آلاتُ الطَّرب وَالرقص وأربابها
في «الكنز المدفون» (ص١٨٠): أن الصفيَّ الحليَّ نظم هذين البيتين في (أنغام الموسيقى) وهما:
وذُكِر البيتان في أواخر ص٢٠٣ من الكتاب، وفي الحديث عن (ضبط أسماء أنغام الموسيقى).
(١) الأغاني الأفريقية
«وفي نفح الطيب» (ج١، ص٥٣٠) قال المؤلف في ترجمة عبد العزيز بن أبي الصَّلت: ومنهم سابق فضلًا زمانه أبو الصَّلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصَّلت الأشبيلي، يقال إن عمره ستون سنة، منها عشرون في بلدة أشبيلية، وعشرون في أفريقية عند ملوكها الصنهاجيين، وعشرون في مصر محبوسًا في خزانة الكتب.
وكان صاحبُ المهديَّة قد وجهه إلى ملك مصر، فحبسه طول تلك المدة في خزانة الكتب، فخرج في فنون العلم إمامًا، وأمتنُ علومه الفلسفة والطب والتلحين، وله في ذلك تآليف تشهد بفضله ومعرفته، وكان (يُلقَّب) بالأديب الحكيم، وهو الذي لحَّن (الأغاني الأفريقية) وإليه تنسب إلى الآن كما قال ابن سعيد.
وذكره العماد في «الخريدة»، وله كتاب «الحقيقة» على أسلوب «يتيمية الدهر» للثعالبي، وتوفي بالمهدية سنة ٥٢٠ﻫ، وقيل سنة ٥٢٨ﻫ، وقيل مستهلَّ السنة بعدها. ودُفن بها، وله فيمن اسمه «واصل»:
يشير بذلك إلى «واصل بن عطاء» وتحاشيه النطق بحرف الراء للثغة في لسانه.
وقوله وهو من بدائعه:
وله أيضًا:
وقال:
وقال:
وقال في الأفضل:
-
الإيقاع: في «تصحيح التصحيف وتحرير التحريف» للصفديِّ نقلًا عن «تثقيف اللسان»
للصقليِّ: ويقولون: يغني باللقاع، والصواب بالإيقاع — مصدر أوقع، من
أثلج ما أنشدنيه الشيخ أبو بكر رحمه الله لبعض البغداديين:
غنى وللإيقاع قبْــلَ بيانِ منقطه بَيانفكأنما يده فموقضيبهُ فيها لسان
وفي «أنس الوحيد» أوَّل ص٩٠: بيت في الإيقاع، وهو:
ولا تعتب عليَّ فإن رقصيعلى مِقدار إيقاع الزَّمانِ -
أماج: وفي «شفاء الغليل» ص٢٠: «أماج» موضع اللعب والرقص، عامية مستهجنة،
قال قائلهم:
رمَى ولم يخطِ قلبِيقل لي: إلامَ الأماجا؟
وهو لفظ فارسيُّ الأصل معناه: ما يرمى إليه السهام، وكان ممدودًا فقصر …
-
الكبر: الطبل ذو الوجه الواحد، كذا في «شفاء الغليل» ص١٩٧، وفي القاموس:
الكبر الطبل ج كبار وأكبار، وفي «المصباح»: الكبر عربيَّة أصف.
وفي «قضاة قرطبة» للخشني ص١١٧: فأمر القاضي بكسر الكبر، وفي «القاموس»: العامة تقول كبَّار، ولعله يريد النبات.
-
كراعة: في «شفاء الغليل» ص١٩٨ (كراعة مغنية تغنِّي على طبلٍ صغير) قال ابن الروميِّ:
ألقِ إليها أذنًا واسْتمعْأبردَ ما غنته كراعة
كذا رأيته في بعض كتب العرب.
- الكران: العود أو الصنج.
- الكرنية: تطلق على القينة التي تغنِّي على القيان.
- الكرَك: في صلة تاريخ الطبري (تعريب رقم ٦٨٧، تاريخ ص٣٥، س٥): «وبين يديه الكرك، ومن يضرب بالصنوج.» وأورده «دوزى» بلفظ «كريج» وقال: آلة موسيقية إلخ.
- والكنارات: العيدان أو الدفوف أو الطبول أو الطنابير — كالكنانير والكنارات — بالكسر والشد، وتفتح.
- الكنكلة: آلة من آلات الطرب، وقد ذكر أوَّل من غنى بها وهو عبد الله بن العباس الربيعي إلخ.
-
الكوبة (بضم الكاف): الطبل الصغير المخصر، في شفاء الغليل ص١٩٣: الكوس: الطبل أو عدة
الطَّبالة، تجاوزًا.
«وفي الأغاني» (ج٥، ص١٦١): «الأنصاب: نوع من أنواع الغناء، والنصيبي أول من غنى بها.»
