الرفيق
بدأت إلونا سيجال، منذ وصلتْ إلى أمريكا وطُلِّقتْ، ثلاث مرات. لم يكن الرجل الأول رجلًا عاديًّا لكنه حاصل على دكتوراه الفلسفة من موسكو، كما قال الصديق الذي رتب الموعد. حين فتحت إلونا بابها وجدت الحاصل على دكتوراه الفلسفة واقفًا على سلم المدخل في شورت أصفر رقيقًا مندفعًا. كان نحيلًا، على طريقة حيوانات الرعي الجائعة ورياضي التحمل، بثنايا من الجلد حول عظمتي الركبتين وعضلات نحيلة مثل عضلات الأرنب مجدولة في باطن فخذيه. تحت إبطه يمسك بما ظنت إلونا، في لحظة ارتباك قصير، أنها زجاجة نبيذ. لكن حين دخل رأت أنها لم تكن سوى لتر من الماء أحضره لنفسه. كانت الخطة أن يتمشيا قرب المنتزه ثم يخرجان لتناول الغداء. لكن الحاصل على دكتوراه الفلسفة ذهب إلى المنتزه. قال إنه ليس فيه شيء مميز. ذهب فقط مندفعًا إلى هناك. لم يحب أن يفقد اندفاعه، وحيث إنه ركب السيارة لساعة ونصف خارج طريقه ليقابلها فقد دخل في أول مسار. صبَّت إلونا له كوبًا من عصير الجريب فروت واستمعتْ له يتحدث عن عمله في معامل بِلْ. مال في مقعده، وباعد بين ركبتيه، غير مدرك أن إحدى خصيتيه تبرز من البطانة الداخلية لشورته. حدقتْ إلونا في وجهه، محاولة ألَّا تنظر إلى أسفل.
وكان الرجل الأخير صغيرًا جدًّا بالنسبة لها ومن الواضح أنه شاذ. وافق أن يقابل إلونا لأن لديه انطباعًا بأنها تقيم بشكل غير قانوني وتحتاج إلى الزواج لتبقى في البلاد. بمجرد أن جلسا معًا على طاولة في الهواء الطلق في كافيه، قال لها الرجل إنه لا يفكر عادة في مثل هذا العرض لكن أمه مريضة وعليه أن يدفع مصاريف العلاج. أومأت إلونا في تعاطف وطلبت من الشاب أن يُعيد ما قال ببطء أكثر. فهمتْ أن حالتها خرجتْ بسرعة عن نطاق معارفها حتى إن الذين يعطون رقم تليفونها ما عادوا يعرفونها أو يعرفون ما تريد.
قالت تايا: «هل قابلْتِ توماز؟ إنه في الخارج.»
«الجورجي؟» مضت إلونا إلى الحوض لتشطف يديها. «أتمنَّى ألا تكوني قد دعوْتِه إلى هنا من أجلي.» أصابعها ملوثة بالبطيخ الذي قطَّعته. وضعتها تحت الحنفية ومضت إلى الطاولة لتأخذ خواتمها.
«لم أدْعُه إطلاقًا. جاء مع آل جورفيتش.»
«إنه صغير، لا؟» وضعت أكبر الخواتم الثلاثة أولًا، جوهرة من الماس في خلفية من خمس شوكات.
قالت تايا، التي لم تُشر قط إلى إيرل بالاسم: «إذا كنت تقارنينه برفيق الغرفة. لا تفقديها.» حدَّقت في الخواتم. «ذات يوم تخلعين واحدًا فيسقط في بالوعة. ثمة نساء لا يلبسن حتى المجوهرات التي يمتلكنها. لديهن نُسخ مقلدة.»
«إذن ربما يكون عليَّ بدلًا من ذلك أن أقطع جزءًا من الرقائق المعدنية وألفها حول إصبعي؟»
قالت تايا: «افعلي ما يحلو لك.»
قررت إلونا أنه ليست هناك مشكلة في تذكير تايا بأنها كانت فقيرة قبل أن يبدأ فليكس في تكوين ثروة لدرجة أنها أخرجت أحشاء أنابيب كريست الخاوية، كاشطة معجون الأسنان من الثنايا. بصرف النظر عمَّا كانت عليه حياتها، فكرتْ إلونا، لم تتدنَّ قط لشيء بهذه الحقارة. على الأقل استفادت من الأشياء الجميلة التي تمتلكها. على عكس تايا، التي يضم مطبخها خزائن من الأرض إلى السقف، وقد غطَّت كل شيء بالصلب الذي لا يصدأ، وطاولات من الجرانيت المصقول لم تكن تلمسها إلا حين تُقيم حفلة.
قالت إلونا: «هل وضعت أنوارًا خافتة جديدة في السقف؟»
قالت تايا، وهي تميل برأسها إلى الخلف: «فكرة أليكس، اعتقد أننا قد نحصل على ثمن أعلى في المنزل إذا كان المطبخ أكثر سطوعًا.»
«هل تبيعونه؟»
«ليس على الفور. يستغرق الأمر عامًا عادة.»
«لم تخبريني.»
