في عين دب
سمعت الدبَّ، ينعب مثل بومة، فقط بصوت منخفض، يبدو مثل صوت بومة في أعماق بئر أو كهف. نظرتْ من النافذة. كان في الحقل فوق بِركة على ساقيه الخلفيتين. يهز التفاح على الشجرة. لم يكن ولدها يتطلع إلى الدب في الحقل. كان قرب البِركة. الدب ليس قريبًا جدًّا والولد ليس بعيدًا جدًّا. إذا أراد الدبُّ، فإنه يستطيع أن يجري إلى الولد ويكون فوق ولدها في لمح البصر، في الوقت الذي تستغرقه تفاحة للسقوط من الغصن إلى الحقل.
خرجتْ تجري ومعها بندقيتها.
كان شعر ابنها أسمر يتحول في الصيف إلى اللون الأشقر تقريبًا. في ضوء الشمس المشرقة تخيلتْ كيف يبدو شعر ابنها ذهبيًّا، كيف يبدو حين يتحرك، لأنه لا يبقى ساكنًا أبدًا، كيف يلفت لون شعره نظر أي شخص، حتى لو كان دبًّا.
وهي فتاة أرادت أن يتحول شعرها إلى ذلك اللون. قطعتْ فصوص ليمونة وطوتها حول خصلات شعرها وعصرت فصوص الليمونة حتى النهاية. واستلقت وأخذتْ حمَّام شمس. فردتْ شعرها خلفها على فوطة. كانت الخصلات لزجة، وبِذْرُ الليمون متشابك فيها في بعض المواضع. طار النحل قرب شعرها. ظل اللون أسمر فاتحًا.
كان زوجها هو الذي يصيب القنبرات دائمًا. كان بارعًا في إصابة الهدف. كانت تُصوِّب عاليًا جدًّا دائمًا. كان زوجها، وهي تصوِّب، يضع يده على قمة بندقيتها، لكي يخفضها، لكنها لم تصب قنبرة قط.
أخذ الولد صخورًا صغيرة من شاطئ البِركة. وقف وأخذ يُلقي بها في الماء.
«اجلس»، قالت هامسة بصوت لم يبدُ مثل صوتها.
لم يكن الولد متفوقًا في المدرسة. أحبَّ القراءة أثناء الحصة. تحت الطاولة يحتفظ بكتاب مفتوح. كتاب عن القنادس أو الفراشات أو العناكب. بعثت المُدرِّسة إلى البيت بملاحظات إلى أمه. قالت الملاحظات على الولد أن ينتبه. كان ابنها يقرأ لها أحيانًا من كُتبه وهما يتناولان العشاء. كانت هناك أشياء لم تعرفها أبدًا وهي فتاة. تولد الفراشة الأنثى لدود القز بدون فم. لا تعيش ما يكفي لتحتاج إلى الأكل. لا تعيش إلا ما يكفي للتَّزاوج ووضْع البيض قبل أن تموت. كان ولدها يتوقف ويُريها الصور. وربما هزت رأسها. اندهشتْ كيف لم تعرف قط وهي فتاة ما يعلمه ولدها في هذا العمر. هل كانت مشغولة جدًّا بعصر فصوص الليمون على شعرها فقط؟ لم يقل ولدها أبدًا إنه حزين لأن أباه، زوجها، مات، لكنها تعرف أنه حزين. كان زوجها مثل كتاب يتكلم. على مائدة الطعام يحكي لابنه عن العلوم والرياضيات. تحدَّث عن الصفر. قال زوجها: «أفزع الصفر القدماء. لم يكن هناك من يريد أن يُصدق أن لا شيء هناك.»
الصين لأنه بعد أن مات ونظَّف الولد والأم أدراج الأب، وجدا دليل سفر إلى الصين. لم تكن لديهما فكرة عن اهتمام الأب بالذهاب إلى الصين، كُتِب على الدليل من الخارج «انظر السور».
رأت الأم كيف مالت الشمس خلف التل. وضربت أشعتها الأخيرة الفولاذ الأسود في بندقيتها وضربت قمة شعر ولدها قبل أن تغرب. انتهى الدب، أسقط كل التفاح تقريبًا على الأرض. بدأ يأكله. رأت الأم كيف أن الولد صار في أمان، سيأكل الدب ويرحل وربما لا يتطلب الأمر أن تجري مقتربة من الدب، من شجرة إلى شجرة، في انتظار طلقة قد تخطئ في تصويبها لأن زوجها ليس هناك ليضع يده على بندقيتها، ويدفعها إلى أسفل، ويمنعها من التصويب عاليًا جدًّا.
