نوع جديد من الجاذبية

تأليف: أندرو فوستر ألتشول١

في الواحدة صباحًا تقريبًا خرجتُ إلى الزقاق مع هوراس لنستجدي سيجارة ونقايض على تراجيديات المساء. أجده في قفصه في البدروم، يدق على عدسته المدعومة، مشيرًا إلى الساعة فوق رأسه. نراجع الشاشات لنتأكد من وضوح كل شيء، لا يوجد سكارى مشاكسون أو أزواج ماهرون ينتظرون في كمين. يمكن أن تطلق ماتي النار علينا نحن الاثنين في دقيقة ونصف تقريبًا إذا عرفتْ أننا فعلنا هذا. إذا تطلعتْ خلفها على شرائط أمن الليلة، ورأت الباب الفولاذي يُفتَح بطوبة، ونحن الاثنين مائلان على الجدار الخارجى كأننا مدرسة؛ لن يكون أمامها اختيار، يعرف الجميع ذلك.

قالت حين استخدمتني: «العبْ بحياتك الخاصة إذا أردْتَ». تطلعتْ في عيني، وصافحت يدي، ولم ترفع صوتها. «لا تعبث بحياة شخص آخر. هذه قاعدتنا هنا.» تقول ماتي دائمًا أشياء من هذا القبيل، صراحة حقيقية، وكأنها تتكلم لمجرد أن تتكلم. لكن ماتي لا تتكلم أبدًا لمجرد أن تتكلم.

حاولت أن أسخر من هذا مع هوراس ذات يوم، في أسبوعي الأول في الوظيفة، محاولًا التودد إلى الحارس الآخر. أثرتُ انطباعًا رائعًا برتابة صوت ماتي، بسمتها الباردة، الطريقة التي تضغط بها كفَّيْها وهي تُلقي عليك محاضرة. لم يعتقد هوراس أن الأمر مُسلٍّ إلى هذا الحد. فكَّ أزرار زيِّه وأراني ندبة سمراء سميكة حيث طعنه زوج بسكين على رصيف المشاة في الثامنة صباحًا وأخذ مفاتيحه. أطلقت ماتي النار على الرجل في الردهة، وقدَّمت له الإسعافات الأولية حتى جاءت عربة الإسعاف.

ليست المسألة أننا لا نستطيع التدخين في المبنى، النيكوتين عمليًّا يجعل هذا المكان متماسكًا. توجد غرف اجتماعات في الدورين الثاني والرابع مع صفائح نفايات صناعية كبيرة ممتلئة عن آخرها دائمًا. وفي الدور الثالث مطبخ قذر، وهناك السطح. لكن لتصل إلى هناك عليك المرور بالردهات البائسة، ملصقات عن باريس والجراند كانون،٢ «يوم في كل مرة» في الرسائل المتدفقة عبر شروق الشمس. تسمع النساء في غرفهن، يُصلِّين أو ينتحبن أو يتحدثن وهن نائمات، يصحن في أبنائهن أو يقرأن قصصًا قبل النوم. يسود بعض الغرف صمتٌ تام. جدران غرف الاجتماعات مكتظة بصور فوتوغرافية وقصاصات من الأخبار وتطريز بالإبر، واختبارات هجاء الصف الثالث وصُحف طلاق وصلوات إسبانية. أحب أنا وهوراس الخروج إلى الزقاق، حيث صفائح النفايات والطقس، بضع دقائق من الحرية الخالصة.

لا تخرج النساء إلى هنا. لا يقفن على السطح أو يتمشين في منتزه المدينة أو يصطحبن أبناءهن إلى تدريبات اتحاد الناشئين. لا تستطيع بعضهن الاحتفاظ بوظائفهن، لا يبرحن المبنى لأسبوعين أو ثلاثة أسابيع أو عشرة أسابيع. وحين يبرحن المبنى، لا نُراهن عادة مرة أخرى لبعض الوقت، حتى يأتين وأنوفهن مُهشَّمة أو أكتافهن مخلوعة أو ما هو أسوأ.

يقول هوراس في الزقاق: «انظر إليهن». ليس عليه أن ينظر إلى أعلى ليعرف أنهن هناك؛ أوجه مؤرقة في النوافذ، ينظرن إلى المباني البالية، نظرة غيرة لنا ونحن نُدخن في الخارج. يقول: «محزنة. نماذج محزنة.»

هوراس مُدْرج في قائمة. تعتقد أحيانًا أنه يكره النساء، من طريقة حديثه. لكنه هنا منذ ست سنوات. ساعدته وماتي تصارع شخصًا مفتول العضلات في قيدٍ متين، الفتى مُرهَق حتى تستطيع أن تشم رائحة البلور. رأيتُ وجه هوراس ونحن نمسك الزوج، يصرخ بعنف. ليس لي أن أسأل في أي جانب يقف.

بدأ الليلة يعمل لأنه رأى في السجل أن لوسيل جونسون فحص من جديد. «اشرح لي يا تشارلي»، يقول وهو ينفخ الدخان وكأنه أهانه. «أخبرني لماذا على هذه المرأة أن تأتي إلى هنا وتذهب من هنا، وتضيع حياتها في هذا المكان. أليس لها أخوة؟ أليس لها أب؟ ولا أحد يفعل شيئًا.»

يغضب بشكل خاص من النساء السود في سكاير هاوس. يقول إنه أمر خاص، على المجتمع أن يرعاه. «امرأة في الحي الذي أسكن فيه تضرب على هذا النحو لن تحتاج إلى منزل آمن. لن تحتاج إلى نظام للتقييد»، قال. ينفُض سيجارته عبر الزقاق، حيث تنفجر إلى رذاذ برتقالي صغير على صندوق النفايات. «هذا النوع من الهراء لا يحدث إلا مرة واحدة. هل تعرف لماذا؟»

سمعتُ هذا الكلام مائة مرة. أقول: «لأن الرجال السود يعرفون كيف يتعاملون مع نسائهم؟»

ضحك هوراس ضحكة لاذعة. يقول: «يعرف الرجال السود كيف يتعاملون مع الحيوانات. يربع يديه ويومئ. فركتُ سيجارتي بطرف حذائي.»

أقترح: «عُد؟» مراجعًا ساعتي. هناك في الواحدة والنصف صباحًا إعادة «شهر العسل»٣ لا أريد أن أضيِّعه.

يدمدم ونحن نتجه إلى الباب: «تتحدث عن الإنساني، أريك بعض الإنسانية اللعينة.»

أركل سلسلة الباب وأحاول ألا أنظر إلى أعلى، رغم معرفتي بأنني سوف أنظر، رغم معرفتي مَنْ أرى حين أنظر إلى أعلى: فتاة في السابعة من عمرها في بيجامة عجيبة، تلوِّح لي من نافذة الدور الرابع. ألوِّح لها بدوري، أشير إلى ساعتي وأعبِّر صامتًا عن الرغبة في النوم، لكن كاميلا تُحدِّق فقط من خلف الزجاج الواقي من الرصاص. هذا ما يحدث كل ليلة: أصعد السلَّم إلى كشكي في اللوبي، وفي الشاشات أراها تقف هناك، شخصية صغيرة تنظر إلى المكان الذي غادرتُه، وأنا أتأكد من غلق الأبواب ثلاث مرات وأنظف بندقيتي وأتساءل إذا كان سيأتي يوم يكون عليَّ قتل أبيها للحفاظ على أمنها.

يرن جرس الباب في السابعة صباحًا، ولستُ في حاجة لمراجعة الشاشات لأعرف ما يدور في الخارج: زوج على المنحنى الأمامي، يتململ في ملابسه، محاولًا ألَّا يواجه الكاميرا. حليق وبدين، ربما يضع ربطة عنق. معه زهور بالتأكيد، ورود حمراء من المحل الكوري في الزاوية، ينجزون قدرًا هائلًا من العمل. بعض هؤلاء الأزواج ضخام، ضخام حقًّا؛ والبعض ليسوا ضخامًا. يبدو البعض مثل قاع برميل، ويبدو البعض مثل المحاسبين. وحين يسيرون بجوارك، ينتابك الشعور نفسه، بالرائحة التي تفوح منهم، شيء ساخن وفاسد موضوع داخلهم، محشور في مكان أضيق من أن يحتويه.