وفي (ج٨، ص٢٥) من «الأغاني» تحت عنوان «صوت» ما نصه:
توهَّمت بالخيف رسمًا محيلًالعزةَ تعرف منه الطلولاتبدَّلَ بالحي صوت الصَّدىونوح الحمامة تدعو هديلاالشعر لكُثيِّر، وعروضه من المتقارب، والخيف الذي عناه كُثير ليس بخيف منى، بل هو موضعٌ آخر في بلاد ضمرة، والطلول جمع طلل وهو ما كان له شخص وجسمٌ عالٍ من آثار الديار، والرسم ما لم يكن له شخص، والصَّدى ها هنا: طائر، وفي موضع آخر: العطش، ويزعم أهل الجاهلية أن الصدى طائر يخرج من رأس المقتول فلا يزال يصيح حتى يدرك ثأره، وقال طرفة:
كريم يروِّي نفسه في حياتهستعلم إن متنا صدى أيُّنا الصدى -
والحمام: القماري ونحوها من الطير، والهديل أصواتها.
والغناء لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر، ونسبه إلى جاريته وكنى عنها.
- بخجلة: في كتاب «المعرب والدخيل» لمصطفى المدني: بخجلة: طنبور له ثلاثة أوتار، أول من ضرب بها عبد الله بن الربيع، كذا نقل من خط الصفدي وضبطه، ولم يذكره الخفاجي في «شفاء الغليل».
- بديح: مغنٍّ كان إذا غنى قطعَ غناءَ غيره لحسن صوته.
- بظ: بظَّ المغني: حرك أوتاره ليهيئها للضرب.
- بزم: البزم أن تأخذ الوتر بالسبابة والإبهام، ثم ترسله، في «اللسان» أنه في القوس، ولكن يمكن التعبير به في العود على التشبيه.
- تراسل: تراسل الناس في الغناء: إذا اجتمعوا عليه، يبتدئ هذا ويمدُّ صوته، فيضيق عن زمان الإيقاع فيسكت، ويأخذ غيره في مد الصوت، ويرجع الأول إلى النغم، وهكذا حتى ينتهي إلخ.
- التربال: طبلٌ كبير بالمغرب الأقصى (كما ذكره «صبح الأعشى» ج٥، ص٢٠٨): والتربال: بالمغرب الأقصى: الطبل الكبير.
- الجحدلة: الحداء الحسن المولد، وانظر شوارد اللغة في رسائل الصاغاني ص٤٤.
- جراد: في «شفاء الغليل» ص٧٥: جراد بمعنى مُغَنٍّ، وهو مأخوذ من الجرادنين إلخ.
- زلزل: اسم عوَّاد، في زمن المهدي إلخ، كما ذكر في «شفاء الغليل» ص١١٧.
- الزمارة: زمارة كجبانة، ما يزمر به كالزمار.
- الزمجرة: الزمارة وصوتها، وجمعها زماجر وزماجير.
- زفافة: هي الرقاصة بثيابٍ فاخر، ويرادفها: طنبورية وكراعة وربابية وصناجة إلخ، في «نشوار المحاضرة» ص١٩٢.
- زمزم: الزمزمة: ترديد الصوت في النفس لتقويم اللحن أو نحو ذلك، في ص١٣٢ من «نشوار المحاضرة».
- ساز: تركية بمعنى صوت أو لحن، استعملت في (زجل): «وفي غير ساز رقصوني.»
- السطاعة: في ابن بطوطة (ج٤، ص٤٠٥، باريس): السطاعة: تضرب بها آلات الطرب بالسودان.
- السفسير (بالكسر): العالم بالأصوات.
- السكت: الفصل بين نغمتين بلا تنفسٍ.
- مشط العود: هو الشبيه بالمسطرة التي تشدُّ عليه الأوتار تحت أنف العود، وهو يجمع الأوتار من فوق.
- الإبريق: اسم لعنق العود بما فيه من الآلات.
- المضراب: الذي تضرب به الأوتار.
- الجس: هو نقر الأوتار بالسبابة والإبهام دون المضراب.
- الحزق: شدُّ الوتر وضبطه، ونقيضه: الإرخاء والحط.
(٢) من آلات الطرب
- الماصول: في «ابن إياس» (ج٢، ص٦٣٨): آلة طرب، وفي «الكواكب السائرة» (ج٣، ص١٥٠): كان يعمل بالماصول، وبعده أنه: نوع يُزمرُ به، وفي «كف الرعاع» (ص٦٣): «الماصول» نوع من المزاميز.
- المربَّع: هو الدف، أي: الطار (عند العامة)، وفي «الأغاني» (ج٢، ص١٧٣): «ثم أخذ المربع، فتمشى به وأنشأ يغني.» ومن هنا يُفهم أنه الدفُّ أو نوعٌ من الدفوف.
