان مثيرًا أيضًا. وأدركتْ كاترين أن الخطر لَحِقَ بها؛ كان الخطر جزءًا من المسألة، سِرِّية التكتم، التسلل. وتبين أن الخطر حقيقي.

عاد الشرطيان بعد ذلك، سألا: «هل أنت متأكدة من التفاصيل يا مدام؟» وفيما بعد، سألاها من جديد مرات لا تُحصَى، يكرران التاريخ ويستمعان إليها تكرر أن العاشرة إلا سبع دقائق كان الوقت المعتاد. لم يرغب فيير في أن يعرف — ولا يزال — لماذا ردتْ بما ردتْ به، لماذا واصلت التأكيد على أنه عاد قبل موعده بتسعين دقيقة. لم تستطع إخبار أحد عن السبب، لكنها شعرتْ بما يشبه الغريزة، وعرفتْ فيير كما عرفتْ نفسها، وكان من المستحيل أن تتخيل أن يقضي على فتاة مهما كانت علاقته بها. كان هناك، بالطبع — كانت ستقول إذا سُئلتْ — ألم تلك العلاقة، العلاقة بينه وبين الفتاة، حتى لو كانت لمجرد الحديث. «تشاجرتما يا سيدي؟» استفسر الشرطي الطويل. هل يمكن أن ترى إن كانت هناك مشاجرة، ألحَّ، لا سبيل لأن تقول إنه لم يكن هناك خلاف خرج عن السيطرة. لكن فيير لم يكن من النوع الذي يتشاجر. هزَّ رأسه. في ردوده كلها لم يُفَنِّد إلا مسئوليته عن الموت. لم ينكر تردده على شقتها. قدَّم تفاصيل زياراته كما تذكَّرها. وافق على أن بصماته كانت هناك، لكنها ليست دليلًا على شيء. «هل أنت متأكدة يا مدام؟» سألا مرة أخرى، واشتدت غريزتها، تماسَّتْ مع الفهم، حتى لو كان ما يتضمنانه سخيفًا. نعم، كانت متأكدة. قالا ما عندهما وقبضا عليه.

نامت كاترين واستيقظت وهي لا تعرف أين كانت. وبعد مرور بضع دقائق فقط، أقل من عشر، استحمت في رُكْنٍ من الحوض وارتدت ملابسها. حين أُخِذ منها، في الحجز، حتى صدور حُكم المحكمة، اقترحوا في المعهد أنهم يمكن أن يُسيِّروا الأمور من دونها لبعض الوقت. أصرَّتْ: «لا، لا. سآتي.» وفي الفجوة التي تلت ذلك — طويلة وصامتة — لم تعرف أن الشك بدأ ينتشر في الذاكرة الهشَّة للعجوز، التي ستُستدعى في الوقت المناسب لمراجعة أقوالها بعد حلف اليمين. لم تعرف أن تحت ثقل الأهمية لم تعد العجوز متأكدة أن الرجل الذي رأته في الأمسية الممطرة — وكانت غائمة بالفعل — رأته من قبل. بالتدريب والتشجيع كان يمكن أن تستعيد ثقتها، اعتقدت ذلك من كانت شهادتها أساسية بالنسبة لهم: استندت حجة الادعاء على التعرف، وعلى أمر آخر ضئيل. لكن التأخير الطويل تسبَّب في عدة خسائر، انزعجت الشاهدة من الاستعداد، ولم تُخفِ في المحكمة مخاوفها. والجلسة الصباحية الأولى من المحاكمة على وشك الانتهاء، هدَّأ القاضي غضبه ليعلن أنه لا يرى أن هناك دعوى يُرَدُّ عليها. بعد الظهيرة، رُفِض طلب هيئة المحلفين.

أزاحت كاترين الستائر، وعدَّلت مكياجها ورتبت السرير. كان اللوم في مكان ما — في خطأ الذاكرة، في عدم اكتراث رجال الشرطة، في الدليل الواهي الذي قدَّمه الادعاء — مع أن فحواه لم يكن مصدر رضا. جلبت الصدفة والظروف كابوسًا، وتركته لقاضٍ استنكر تقديم دعوى هشة، في رفضها، كانت تعليقاته صارمة، ولم يكن ذلك كافيًا ولا شفافيته التامة: تُرِك الكثير خلفها. لم يتهم رجل آخر أبدًا، رغم وجود رجل آخر بالطبع.

أغلقت الباب خلفها بعنف، كما قيل لها. لم يودع أحدهما الآخر، لكن وهي تنزل السلم، سمعت مرة أخرى ثرثرة مكتومة لمُعلِّق الحلبة، وعرفت أنها آخر مرة. انتهى أمر الغرفة. بعد ظهيرة ذلك اليوم، شعرت بذلك، حتى لو لم يتفوَّه أحد به.

