زيارة مدينة
«آمل ألا يُتوِّهنا هذا الرجل»، همست الأم من المقعد الخلفي.
«يسوع، ماما. كأنه لم يذهب أبدًا إلى البلازا.»
«ماذا تعرف عن فندق البلازا؟»
«أعرف ما يعرفه أي شخص آخر في العالم، إنه في التاسع والخمسين وطريق المنتزه، وهو ملك دونالد ترمب.»
صاحتْ أمه: «شكرًا سيدي.»
«هل يمكن من فضلك أن تخلعي هذا؟» توسَّل مرة أخرى، محدِّقًا في يدها، وبدا أنها تحركت لا شعوريًّا لحماية النتوء الرهيب.
قبل عام ربما نظرت في عينيه وأخبرتْه بأنه على ثلج رقيق. الآن اكتفت بالإشاحة برأسها وقالت: «بريندان، يجب أن تهدأ.»
وكأن الهدوء اختيار! احترقت كل ساعة من ساعات اليقظة على مدى شهرين توقعًا لهذه العطلة الأسبوعية. اليوم انتقل أبوه بحسن نية بوجه شاحب مكتئب من المنزل أخيرًا إلى شقة أقرب إلى عمله، اتصلت أمه بجدته، وحين أغلقت التليفون أخبرت بريندان بالهدية التي طلبها في كل عيد ميلاد وكريسماس على مدى العامين الأخيرين: الذهاب إلى مدينة نيويورك والإقامة في فندق.
منذ رد توم، قائلًا إن نهاية هذا الأسبوع ستكون رائعة، كان معظم خوفه من أن يقطع الطريق بطوله إلى مدينة نيويورك ويعجز عن فقدان أمه فترة طويلة لينزل إلى القرية الشرقية وحده. واندهش لأن الخطة التي بدت أصعب تبيَّن أنها الأسهل. بعد أن حجزت التذاكر بأسبوع، سألها إن كان يستطيع الذهاب بعد ظهيرة السبت أثناء الزيارة إلى منزل ابن عم تانيا غير الموجود، على بُعد عشرة منازل من الفندق. توقع ممانعة، وكانت معه خريطة ليريها. لكن باستثناء طرْح بعض الأسئلة، وهي تواصل تناول أطباق العشاء، ظهرت نظرة إذعان على وجهها، كأنها توقعت أن يطلب هذا.
والسيارة تنزل من القنطرة وتتجه إلى الطريق، نظر بريندان في ساعته وعرف؛ لم يعد أمامه إلا أقل من عشرين ساعة انتظار.
تمثلت الحياة في البلازا أساسًا في محاولة الإبقاء على عشر ياردات على الأقل بينه وبين أمه حين لا يكونان في الغرفة والباب مغلق أو مدفوعين إلى التقارب على طاولة مطعم. بمجرد التوقف، قفز من التاكسي وصعد السلالم خلف البواب. وهو ينظر وراءه من المدخل، اعتقد تقريبًا أن المرأة التي ترتدي ملابس رثة تنظر بفزع من فوق كتفها، كأنها تستعد للانقضاض على القاعدة، مجرد سائحة يمكن أن يتوقع المرء وجودها في مثل هذه الأماكن. بعد أن انتهت من التسجيل وأعطته مفتاحًا، أخذا المصعد إلى الدور الذي فيه غرفتهما وسار أمامها في البهو المترف إلى الغرفة. صوت الطَّرْق بعد تكرار فشلها في فتح الباب جعله يتأمل حقًّا ما قد تفعله ببساطة إذا لم يرد. قد تبدأ نوبة من نوبات صيحاتها الهامسة أو تستدعي مشرفًا. قرر الذهاب إلى الباب وفتحه لتدخل.
قالت: «حسنًا، أعتقد أنها رائعة جدًّا»، حين احتج على خطط عشاء الفندق الذي اختارته. «أنا على يقين من أن مكانًا بهذه الروعة يمكن الثقة فيه تمامًا.» ليومين قصيرين يقيمان على جزيرة ربما بأعظم تنوع طعام في العالم. لكن لا. ليس بالنسبة لآل بلنكبرج. آل بلنكبرج يأكلون دجاج كييف في البهو.