- المزكلش: في «الذيل على الروضتين» (ج١، آخر ص٢٨): «باليمين المزكلش، ثم في اليسار: إنه كان يقول: كان وكان.» وبعده أنه كان يُسحِّر و«يُزكلِش».
- المزْمارُ: هو ما يُزمَّر به إطلاقًا، واسمه أيضًا الزمخر، والزَّنبق، والصَّلبوب، والنقيب والقصَّابة والهنبوقة، وقد مضى ذكر بعضها.
- المزهر: في «تصحيح التصحيف وتحرير التحريف» نقلًا عن «ما تلحن فيه العامة» للزبيدي: ويقولون لبعض الملاهي: مزهر. والمزهر: العود الذي يضرب به، وقال الصفدي: يريد به الدف الصغير.
- المستقةُ: آلة يضرب بها الصَّنج ونحوه.
- المِعزَفُ: نوع من الصنابير يتخذه أهلُ اليمن، قال: وغَير الليث يجعل العود مِعزَفًا، مادة (عزف) من المصباح، وفي «شرح شواهد الشافية» للبغدادي (ص٣٠٥): المِعزَفُ من آلات الطرب وقد تقدم الكلام على (المعزفة) وأنها آلةٌ موسيقية إلخ.
- المهبرجُ: مُهبرج، كمسرهد: الفاسد المختلف من الأوتار.
- الحُجاز: نغمة من أنغام الغناء.
-
الحسيني: اسم وترٍ من أوتار العود، كما ذكر في «فض الختام عن التوْرية
والاستخدام» للصفدي (ص٦٨).
•••
- الطِّبنُ: الطَّنبور أو العود، ويروى بكسر الطاء وفتحها.
-
الطَّنْبورُ: هو القِنِّين، كسِكِّين، وفي الشرح أنه: طنبور الحبشة إلخ.
وقال بعضهم يصف الطنبور:
مُخطفُ الخصر أجْوفجيدُهُ نِصفُ سائِرهأنْطقتْهُ يدا فَتًىفاتِرُ اللحْظِ سَاحرهُفجلا عَنْ ضميرِهِما حوَى في خواطرهِ - الطَّنْبورةَ: من آلات الطرب، وهي مشهورة في السودان.
- الطربرب: في «تحفة الألباب» ص٦٨: الطربرب، وفي الحاشية أنه يقال: الطربروب أيضًا، وفسره «دوزى»: آلة موسيقية.
- العتيدَة: الطبلة الكبيرة، ولعلها معروفة في السودان.
-
العربطة: العود أو الطبل أو نحوهما في «شفاء الغليل» ص١٥٤.
وفي «الزواجر» لابن حجر (أوائل ص٢١٧): العربطة قيل: إنها العود، ويقال لها أيضًا: العرباطة.
- العرْطبةُ: العود أو الطنبورُ أو الطبلُ، أو طبلُ الحبشةِ.
- العزف والمعزف: في «شرح شواهد الشافية» للبغدادي (ص٣٠٥): العزْفُ والمِعزَف من آلات الطرب.
-
المعزفة: في «الموشى» ص٦٩١، وقد قرأت على معزفة:
إن كنتَ تهوى وتستَطِيلُفإنَّنِي عبدُكَ الذَّليلُأعرضتَ عني وخنتَ عهديوجرْتَ في الصدِّ يا مَلولُكيف احتيالي وليس يأتِيمنكَ كِتابٌ ولا رَسولُ
وعلى أخرى:
ألذُّ عندي من الشَّرابِتقبيلُ أنيابِكِ العِذابِولثْمُ خدٍّ كلوْنِ خمرٍقد شَفَّهُ كثرةُ العِتَابِ - الدِّبْداب: الطبل، وفي «رحلة ابن جبير» (ص١٠٤) ذكر للدِّبداب والطبول.
- الدِّرداب: صوتُ الطبل، ويرادفه الدِّرْدار أيضًا.
- الدَّعبب (كقنفد): هو المغَنِّي المجيد.