«لم نخبر أحدًا في الحقيقة. إلا أسرة كوجان وأسرة وينبرج، يعرف الجميع. ليس سرًّا.»
هناك أشياء كثيرة نسيت تايا أن تخبرها بها، لكن بيع منزل؟ هل هذا جزء من معلومات أخرى يتبادلها أصحاب الأموال، مثل تقلبات البورصة؟
حين التفتتْ وجدت فليكس يقف خلفها. «أين صديقك اليوم؟» قال، وتفحص الناس المتناثرين على العشب.
«حين خرجت كان لا يزال نائمًا أمام تليفزيون ستين بوصة.»
«هكذا نام إيرل وانسللْتِ خارجة؟»
«هل أحتاج إلى إذن من إيرل لأرى أصدقائي؟»
«لا. لكنني اعتقدتُ أنك ستمدين الدعوة لتشمله.»
«ولماذا تعتقد أنني لم أفعل؟»
«لا أعتقد أنه يفوت فرصة ليُرَى معك.»
كانت مرهَقة بدرجة لا تمكِّنها من ممارسة هذه اللعبة اليوم. كلما حاول فليكس أن يجعلها أفضل يجعلها أسوأ. دبلوماسيته أسوأ ما في الأمر، إدراكه أن كل تعليق قد يُعتبر إهانة ضمنية. أغنية الندم القديم، ليس لانقضاء أحد عشر عامًا — لم يعلم بها أحد لحسن الحظ — بل لكل ما مرت به من إحباط في حياتها.
«افعل من فضلك.» تراجع فليكس خطوة وردَّ على تملصها بابتسامة رقيقة.
شعرت بكعبيها تغوران في العشب وهي تمشي. ينتعل معظم الضيوف أحذية خفيفة. اجتمع البعض حول الشواية ليستمعوا إلى الجورجي، الرجل الذي ذكَرتْه تايا. من الصعب معرفة إن كان وسيمًا أم لا؛ رأته إلونا في الطريق إلى الحفلة ولاحظت العينين الرماديتين والأسنان السفلى المعوجة، مما أثار داخلها تعاطفًا مزعجًا. بدا أصغر من الرجال الذين حوله، ربما في الخامسة والثلاثين، لكنه بدا على حافة انحدار ربما يأتي سريعًا، وهكذا يشيخ في النهاية، وقد يحدث ذلك في ليلة.
«أخبروني بأنهم يحرسون قاعدة»، قال الجورجي، والرجال يفسحون مكانًا لإلونا. «قالوا إن صديقهم أُطلِقت النيران على يده ويحتاج أدوية لتخفيف الألم. عرضتُ عليهم مضادًا حيويًّا وكانوا يريدون مورفين.» لم تكن تعرف عن أي حرب يتحدث. قد تكون أفخازيا أو أُسْتيا الجنوبية. غادرتْ جورجيا قبل انفصال الجمهورية عن روسيا بثلاث سنوات، ومشاكلها الجديدة — أرادت مقاطعة تتمتع بالحكم الذاتي والاستقلال بعد ذلك — ليس لها تأثير عليها. سمعتْ عن مدمنين في تفليس ينقضون على المستشفيات حتى في أوقات السِّلم. ربما كانت عجرفة البعد: لا شيء يتغير أبدًا هناك.
واصلَ: «أردتُ الخروج. لكن حين وقفتُ وجَّهَ أحدهم بندقية إلى وجهي.»
قاطعه رجل: «كان معك بندقية! كان عليك أن تطلق النار في فمه!»
قال آخر: «أي فم؟ هناك اثنان!»
واصل الجورجي: «فعلتُ الأخطر، لعنتُ. قلتُ كل ما ورد إلى ذهني من أسماء، آملًا أن تُنبِّه أحدًا يسمعني. لكنني ابتعدتُ عن التدنيس.»
توقف محدِّقًا في إلونا. بدا مندهشًا من الانتباه التام الذي أثاره.
سألتْ إلونا: «ألا تخبرنا إن كنْتَ قد بقيت على قيد الحياة؟»
قال وهو يومئ: «أشكرك. بقيتُ على قيد الحياة.» كان فكه طويلًا وفي ذقنه نقرة؛ السمة الوحيدة التي أمدت وجهه ببعض المرح. «سمعتُ مركبة تدخل فناء المستشفى. اعتقد المدمنون أنها عربة محملة بالجنود. لكنه لم يكن إلا رجلًا مصابًا بالتهاب في البنكرياس.»
قالت إلونا: «التهاب في البنكرياس؟ لا بُدَّ أنه كان مدمن كحول».
اعترف لها الجورجي صامتًا بحاجبيه. انتظر أن يتفرق الرجال من حوله في مجموعات أصغر. «كان. هل تعملين في عيادة لعلاج إدمان الكحول؟»
قالت: «لا، في مكتب طبيب مسالك بولية. وكنتُ ممرضة في تفليس.»
«وماذا تعملين الآن؟»
«قساطر، فحوص شرجية. تقنيًّا، لستُ إلا موظفة استقبال، ومن ثَم أرد على التليفونات أيضًا. لكن هذا هو الشيء القانوني الوحيد الذي أقوم به.»