قال: «خفتُ للتو من إطلاق الرصاص عليك. ربما عليك أيضًا خلع ذلك الصوف وارتداء سترة واقية من الرصاص. على الأقل قد يكون اللون مناسبًا.»
وصلت الأطباق التي طلباها، وأكلا معًا في صمت في غرفة بأعمدة بلا نوافذ، يُحدِّقان في الآخرين الذين يتناولون العشاء. لم تهز رأسها إلا حين سألها النادل إن كانت تحب أن تتناول الحلو، لكنها قالت يمكن لبريندان أن يطلب إذا أحب. كما يفعل أحيانًا حين تصمت، شعر بضيق في صدره، بشعور بانقباض. لم يقصد أن يصرخ فيها كثيرًا في ذلك اليوم؛ كان فقط عصبيًّا جدًّا.
قال: «شكرًا على الرحلة.» كان أمامه آيس كريم بالشيكولاتة باثني عشر دولارًا في زبدية بيضاء على طبق بإطار ذهبي.
أومأتْ، ناظرة من فوق كتفه، وهي ترشف الكوكا دون سكر.
سار ثلاث خطوات إلى الأمام في طريق العودة إلى الفندق.
انتزع محفظته من منضدة بجوار السرير وحشرها في جيبه. عبَر الغرفة، كانت أمه تجلس في أحد المقاعد الوثيرة، في مواجهة النافذة التي تطل على المنتزه.
قالت: «عليك أن تشكر جدتك على هذا، تعرف. أرادت أن تعطينا — أنا وأنت — أرادت أن تعطينا دعوة بعد أن تركنا أبوك. اكتبْ لها كلمة شكر.»
قال، آملًا أن تنظر إليه حين تتكلم: «بالتأكيد، سأعود متأخرًا، موافقة؟»
البناية البيضاء في ٢٢٨ في الشارع الشرقي الثالث عشر تتكون من خمسة أدوار، تبدو عبر قطعة خالية. ثمة سلالم تؤدي إلى لوحة فضية لأجراس كهربية. لم يظهر اسم توم فيرلي في القائمة. قيل لبريندان أن يتوقع ذلك. بيت مؤجَّر من الباطن، قال توم. عليه فقط أن يدوس على الجرس رقم ١٢ ويدخل. جلس على مُنحنى على بعد بضعة منازل، ينتظر حتى لا يراه توم من النافذة ويعتقد أنه معقد لأنه وصل مبكرًا. متأكدًا من عدم وجود أحد ينظر إليه بارتياب، أخرج محفظته وعدَّ نقوده مرة أخرى. حدد توم ٢٠٠ دولار للموعد، لكنه أحضر مائة إضافية فربما يحتاج أكثر، نظرًا لشكل بريندان. تساعد النقود على دفع مصاريف مدرسة الحقوق ودين توم في الكلية.
أصوات مثل التي تحتاج إليها لتثق في نفسك. يمكن أن أكون رقيقًا على هذا النحو. لا تنزعج. صار تنفسه سطحيًّا حين تذكر الكلمات التي قرأها في البريد الإلكتروني. مارس العادة السرية مرات عديدة وهو يتخيل أن توم يقبله، لم يعرف ما يفعله حين يدخل. بدا وكأن الدقائق الأخيرة التي تبقت بينه وبين موعده لن تمر أبدًا. مرت فجأة، يقف في المدخل ويضع إصبعه على الجرس.
«مَن أنت؟» صوت رجل، صوت منخفض مشوَّه يسأل من خلال مُكَبِّر صوت على البوابة.
«بريندان. بريندان بلنكنبرج.»
«حسنًا. اصعدْ. الدور الرابع.»
فتح الباب وسار في ردهة من الطوب الأبيض والأسود.