بسرعة أسمع وقع أقدام تنزل السلَّم وأبريل بيتيلي تظهر بجوار الكشك في أفضل ثيابها بمكياج يتناسب مع الساعة. ترسم ابتسامة ضخمة، رغم الفك المتورم، تومض مثل مراهقة يقع عليها الاختيار لحفلة راقصة … تغادر، تقول، يمكن أن نُعطي سريرها لمن تحتاج إليه حقًّا. هذا ما تقوله دائمًا. تقف لتعانقني قبل أن أتركها تخرج. في الشاشات، أشاهدهما يتعانقان، زوجها يصرخ، يغمرها بالقبلات. تتماسك أيديهما وهما يبتعدان.

المرة الأولى التي كان عليَّ أن أترك فيها امرأة ترحل، بدأتُ الجدل معها، بتشكك. هزت ماتي رأسها لي عبر اللوبي. قالت فيما بعد: «ليس قرارك. لا أحد سواهن يمكن أن يرعاهن.»

صحيح. لا يمكن أن توقفهن. حتى في المرة الرابعة أو الخامسة — حين عُدْن ليمكثن فترة قصيرة، حتى تلتئم عظامهن، ويكبر شعرهن من جديد — حين يرن الباب يطرن عمليًّا وهُنَّ يهبطن السلَّم. يتحدث دارسو الحالات عن هلع النساء، وكيف يعدن لأنهن لا يعرفن شيئًا آخر يفعلنه، أو لأنهن لا يستطعن دعم أنفسهن، أو من أجل الأطفال. لكن البسمة تشدني، الطريقة التي يفتحن بها الباب ويرتمين بين أذرع أزواجهن. تعتقد أنهن يؤمن حقًّا بأن هذه المرة ستكون مختلفة. ربما تخترق أيضًا أوامر الحبس في ملفهن، وتنثرها مثل ورق التلغراف من نافذة الدور الثاني، في احتفال عظيم.

حينها يجب الاتصال بالمحكمة للحصول على نسخ جديدة خلال أسبوع أو عشرة أيام، حين تعود في سيارة الشرطة بحروق سجائر على ذراعيها أو أزيز مرتفع نتيجة كسور في الضلوع، أو الأسوأ، جروح لا تستطيع رؤيتها، مهما تكن الروح التي تخلفها وقد حلَّت مكانها أيدٍ مرتجفة وكراهية عميقة للذات لا تعثر لها على قاع لشهور.

حين عادت ماريانا أول مرة، تضع دعامة عنق وتقبض على يد كاميلا بقوة حتى إن الفتاة الصغيرة حاولت التخلص منها، فتحتُ الباب ووضعتُ ذراعًا حولها لأُدْخِلها. أغلقتْ عينيها لثانيةٍ، واعتقدتُ أنها ربما تبكي على كتفي، لكنها ابتعدتْ وجذبت ابنتها بعنف على السلَّم واختفتْ. نادت ماتي في مكتبها بعد دقيقة وحذرتني مرة أخرى. قالتْ إنه لا يوجد هنا اهتمام ذكوري إيجابي، قالت وهي تمزق الهواء بقبضتَي يديها. تفتح الباب وتغلق الباب. ترى يدًا مرفوعة، تنتزعها. ترى سكِّينًا، تطلق عليها النار. قالت هؤلاء النساء لسن صديقاتك. لسن رفيقاتك. إنهن مريضات. وعليَّ أن أقول لك، لا ترغب في معرفة ما حدث لهن.

للحظة بدا أن كل امرأة واعدتُها كان لها رفيق سابق يضربها. لأن البعض لم يكن متوقَّعًا، كان نوعًا من رد الفعل التلقائي، الدفع العنيف وسط المعركة، مشروب يُلقى على الحائط؛ وبالنسبة للبعض الآخر متعمد، ومنهجي. بدأ الأمر مع تريزا، خطيبتي القديمة. بسرعة بعد أن انتقلت للعيش معي، حكت عن رفيقها السابق، كيف اعتاد الصراخ وهو يلف الفوطة حول قبضته بحيث لا يخدشها. جلستْ على حافة السرير، وظهرها باتجاهي، وأنا أضع وسادة على وجهي وهي تخبرني بمدى شعوره بالأسف بعد ذلك، وكيف اعتقدت أنه اختلف، وكأن شيئًا كان يسيطر على جسمه.

قالت إنه وضعها في غرفة الطوارئ ذات يوم، وعادت إلى البيت في اليوم التالي لتجده في البانيو، حلق رأسه ويحاول قطع رسغيه. وحين سألتُها لماذا لم تتركه يفعل ذلك، أغلقتْ عينيها ولوت فمها مبتسمة، وكأن هناك شيئًا في الحب لا يمكن أن أفهمه.

سمعتُ هذه القصص كثيرًا ولم تعد تثير دهشتي. لم أعرف ما يجذب إليَّ هؤلاء النساء اللائي كُنَّ مع مثل هؤلاء الرجال. حلمتُ بأنني أهجم على الفتى في الشارع وأسحق وجهه في الرصيف. كان ذلك وأنا أعمل في المركز التجاري، وجدتُ نفسي أنفِّذ الأمر في لص معروضات غبي، غارسًا عنقه في الجدار.

ما أدهشني أنهن كن يعدن جميعًا. ربما يذهبن للاستشارة أو يقلعن عن الشراب معًا، ولا يختلف الأمر، لا يتوقف الضرب بعد المرة الأولى. لا أحد من هؤلاء المتسكعين دخل السجن. لم يوجه أحد اتهامات لهم. كان الرفيق السابق لتريزا الوحيد الذي وقِّف، وذلك لأنه نزع التليفون من الحائط حين حاولت الاتصال برقم ٩١١. من الواضح أن انتزاع التليفون من الحائط جريمة فيدرالية.

آخر ما نفعله أنا وهوراس كل صباح وضع الأطفال في الأتوبيس. يحضرهم المستشارون إلى السلَّم الخلفي ويتراصون بجوار قفص هوراس ومعهم حقائب الكتب وصناديق الغداء، حين نرى الأتوبيس في الشاشات يتوقف، نقف خارج البوابة الفولاذية ويمر الأطفال بيننا. إنها تقريبًا مثل أي محطة أتوبيس أخرى، مجرد مجموعة أطفال يذهبون إلى المدرسة، باستثناء ذلك لا يصدر تقريبًا أي صوت عن هؤلاء الأطفال، لا يضايق أحد منهم الآخرين ولا يشكون، ويحتاجون إلى رجلين مسلحين بالبنادق للتأكد من أنهم يركبون الأتوبيس بخير.

أحيانًا يكون هناك أب في الزقاق، لا يفعل إلا أن ينادي على طفله ويلوح له. «قل لأمك إنني أحبها» هذا ما يقولونه عادة. لدينا خطوط على الرصيف على بعد ١٠٠ قدم وعلى بعد ٢٠٠ قدم، لمعرفة أين يُخرَق الأمر بالضبط. أحيانًا، أشاهد أبًا بزاوية عيني، أكتشف أنني أتمنى أن يعبر الخط ليعطيني مبررًا.

يقول هوراس إنه لم يرَ مشكلة أبدًا في الأتوبيس. يعرف الآباء أنه لا شيء يكسبونه هنا، ماذا والأم مغلق عليها مع وجود حارسين مسلحين. يقول إنهم يأتون فقط للشعور بالأبوة لبضع دقائق. ربما يأملون أن يلوح لهم أبناؤهم. ربما يأملون أن يجري الأطفال إليهم ويصيحون: «دادي، دادي!» وعلينا أن نوقفهم إذا فعلوا ذلك.