قال: «عملك أقرب إذن للطب من عملي. في النهار أستلقي على سجادة.»
«وفي الليل؟»
«في الليل أنظف المتاجر.»
«أتمنَّى إذن أن تُوَفَّقَ في العثور على عمل يتناسب أكثر مع مهاراتك.»
انقضت عينا الرجل على وجهها، كما لو كانتا لا تعرفان أي جزء تفحصه في البداية. «ربما كان ذلك صعبًا دون تصريح عمل. تنتهي تأشيرتي في شهر.»
«وبعد ذلك؟»
هز كتفيه. «سوف نرى. أنا توماز»، قال مادًّا يده.
ضغطت عليها بخفة. «إلونا.»
أمسك بأصابعها. «في حياتي لم أقابل إلا اثنتين باسم إلونا، وأنتما الاثنتان جميلتان جدًّا.»
شعرتْ بحرارة تتصاعد في وجهها. فكرتْ: إنه من هذا النوع من الرجال. يقف بالقرب منها، وعليها أن تنظر إلى أعلى لتُكلِّمه. قالتْ: «تعيش في المدينة؟»
مقيم بشكل غير شرعي ينظف المتاجر … ابتسمتْ في داخلها. هذا كل ما يمكن أن يجدوه لها؟ توهمتْ أنه عرف فتنته بالنسبة للنساء، ويستطيع الاعتماد عليهن في أحلك الأوقات.
«المكان هنا رائع»، واصلَ وهو يتطلَّع إلى الأملاك. تتبَّعتْ إلونا نظرته حتى البِركة المستطيلة الصغيرة. كلب يعوي في فناء بعيد. قال وهو يهز رأسه: «كل هذا الفضاء، أنا داخل الزمن كله الآن. مضى وقت طويل على آخر مرة ذهبتُ فيها إلى غابة طبيعية. تبدأ الروح تنسى.»
قالتْ: «هذه طبيعية بصعوبة، لكن إذا أحببْتَ أن ترى الطبيعة فعليك العودة إلى مسار القطارات. يمكن أن أقابلك في المحطة. تأتي القطارات كل ساعة.» انزلق صوتها بسلاسة تامة بما يشبه الحقيقة. متى خرجت للتنزه آخر مرة؟ أزعجها الشمس والناموس.
قال: «تعيشين قريبًا من هنا؟»
«ليس بعيدًا.»
«في منزل مثل هذا؟»
«في شقة.» حدَّق في أصابعها. أضافتْ بطريقة خرقاء: «أشترك فيها مع رفيقة».
«لسْتِ متزوجة إذن؟»
ضحكتْ إلونا ضحكة مرحة رقيقة. «لم أعدْ متزوجة.»
«خواتمك. لم أعرفْ …»
فردتْ أصابعها وفحصتْ يدها عن بُعد. «ربما قال البعض إنها باهظة. لكنني أستثمر في الحياة.»
ضحك: «مَنْ يعرف هنا؟ ثمة خاتم لكل شيء؛ للجامعة، للخطيب، للرفيق.»
قالتْ: «بعضها كانت هدايا. لكنها لم تكن هدايا تعاقد.»
كانت الغرفة التي تنام فيها مكتب إيرل ذات يوم. أخلاها لها حين انتقلت إلى الشقة، وشغلت الخزائن الطويلة التي تحتوي على الملفات ومنضدة الكمبيوتر، منضدة رمادية من البلاستيك، جانبًا من غرفة المعيشة. طلبت منه التخلص من تلك الأشياء لكنه قال إنه يحتاج إلى أن تكون كل ملفاته القديمة متاحة إذا اتصل أحد من مكتب التأمين. كان الرجل متقاعدًا منذ ست سنوات.
«قلْتِ إنك ستأتين في السادسة. ألم تكن لدينا خطط هذه الليلة يا لونا؟»
«هل كانت لدينا خطط؟»
تجاهلتْه وواصلت الشطف. منذ متى أصبح الذهاب إلى دلمونيكو جزءًا من واجباتها؟ وقد رحبت بهما السيدة باعتبارهما السيد والسيدة بروير، لا يحب إيرل أن يضيع ليلة السبت. أفرغت كوب الشاي وبدأتْ فك الخيط المبلول من اليد.
قال: «شيء طيب أنني اتصلتُ»، ورفع جسمه الثقيل من على الأريكة.
ألقت إلونا كيس الشاي في الزبالة. «تتصل أو لا تتصل. يقولون دائمًا إنهم يحجزون طاولة لنا يا إيرل. لأنه ليس هناك ما يُحجَز. كلما ذهبنا إلى هناك يكون شبه خالٍ.»
«ما عدْتِ تحبين دلمونيكو الآن؟»
«لا أبالي يا إيرل.» شطفت طَبَقًا وحشرته في رف التجفيف. «هل يهم أي مطعم نذهب إليه هذا الأسبوع؟ هل يمكن فقط أن أنتهي من هذه الأطباق؟»
تدلت شفته السفلى وهو يبحث عن فكرة.