كل ليلة لشهور يزور موقع الشبكة الإلكترونية، يقرأ يوميات توم، وينظر إلى صورة توم في كاب البيسبول وقميص كولومبيا، أو وهو يستحم والماء يجري على ظهره الأملس المتموج. قابل الكثير من الفتيان في مواقع الشات، ممن يعلنون في صفحات رئيسية مثل توم، لكن معظمهم أكبر، وكل ما يضعونه صورًا وأرقام تليفونات محمولة، وربما فقرات عن حرارتهم. توم الوحيد الذي وجده وله قصة: نشأ في أسرة مصرفي في أوهايو. يكتشفه أبوه مع ولد آخر في السنة الأخيرة من الدراسة الثانوية، يستنزف نقوده. يأتي إلى نيويورك، ويعمل مع مخرج سينمائي، ويلتحق بكلية ثم بمدرسة الحقوق. بعض المواضيع التي كتبها تعود إلى فترة سابقة، لكنها تتحدث عن صعوبة الأمر في البداية، وهو لا يعرف كيف تسير الأمور في المدينة، الحفلات والملابس، كيف بدا أن الجميع يعرفون كل شيء وضجروا منه. عرف بريندان من الموقع أن توم يُعطي مواعيد لفتيان آخرين بطريقة رومانسية عادية؛ ولا يخلط أبدًا بينها وبين مواعيد مثل التي أعطاها لبريندان. ظلَّ يُذَكِّرُ نفسه بهذا. حركة اهتزاز مزعجة تتأجج في صدره وهو يصعد السلم.
باب الشقة رقم ٤ كان مواربًا قليلًا. وهو يطرق الباب، فُتِح أكثر.
«شكرًا على دعوتي.»
قال، وقد وصل خلف بريندان ليغلق الباب: «لا مشكلة، تشرب شيئًا؟»
«رائع.»
تحوَّل مضيفه إلى الثلاجة، مقدِّمًا لبريندان فرصة لمشاهدة الشقة. المطبخ الذي وقفا فيه صغير لكنه نظيف، والطاولات عارية تقريبًا، والخزائن مصقولة بالصلب. من خلال المدخل ظهر توم مما قد يرى بريندان أنه غرفة معيشة ضيقة بأرضية من الخشب وأريكة باللون الأحمر المُشرِق، لوحة تجريدية بالألوان تبدو حديثة على الحائط فوق الأريكة. إضافة إلى ذلك، من خلال باب آخر مفتوح، ظهر سرير كبير مفروش مثل أسرَّة الفندق؛ لحاف من الصوف، وسائد كثيرة مُرتَّبة رأسيًّا على رأس السرير. بدا المكان مثل نسخة مصغرة من شيء تراه في مجلة ديكور. تخيَّل شقة توم مثل غرفة سكن الكلية: أدوات الرياضة في كل مكان، قمصان وأحذية خفيفة، كُتب القانون، لوحات للفِرق الموسيقية التي يُفضلها مُعلَّقة على الحائط. بدت الشقة مثل بيت شخص أكبر سنًّا.
سأل توم، وهو يُقدِّم لبريندان كأسًا: «هل هذه هي المرة الأولى لك في المدينة؟»
«لا، أتيت مرة مع أبي وأنا في التاسعة. نعيش في ميسوري.» يسوع! فكَّر. هل كان يستطيع أن يقول شيئًا أكثر غباءً؟
قال توم: «نعم، ذكرْتَ ذلك في رسالتك الإلكترونية. هنا، لنذهب إلى الغرفة الأخرى.» اصطحب بريندان وجلس على الكنبة الحمراء. هناك مقعد على الناحية الأخرى من منضدة القهوة. تجمَّد بريندان، ولم يعرف إلى أين يذهب. تطلع إليه توم وضرب على الكنبة بيده. «تعالَ هنا.» شعر برجفة من جديد، جثم على الناحية الأخرى من الأريكة.
منذ شحذ شجاعته تلك الليلة منذ شهرين وأرسل إلى توم رسالة إلكترونية يطلب موعدًا، تساءل مرة ومرة إن كانت وحدته الشديدة قادته في لحظة إلى الجنون. الذهاب إلى مدينة نيويورك والدفع لفتى لممارسة الجنس؟ أية لعنة يقترفها؟ أعتقد أنه أمر خطير، قالت تانيا في الكافتيريا يوم أخبرها. نزوة بالطبع، لكن الأمر خطير. خريطة الأنفاق والواقيات الجنسية التي اشترتها له كهدية للسفر دَسَّها في الجيب الداخلي لسترته. فقط لا تتركه يقتلك، حسنًا؟
حسنًا.