لم تتناول القهوة وسارت بجوار «الأمير والكلب» من دون أن تلاحظها. في مطبخها، عليها أن تطبخ ما اشترت من طعام، ثم يجلسان معًا ويتحدثان عن اليوم. عليها أن تنظر عبْر الطاولة إلى زوجها الذي أحبته وترى ظلًّا هناك. تكلما عن أمور بسيطة.

تجولت بلا هدف، تاركة الشارع الصاخب، وكان لطيفًا أيضًا، سائرة بجوار منازل مصطفة ونوافذ بستائر مزركشة. أصلح عشيق بعد الظهيرة أمور زواجه الذي فشل، جزءًا جزءًا يصلح ما فسد لأن ما فسد لم يكن دمارًا ولم يسعَ أحدٌ له. لم يكن الشجار غالبًا فظيعًا جدًّا؛ ولا الخيانة بلا حب. اتفقا على ذلك، على أن يتكفل وقت الود بالبقية، ولا يطلبا الكثير. «وهي؟» ربما تتساءل زوجته ذات يوم، وقد يقول إن امرأته الأخرى كانت حاشيةً لما حدث في زواجهما. ربما يكون الأمر كذلك، لا أكثر.

وصلت كاترين إلى القناة حيث كانت هناك مقاعد على حافة الماء. تلك الأمسية، ستكذب، وربما يتحدثان مرة أخرى عن أمور بسيطة. لن تقول إنها خائفة، ولن يقول. لكن الخوف هناك، بالنسبة لها قلق الشك، يصيبه بطرق لم تعرف عنها شيئًا. واصلت السير وتجاوزت المقاعد، تجاوزت أطفالًا مع مربية. مرت بها سفينة مُحملة ببراميل، مقدمتها مدهونة بلون وردي.

أرض خراب، بدت الأرض حيث سارت، بدت خرابًا ليس لأنها خراب بل لأن مزاجها جعلها كذلك. شعرتْ أنها بلا اسم، منعزلة هنا في مكان لا تنتمي إليه، ورافق ذلك شيء لم تستطع تحديده. أوه، لكن الأمر انتهى، قالتْ لنفسها، كأنها ترد على هذا الارتباك البسيط، مرتبكة أكثر ومتسائلة كيف عرفتْ ما بدا أنها تعرفه. لم يكن التفكير طيِّبًا: مجرد مشاعر. وهكذا لم تفكر وهي تواصل السير.

شعرتْ، بلا سبب، بالقيد يتبدد. نعم، بالطبع، كان هناك قيد طوال تسع سنوات. لم يُطرَح تساؤلٌ، لا تساؤل عن وعود بأن الحقيقة ما سمعتْ. لا تساؤل بشأن الفتاة، وعما كانت ترتدي، صوتها، وجهها، وما إن كانت تجلس هناك تتحدث فقط، ليس إلا. لا تساؤل عن يوم أسوأ من المعتاد في مترو الأنفاق، وانتظار تاكسي في المطر. لتسع سنوات كاملة صمت في التبادلات العادية، في الحديث، في ممارسة الحب، في جولات نهاية الأسبوع وفي رحلات الصيف خارج البلاد. لتسع سنوات كاملة الحب هناك، أكثر من مجرد سلوى، أقوى من ذلك. هل كان التسلل لا يزال مثيرًا؟ لم يُطرَح هذا السؤال، وكاترين تتوقف لتشاهد سفينة أخرى تقترب، عرفتْ أنه لن يكون الآن كذلك أبدًا. دُخِلت الشقة، وشارون ريتشي مخنوقة على كنبتها. هل كانت الضحية؟ وهذا أيضًا لم يتطرق إليه أحد.

التفتت كاترين لترجع من حيث أتت. لم تكن صدمة ولا حتى دهشة. لم يُتوقع منها أكثر مما أعطتْه، وكانت تختار اللحظة التي تقول فيها إنها لا بُدَّ أن تنصرف. فَهِمَ، لم تكن تخبره. أفضل ما يقدمه الحب لم يكن كافيًا، وكان يعرف ذلك أيضًا.

١  وليم تريفور William (١٩٢٨–؟): كاتب أيرلندي وكاتب مسرح. يقيم في إنجلترا منذ خمسينيات القرن العشرين. كتب عدة روايات ومئات القصص القصيرة. نال جائزة وتبيرد Whitbeard ثلاث مرات، ورُشح خمس مرات لجائزة البوكر. والعنوان الأصلي للقصة The Room.
٢  بريت مانجر a Pret a Manger: سلسلة مطاعم للوجبات السريعة، مركزها ويستمنستر، لندن.
٣  ماكينات الجاجيا Gaggia machines: ماكينات لصناعة القهوة، وجاجيا شركة إيطالية.
٤  هليون asparagus: نبات من الفصيلة الزنبقية.
٥  الطريق La Strada: فيلم للمخرج الإيطالي فيليني (١٩٥٤م).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