عقدتُ اتفاقًا مع باحثة حالة كاميلا يسمح لي بأن أربت على رأسها قبل أن تصعد الأتوبيس. اعتادت أن تجري إليَّ وتحضن ساقيَّ، تشاهد باحثة حالتها، وتنبه، وأنا أقف هناك وأحاول أن أبعدها برقة. الآن يُسمَح لي بأن أقول: «تقضين يومًا سعيدًا في المدرسة»، ويُسمَح لها بأن تمنحني قبلة.

في الأسبوع الماضي ظهر أبوها في الزقاق. عرفتُ أنه هناك لأن كاميلا خرجتْ من الباب وتجمدتْ وبدأتْ تصرخ على الفور. صاح: «كاميلا. أحبك كاميليتا. قولي لأمك إني أحبها».٤ وكان على باحثة الحالة أن تحملها إلى الأتوبيس. التفتُّ لأرى رجلًا متوسط العمر يرتدي بنطلونًا وسويتر صياد سمك. أدركتُ أنني قد أتعرض لنظرة قذرة أو لعنات إسبانية، لكنه لم ينظر إليَّ. حدَّق فقط في الأتوبيس وابتعد وقرض بشكل بشع ظفر إبهامه.

في الأمسيات تكون الأمور شكلية أكثر. من الثامنة، حين آتي، حتى العاشرة، تكون النساء كلهن في اجتماع. يُفترض أن يضع المستشارون الذين يأتون في الليل خطط أنشطة للأطفال، لكنهم غالبًا ينجزون واجب المدرسة أو يشاهدون التليفزيون. أجلس في كشكي مع سجلات اليوم وأشرب قهوة، وأقرأ عن أي نزيلات جُدد أو أشاهد «عجلة الحظ» في تليفزيون أبيض وأسود صغير. في النهاية، بزاوية عيني، أرى نصف وجه وبضع خصلات من الشعر تختلس نظرة حول زاوية بئر السلَّم. أتظاهر بأنني لا ألاحظ، أتطلع إلى المفكرات على الحامل، تنزل الدرجات الأخيرة لتتعلق في باب الكشك.

«بوو!» تصيح، وأتظاهر بأنني أسقط من مقعدي.

«لا ينبغي أن تقتربي خلسة من رجل ببندقية»، قلتُ لها ذات يوم، معتقدًا أنها دعابة، لكنني رأيتُ من وجهها أنها لم تكن دعابة. في مرة أخرى وضعتُ يدي في الهواء وقلتُ: «من فضلك، لا تؤذيني!» وكأن الأمر سرقة بالإكراه. لم تكن دعابة أيضًا. عليك حقًّا أن تهتمي بنفسك.

تأتي كاميلا بالواجب المدرسي إلى الدور السفلي، أتركها تجلس في مقعدي وأساعدها في الرياضيات. كانت تحفظ جدول الضرب، ولم يكن لها حيلة إطلاقًا في القسمة المطوَّلة. في الليلة الماضية كان عليَّ أن أقول لها مرة أخرى إن حاصل القسمة لا يكون بالضرورة تامًّا، يكون هناك باقٍ أحيانًا.

قالت: «هذا غباء»، وطوَّحت الكتاب على الأرض. بدأت تضغط الأزرار على الحامل ولم أسمع القفل الكهربي على الباب الرئيسي يُغلق ويُفتح. راجعتُ الشاشات بسرعة، وكانت خالية لحسن الحظ، لكني لا أريد العبث بالأبواب. أخذتُ الكتاب والقلم الرصاص ووضعتُهما أمامها، لكنها لم تتوقف.

قلتُ: «كاميلا، لا ينبغي أن تلمسيها»، وحين واصلتْ مددتُ يديَّ ووضعتُهما على يديها — برقة حتى إنني لم أتنفس — وأبعدتُ ذراعيها. «علينا أن نُبقي الأبواب مغلقة»، قلتُ وأنا أرجع بالمقعد إلى الخلف.

قالت: «لماذا؟»

«تلك هي القاعدة، للحفاظ على أمن الجميع.»

قالت: «لكن ماذا يحدث إذا أراد أحد الدخول؟»

أشرتُ إلى الشاشات وقلتُ إن أي شخص يريد الدخول يستطيع التحدث معي عبر الاتصال الداخلي. تعرف هذا كله. تحدثنا في ذلك من قبل. قالت إنها تريد أن تخرج وتستخدم الاتصال الداخلي. أرادت أن أسمح لها بالدخول. حين قلتُ لا، قالتْ إن عليَّ أن أخرج وستسمح لي بالدخول. أرادت أن تتأكد من أن القاعدة لا تُخترَق.

قلتُ لها: «غير مسموح لي بالخروج.»

«تتعرض لمشكلة؟»

«نعم، أتعرض لمشكلة.»

«هل تتعرض لعقاب؟»٥ سألتْ، ولم أعرف ماذا تقصد، فاكتفيتُ بالإيماء.

انتهينا من المسألة الأخيرة وقلتُ لكاميلا حان وقت غسيل الأسنان. كانت المجموعات تصعد السلالم، تخرج النساء من غرف الاجتماعات، يثرثرن عن الكافيين والتأكيدات.

«يريد دادي أن يزورني»، قالتْ، وهي تمسح اسمها وتُعيد كتابته في كتاب التدريبات، نافضة مخلَّفات المسح على الحامل. «يقول إنه يريد أن يأخذنا إلى البيت.»

سألتُ: «هل رأيْتِ أباك اليوم؟» محاولًا أن يبدو السؤال عرَضيًّا.

«قال إنه يريد رؤية غرفتي.»

أخذتُ نفَسًا عميقًا. عليَّ أن أخبر باحثة حالتها. ينص النظام فيما يتعلق بأبيها على ألَّا يذهب إلى مدرستها، لكن ليس لديهم ما يكفي من العمال للحفاظ على هذه الأمور. في الشهر الماضي أُخذ أحد التابعين لنا في الصف الأول مباشرة. وظل مفقودًا لأسبوع تقريبًا حتى عثروا عليه، في لوكاندة مع أبيه، على بُعد بلدتين. كانا يشاهدان التليفزيون ويطلبان بيتزا، وكأنهما لا يستطيعان التفكير في شيء آخر يقومان به.

قالت كاميلا: «يقول إنكم لن تدعوه يزورني.»

رأيتُ أباها خلفي في الزقاق وكاميلا تركب الأتوبيس. اندهشت مع عدد المرات التي يأتي فيها في الصباح في الخارج هناك، يشاهد، بمَ يشعر حين يرى ابنته تمسك بساق رجل غريب ويناديها؟ توقفتُ عن التفكير في الموضوع، تقول ماتى إن أسوأ ما يمكنك القيام به هو التماهي مع هؤلاء الناس.

قلتُ: «يمكن فقط أن أسمح بالدخول لمن يُطلَب مني إدخالهم»، واستعدتُ مقعدي. حاولتُ الكلام بطريقة ماتي، ببطء وتأكيد: «بهذه الطريقة يكون الجميع في أمان.»

طوتْ ذراعيها في الباب وحدَّقت: «دادي يحبني.»

تظاهرتُ بأنني أفرد بعض الأوراق، وفحصتُ الشاشات مرة أخرى. أرى النساء في ردهات الأدوار العليا، يملن على الجدران، في صف عند التليفونات العمومية، في انتظار أن يكلمن أزواجهن، أن يمسكن السماعات خمس عشرة دقيقة مخصصة لهن.

قلتُ: «أعرف.»

«يحبني.»