بلع رشفة أخرى من مشروبه.
سأل توم: «هكذا … هل كنْتَ مع فتًى من قبل؟»
تدرَّب على إجابة لهذا السؤال، لم يتطلع إلى أعلى، وحاول الرد دون أن يبدو التأثر على صوته. قال: «مرتين. لا يوجد رفيق جاد الآن.»
«رائع على أية حال. مارس معي فتيان لأول مرة. أعتقد أن ذلك مثير.»
انزلق بجوار بريندان ووضع ذراعًا على كتفيه. قال: «تعالَ إلى هنا. أعطِني حضنًا.» ترك بريندان مشروبه ومال عليه، رأسه على كتف توم، التف ذراعا توم حول ظهره.
لم يُمسَكْ على هذا النحو من قبل قط.
جعله هذا الإحساس مشوش الذهن فجأة. شعر أنه على وشك أن يفقد رشده، انفجرت داخله أشهر من الانتظار وأغلق عينيه بقوة وضم عضلات فخذيه بشدة حتى لا يقذف في بنطلونه الجينز.
همس: «هذا يشبه فترة اختبار، حسنًا؟»
«ماذا تقصد؟» سأل توم برقة في أذنه.
تراجعا من عناقهما، لكنهما بقيا قريبين، وفي المواجهة.
على موقع كولومبيا على الشبكة الإلكترونية، قال: «إن الفتيان يخوضون امتحانك الأسبوع التالي.»
يضع توم يده على ركبة بريندان الضخمة. قال: «أنت فاتن.»
«حقًّا؟»
أومأ توم. شعر بريندان بتوهج وجنتيه، حنى رأسه. «من الصعب بالضرورة تذكُّر كل القوانين. زوج أم صديقتي تانيا محامٍ، ويقول إنها تتغير باستمرار.» لمستْ يد توم قَفَا بريندان، وانسابت الأصابع في شعره، ضاغطة برقة فروة رأسه.
همس بريندان ربما بشكل أكثر هدوءًا الآن: «من الأفضل، من الأفضل ألا نصل إلى النهاية؟»
«بالطبع. ما تريد فقط. انطلق وانتهِ من مشروبك.»
شرب بريندان ما تبقَّى من كوبه وأعاد النظر إلى وجه توم، وبدا أكثر جدية، كانت شفتاه مغلقتين في خط مستوٍ. «ادخل هناك»، قال وهو يومئ باتجاه غرفة النوم. «اخلع سترتك وحذاءك. سأكون هناك بعد دقيقة.»
دخل بريندان إلى غرفة النوم وفعل ما طُلِب منه، خلع السترة ووضعها على كرسي في ركن. كل شيء على ما يرام، قال لنفسه، مُتطلِّعًا إلى السطح المنمق للتسريحة: إناء للتغيير، مفاتيح، صينية بها أزرار الأكمام، قنينة مما يبدو أنه عطر ما بعد الحلاقة. بجوار ذلك، رزمة أظرف صغيرة مرتبة. رأى اسم جريج دي مارينو مطبوعًا على عنوان الشقة. رفيق، ربما؟ شخص ما عاش هنا ذات يوم؟ معًا على سطح خشبي قاتم، ظهرت أشياء ذكورية إلى حد ما. لم تكن تشبه تسريحة أبيه، بفواتيرها المجعدة وكتالوجات مطوية الحواف اعتاد أن يبيع منها لزبائنه. قفز ذهنه إلى الفكرة المُحرَّمة، فكرة أن توم قد يكون رجلًا أكثر من أبيه: أقوى، أكثر قدرة، أغنى. في تلك اللحظة، أكثر من الرغبة في لمسة من توم، أراد بريندان أن يكون هو، أن يعيش داخل تمثال جسمه، داخل الحياة التي صنعها هنا، مُحاطًا بهذه الأشياء النظيفة. والأطفال الأكبر يدفعونه إلى الأدراج في السنة الأخيرة ويشرعون في ركله، تحدثوا عنه بضمير المؤنث، هي، «هي متقيحة.» «هي منهكة.» «انظر إليها.» لا ينسى هذه الكلمة: هي. ليست صحيحة.