-
الدُّنْقرة: شبه طست من نحاس يضرب بحديدة:
وفي «رحلة ابن بطوطة» (ج٢، ص١٢٦): الدنقرة شبه طست من نحاس، تضرب بحديدة في جزيرة «ذيبة المهل» أي «ملديف»، وفيها الدنقرة ووصفها تفصيلًا. قال المؤلف:
ومن عاداتهم ألَّا يركب أحد هنالك إلا الوزيرُ، ولقد كنت لما أعطوني الفرس فركبته يتبعني الناس رجالًا وصبيانًا، يعجبون مني، حتى شكوت له، فضُربت «الدنقرة» وأعلن في الناس ألَّا يتبعني أحدٌ، والدنقرة بضم الدال وسكون النون وضم القاف وفتح الراء: شبه طست من النحاس تُضرب بحديدة، فيُسمع لها صوت على البُعد، فإذا ضربوها حينئذٍ يُعلن في الناس ما يراد، فقال لي الوزير: إن أردت أن تركب فعندنا حصان ورمكة فاختر أيهما شئت، فاخترت الرمكة، فأتوني بها في تلك الساعة وأتوني بكسوة، فقلت له: وكيف أصنع بالودع الذي اشتريته؟ فقال: ابعث أحد أصحابك ليبيعه لك ببنجالة، فقلت له: على أن تبعث أنت من يعينه على ذلك، فقال: نعم، فبعث حينئذٍ رفيقي أبا محمد بن فرحان، وبعثوا معه رجلًا يسمى الحاج عليًّا، فاتفق أن هاج البحر فرموا بكل ما عندهم حتى الزاد والماء والصاري والقربة، وأقاموا ست عشرة ليلة لا قلع لهم ولا سكان، ولا غيره، ثم خرجوا إلى جزيرة سيلان بعد جوع وعطش وشدائد، وقدم عليَّ صاحبي أبو محمد بعد سنة وقد زار القرم، وزارها مرةً ثانية معي.
-
قضيب القول: في «اليتيمة» (ج٤، ص١١١): قضيب القول: لعله عصًا يُنقر بها على الأرض وقت
الغناء، وللمأموني أبيات فيه:
أهيف قد زاحَم الحِسان علىأخصِّ أسمائه إذا اقتضبامن الملاهِي وليسَ ينكرُهذو ورعٍ حين ينكرُ اللعبايلهُو به منْ لها وما اقترف الــذنوب في فعله ولا احتقبايضربُ وجهَ الثرى به فترىكلَّ فؤادٍ بِهِ قد اضطرباإذا تثنَّى ثنى القلوب وقدأهدَى إليها السرورَ والطربا
- القاصب: النافخ في «القصب» وهو: آلة من آلات الطرب.
- القرقلة: في «أنس الملا بوحش الفلا» (ص٤٢): «قرقلة يصوَّت بها.» لعلَّها كالبُوق. وفي (ص١٤٤-١٤٥) منه: عمل قدْر داخلها شعر تخرج صوتًا كزئير الأسد، ولعلها هي: القرقلة.
- القصب: في «نهاية الأرب» للنويري (ج٤، ص١٦٦): ويقال له التغيير والقطقطة، أي الذي يزمَّر فيه القصاب. في «الأغاني» (ج١٠، ص١٤٢): أوتار العيدان.
- القَصَّاب: الزَّمَّار، ومنه القصَّابَة هي: الأنبوبة، كالقصيبة والمزمار.
-
القنابر: في «ابن بطوطة» (ج٢، ص١٩٠): «المغنون وبأيديهم القنابر.» وفي «دوزى»:
إنها القيثارة ذات الوترين وهي بالإفرنجية تسمى: Guitare.
وفي «ج٤» من «ابن بطوطة» أيضًا (ص١٠٦، باريس) أن القنابر آلات طرب، وفي الترجمة: Qui signifie aliuete.
- القنين: (كسِكِّين) أي بكسر قافها والنون المشددة: الطنبور.
(٣) الملاهي في مختلف العصور
في «الجبرتي» (ج٤، ص٢٦٤): ذكر رجوع طوسون بن محمد علي من الديار الحجازية، ثم سفره إلى رشيد وبرمبال، حيث أخذ صحبته من مصر المغنين وأرباب الآلات المطربة بالعود والقانون والناي والكمنجات وهم: إبراهيم الوراق، والحبابي وقشوة، ومن يصحبهم من باقي رفقائهم، فذهب ببعض خواصه إلى رشيد ومعه الجماعة المذكورون فأقام أيامًا، وحضر إليه من جهة الروم جوارٍ وغلمانٌ أيضًا، فانتقل بهم إلى قصر برمبال.