رأيتُ ماريانا في بسطة الدور الثالث، في طريقها للنزول. لا يمكن أن تتجاوز الخامسة والعشرين وتبدو أكبر بكثير. شعرها مدفوع بإحكام إلى الخلف وتسير بميل، ورأسها مائل إلى جانب كأنها تستمع لشيء ما. لم تتحدث قط مع النساء الأخريات. وقفتْ كاميلا على باب الكشك وعبستْ.

قالت في النهاية: «أنت غبي.»

«تحتاج إلى التصرف بحذر مع كاميلا لوبيز»، قالت ماتي في التليفون. تراجع الأمور عادة في الحادية عشرة تقريبًا. الآن أنا في وردية الليل، أراها فقط في المتابعة الشهرية، أو حين تكون هناك مشكلة حقيقية. «تتصرف الفتيات الصغيرات في سنها بطرق جنسية جدًّا مع الرجال. هكذا يحظين بالاهتمام.»

«جنسية؟» قلتُ بصوت مرتفع جدًّا. حاولتُ أن أضحك: «أساعدها في القسمة المطولة، لوجه المسيح.»

«لا تدافعْ. لا أتهمك. لستَ مدرَّبا لتعرف هذه الأمور. لا تعرف ما أعرفه.»

كنتُ أعرف إلى أين تتجه. مسموح لي أنا وهوراس بالاطلاع على أوامر المحكمة، ولذا نعرف ما علينا فعله، لكن لا يُسمح إلا لباحثي الحالات بالاطلاع على الملفات. نسمع الكثير من المسئولين، وهناك المزيد دائمًا. حدقتُ في الشاشات، في العالم الزيتوني الباهت حول سكاير هاوس، وماتي تتحدث عن التعزيز الإيجابي، والحواجز المناسبة، والتلميحات غير اللفظية. شعرتُ بهذا الضيق يزحف ثانية، بتلك الحرارة على قفاي. في الإشراف الأسبوعي الأول، منذ عام تقريبًا، عبَّرتُ لماتي عن مدى شعوري بالغضب حين أفكر فيما تعانيه هؤلاء النساء، فيما يعانيه الأطفال. ثنيت دبوس ورق حتى ترك آثارًا سوداء في أناملي وقلتُ إذا حاول زوج أن يفعل شيئًا وأنا بقربه فسيتعرض لأسوأ مما تعرضت له زوجته. وضعت ماتي ملفي وطلبتْ مني أن آخذ الأسبوع التالي إجازة لأقرر إن كانت هذه الوظيفة مناسبة لي. لم يكن هناك ما يثير الغضب أو خيبة الأمل في الطريقة التي قالت بها ذلك، لكن لم يكن هناك شيء مشجع أيضًا.

قالت: «من الأفضل ألا تهتم كل هذا الاهتمام. لا نريد رامبو آخر.٦ ذلك هو السبب من وجود معظمهن هنا في المقام الأول.»

في الزقاق، سألتُ هوراس إن كان يعتقد أن هناك ما يقلق في الطريقة التي تحضنني بها كاميلا أو تطلب بها مني أن أحملها. سند قدمًا على الحائط ونفخ الدخان باتجاه النوافذ.

قال: «يتصرف بعض هؤلاء الأطفال مثل الأطفال. يكبرون وهم يعتقدون أن الجميع ملاعين مثل أمهاتهم وآبائهم. تعتقد في لحظة أنك تعانق شخصًا، وفي الدقيقة التالية يؤذونك في الصميم.»

قلتُ: «الأطفال عاطفيُّون بشكل طبيعي. لا تحتاج إلى إنكار ذلك»، لكن بدا الأمر وكأنني أطرح سؤالًا.

دمدم رذاذ خفيف على صناديق النفاية وخرج زفيرنا في سحب برتقالية. فاحت من الزقاق رائحة مطاط يحترق، وكأن شخصًا ما يُسلَخ في الركن. قال هوراس: «تسألني، عليهم أن يغلقوا على الاثنين، الأم والأب. تجعل طفلتك ترى هذا الخرا، تراك تتحمل هذا، والآن أي رسالة لعينة في ذلك؟»

«ضعف»، قال وهو في طريقه للداخل، يستعد لنوبة غضب. «لا شيء يجعل المرء يرغب في أن تكون ضحية بأكثر مما أنت ضحية الآن. يستطيعون أن يشموا هذا، كما يشم سمك القرش رائحة الدم على بعد ميل. إذا لم يكن هناك دم، يمكنك أن تسبح بجوار سمكة القرش مباشرة وستتركك في حالك. لكن لو عرفت أنك ضعيف …» قال وأغلق باب كشكه. شاهدتُه يجلس على مقعده مربعًا ذراعيه، وفمه يتحرك، وصوته المثير الأجوف يدوي في مكبر صوت بسماعتين.

في الأدوار العليا، راجعتُ كل الأبواب والنوافذ ووضعت «شهر العسل»، رالف يتميز غيظًا مرة أخرى وأليس تهز قبضتها في وجهه. شاهدتُ كاميلا في الشاشة، ظهرها للكاميرا وهي تُحدِّق من نافذة غرفة الاجتماعات. في بعض الليالي تقف هناك لساعات، ملفوفة في ثوب عجيب. ربما كانت قلقة لأن أباها سيأتي ليأخذها. أو ربما تتمنَّى أن يأتي. في الشهور التي سبقت خروج تريزا اعتدتُ الوقوف عند نافذة مطبخنا، أشاهد الشارع. أحيانًا أرى رفيقها السابق، يقود سيارته ببطء قُرب المبنى، محدقًا في النوافذ؛ حين أذهب إلى هناك يكون قد انصرف دائمًا. في مرات أخرى، منتظرًا عودتها إلى البيت، أجلس والنور مطفأ أصلي لحين تظهر سيارتها.

بعد أن ركب الأطفال الأتوبيس ذهبتُ إلى البيت وأظلمتُ المكان ونمتُ في الصباح. حلمتُ مرة أخرى، الحلم الذي رأيتُه لشهور: أنا في الدور الرابع وقد وجدتُ غرفة لم أدخلها من قبل. النوافذ مفتوحة، وستائر طويلة ترفرف، ولا أعرف إن كان شخص ما دخل أم خرج. أندفع على السلَّم ولم أكن سريعًا بشكل كافٍ، أتحرك تلك الحركة البطيئة المعذِّبة. هنا أستيقظ عادة، لكن في هذه المرة كان هناك المزيد. في هذه المرة كان والد ماريانا في الشارع، وماتي تصرخ في من قاع السلم ولا أعثر على بندقيتي. «نهاية الأسبوع!» ظلَّت تصيح، كأنه لا ينبغي لمثل هذه الأمور أن تحدث، وتحسستُ محفظتي، محاولًا أن أضعها في القاع، وكانت هناك سلالم كثيرة، وكانت قدماي ثقيلتين حتى عرفتُ أنني لن أحقق شيئًا.

كانت ماريانا تتحدث إلى زوجها مرة أخرى، رافعة سماعة التليفون العمومي في الدور الرابع كل ليلة في ذلك الأسبوع. عرفت باحثة حالتها ذلك من مستشار وردية الليل، رغم إنكار ماريانا ذلك أثناء الجلسات.

«إنه النمط القديم»، تقول باحثة الحالة، وهي تهز كتفيها وأتوبيس المدرسة يبتعد. «ليس لديها حقًّا شخص آخر، لا تتمتع بمهارات أو خبرات. تعود إلى زوجها أو تعود إلى السلفادور.» تتطلع إلى الحائط المُشيَّد من الطوب والنوافذ الواقية من الرصاص والسماء الرمادية الغائمة. «أو تبقى هنا.»

يذهب إلى مدرسة كاميلا كل صباح، تقول باحثة الحالة، يعطيها ملاحظات توصِّلها إلى أمها. تقول: هكذا تجري الأمور في المرة الأخيرة. اتصلت بالمدرسة، بالبوليس؛ لا أحد يتصرف بمسئولية.