«إيرل.»
«ماذا؟» تطلَّعَ إلى أعلى فسقطت شعرة بيضاء من حاجبه على عينه.
«علينا أن نهذب حاجبيك.»
ارتفعتْ حدقتا عينيه. لعق إبهامه، وسوَّى حاجبيه. حين انتهى، خطا بضع خطوات في صمت باتجاه غرفته. انتظرت إلونا حتى أغلق الباب، وجففتْ يديها في مريلة مُعلقة وذهبتْ إلى غرفتها.
سمعته يتحرك في الناحية الأخرى من الحائط. جثمتْ بجوار صندوقها القديم الذي يُطوَى كمنضدة بجوار سريرها. في الخزانة الصغيرة مساحة لأشيائها بالكاد. في أيام الرخاء، حاولتْ أن تتخيل أن المكتب الذي تعيش فيه كابينة على سفينة وأنها في رحلة عبر الأطلنطي في قرن آخر. وهي جاثمة، تناولت السويترات المكوَّمة بكثافة والأوشحة المطرزة بالخرز واحدًا واحدًا حتى وجدت السويتر الكشمير البنفسجي. كان رائعًا ورقيقًا مثل جلد الحمَل؛ فكرتْ في توفيره لمناسبة أفضل. لكنها تناولت الخيط البلاستيك لبطاقة السعر وقطعته. ستكون هناك أشياء أخرى لمناسبات أخرى. كانت تترك الملابس الجديدة فترة بدون استخدام، تمتد لأسابيع وربما حتى لشهور. بهذه الطريقة، حين تزيل في النهاية بطاقة السعر تشعر برضا وكأنها تفتح زجاجة براندي معتق. وإذا اعتقد بعض الناس أنها مبذرة فقد كانت تُعِدُّ نفسها فقط للمستقبل وكان مشكوكًا فيه أكثر بكثير من مستقبلهم. هل كان إيرل يطرق على بابها إذا بدت مختلفة بأي شكل؟ هل طلب منها أن تصحبه إلى كوب من القهوة بشكل ودي في الأسبوع الذي قررت فيه ترك شقتها، ثلاثة أدوار تحت؟ هل أعطاها ماكينة الخياطة التي أعجبتها؟ أو المعطف الفرو بعد ذلك بأسبوعين؟ وبينما كان عليها أن ترفض الفرو (فاحت منه رائحة تشبه النفتالين وكان يعود بشكل واضح لزوجها الميت)، كان عليها أن ترتدي شيئًا أفضل. بأدب جم، أخبرتْه بأنها ليس لديها مكان له الآن، لأنها كانت تخطط للانتقال من الحي. صار بقاؤها هنا باهظ التكاليف، بديون بطاقة الائتمان وأقساط السيارة ومبالغ دفعتها مقدَّمًا لفصول التمريض واكتشفت أنها ليس لديها وقت لحضورها. تحدثت بهدوء، لكنها، كأفضل ممثلة، تتمتع بغريزة اختيار التوقيت المناسب. قال إيرل: «لكن، مسز سيجال، لا ينبغي على امرأة مثلك أن تقلق أبدًا بشأن المال.» ذلك حين عرض عليها مكتبه القديم. يمكنها البقاء كما تشاء حتى يتحسَّن وضعها المالي. كان ذلك منذ عام ونصف.
سمعت إيرل يخطو عبْر المدخل. خلعت قميصها وارتدت السويتر. بدت عيناها في المرآة مرهَقتين. وبدا شعرها ظِلًّا أقرب إلى الأرجواني من الأحمر الغامق الذي صبغته به منذ أسبوعين. رفعته عن قفاها وثبتته بدبوس كبير مطلي. هنا مباشرة، السيد بروير، السيدة بروير. هكذا يرحب بهما النُّدُل في مطعم دلمونيكو. هل تبدو عجوزًا بما يكفي لاعتبارها زوجته؟ أم أنهم أيضًا يمارسون لعبة؟ حسنًا، لا تبالي بما يعتقده أولئك الناس، سواء اعتقدوا أنها زوجته أم صديقته أم ربة بيته. كانت سعيدة بالاشتراك في أي تخيل اجتماعي خطط له. كان إيرل على الباب، يطرق.
قالت إلونا: «سأكون جاهزة في ثانية.»
ماذا يُفترَض أن تقول للناس، حتى إذا أراد إيرل الاهتمام بارتفاع ضغطه وعدم انتظام ضربات قلبه؟ إذا تغاضت عن عملية البروستاتة قبل أربع سنوات. كل ما تعرفه أنه عنين، وكان مبعث ارتياح له أكثر من خيبة الأمل إذا صدَّته.
طرق على الباب مرة أخرى.
«نعم!» قالت وهي تفتح الباب.
كان القميص السادة مُزرَّرًا حتى ذقنه تقريبًا. وقف في المدخل في بنطلونه الفضفاض وشبشبه. وفي يده مقص مانيكير.
قالت إلونا: «لنفعلْ هذا بسرعة.»