وفيه (ج١، ص١٠٠) ذكر موت الأمير عبد الرحمن بيك، وأنه كان كاشف الشرقية، وكان مشهورًا بالفروسية والشجاعة، قلَّده الإمارة إسماعيل والي مصر سنة سبع ومائة وألف هو ويوسف بك المسلماني، ولما وقع الفصل في تلك السنة وغنم الباشا أموالًا عظيمة من حلوان المحاليل والمصالحات، عمل عرسًا عظيمًا لختان أولاده في سنة ثمانٍ ومائة وألف، وهاداه الأعيان والأمراء والتجار بالهدايا، وكان مهمًّا عظيمًا استمر عدة أيام لم يتفق نظيره لأحد من ولاة مصر، ونصبوا في ديوان الغوري وقايتباي الأحمال والقناديل، وفرشوهما بالفرش الفاخرة والوسائد والطنافس وأنواع الزينة، ونصبوا الخيام على حوش الديوان وحوش السراية، وعلقوا التعاليق بها مع خيام تركية، واتصل ذلك بأبواب القلعة التحتانية إلى الرميلة والمحجر، ووقف أرباب العكاكيز وكتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة والأمراء وباشجاويش الينكجرية والعزب والأغا والوالي والمحتسب، الجميع ملازمون للخدمة وملاقاة المدعوين وفي أوساطهم المحازم الزردخان، وأبو اليسر الجنكي ملازم بديوان الغوري ليلًا ونهارًا، وجنك اليهود بديوان قايتباي، وأرباب الملاعيب والبهالوية والخيال بالحيشان، وأبواب القلعة مفتوحة ليلًا ونهارًا، وأصناف الناس على اختلاف طبقاتهم وأجناسهم من أمراء وأعيان وتجار وأولاد بلد طالعين نازلين للفرجة ليلًا ونهارًا، وختن مع أولاده عند انقضاء المهم مائتي غلام من أولاد الفقراء، ورسم لكلِّ غلام بكسوة ودراهم، ودعوا في أوَّل يوم المشايخ والعلماء، وثاني يوم أرباب السجاجيد والخرق، وثالث يوم الأمراء والصناجق ثمَّ الأغوات والوجاقلية والاختيارية والجربجية.
وفي «تاريخ الدول والملوك» لابن الفرات: وفي هذا المولد أحضر إبراهيم بن الجمال رئيس المغنين، وشقيقه خليل رئيس المشببين، وعملا السماع لحضرة السلطان كما جرت عادتهما به في موالد السلطان، وخلع عليهما ومضيا لحال سبيلهما، فلما كانت ليلة الأحد ثاني عشر شهر ربيع الأول الشهر المذكور، أرسل شخص من أهل مصر إلى إبراهيم بن الجمال وشقيقه خليل ليحضرا عنده في مولدٍ ويعملا سماعًا، فحضرا إليه في طبقته مع أصحابهما، فلما فرغ المولد وعمل السماع نزل شخص من إيوان الطبقة إلى دور القاعة، وسأل إبراهيم بن الجمال أن يعيد ما غناه، ورقص بدور القاعة معهم جماعة، ومن كان بدور القاعة ممن يحسن الرقص طلع إلى ديوان الطبقة، ولم يطل بهم الوقوف حتى انكسرت أسهم السقف على دور القاعة الذي عليه الرقص، فتقوَّر السقف وسقط بمن كان يرقص فيه، وبالمغاني، ونزلت الدكك على رءوسهم، ومات إبراهيم بن الجمال وشقيقه خليل وهما رئيسا صناعتهما، وستة أنفس سواهما، منهم: الشيخ عز الدين بن محمد العباسي المطابخي بمصر، وتهشم جماعة وحملوا إلى أهاليهم، فمن مات دُفن في يوم الأحد ثاني عشر شهر ربيع الأول الشهر المذكور، ومن بقي حيًّا لاطفه أهله.
وفي «الضوء اللامع» (ج٦، ص١٤٨): محمد البديوي السلكوتي القيراطي ويعرف بحمام — أصله نروجي ثم سكندري، سكن القاهرة. ممن أخذ فن النغمة والضرب عن الأستاذ ابن خجا عبد القادر الرومي العواد الآخذ عن أبيه عبد القادر، وتميز في ذلك وما يشبهه، وراج عند غير واحد من المباشرين، كابن كاتب المناخات، وأبناء الناس كابن تمرباي، ونالته دنيا طائلة، ومع ذلك فهو فقير لإذهابها أوَّلًا فأوَّلا، وقد تخرج به جماعة كإبراهيم بن قطلوبك، وأحمد جريبات وهما في الأحياء، ومحمد لدُّوَيْك، وانفرد كلٌّ منهم بشيءٍ، فالأول أرأسهم، والثاني أحفظهم، والثالث أقدرهم على التصنيف والتوليد، وليس في الأحياء منهم سوى جريبات. وممن أخذ عنه أولًا العفريت، وربما يتفقده الملك كما قيل، بل رتب له كسوة وتوسعة في رمضان، وطلبه للقبة الدوادارية غير مرة، ولولا شهامته وعزة نفسه بحيث يثني على الرؤساء الماضين ويعيب على الباقين لكان ربما يزاد، وقد مسه من شاهين الغزالي لتحامقه عليه بعض المكروه حيث أمر من صفعه، وبالغ بما كان سببًا لضعف بصره بل عمي؛ ولذا اطَّرح الناس وأقام منفردًا بخلوة بمدرسة الزيادة على بركة الفهادة، هذا مع استتاره على الملق، ولكنه لا يرى أحدًا يحاكي من خالطه، سيما مع إعجابه بنفسه، وبلغني أنه زائد الوسواس كثير التردد في النية والطهارة شديد الحرص على الصلوات جماعة ومنفردًا، والاجتهاد في قضاء ما فات، بل توسع حتى قضى مدة حمله في بطن أمه، وعُمِّر حتى قارب التسعين، وهو فريد في فنه رحمه الله.