أقول: «هناك ما يمكن أن تفعليه». تتطلع إليَّ كأني بثلاثة رءوس. «لا يمكن أن تعود. أقصد هناك فتاة صغيرة في الموضوع.»

تقول: «أدرك ذلك يا تشارلي.»

قلتُ: «هل أركب الأتوبيس معهم. وأتأكد أن الأمور تسير في المدرسة على ما يرام.»

تنظر إلى يديها: «للمدرسة حُرَّاس أمن.»

«اللعنة على الوظيفة التي يؤدونها.»

«أقول فقط.»

تميل على الحائط، تتطلع إليَّ عبر نظارتها. في مثل عمري، وربما أصغر قليلًا، وجهها جميل إذا لم تربط شعرها للخلف، إذا ابتسمت من حين لآخر. يبدو أنفها وكأنه تعرض للكسر من قبل. حين تتحدث لا ترمش عيناها.

أقول: «لا بُدَّ أن هناك ما يمكن أن نفعله.»

«نفعله»، تتنهد، وتتحدث مباشرة. «نعطيها الاختيارات. نمنحها مكانًا يمكن أن تكون آمنة فيه، طالما كانت في حاجة إليه.»

«ماذا عن اختيارات كاميلا؟» أقول، بهدوء بقدر ما أستطيع.

لا ترد الباحثة. ليس سؤالًا مناسبًا حقًّا. تربت على ذراعي وتدخل. أعرف من وضع كتفيها كم هي مرهقة. أحاول تخيُّلها خارج سكاير هاوس، تسير في منتزه أو تقود سيارة، أو تخرج لموعد، ترشف مشروبًا، وشعرها متهدل حول كتفيها. لكن كل ما يمكن أن أراه هذا التعبير المنهك، الخطوط في زوايا عينيها تتعمق يوميًّا. أشاهد وجهي، وأنا أحلق في مرآة الحمام. خلفي، شقتي الصامتة، الثلاجة الخالية والاستريو المحطَّم، ناحية من الخزانة عارية حيث اعتادت تريزا تعليق ملابسها.

حصلتُ على وظيفتي في الملجأ حين فصلتْ ماتي الحارس السابق، ولد لقبه تريفور. لم تخبرني أبدًا بما فعله لتفصله، لكنها قالت إنها كانت تعرف دائمًا أنه لن يستمر. في الإشراف كان يضحك ويتحدث بسخرية. قال لماتي: مما يثير السخرية أن نساء كثيرات يعلِّقن صلبانًا في غرفهن. ومما يثير السخرية أن أزواجهن في الخارج، يعيشون حياة طبيعية، وهؤلاء النساء محبوسات مثل المجرمات. قالت: لم يكن ذلك ما يجعله لا يتعاطف معهن. رأى فقط أنهن غير حكيمات، وأنهن مثار السخرية، بائسات في وضع ساخر بقسوة.

لكن السخريات الرخيصة كثرتْ في سكاير هاوس ولن تسمح ماتي لك بالتقليل من شأن النساء. قالت لي ذات يوم: «إنه تدمير مؤكد بصورة متبادلة، مثل القنابل بالضبط». شاهدنا فقط عربة الإسعاف تبتعد؛ ابتلعت امرأة قنينة حبوب وانهارت في الاجتماع. قالت ماتي: لا تستطيع منع الناس من تشويه حيواتهم. لا تستطيع حتى منعهم من تشويه حيوات الآخرين، إذا كان ذلك ما يريدونه. كل ما تستطيعه تقديم خيارات لهم، تقديم نسخة مقننة من الحرية، وتتراجع وتغطِّي أذنيك وهم يصرون على ضغط الزر.

قلتُ لها: «الآن أقف هناك وألوح ثم تضغط هذا الزر لتسمح لي بالعودة.» أشير إليها على الزر ثلاث مرات، حتى تأكدتُ أنها تعرف الزر الصحيح. أقول: «لا لَعِب في ذلك. ألوح، تضغطين.»

لكن كاميلا تريد أن أكلمها في الاتصال الداخلي. تقول استأذن.

«لا. عليكِ فقط أن تضغطي الزر. هذا كل ما في الأمر.»

تربع ذراعيها وتلف وتلف في الكرسي. تقول: «لكن تظاهر بأني لا أعرفك. اسأل إن كان يمكن أن أسمح لك بالدخول.» تتوقف عن اللف، وتضع ذراعيها حول خصري. «من فضلك؟»

ألقي نظرة على الشاشات. لا تزال أبواب غرفة الاجتماعات مغلقة، وكان رصيف المشاة والزقاق خاليين. هوراس في مطبخ الدور الثالث، يأخذ فترة الراحة الأولى. «لا يمكن أن تخبري أحدًا قط»، أقول وأنا أريها كيف تفتح الاتصال الداخلي. «سأتعرض لمشكلة كبيرة.»

«حسنًا.»

«وعد؟» تومئ في هدوء.

وأنا أفتح الباب الرئيسي، ألتفتُ لأتطلع إليها، تجلس في مقعدي، تُحدِّق في الحامل، تزم شفتيها في تركيز. في الخارج على المنحنى، أنتظر بضع ثوانٍ وألوح للكاميرا، أضغط جرس الباب، أمسك بالمقبض. بعد لحظة، تطقطق السماعة، ولا صوت هناك. تطقطق مرة أخرى، فقط نهاية ما حاولت كاميلا النطق به.

«أنا تشارلي»، أقول في السماعة وأبتسم للكاميرا. أدرك أنني نسيت مفاتيحي في القفص. «هل يمكن أن أدخل من فضلك؟»

ثمة طقطقة أخرى في السماعة، طقطقة سريعة تفتح القفل وتغلقه، أسرع من أن أدفع الباب لأفتحه. أتطلع في الكاميرا وأنتظر، تفعل ذلك مرة أخرى — تفتح وتغلق — لا تضغط على الزر وقتًا كافيًا لتفتح الباب.

«كاميلا، لا مجال للعبث»، أهمس في السماعة. «افتحي الباب.» لكن حين تطقطق مرة أخرى أسمعها تضحك، وتنطق باسمي. يطقطق القفل، بسرعة كبيرة، تلعب بهذا الزر مثل لعبة لعينة من ألعاب الفيديو، وكأن الأمر كله لعبة. ثم يتوقف عن الطقطقة تمامًا.

للحظة كان الجو هادئًا خارج سكاير هاوس. واجهة المبنى مزينة بنوافذ مضيئة، إذا نظر شخص ورآني أقف هنا، إذا أخبروا ماتي بذلك في الغد، قد أودع وظيفتي. «كاميلا، افتحي الباب»، أقول، محاولًا أن أبقي صوتي منخفضًا، أشد الفولاذ المقوَّى. «افتحي الباب اللعين أو ستذهبين إلى السجن.»٧ بدأتُ أعرق. لا رد، دقيقة أخرى وأنا أقف في الخارج مثل شخص أحمق، ثم يئز القفل بثبات وأدخل مرة أخرى.

«كاميلا»، أقول وأنا أفتح باب الردهة، مستعدًّا لإبعادها عن الكرسي وإرسالها إلى الأدوار العليا. لكن ماريانا تقف أمام كشكي، تمسك ابنتها بإحكام من ذراعها، تصيح كاميلا، وتخبئ وجهها في ورك أمها، ممسكة بطرف بلوزة أمها في يد وتضرب بقبضة الأخرى ساق أمها. تلتفتُ لتنظر إليَّ، بوجه أحمر بائس، وتصرخ أكثر.

«أرادت فقط أن تعرف كيف يعمل الباب»، أقول، وأنا أنهج، وأشعر بأن عليَّ الاعتذار عن شيء. تتطلع ماريانا إلى الأرضية، ولا تزال قابضة على كتف كاميلا. تصل بلوزتها إلى ركبتيها تقريبًا، على بنطلون جينز قديم. تبدو صغيرة جدًّا، يمكن أن تكون أي واحدة، فتاة جامعية في سكن جماعي، أو أختًا صغيرة لشخص ما. فوق رأسها، الشاشات رمادية وخالية.