كان دلمونيكو يجعل إلونا تفكر دائمًا في مطعم فندق. سجادة مزخرفة، حوائط من المرايا، الإحساس بأن زبائنه لا يأكلون فيه إلا لأنهم يحاولون البحث عن شيء أكثر جاذبية. لكنه كان غاليًا، ولهذا السبب بدا أن إيرل يستمتع به دائمًا. شاهدتْه يرفع كميه ويفتح قائمة الطعام المغلفة بالجلد. كان يتكفل بمهمة طلب الطلبات بجدية شديدة.
قالت مبتسمة: «لا يمكن أن تستغفلني. أعرف أنك تتطلع إلى كبد العِجل.»
«لا، لم أكن أتطلع، يا ملاك.»
«انظر إلى هذا، تأتي شرائح اللحم مع لحم الخنزير المملح. كيف نواصل الحضور إلى هنا بعد ما قاله طبيبك؟»
«صرتُ في حالة جيدة يا لونا.»
«صرْتَ في حالة جيدة؟ هل ذلك هو السبب في أن الشقة كانت تفوح منها رائحة تشبه الجبن المشوي حين أتيتُ؟»
«أعددتُ ذلك من أجل لورانس. لقد مرَّ بي اليوم مع لوسيندا.»
«مرَّ بك ابنك فقط؟»
«سألا عن مكانك. قلتُ إنك في زيارة لأصدقائك. لا عيب في ذلك.»
حدَّقتْ فيه إلونا: «هل يُفترَض أن يكون في ذلك عيب؟»
«تعرفين أن لهما أفكارًا خاصة دائمًا.»
طوت إلونا قائمة الطعام ووضعتها بجانب طبقها: «أية أفكار؟»
إنهما قلقان كما تعرفين. بعد العملية الجراحية. يعتقدان أنني أحتاج إلى مساعد، مجرد شخص يأتي ويراني من وقت لآخر.
اعتقدت أنه اخترع هذا الكلام انتقامًا منها لأنها لم تصطحبه إلى الحفلة.
«يعتقدان أن شخصًا محترفًا يمكن أن يرعاك أفضل مني؟»
لم يرفع إيرل رأسه: «أخبرتهما بأنني في حالة جيدة.»
«من الغريب أن الفكرة لم تخطر لهما على بال حين كنْتَ مصابًا بالتهاب رئوي وأخذتُ أسبوعًا إجازة من الشغل.» رشفت الماء من كوبها.
«قلتُ لهما إنها سخيفة. أنا بخير. لا أحتاج إلى أحد.»
«وسيدي؟»
ردتْ: «يريد سمكًا.»
كان توماز سيصل في السادسة وعشرين دقيقة. تركت العيادة في الخامسة وأربعين دقيقة وقادت السيارة إلى محطة القطار مباشرة. وهي تنضم إلى صف متعرج من السيارات على الرصيف، تقاطر المطر على الزجاج الأمامي لسيارتها. حدَّقت في أطفال يتلوُّون في المقعد الخلفي في العربة التي أمامها، يندفعون وينظرون من الشباك كل بضع دقائق إلى الوميض الفضي المنبعث مع المطر. في النهاية، هطل، بأنين مرتفع للفرامل، وشاهدت إلونا الجموع يختفون تحت بئر السلَّم المغطَّى ويظهرون مرة أخرى في الشارع المبلول بالمطر. حين رأت توماز انقبضت معدتها. كان يقف على رصيف المشاة، ويُظلل رأسه بيده. ارتدى سترة قصيرة باللونين البرتقالي والبني، واسعة جدًّا. ظنَّتْ أنه التقطها من سلة الصدقات. لمح سيارتها، ولم يكن أمامها من خيار إلا أن ترفع أصابعها في إشارة واهية قبل أن تمد يدها لتفتح الباب.
ركب ووضع حقيبة الظهر المبلولة على حِجره، ثم ضغط رأسه على النافذة وتطلَّع إلى السماء، وقد أظلمت وصارت أرجوانية داكنة.
«آسفة»، قالتْ وهي تُشَغِّلُ الراديو. «كان ينبغي أن أعرف حالة الطقس.»
قال متفائلًا: «ربما يتوقف المطر خلال ساعة.»
لم يتوقف. واصل وهما يسيران إلى الطريق السريع المُزْدان بالأشجار، والقطرات الثقيلة ترتطم بالزجاج الأمامي والراديو يكسر الصمت بينهما. واصل وإلونا تقود السيارة في المدخل الضيق المؤدي إلى منزل تايا وفليكس، وقد امتلأ بالأوراق التي تساقطت من الأشجار.
جريا إلى المنزل وخلعا حذاءيهما وأشعلا المدفأة. طلبت إلونا من توماز أن يستريح على الأريكة الجلدية، واختفت في المطبخ وقدَّمت للقِطة عشاءها من علبة من الصفيح. حين عادت إلى غرفة المعيشة، كان يمسك برزمة صغيرة ملفوفة في منديل خشن من الورق. «تذكار من تفليس»، قال، وقدَّمه لها. «إنه من الفضة، لكن أعتقد أنه قد يعجبك.»