وفي «الضوء اللامع» (ج٢، ص٢٦٠): حسين بن بير حاجي أبو بكر، التركستاني الأصل، الشيرازي ثم الرومي، الخصي، نزيل القبة الدوادارية من القاهرة، ويدعى بالأمير حسين، ولد بشيراز، نشأ بهراة، فخدم سلطانها أبا سعيد بن شاه رخ، وترقَّى عنده حتى صار من جملة خازندارياته، ثمَّ تحوَّل إلى الروم، واجتمع بمحمود باشا أجلِّ أمراء محمد بن عثمان، فأحبه وحظي عنده، ودام ببلاده نحو ثماني سنين، ثم استأذنه في الحج فأذن له؛ فلمَّا وصل لحلب وذلك في سنة سبع وسبعين، أو التي قبلها توصل بالدوادار الكبير يشبك بن مهدي، حيث مسيره لسوار، فلاقَ بخاطره حيث أكرمه وأنعم عليه، ورجع معه إلى القاهرة فزاد في إكرامه، ثمَّ أنزله بقبته التي بناها، كل ذلك لما اشتمل عليه من حسن الصوتِ والإلمام الكبير بعلم الموسيقى، مع فهم وعقل ولطف عِشرة، وذكر بأوراد، وقيام وبر للفقراء والواردين عليه بالقبة، وقد ذكر أنه قرأ على «سنان» شيخ قرية الدوادار في المتوسط على الكافية الحاجبية، وقد رأيته بالقبة — غير مرة — ثم بمكة، وقد طلع إليها في البحر سنة ثمانٍ وتسعين.
وفي «الضوء اللامع» (ج٢، ص٣١٥): حيدر بن أحمد بن إبراهيم أبو الحسن الرومي الأصل، العجمي الحنفي الرفاعي نزيل القاهرة، أتت إليه الرياسة في فنَّي الموسيقى والألحان، وكان يُعرَف بشيخ التاج والسبع وجوه، وقد ولد بشيراز في حدود الثمانية وسبعمائة، وتسلك بأبيه وغيره، ورحل إلى البلاد، ووفد على ملوك الشام وعلمائه، وكان ممن اجتمع به النفتازاني والسيد الجرجاني والصدر تركا، وقدم القاهرة سنة أربع وعشرين بأخويه إبراهيم الشاب الظريف، والمولى جيران، وأمهم، فأكرمه «الأشرف» وأنزله المنظرة المشار إليها، وأنعم عليه برزقه عشرين فدانًا بأراضٍ ناحيتها، واستمر إلى أن أخرجه «الظاهر جقمق» حين ذكر له عنه محمد بن إينال قبائح، بل أمر بهدمها، ورسم للمرافع المشار إليه بأنقاضها مع وجود ابنه «المؤيد بالله»، وصارت بلاقع، وندم الظاهر على انجراره مع المشار إليه، وطلب صاحب الترجمة وأخذ بخاطره ووعده بالجميل وأنعم عليه بأشياء، ورتَّب له الذخيرة وغيرها مما يقوم بأوده، وصار يتردد إلى السلطان ويقعد بمجلسه، وأسكنه بالقرب من زاوية الرفاعية مدة إلى أن أنعم عليه بمشيخة زاوية قبة النصر بعد صرف محمود الأصبهاني منها، وسكنها إلى أن مرض وطال مرضه، ثم مات في ليلة الاثنين حادي عشر ربيع الأول سنة أربع وخمسين عن نحو السبعين، ودُفن بباب الوزير على أخيه إبراهيم بعد أن صُلِّي عليه بقبة النصر، وكان شكله حسنًا منور الشيبة، إلى الطول أقرب، ضخمًا، حلو اللفظ والمحاضرة، حافظًا لكثير من الشعر، فصيحًا باللغتين التركية والعجمية، بل له فيهما النظم الجيد.
وفي «الضوء اللامع» (ج٢، ص٦٢٥): طوغان قيز العلائي علان، أحد المقدَّمين في الدولة الناصرية، ترقَّى بعدها حتى صار في الدولة المؤيدية رأس نوبة الجمدارية، ثم أمَّره (الظاهر جقمق) على عشرة، ثم عمله أميراخور ثالث، ثم استادار بعد الناصري محمد بن أبي الفرج سنة أربع وأربعين، ثم انفصل عنها حين خدع بطلبه الاستعفاء، وخرج إلى البلاد الشامية وتنقل في نيابة ملطية ثم أتابكية حلب ثم مقدِّمًا بدمشق، وسافر أميرًا للركب الشامي، ورام القبض على بعض قطاع الطريق فاستجار بأحد أبواب المدينة النبوية فأراد أن يحرقه، بل يقال: إنه أوقد به النار، فلما بلغ ذلك السلطان قبض عليه وحبسه بقلعة دمشق، بل كتب إلى الاستادار لتخوفه من عوده إلى الوظيفة محضرًا بكفره، وما بلغ قصده، بل دام في الحبس مدة، ثم أطلق واستمر حتى مات في أواخر سنة ثلاث وستين أو أوائل التي تليها، وكان رئيسًا معظَّمًا في الدول، ذا ذوْق ومحاضرة في الجملة ومعرفة بتأدية الموسيقى.