تقول ماريانا بهدوء: «فتاة سيئة جدًّا». تسعل كاميلا وتعطس. «لا تسمع كلامي، لا تسمع كلام أبيها.»

أقول، متفحصًا الحامل، والكشك: «غلطتي، ما كان لي أن أتركها تفعل هذا.»

«آسفة»،٨ تقول ماريانا. «سأُبقيها في الغرفة. لن تزعجك.»

أقول: «كل شيء على ما يرام، لم يحدث شيء يستحق.» أمد يدي وأضعها على رأس كاميلا، تختبئ خلف أمها. ترفع ماريانا عينيها، ولثانية فقط أتخيلها فتاة صغيرة، تعود إلى السلفادور، رغم هذا كله. ثم أتخيلها فوق، في الدور الرابع، في الغرفة الصغيرة التي تشاركها ابنتها فيها، تحدِّق في الزقاق وتتساءل ماذا حدث بحق الجحيم.

أقول لماريانا، التي ترمش لي من باب كشكي: «فتاة طيبة، رائعة جدًّا. مثل أمها بالضبط.»

لثانية بدا أنها توشك أن تبتسم. تخفض عينيها بسرعة، وتنسل من جواري. تهمهم باعتذار آخر وتقود كاميلا إلى السلم؛ أجلس في مقعدي، أشاهدهما تتحركان في الشاشات، تعودان إلى الدور الرابع، لتكونا في أمان بقية الليل.

في الليلة التالية يصدر الباب الرئيسي صوتًا وأنا وهوراس نتجه إلى الخارج لندخن. أتجمد ثانية، متأكدًا أنه والد كاميلا. عليَّ أن أجز على أسناني وأتبع هوراس إلى كشكه. عليَّ أن أتذكر أنني محترف، لا أتقاضى أجرًا لأفهم.

لكن الرجل الذي في الخارج أبيض، في الثلاثينيات، يرتدي بنطلونًا من الجينز وقميصًا. يقف ويداه في جيوبه، يصفِّر وينظر للسماء. خلال الشاشات يبدو ودودًا غالبًا، مثل وكيل شركة تأمين؛ إذا رأيتَ هذا الرجل في سوبر ماركت لن تفكر مرتين. لم نرَه من قبل، ربما زوج زبونة جديدة، يجس المياه فقط، ليرى إلى أي حد يمكن أن نتركه يفلت دون عقاب.

يفتح هوراس الاتصال الداخلي ويقول: «آسف، لم نطلب بيتزا.»

«أريد أن أرى زوجتي»، يقول الرجل. يتطلع مباشرة إلى الكاميرا، ويميل إلى الأمام فيبدو وجهه أكبر في الشاشة، يتفرع إلى وحدات صغيرة خضراء على الشاشة. حدقتاه ضيقتان مثل خرم إبرة.

يقول له هوارس: «انتهت ساعات الزيارة. أمامك دقيقتان لتنصرف من هنا.» يحافظ على صوته هادئًا وحازمًا، كما تعلَّمنا بالضبط. بارع حقًّا في هذا، رأيته يضع رَجلًا في ذراعه والزوجة تخمش وجه هوراس، فينزف، كل ذلك ولا يرفع صوته. لا أعرف كيف يفعل ذلك، كيف يكبح كل هذه المشاعر. أتساءل إن كانت تخرج حين يعود إلى البيت، إذا كانت هناك عيوب ضخمة في دهان جدران منزله حيث يضرب، مثلما أفعل.

يزمجر الرجل في الكاميرا: «أمامكما دقيقتان وتلعنان يوم ولِدتما، إنها زوجتي اللعينة، أنتما خرا.»

الساعة في حامل هوراس الواحدة وثماني دقائق صباحًا، أُخرِج سجل الأحداث لأبدأ كتابة تقرير. يميل هوراس للخلف ويربع ذراعيه، محاولًا أن ينتظر في الخارج. لا تريد أبدًا الالتحام مع زوج، خاصة حين يكون متوثبًا لشيء، مثل هذا الرجل. تحافظ على الأمر بشكل ودِّي قدر ما تستطيع، ليعرف الحدود، وتأمل في أن يُبدي شعورًا طيبًا وينصرف، وهو ما لا يحدث أبدًا تقريبًا.

يقرع الزوج الجرس مرة أخرى، ساحقًا الزر وصارخًا في الاتصال الداخلي. دقيقة وتبدأ النساء في الخروج من غرفهن. سنشاهدهن في الشاشة، أشباح في ملابس النوم يزحفن في الردهات. يُصدر الجرس صوتًا في الكشكين فقط، لكن بطريقة ما يعرفن، بما يشبه الحاسة السادسة.

يقول هوراس وهو يُحرِّك عينيه: «لا تجعلني أستدعي البوليس، تصرَّف بشكل أفضل.»

يقول الزوج: «أحطم هذا الباب وأركلك في مؤخرتك»، ويبدأ قرع الباب بعنف، يضربه بكتفه. «تسمعني يا ملعون؟» يصرخ مشيرًا بإصبعه إلى الكاميرا. «حين أدخل أسحق رأسك وأتبرز على عنقك. أريد أن أرى زوجتي اللعينة!»

أقول: «نقطتان من أجل التبرز على العنق. هذا الشخص مبدع.»

«أجل، شاعر حقيقي»، يقول هوراس، ويتناول التليفون. هناك نساء في الردهات الآن، يتهامسن بين أنفسهن، يدفعن أطفالهن للعودة إلى الغرف. سينتهي هذا كله في خمس دقائق حين يصل البوليس. الشيء الوحيد الذي يجب القلق بشأنه إن كان الزوج سيُلقي نظرة على زوجته أم لا. إذا ذهبتْ زوجته إلى النافذة، وتطلَّع الزوج إلى أعلى ورآها، انتهت كل الرهانات. رأيتُ زوجًا يزن ١٤٠ رطلًا يتغلب على ثلاثة من رجال الشرطة بعد أن رأى زوجته في النافذة. رأيتُ رجلًا يشق طريقه إلى الدور الثالث بتسلق واجهة المبنى، كانت زوجته تضرب على الزجاج محاولة أن تضع ذراعيها حوله. لم أستطع التوقف عن التفكير في أنه لم يكن إنسانًا، لا يتصرف البشر عادة بهذه الطريقة. شاهدتُه في الشاشات، يقبض على الطوب حتى جاءت وحدة المطافئ، وكانت زوجته محجوزة بواسطة المستشارين، لم يكونوا بشرًا، كانوا أشبه بفراشات تلف حول مصابيح، تقودهم غريزة فظيعة لا يمكن السيطرة عليها.

هذا ما لا تقوله لي تريزا، لم تستطِع التوقف عن العودة إلى رفيقها السابق، مرة بعد أخرى. شيء غير قابل للتفسير. قوة الطبيعة. كنا معًا لعامين، وقالت إنها تحبني، ولم أشعر بذلك قط. كانت مجرد كلمات حين تقولها، بلا قوة.

يندفع رجال الشرطة أخيرًا، وبعد صراع اضطراري — يبصق الزوج في وجه أحدهم، يضربونه على كبُّوت السيارة، ساقاه وحشيتان ومرنتان، يصفعونه — الأمور تحت السيطرة. نُلقي أنا وهوراس قطعة عملة لنعرف من منا يذهب ليُهدئ النساء. أخسر، وأتسلق السلَّم إلى الدور الثاني، حيث لا يزلن يهمسن في الردهة ويحدِّقن من النوافذ. لوسيل جونسون على التليفون، ضاربة بيدها على الحائط، ووجهها ملطخ بكريم بارد. أخبرهن بأن كل شيء على ما يرام، وعليهن أن يعُدن للنوم. أُبقي يديَّ مفتوحتين على جانبي كما أرتْني ماتي. أحافظ على مسافة مقبولة. هؤلاء النساء يعرفنني، يعرفن أنني لا أؤذيهن، لكن المسألة لا تتعلق بما يعرفنه. أتحدث بهدوء، وأبذل قصارى جهدي حتى لا أنظر إلى أرواب الحمام المفتوحة، أو ملابس النوم الرقيقة أو البنطلونات البالية، ابتسامة الخجل من امرأة تميل إلى الحائط وتحاول إخفاء جبيرة على رسغها.