خلع حذاءه وجلس على حافة السرير. من هناك استطاع رؤية ما في المطبخ، في المرآة المعلَّقة على باب الحمام. يقف توم عند الحوض، مُشْعِلًا غليونًا صغيرًا بجانب فمه، يميل برأسه إلى الخلف ويُخرج تيارًا من الدخان الأبيض. نظر بريندان بعيدًا، من النافذة، عبر عمود التهوية إلى الحائط وشريط من السماء فوقه. ربما مجرد أداة لتدخين المخدرات، وهو ما لا يبالي بريندان بفعله، لكن ربما يكون السؤال بشعًا جدًّا. حين نظر خلفه بعد دقيقة، كان توم يقف في المدخل. خلع تي شيرت ووقف وذراعاه مُعلَّقتان على جانبيه، وأثر ضئيل من الشعر الأسود على بطنه ينزل من سرته في خصر بنطلونه.
كمية الصور الجنسية التي رآها بريندان على الويب تركته في حالة رعب أو غثيان، خاصة الصور المقربة؛ بدت مثل صور فوتوغرافية مأخوذة عن كتاب في الطب البيطري أكثر مما بدت شيئًا يود اثنان القيام به معًا. الصور التي أحبَّها كانت لولدين رائعين، وجهاهما واضحان، عليهما بعض الملابس — تي شيرت، وربما البنطلونان، وقد نزلا — يقبِّلان أو على وشك أن يُقبِّلا. في ليالٍ لا تُحصى حين لم يكن هناك ما يفعله قضى الساعات بحثًا عن صورة مناسبة، يدوس مرة ومرة، منتظرًا الارتباط الغبي بواسطة التليفون بحيث يستطيع تنزيل مجموعة بعد أخرى، مُتفحصًا الأوجه والأجسام، ودماغه ينتفض إلى الأمام مثل حيوان صغير في قفص في شِرك على عجلة لا تتوقف عن الدوران، لُعابه يسيل بنفاد الصبر. وحين ينتهي لا يشعر إلا بالخمول والوحدة. فكَّر في كل الرجال في مواقع الشات، الرجال الذين أثارهم صغر سنه، يريدون مقابلته، والذين كتبوا سطورًا قذرة عن أشياء يريدون ممارستها معه. أشياء مقززة، أحيانًا. أشياء لم يكن يعرف أنها تعيش في قلوب أناس آخرين.
«عليك أن تخلع التي شيرت»، قال توم، وجاء ليقف عند حافة السرير، بين ساقي بريندان. يستطيع أن يشم الدفء المِسْكِي المُعطَّر بعض الشيء لبطن توم وصدره العاريين. أمر غبي، غبي جدًّا، لكن كل ما يستطيع التفكير فيه هو إذا خلع القميص، فسيرى توم جسمه النحيل ولا يقع في حبه أبدًا، لا يريد أن يعود بريندان أبدًا ويساعده في الدراسة، أو يساعده وهو يبدأ كمحامٍ أو يحاول ذات يوم تسوية الخلافات مع أبيه، عائدًا إلى أسرته في أوهايو ليعرفوا أن له رفيقًا.
حين لم تبدر عن بريندان حركة لخلع القميص، أراح توم يديه على كتفيه.
«المرة الأولى بالنسبة لك، أليس كذلك؟»
أومأ بريندان، متطلعًا إلى الأرضية. «أُخمن أن الأمر كان مختلفًا بالنسبة لك، لكونك كنت مع هذا الفتى من المدرسة الثانوية. كان طبيعيًّا أكثر، أخمن.»
للحظة، لم يتفوه توم بكلمة، وتساءل بريندان إن كان أذاه بتذكيره بشيء مؤلم.
«تتحدث عن اليوميات؟»
أومأ مرة أخرى، وتطلع للمرة الأولى في عيني توم، ولاحظ أنها مُحتقنة.