لم تنقضِ فترة طويلة على قدوم مُدرِّسة الولد لرؤيتها. أبقت باب الحاجز مفتوحًا من أجل المُدرِّسة وطلبت منها الدخول. جلسوا في المطبخ وسألت المُدرِّسةُ الولدَ إن كان يُمْكِنُهَا التحدث إلى أمه على انفراد. أومأ الولد وسحب الكتاب من على طاولة المطبخ وغادر المكان. سمعت الأم خطوات الطفل وهو يصعد السلم ويغلق باب غرفته.
قالت المدرسة: «ولدك ذكي، لا بُدَّ أن موت الأب كان صدمة. لكن يبقى أن هناك مدْرسة.»
فتحت الثلاجة لتقدم شيئًا للمُدرِّسة. لم يكن هناك الكثير. لم تذهب إلى المحل منذ أيام. فتحت الدرج الأخير ووجدت ليمونتين. أخرجتهما ووضعتهما على الطاولة، ثم تدحرجتا لحظة. أحضرت الأم لَوْحَ تقطيع من الخشب ووضعت الليمونيتين عليه وقطعت كل ليمونة إلى أربعة أجزاء. أزاحت لوح التقطيع باتجاه المُدرِّسة. «من فضلك خذي بعضها.»
لم تقل المدرسة شيئًا. بعد لحظة قالت المُدرِّسة: «آسفة، آتي في يوم آخر لأتحدث عن ابنك.» حين رحلت المُدرِّسة، صعدت الأم إلى ولدها. كان يقرأ في كتاب عن العناكب. استلقيا معًا على السرير يشاهدان الصور.
ستأخذ ولدها في رحلة. يذهبان إلى الصين. يريان السور. ربما يبحثان عن علامات عليه. عليها أن تقول للمُدرِّسة إن الولد سيغيب أيامًا عن المدرسة وقد تكون أسابيع.
عند البِركة اعتقد الولد أنه سيحاول. مشى ببطء. ملأ الماء الأسمر حذاء التنس الذي ينتعله. الجو بارد. والولد يعرف من الكتب أن للقنادس حواشي من الجلد خلف أسنانها الأمامية. يمكنها أن تغلق الحواشي حين تكون تحت المياه، مانعة خروج المياه من أفواهها ورئاتها. حين صار الماء فوق عيني الولد وأخيرًا فوق رأسه، تخيَّل الولد أن له مثل هذه الحواشي. فتح عينيه تحت الماء. كان الظلام يشبه أربعة جدران من حوله. ربما كان يستطيع مد يده ولمسها.
توقف الدب عن الأكل. استنشق الهواء ورفع رأسه. ذهب باتجاه البِركة. حين سار بدا مثل رجل يمشي الهوينى. لم تعرف قبل ذلك أن الدببة تنعب مثل البوم وتمشي الهوينى مثل الرجال. تبعتْه. لم تجرِ من شجرة إلى شجرة. جرتْ في خط مستقيم. «لا، لا، لن تُصيب أبدًا أي شيء يتحرك بهذه الطريقة»، تستطيع أن تسمع زوجها يقول. أين كان الولد؟ أين كان زوجها؟
كان ولدها على الناحية الأخرى من البركة. يجلس على صخرة كبيرة مفلطحة على الشاطئ. ويمسك بشيء في يده. والدب يشاهدهما، ولم تعد شفته ملتوية. مشتْ إلى ولدها وهي لا تزال في الماء. سحبت أكمام قميصها وجرت رجلي بنطلونها خلفها. أبعدتْ شعرها عن عينيها.
كان في يد الولد وحل جرفه من قاع البركة.
قالتْ: «ما هذا؟»
«ربما بعض الذهب»، قال الولد وهو يحرك الوحل ويضغط عليه في راحته.
قالت الأم مشيرة إلى الدب: «انظر هناك.» استدار الدب يمشي الهوينى مبتعدًا.
قال ولدها: «نعم. رأيته منذ وقت طويل. إنه يحب تفاح شجرتنا.»
في تلك الليلة أخبرت الولد بأنه ربما من الأفضل ألا يذهبا في رحلة إلى الصين رغم كل شيء. ويجب التفكير في المدرسة. أومأ الولد، وقال: «حسنًا.»
فكرت في كيف افتقدت زوجها. فكرت في أن عليها أن تفتقده كما تفتقد النساء أزواجهن الموتى. سترتدي قمصانه. أليس هذا ما فعلتْه النساء الأخريات؟ يمشين مسافات طويلة ويُفكِّرن في أزواجهن وحين يعرقن لا تكون الرائحة التي تفوح منهن رائحتهن بل رائحة رجالهن الموتى؟