«من كان يا تشارلي؟» يسألن وعيونهن عصبية مستثارة. يمسكن بذراعيَّ ويسألن: «هل يعود؟ أين ماتي؟» لا أعرف زوج من منهن، يبدو الأمر وكأنها نامت أثناء ذلك، إذا رأت زوجها تحت، ربما كانت ليلة أطول بكثير مما كانت.

حين انتهيتُ أخيرًا من إبعاد الجميع عن الردهات أتذكر السيجارة في جيب قميصي. ستُراجع ماتي شرائط أمن الليلة، وهكذا أفتح باب غرفة اجتماعات الدور الرابع، أبحث عن علبة كبريت. بمجرد الدخول أشعر بنسمة باردة — تَرَكَ شخص النافذة مفتوحة من جديد — وكنتُ في منتصف الغرفة قبل أن أشاهد ماريانا تقف في الظلام، وملابس النوم تموِّه وجودها مع وجود الستائر. تقف في البقعة التي تقف فيها كاميلا دائمًا، وتلف ذراعيها حول جسمها، ووجنتها رطبة في لون فضي محمر من نور الشارع.

«هل أنت على ما يرام؟» أسأل بهدوء. أمد يدي للمس كتفيها وأتراجع. تومئ ماريانا. أقول لها: «انتهى كل شيء. ليس هناك ما يثير الخوف.»

أُغلقُ النافذة وأبحث عن بطانية أو روب أضعه عليها، لا شيء هناك. على الزجاج انعكاسات خفيفة، تجعل وجهها يبدو مزدوجًا، والظلام الذي يظهر خلفها أنا.

أسأل: «تريدين شيئًا؟ هل يمكن أن أساعدك؟» وأنا أقول ذلك أسمع صوت ماتي في رأسي، لكنني لا أؤمن بما تقول. لا أؤمن بأنك يمكن أن تساعد إنسانًا آخر بألَّا تساعده. إن ذلك يبرر أي إحساس.

«أنت رائع جدًّا»، تقول ماريانا بصوت يُسمَع بالكاد. عيناها متورمتان من البكاء، الضوء على وجهها يجعلها تبدو صغيرة وبريئة. «كاميلا تحبك. تقول إنك ذكي جدًّا.»

أقول لها: «بارعة. إنها فتاة صغيرة متألقة.»

ماريانا لا تتطلَّع إليَّ: «مِن أبيها. إنه ذكي جدًّا.»

أعرف أنه لا ينبغي أن أقول شيئًا لكن لا حيلة لي في الأمر. أقول لها: «لا أعتقد أنه بارع جدًّا.»

تبدأ في قول شيء وتتوقف، أرى أنها تمسك بشيء، إطار صورة تضغطه على بطنها، قماش ثوبها مشدود على جسمها. لا أحتاج إلى النظر لأعرف لمن الصورة. لا صوت في الغرفة، إلا صوت ارتفاع صدرها وهبوطه، صفارة إنذار في مكان ما من المدينة، تعطيها لي.

«كنتُ في السابعة عشرة»، تقول، وهي تعطيني صورة الزفاف. عيناها سوداوان وصافيتان، شعرها ملفوف خلف أذن صغيرة ليس بها حلق. وكل منا يحدق في الآخر أدرك أنها لم تفزع من الجلبة التي حدثت في الخارج. لم تخف، تبكي لأنه ليس زوجها، لأنه لم يكن الشخص الذي حاول اقتحام المكان ليأخذها إلى البيت. تدفع الإطار إليَّ، والتقت نظرتها بنظرتي أخيرًا، واحتياجها إليَّ لأنظر إلى الصورة، لأرى ما تراه، قوة تماس بيننا، نوع جديد من الجاذبية، يتنافر جسدان ويتجاذبان في الوقت ذاته. أتطلع إلى كاميرا الأمن في الزاوية، يرتعش الضوء الأحمر الواهي ببطء، آخذ رسغيها وبرقة أدفعهما جانبًا، جلدها دافئ على يديَّ، تحك مفاصل أصابعي في قماش ثوبها.

أفتح فمي وكل ما يخرج، همسًا، «كاميلا.» نقف متقاربين أكثر مما ينبغي، شيء ما يدفعنا إلى التقارب أكثر، ينبغي أن أُبعد يدي، لا أفعل. نأخذ نَفَسًا، ولا أعرف إن كنتُ سأميل في اللحظة التالية وأضغط شفتيَّ على شفتيها أو آخذ عنقها الصغير الشاحب بين يديَّ. لا أعرف ما يسيطر عليَّ، لكن الصورة واضحة تمامًا، بارزة تمامًا، أبعدتُ يدي وتراجعتُ خطوة، يسقط الإطار على قدمَي ماريانا ويتحطم.

«لا تتحركي»، أقول لها، يقظًا الآن، أنحني لأمسك بالإطار، أجمع الحُطام في راحة يدي. «ابقي هنا. لا أرى هذا كله، اللعنة»، أقول لماريانا، وأصابع قدميها الحافيتين على بُعد بوصات من أصابع يدي. «اسندي عليَّ، أحملك وأُخرجك أو أقوم بشيء ما.»

في المدخل أتوجَّه، انجذبت لصوت العنف. أنا على يديَّ وركبتي، أمرِّر أطراف أصابعي على السجادة، شظايا غير مرئية تدخل في جلدي. تنزع ماريانا الإطار من يدي وتمشي، برغم تحذيراتي، بجواري مباشرة بقدميها الحافيتين. أريد أن أمد يدي وأمسك بذراعها، أدفعها إلى الخلف، أسأل عما يجعلها تفعل ذلك. أُبقي عيني على السجادة، متلفتًا حولي بغباء، كل ما أراه رفرفة القطن، وميض سمانتيها وهي تغلق الباب خلفها.

بضعة أيام بعد ذلك، لا تنزل كاميلا لتركب أتوبيس المدرسة مع الآخرين. نقف أنا وهوراس في الشمس، صباح رقيق في أوائل الربيع، أرى أوجه الأطفال يمرون بجواري. حين يُغلق باب الأتوبيس، أرفع حاجبي لباحثة الحالة، تهز كتفَيها وتبتعد، مُتَّجِهة إلى الأدوار العليا قبل أن أصل إليها.

«تدخن؟» يقول هوراس ويمد يده في جيبه. يتحرك عرَضًا بيني وبين الباب. يخرج الأتوبيس من الزقاق، تنعكس أشعة الشمس على النوافذ الخلفية.

أقول له: «أعتقد أنني سأذهب لأعرف مشكلة كاميلا»، يشد كوعي وأنا أحاول الابتعاد.

يقول: «دخِّن سيجارة أولًا. ستذهب خلال بضع دقائق.» يده على ذراعي ودودة وحازمة، تعبيره حيادي متعمد. أعرف ذلك التعبير، رأيتُه على وجهي وأنا أتدرب عليه في المرايا.

أقول: «ماذا يحدث؟»

يتطلع هوراس باتجاهي: «ماذا تقصد؟»

في منتصف الطريق على السلَّم أسمع صوت ماتي في الردهة الأمامية وأعرف أن شيئًا فظيعًا حدث. أصعد السلَّم درجتين درجتين، ويداي مطبقتان، متسائلًا كيف أُخطئ هذا. على قمة السلَّم أُحدِّق تقريبًا في أربعة أشخاص يقفون خارج كشكي.