«بريندان. اسمع. كثير من الفتيان الذين يزورونني، فتيان أكبر منك، يحبون التظاهر بالنهم، التظاهر بغير حقيقتهم. أو يحبون أن أُمَثِّل بشكل معين. تلك الصفحة الرئيسية، واحدة من صفحات أواظب عليها لأن بعض الفتيان يحبون هذا الشيء الدراسي. يُغيِّرهم. لستُ في مدرسة الحقوق ولا أي شيء، لكني حصلتُ على كل القمصان — قمصان الجامعيين — يريد بعض الفتيان النوم مع شخص من مدرسة متميزة. كل ما أقوله هو، لسنا في حاجة إلى شيء من هذا. تبدو مثل طفل حلو. تريد فقط أن تعرف أنك تبدو حسنًا، وربما تتعلم كيفية امتصاص عضو فتًى حتى لا تتوتر وأنت مع شخص. هل يبدو ذلك صحيحًا؟»
ثبَّت بريندان عينيه على التسريحة: خشب أحمر مصقول، زجاج قاتم لقنينة عطر ما بعد الحلاقة، صندوق جلدي أسود ربما احتوى ذات يوم على سيجار مثل السيجار الذي لم يعد مسموحًا لجدِّه بتدخينه. وكلمات توم تَرْشح في ذهنه، شعر وكأن الدم الثقيل الذي لا بُدَّ أنه تدفق لفترة طويلة تحت تاج رأسه ينفذ إلى مخه، يملأ ما خلف عينيه، ضاغطًا على جمجمته، تلقيح بدائي ضد الفقد الفجائي.
لم يرد. أخذ توم يد بريندان وضغطها على البروز في بنطلونه.
«كيف يبدو؟» سأل بصوت منخفض.
مرعبًا، في الحقيقة، أراد بريندان أن يقول، ولم يقل. اختفت رائحة توم التي لاحظها من قبل. كأنه يشاهد صورة أمامه على الشاشة: رجل جميل بصدر مكشوف، ويد تخرج من أسفل الإطار، صورة يحبها لو وجدها مؤخَّرًا في بحثه وكان مرهَقًا من البحث عن قُبلة رائعة. لا أحد في حياته، ربما باستثناء تانيا، يمكن أن يتعرف عليه الآن، وهو يجلس على سرير شخص غريب، على وشك أن يمارس الجنس مع رجل. ليس عليه أن يفعل ذلك. يمكن أن ينهض ويرحل. ولكن بمجرد أن مرت بخاطره هذه الفكرة، رأى مستر جرولي، مُدرسه، في غرفة على بُعد ألف ميل، يجلس أمام الكمبيوتر، وصور رجال عراة تومض على سطح عدساته المكبرة. تمنَّى بريندان أن يصل إلى عقله ويطعن الصورة حتى الموت، لكنها استمرت وهو يواصل، تاركًا يده الأخرى تلمس بطن توم.
قال: «وماذا إذا أردتُ أن أتظاهر؟»
نظر توم إليه بميل حذر من رأسه. انتهى تعبيره بغموض، واتسعت حدَقتاه.
بدت الكلمات التي تفوَّه بها بريندان كأنها أكثر الكلمات التي نطق بها رُشْدًا، مرتجفًا ببرود، وحيدًا بأسلوب جديد أكثر ذكورة. كان صلبًا الآن صلبًا جدًّا.
قال توم: «نستطيع أن نفعل ذلك، أُخمن، إنها ساعتك.»
قال بريندان: «قبِّلني إذن. قبِّلني.»
ثم وبعض الملابس لا تزال عليهما، سقط ضوء من النافذة على ذراع توم الأملس المفتول العضلات، كانت الصورة صحيحة، أغلق بريندان عينيه وانتظر.
على الطريق الثالث سقط الشفق؛ يسرع الناس بجواره، يحملون حقائب البقالة، أو حقائب الظهر مُعلَّقة على أكتافهم. يضع البعض سماعات؛ ويتحدث آخرون في التليفون. رجلان أصلعان في بدلتين سمراوين يلغطان بلغة غريبة، وأيديهما تضربان في الهواء البارد. لا يقف سوى بضعة أولاد من أمريكا اللاتينية يعملون في محلات البقالة يدخنون السجائر قُرب ركام من صناديق اللبن، بجوارهم، عجوز أسود بلحية بيضاء يغمغم على الرصيف.