كان سوارًا؛ حجارة موضوعة في سلك مُلتف مثل بتلات الزهرة. وضعتْه حول رسغها ومالتْ لتُقَبِّله في خده. «شكرًا»، قالتْ وعادت إلى المطبخ لتعد الشاي. السابعة والنصف، وربما كان إيرل في انتظارها. فكَّرت في القيام بالتمشية التي وعدت بها توماز بمجرد توقُّف المطر. لكن كان الجو مظلمًا جدًّا، وعرفت أنها لن تعود به إلى المحطة في تلك الليلة.
سمعت التليفزيون في الخلفية حين رفع إيرل السماعة.
قالتْ: «ماذا تفعل؟»
«هل يمكن أن تخفض الصوت؟»
تلاشى الصوت في الخلفية. «أحضرتُ الفيلم لأنك تريدين رؤيته.»
«ابقَ الليلة في منزل تايا. هل تناولْتَ عشاءك؟»
«نعم، أعددتُ بعض الفول المُعَلَّب.»
«تركتُ لك طعامًا كافيًا في الثلاجة.»
«نظرتُ، ولم أجد شيئًا.»
«إيرل، تركتُ لك دجاجة. والخضراوات الجافة في إناء من الزجاج.»
«أكلتها أمس.»
«أعددْتها لتكفي يومين.»
«لم تذكري لي شيئًا عنها.» صار صوت التليفزيون أعلى مرة أخرى.
استمعتْ لحظة في صمت، استطاعت أن تسمعه يتنفس بصعوبة.
سألتْ: «ألا تزال معي؟»
«أين أذهب؟»
«هل تناولْتَ حبوبك؟»
«تناولتُها. لا تفعل شيئًا أبدًا.»
صار في حالة صعبة. «ماذا يا إيرل؟»
سعل في التليفون: «أشعر بضغط على صدري.»
«في صدرك أم الجزء العلوي من بطنك؟»
«لا أعرف. فقط … عام.»
«إنه مختلف تمامًا.»
لم يرد.
قالتْ: «يمكن أن يكون الفول. وعدتُ تايا، لكن هل تريد أن أعود إلى البيت؟»
«لا.» كان الرد فاترًا. «ربما أتصل بلورانس.»
«لورانس؟ إذا لم تكن مريضًا …» توقفتْ. قالت مرة أخرى: «آتي إلى البيت إذا أحببْتَ.»
«سأكون بخير.»
أصدر براد الشاي صفيرًا.
قالتْ: «أتصل بك فيما بعد»، ووضعت السماعة. وجدت فوطة أطباق وصبَّت الماء المغلي في كوبين من الخزف على صينية معدنية مزخرفة أخذتْها من أحد الأرفف التي تعرض تايا أشياءها فيها. حملتْها إلى غرفة المعيشة، حيث يقف توماز. كان يلمس بأصابعه الزجاج الرصاصي للمبة ديكو. قال: «لا بُدَّ أن الحياة في بيت مثل هذا رائعة.»
وضعت إلونا الصينية: «لا أحسد أحدًا.»
من الصعب معرفة إن كان يبتسم أم يسخر. بدا وكأن وجهه يقول: «نعم، هذه أيضًا إجابة، لكن ليست للسؤال الذي طرحتُه.»
تخيلتْ أنه وجد لذة هائلة في الفُرْجة على منزل تايا. وكانت سعيدة لأنه بدا متأثرًا، بالسقف المنحدر بشدة وبكتب الفن الثقيلة في خزائن الكتب المشيدة في الحوائط، وحتى عش الطائر من الفناء الخلفي، مما ينم عن لذة هائلة فاقت التوقع. ودتْ أن يكشف عن الشخصية التي وراء هذه الأشياء. يبقى أنها لم تكن شخصيتها، وكان عليها قمع رغبة ملحة بأنها قد تُعِدُّ المكان بشكل مختلف، وأنها ستضع الأثاث أقرب للنوافذ أو تدهن الحوائط بلون أفتح، لون يمكن أن تلتف فيه. دار توماز حول الأريكة وجلس في مقعد مُنَجَّد.
قال: «أنظر حولي هنا فأجد كل شيء نظيفًا ورائعًا. يعمل الناس، يعملون بشكل جيد.»
جثمتْ على السجادة بجوار منضدة من الزجاج ووضعت كيس الشاي في كوبها. «ليس كل الناس. بعض الناس يفشلون، يتوهون هنا.»
نظر إليها توماز: «مثل زوجك؟»
هزت كتفيها: «ربما إذا بدأ مبكرًا، لكن …»
«لكن؟»
«لتحرز تفوقًا هنا، ينبغي أن تحب وجودك هنا.»
«أرى. لم يكن يريد أن يأتي إلى أمريكا؟»
قالت، وهي تشاهد شريطًا ملوَّنًا ينتشر في كوبها: «كانت حياتنا طيبة في تفليس، وظيفة جيدة، شقة جيدة.»
«لماذا رحلتما إذن؟»
«كان الجميع يريدون الرحيل، جميع الأصدقاء. لم أرغب في أن أكون في العربة الأخيرة من القطار.»