«صباح الخير، تشارلي»، تقول ماتي، وهي تخطو نصف خطوة إلى الأمام لتنظر في عيني. «هل يمكن أن تنتظر لحظة في مكتبي من فضلك؟»

قبل أن أنطق بكلمة، تجري كاميلا إليَّ وتلف ذراعيها حول ساقيَّ، ضاغطة وجهها في وركي. تنادي أمها عليها، لكنها تتشبث بي، متنفسة في رجلي. لا يقول أبوها شيئًا، يعبس ويتطلع إليها من فوق شاربه، وهو يمسك بيد ماريانا. تقول ماريانا شيئًا بالإسبانية ويومئ. إنه أقصر من زوجته، يرتدي بنطلونًا أسود مكويًّا وقميصًا وربطة عنق. تمسك ماريانا بورود على صدرها. حقيبتها بجوار الباب، وحقيبة الظهر الصغيرة، حقيبة كاميلا، فوقها.

«كاميلا، انظري»،٩ تقول ماريانا، صوتها أكثر ثباتًا مما كنتُ أسمعه.

تنطق ماتي باسمي مرة أخرى، لا أنظر إليها. يدي تستريح على رأس كاميلا، تداعب شعرها.

«انظري يا ابنتي»،١٠ يقول الزوج. تتطلع كاميلا إليَّ، تريدني أن أخبرها بما عليها فعله، لم أُنزل عيني عن أبيها. أخيرًا، تذهب وتلحق بأبويها. ينحني والدها ليهمس في أذنها. تهز رأسها، يلفها، يرغمها على أن تعطي ظهرها لي.

تترجم: «قال شكرًا على صداقتك». تضع ماتي يديها في خصرها، تنظر إليَّ بتمعن، لكن لا أحد يتحكم فيما هو على وشك الحدوث، ناهيك عني.

أقول: «أخبريه بأنني لستُ صديقه.»

تبدأ كاميلا في الهمهمة. تقول: «لا، غبي. صديقي أنا.»

تبدأ ماريانا قول شيء، أخذتُ خطوة إلى الأمام، منسحبًا إلى أعلى، وكأنني أرى ما يحدث، كأنني أشاهد الأمر كله، هذا الحيوان اللعين ينكمش مني، محاولًا أن يرفع ذراعيه، لكن ليس في الوقت المناسب، وألم وجهه أمام يدي المفتوحة يبعث رجفة في أعماقي، الصفعة الحادة تدمدم في الهواء وهو يدور نصف دورة، ينزلق على الحائط، يتعثر في حقيبة زوجته وينبطح أرضًا. أقف جواره، أنتظر أن ينهض، أنتظر فقط، تبكي كاميلا، يصيح الجميع، يبدو أن ذلك كله يأتي من مكان آخر. هذه اللحظة ليس فيها إلَّا أنا وهو، يُحدِّق كل منا في الآخر، أحدنا أقوى من الآخر، نتشابك في لحظة اتصال تام.

«الآن فعلْتَها»، يقول صوت من خلفي، هناك أذرع تلفُّني في حضن أخرق. يرفعني هوراس عن الأرض تقريبًا، ويدفعني إلى الحائط البعيد. يقف على بُعد بوصات مني، يحتويني دون غضب، تهز ماتي رأسها وماريانا تحمي ابنتها التي تبكي، تناثرت الورود على الأرضية.

«قفْ هناك»، يقول هوراس بهدوء، وهو يحجز صدري بذراعه. «لا تتحركْ.» يمد يده ويفك حزامي، يُزيل حافظة الرصاص، تُحدِّق وجوه من أعلى السلَّم، تهمس أصوات مشدودة. أقف وراحتاي مفتوحتان على الحائط، وحلقي مغلق لا أستطيع البلع، ووالد كاميلا ينهض وينظف ملابسه، ويصل إلى ذراع زوجته. من الصعب معرفة مَن يسند على مَن.

تفتح ماتي الباب فتغمر اللوبي أشعة الشمس. تحمل ماريانا ابنتها الباكية، وذراع زوجها حولهما وهم يخرجون من سكاير هاوس. على كتف أمها، تتطلع كاميلا إليَّ مرة أخيرة، ووجهها ملطخ بالدموع، وعيناها مفتوحتان في حالة خوف.

يغلق الباب ويعود هوراس، لا يزال حذرًا، مستعدًّا لإعاقتي إذا حاولتُ المضي خلفهم. «خرا، تشارلي، بحق الجحيم ماذا تعتقد؟» يقول، محاولًا التواصل معي بعينه. يبدو صوته وكأنه يأتي من نفق. «تعرف أن ذلك اللعين سيأخذها.»

هناك صخب على بسطة السلَّم، نساء يُصفِّقن، يستهجنَّ، ويهنئن. «أنت بطلي يا تشارلي!» يأتي صوت لوسيل جونسون. أعود إلى كشكي، ببطء، ويداي في الهواء ليعرف هوراس أنني لم أعد أُمَثِّل خطرًا. أجلس إلى الحامل وأجدهم في الشاشات، أراهم ينتقلون من كاميرا إلى كاميرا، ووجه كاميلا مدفون في كتف أمها، وذراع أبيها حول ظهر أمها. تثبت الصورة من شاشة إلى أخرى، تتغير الزاوية حين تلتقطهم كاميرا جديدة، وهكذا بدا لثانية كأنهم عائدون.

بسرعة ابتعدوا عن الكاميرات. أرى ماتي في المنحنى، تحبس أنفاسها، تنتظر أن تدخل وتوبخني. أسمعها تفعل ذلك، ذلك الصوت العملي تخبرني بأن ذلك لمصلحة الملجأ. لا يمكن أن ألومها. لم أترك لها خيارًا.

تقول إن ذلك لمصلحتي أيضًا. تبتسم بوهن وتقترح أن أفكر في الحصول على استشارة. تقول إن الأمر يرجع لي في أن أقرر ما أفعله الآن. وتطلب المفاتيح وتطلب مني ألا أعود أبدًا.

لكن في البداية تُدخلني إلى مكتبها وتغلق الباب، ومن درج المكتب تخرج شريط الليلة السابقة. تسألني إن كنتُ أعرف ما يحتوي عليه هذا الشريط فأومئ، عاجزًا عن النطق بكلمة. ثم تضع الشريط في الجهاز وتخرج، وتتركني وحيدًا في مكتبها الأنيق الخالي من النوافذ. وهي فوق، تعيد كل شيء إلى وضعه الطبيعي، أشاهد الشريط مرة ومرة، وأنا أجلس قرب الشاشة وأحدِّق في الصورة غير الواضحة لرجل، يقف خارج الملجأ يدخل الباب. أظل أدوس على زر الإعادة، وأشاهده إلى الأمام وإلى الخلف، وأتساءل إذا كان ذلك ما أبدو عليه حقًّا في العالم الرمادي المسطَّح خارج الباب.

١  أندرو فوستر ألتشول Andrew Foster Altschul: روائي وكاتب قصة قصيرة يعيش في سان فرانسيسكو، والعنوان الأصلي للقصة A New Kind of Gravity.
٢  الجراند كانون Grand Canyon: gorge وادي نهر كولورادو في شمال غرب أريزونا.
٣  شهر العسل the Honeymooners: يوجد فيلمان أمريكيان بهذا الاسم، أحدهما من إنتاج ١٩٥٥م والآخر من إنتاج ٢٠٠٥م.
٤  أحبك، قولي لأمك إني أحبها: بالإسبانية في الأصل.
٥  عقاب: بالإسبانية في الأصل.
٦  رامبو Rambo: جون رامبو شخصية سينمائية عدوانية لا تبالي بخرق القواعد.
٧  السجن: بالإسبانية في الأصل.
٨  آسفة: بالإسبانية في الأصل.
٩  انظري: بالإسبانية في الأصل.
١٠  انظري يا ابنتي: بالإسبانية في الأصل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