كان في منتصف اللوبي حين أدرك أنه نسيَّ أن يلاحظ كيف بدا وهو يصعد السلالم، خلف البواب، خلال الباب الدوَّار وحده، ضيفًا مثل أي ضيف آخر. أضاءت المصابيح الداخلية القاعة الفخمة؛ وكانت خطواته صامتة على السجادة. غرس المفتاح في ثقبه وفتح باب الغرفة، وتوقَّف على العتبة.
إذا كانت أمه تحرَّكت، فليس هناك دليل على ذلك. تجلس في المقعد نفسه، تواجه النافذة، تتطلع إلى الخارج على رقعة الأشجار الجرداء في المنتزه والسماء المنخفضة المعتمة. لم تلتفت لصوت دخوله.
في الربيع أخبرها نائب المدير باليوم الذي ضُبِط فيه بريندان يقاتل مع أطفال ركلوه بجوار الأدراج. برغم أنه لم تكن لديه وسيلة يعرف بها ما قاله الرجل لها، شعر بأنه كان كافيًا للإطاحة بأي غطاء حاول التواري خلفه حتى ذلك الوقت. ابنها الوحيد. لم تقل شيئًا قط، لم تلح قط على أن تعرف، لم تطلب منه قط الذهاب إلى الكنيسة حين لا يريد. كان الرجال في الجماعة متزوجين كلهم تقريبًا، وأحيانًا، حين كان بريندان يتعب وهو يتتبع في ذهنه الملابس البشعة التي ترتديها أمه في صباح أيام الأحد، يعتقد أنها قد تكون نوعًا من التعويض بالنسبة لها أيضًا، كيف تبدو الملابس ويشعر بالشفقة.
«كيف كانت زيارتك؟» سألت ولم تلتفت لتراه.
هل يمكن أن تعرفه الآن؟ بعد ما فعل؟ كيف يمكن للحقائق الفجَّة التي حدثت منذ بضع ساعات في حياته أن تُوجد في العالم نفسه الذي هو عالمها؟
قال: «رائعة. كنتُ رائعًا.»
قالت: «تعرف أنني سوف أحبك دائمًا.»
لكي يمنع نفسه من الصراخ، رجع خطوة باتجاه المدخل وأغلق الباب.
أمام المصاعد كرسيَّان على كل جانب من طاولة عليها زهور. فتح سترته وجلس، وساقاه ممدتان أمامه، ورأسه مستريح على وسادة منجدة. في الشقة ترك ٢٠٠ دولار على منضدة المطبخ والفتى، وقد تبيَّن أن اسمه جريج، يستحم، وأغلق الباب خلفه ورحل. قبل مجيئه بلحظات، شعر بدوار وبهذا الخوف البشع، عدم تصديق أن شخصًا بارعًا لمسه مع إحساس بأنه يغادر للأبد عالمًا فهمه. راقدًا على ظهره بعد ذلك، مستمِعًا إلى غريب يغسل يديه في الحمام، مستطيل من السماء الشاحبة واضح على الحاجز، وفكَّر في كم بدت الأبراج المتألقة غير قابلة للفهم حين جاءوا إلى الجسر، كيف بدا الوعد الذي تقدمه بالشهرة.
فتُحت أبواب المصعد أمامه وخرج زوجان في الثلاثينيات يرتديان معطفين فخمين وأوشحة، ظهرا بوجنات مُشرقة وحقائب تسوق. ابتسم الرجل وأتى بإيماءة وهما يمران به، ومر بخاطر بريندان أن ذلك ربما قدَّم لهذا الرجل قدرًا ضئيلًا من الرضا ليأتي بهذه الإيماءة، ليقابل شخصًا آخر في عالم الفندق، ليكتسب لوقت قصير إحساسًا بالقبول، هنا حيث ننتمي جميعًا.