فكرت: كيف تفسر له الأمر بشكل آخر؟ هل تقول إنها جاءت إلى أمريكا وراء رجل لم يكن زوجها؟ رجل كانت زوجته الصديقة الأقرب إليها، تورط معها فقط لأنه على وشك مغادرة البلاد وكان عليها أن تبقى بعده؟ أم أنها بقيت مع زوجها لأنها كانت فزعة جدًّا من القيام بالرحلة وحدها؟ كانت في الثانية والثلاثين، بلا أطفال، لم تكن صغيرة، ربما، لكنها كانت صغيرة بما يكفي لأن تتراجع عن اختياراتها.
قالت: «كان زوجي مديرًا في مؤسسة إلكترونيات. تعرف ما يعنيه ذلك. يعرف كيف يمزح، كيف يتهرب من شخص. كان كلبًا ذكيًّا، يعرف متى يعوي ومتى يلعق. لكن لم يفِده شيء من هذا هنا. جرَّب برامج، مثل جميع الآخرين. لكنها لم تمنحه إلا الألم.»
مال توماز على المنضدة وتناول كوب الشاي. «أزعجك ضعف زوجك؟» بدا أنه يوجه السؤال إلى نفسه أكثر مما يوجهه إليها.
أجابت بشكل آلي: «لا. لم نكن متوافقين منذ البداية.»
«حين لا يستطيع رجل تقديم الدعم لأسرته …» يعتدل في كرسيه ويهز رأسه. «في بلدتي، يموت كل الرجال صغارًا. يصابون بنوبات قلبية وجلطات. لأنهم فقدوا هدفهم.»
تطلعت إليه إلونا من الأرضية: «وأنت؟»
«لا، لأنني هنا.» أخذ رشفة من الشاي ووضع الكوب. «حين عدتُ من أفخازيا، لم أعثر على عمل. ثم وجدت عملًا في عيادة. لكن لم يكن هناك من يدفع، على الأقل نقودًا. والآن لا يذهب الناس إلى الأطباء إطلاقًا.»
«ماذا يفعلون؟»
«يموتون في بيوتهم.»
أراحتْ إلونا كفَّها على أصابعه. قال: «آسف. كل هذه القصص المحزنة.» فتح فمه ليضيف شيئًا آخر، أغلقه على فكرته. أخذتْ يده. جلد مفاصل أصابعه ناعم ومتين مثل قشرة جوز الهند. شبَّك أصابعه في أصابعها، وقبل أن تشعر بعَرَقِها أو نبضها رفعها، مثل شخص يدفع شخصًا خارج الماء، حتى بدأ جسمها يعمل ما يعرفه وغاص بعمق في حجره.
تركته يقبِّل يدها أولًا ثم وجهها. أبقتْ عينيها مغلقتين وتوماز يقبل خط فكها ومُنحنى عنقها. حين تحركت شفتاه إلى أسفل، ضغطتْ وجهها في شعره وتنفست رائحة الطقس الذي أتى به معه.
في الدور العلوي، لم يكن إلا ظلًّا ينتفض، عضلات مشدودة في الظهر وخربشة في الخد. وضع ثقله عليها بتركيز بطيء، يحاول الاثنان بوعي تجنب عدم البراعة، لم يختبر أي منهما الآخر، حريصين على ألَّا يهدرا أي قوة تنبعث منهما مهما تكن ضئيلة. فيما بعد رقدا معًا في صمت. حين صار الهواء دافئًا جدًّا، طلبتْ من توماز فتح نافذة.
«قل لي شيئًا»، قالت حين عاد إلى السرير المجعد. انقلبتْ على بطنها ومررتْ أصابعها على الحواف المستقيمة لجبهته وأنفه، على ما تبقَّى من لحيته.
«كنْتَ أصغر من أن تكون دكتورًا وأنت في أفخازيا.»
«كنتُ في الخامسة والعشرين. أنهيتُ دراسة الطب. لم أعتبر نفسي صغيرًا. كان الجنود أصغر. لم يعلمهم أحدٌ شيئًا. لا يعرفون حتى كيف يتصرفون مع الموتى.» سحب ملاءة على كتفه لأن الغرفة صارت باردة. «ذات ليلة أتوا برابع. رأيتُ، بمجرد دخلوهم به، أنه لم يكن هناك ما يُفعَل من أجله. صرخوا فيَّ لأنقذه. أطلق أحدهم طلقة في السقف. اندفعتُ إلى جسمه فربما كان قلبه ينبض. بقيتُ أمام أصدقائه. ضغطتُ على صدره، مجرد استعراض. كان أسوأ من أي شيء فعلتُه لشخص حي.» أشاح بوجهه عنها باتجاه الحائط، بقي جسمه مشدودًا بعد ذلك بدقائق، وعرفت أنه لم ينمْ.
«هل لديك أبناء؟» سألتْ أخيرًا.
انقلب توماز على ظَهره وأخذ نفَسًا من الهواء البارد المنتشر في الغرفة. «عندي ابن. يبلغ الثانية عشرة في الشهر القادم.»