(٤) جوائز البرامكة للمغنين
في «نهاية الأرب» (ص٣٥٦): قال مروان بن أبي حفصة يمدح جعفرًا:
وهو شعر مروان بن أبي حفصة يمدح جعفرًا، قال مخارق: قال لي إبراهيم: هل سمعت مثل هذا قط؟ فقلت: ما سمعت قط مثله! فلم يزل يردده عليَّ حتى أخذته، ثم قال لي: امضِ إلى جعفر فافعل به كما فعلت بأبيه وأخيه. قال: فمضيْتُ ففعلت مثل ذلك، وأخبرته بما كان وعرضت عليه الصَّوتَ فسُرَّ به، ودعا خادمًا فأمره أن يضرب الستارة، وأحضر الجارية وقعد على كرسي، ثم قال: هات يا مخارق، فألقيت الصوت عليها حتى أخذتْه. فقال: أحسنت يا مخارق وأحسن أستاذُك، فهل لك في المقام عندنا اليوم؟ فقلت: يا سيدي هذا آخر أيامنا، وإنما جئت لوقع الصوت مني حتى ألقيته على الجارية. فقال: يا غلام، احمل معه ثلاثين ألف درهم وإلى الموصليِّ ثلاثمائة ألف درهم، فصرت إلى منزلي وأقمت ومن عندي مسرورين نشرب طول يومنا ونطرب، ثم بَكَّرْتُ إلى إبراهيم فتلقاني قائمًا ثم قال لي: أحسنتَ يا مخارق، فقلت: ما الخبر؟ قال: اجلس، فجلست، وقال لمن خلف الستارة: خذوا فيما أنتم عليه، ثم رفع السَّجْف فإذا المال، فقلت: ما خبر الضَّيعة؟ فأدخل يده تحت مسورة وهو متكئ عليها فقال: هذا صكُّ الضَّيعة، اشتراها يحيى بن خالد وكتب إليَّ: قد علمتُ أنك لا تسخو نفسك بشراء هذه الضَّيعة من مالٍ يحصل لك ولو حويتَ الدُّنيا كلها، وقد ابتعتُها من مالي. ووجَّه إليَّ بصكها، وهذا المال كما ترى.
ثم بكى وقال: يا مخارق، إذا عاشرت فعاشر مثل هؤلاء، وإذا احتكرتَ فاحتكر لمثل هؤلاء، ستمائة ألف، وضيعة بمائة ألف، وستون ألف درهم لك، حصلنا ذلك أجمع وأنا جالس في مجلسي لم أبرح منه، متى يدرك مثل هؤلاء؟!
(٥) صناعة القيان
في «الضوء اللامع» (ج٥ ص٢١٤): أحد من عرف الموسيقى علمًا وعملًا، محمد بن محمد بن أبي بكر بن مبارك شاه أبو النجا بن التاج، القمني الأصل، القاهريُّ، ولد بالظاهرية القديمة في العشرين من ربيع الأوَّل سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، وحفظ القرآن والربع من المنهاج، وسمع الحديث بالظاهرية وغيرها، وتدرب على صناعة القيان وتكسَّب بها دهرًا، وسافر لجهات عدة، وحضر وقعتي سوار، ومن نظمه وقد عرض له ريح:
وله أيضًا مُتغزِّلًا:
وهو القائل:
وله في التصحيف عمل، وكذا في الموسيقى والنغمات والنقرات علمًا وعملًا، كاد أن يجمع عليه في ذلك، وله تقدم في العوم بل هو بهلوان ونحو ذلك.
(٦) أخبار المغنيات
في «نهاية الأرب» (جزء ٥): في «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني ذكر أخبار مغنياتٍ كثيرات، منهن:
«جميلة» مولاة بني سُلَيم
ثُمَّ مولاة بطن منهم يقال لهم: بنو بهز، وكان لها زوج من موالي بني الحارث بن الخزرج، وكان ينزل فيهم، فغلب عليها ولاء زوجها فقيل لها «مولاة الأنصار»، وقد قيل إنها كانت لرجل من الأنصار ينزل بالسُّنح، وقيل: كانت مولاة الحجاج بن عِلَاط السَّلَمي، قال أبو الفرج الأصفهانيُّ: هي أصل من أصول الغناء، أَخذ عنها معبد، وابن عائشة، وحَبابة، وسلَّامَة، وعقيلة، والعتيقة، وغيرهم، وفيها يقول عبد الرحمن بن أرطاة:
عزة الميلاء
وكانت مولاة للأنصار ومسكنها المدينة، وهي أقدم من غنَّى الغناء الموقع من نساء الحجاز، وماتت قبل «جميلة» قال: وقد أخذ عنها معبد ومالك بن أبي السَّمح وابن مُحْرز وغيرهم من المكيِّين والمدنيِّين، وكانت من أجمل النساء وجهًا وأحسِنهنَّ جسمًا؛ وسُمَّيتَ المَيلَاء لتمايلها في مشيتها.