«وزوجتك …»
«هو وزوجتي مع أمي في شيتورا. لوالديَّ منزل هناك، ربما أقيم هناك أيضًا حين أعود.»
وجدت انحناءة ذراعه ووضعتْ رأسها فيها، ثم قالتْ: «رائع أن يكون لك مكان تعود إليه.»
في مطعم على الطريق، شربتْ كوبًا من القهوة. نظرتْ في قائمة الطعام ووضعتْها جانبًا. كانت القهوة ثقيلة جدًّا بحيث قضت على شعورها بالجوع، وعادت بسرعة إلى البيت لتُعِدَّ العشاء لإيرل. شعرتْ كأن جسمها أخذ نفَسًا طويلًا وعميقًا. نسيت الطريقة التي يمكن بها للجنس إزالة الفوضى من المخ، وكانت تريد أن تجلس وتقيم في هذا الخواء برهة أخرى.
نبحت إلسا حين فتحتْ إلونا الباب. كان الهواء في الداخل باردًا، فاحت فيه رائحة الكربون، ورائحة زيت احترق ثم بَرَدَ.
«إيرل؟» نادت في غرفة الطعام. دخلتْ غرفة النوم ووجدت السرير مرتبًا. «إيرل؟» نادت مرة أخرى بصوت أعلى.
تركت الباب الخارجى الثقيل مفتوحًا فطَرَقَ شخص باستعجال على باب الحاجز.
«أهلًا؟» قالتْ إلونا، وقد قطعت نصف الطريق في الردهة.
«السيد بروير؟» كانت المرأة التي تسكن الشقة المجاورة. ربما كان اسمها مارتا، لكن إلونا لم تسألْ قط.
«هل تُريدين شيئًا؟» تفحَّصت إلونا المرأة من فوق إلى تحت. ترتدي بلوزة ويبرز وركاها تحت بنطلون ضيق.
«أردتُ فقط أن أعرف إن كان السيد بروير عاد.» مدَّت المرأة رأسها لتنظر إلى الداخل بشكل أفضل.
«عاد من أين؟»
«أظن أنك لم تكوني هنا هذا الصباح إذن، حين جاءت عربة الإسعاف؟ كان ذلك في وقت مبكر جدًّا. أيقظوني.» ركزت المرأة عينيها على سويتر إلونا وحقيبة يدها وحذائها.
ردت إلونا: «لم يعد. الآن من فضلك اعذريني. أُعِدُّ بعض الأشياء له لآخذها إلى المستشفى.»
«ألم تنادي عليه منذ لحظة؟» سألت المرأة.
ردتْ إلونا: «كنتُ أتحدث إلى الكلب».
أخبرتها موظفة الاستقبال في فيلبس ميموريل بأن إيرل نُقِل إلى عنبر القلب في التاسعة والنصف صباحًا. هل كانت قريبة مباشرة؟
قالت إلونا: «لا. أنا …» ألقتْ نظرة إلى الردهة ورأت لورنس يخرج من مصعد معدني كبير مع زوجته لوسيندا. «ثانية فقط»، قالتْ للفتاة. سحبت خواتمها في كفها ووضعتها في حقيبتها. «أنا رفيقته»، قالت وهي تلتفت خلفها.
«رفيقته»، كرَّرت موظفة الاستقبال لنفسها وبحثتْ في الشاشة. ابتعدت إلونا عن المكتب وألقتْ للوسيندا ابتسامة تعاطف تجاهلتْها. حين تطلع إليها لورنس، كان وجهه مفعمًا بالتأنيب، لكن لا، حمدًا للرب، مع ألم الشعور بالذنب. إذا كانت لديهم طاقة مُتبقية للعداوة المتحضرة، فكَّرتْ، لكن إيرل بخير بشكل أكيد.
«كيف حاله؟» قالتْ وهي تقترب.
قال لورنس: «بخير. إنه بخير.» بدا محبطًا لأنه لم يقل ما هو أسوأ.
أخبرهم الأطباء بأنها نوبة قلق، لكن مع مريض أصيب بالفعل بجلطة في القلب عليهم التعامل مع كل شكوى باهتمام. قال لورنس إنهم ما زالوا يُجرون بعض الفحوص في الدم. ربما ينتهون من رسوم القلب هذا المساء.
قالت: «في هذه الحالة سوف أقيم معه اليوم.»
ألقى لورنس نظرة إلى لوسيندا. قال: «لا نعتقد أنها فكرة جيدة.» مثل أبيه، لم يكن طويلًا. شعره ملتف في موجة واحدة على قمة رأسه. «يبقى معنا في منزلنا يومًا أو اثنين.»
«يحب شقته …» حدَّقت إلونا فيهما مرتبكة. «هل يريد هذا؟»
قالت لوسيندا: «لا يهم ماذا يريد. المهم صحته.»
قال لورنس: «نحبك يا إلونا. لكن أليس من الأفضل لك أن تكوني برفقة شخص أكثر … حيوية؟ أبي ضعيف. لديه أوهامه. يمكن أن تدمره.» بدا أنه يتأمل حذاءه، قال: «يمكنك البقاء في الشقة لبعض الوقت.»