وقال معبد: كانت من أحسن النساء صوتًا بعود: مطبوعة على الغناء، لا يُعْييها أداؤه ولا صَنْعته ولا تأليفه، وكانت تغنِّي أغاني القيان مثل: شيرين وزرياب وخولة والرباب وسلمى ورائعة، وكانت رائعة أستاذتها، فلما قدم نشيط وسائب خاثر المدينة غنَّيَا أغاني الفارسية: فأخذت عزَّة عنهما نغمًا وألَّفت عليها ألحانًا عجيبة؛ فهي أول من فتن أهل المدينة بالغناء وحرَّض رجالهم ونساءهم عليه.
وكان حسان بن ثابت معجبًا بها، وكان يقدِّمها على سائر قيان المدينة، وتقدم ذكر خبرها مع النُّعمان بن بشير وحسَّان بن ثابت، وأن كل واحد منهما سمع غناءها فبكى حسَّان واستعاد النُّعمان بن بشير صوتها مرارًا.
سلامة القس
وهي مولدة من مولدات المدنية وبها نشأت، وأخذت الغناء عن معبد وابن عائشة وجميلة ومالك بن أبي السَّمْح ومن دونهم، فمهرت فيه، وإنَّما سُميت سلامة القسِّ لأنَّ رجلًا يعرف بعبد الرحمن بن أبي عمَّار بن جَشم بن معاوية كان منزله بمكة، وهو من قُراء أهل المدينة ويُلقَّب بالقسِّ لعبادته، شُغف بها وشُهر بحبها، وكان يُشَبَّه بعطاء بن أبي رباح، وله فيها أشعار كثيرة منها قوله:
ومن شعر الأحوص فيها:
حبابة
ومنهن «حبابة» وكانت تسمى «الغالية»، وهي جارية مولَّدة من مولدات المدينة لرجل من أهلها يعرف بابن دبابة، وقيل: بل كانت لآل لاحق المكيين، وقيل: كانت لرجل يُعرف بابن مينا، وكانت تسمَّى «الغالية» فسمَّاها يزيد بن عبد الملك لما اشتراها «حبابة»، وكانت حلوة جميلة الوجه ظريفة حسنة الغناء، طيِّبة الصَّوت ضاربة بالعود، أخذت الغناء عن ابن سُريج وابن محرز ومالك ابن أبي السَّمح ومعبد، وعن جميلة وعزة الميلاء.
وكان يزيد بن عبد الملك يقول: ما تَقرُّ عيني بما أوتيت من الخلافة حتى أشتري سلامة جارية مصعب بن سليم، وحبابة جارية ابن لاحق المكية، وأرسل فاشتُريَتا له، فلمَّا اجتمعتا عنده قال: أنا الآن كما قيل:
قال: وارتفع قدر حبابة عند يزيد، وتمكن حبُّها من قلبه تمكُّنًا عظيمًا، وكان أول ذلك أنه أقبل يومًا إلى البيت الذي هي فيه، فقام من وراء الستر فسمعها تترنَّم وتغني:
خليدة المكية
ومنهن «خليدة المكية» وهي مولاة لابن شماس، كانت هي وعقيلة ورُبيْحة يُعْرفْن بالشماسيات، وقد أخذت الغناء عن ابن سريج ومالك ومعبد.
وروى أبو الفرج بسنده إلى الفضل بن الربيع أنه قال: ما رأيت ابن جامع يطرب للغناء كما يطرب لغناء «خليْدَة المكية» وكانت سوداء، وفيها يقول الشاعر:
متيم الهاشمية
ومنهن «مُتيمُّ الهاشمية» قال أبو الفرج: كانت مُتيم مولدة صفراء من البصرة، وبها نشأت وتدرَّبت وغنَّت، وأخذت عن إسحاق وأبيه، وعن طبقتهما من المغنين، وكانت من تخريج «بذْل» وتعليمها، واشتراها علي بن هشام بعد ذلك فازدادت أخذًا ممن كان يغشاه من أكابر المغنين، وكانت من أحسن الناس وجهًا وغناءً وأدبًا، وحُكي أن علي بن هشام مولاها كلَّفها بشيء فأجابته جوابًا لَمْ يرضَه، فدفع في صدرها فغضبت ونهضت وتثاقلت عن الخروج إليه؛ فكتب إليها:
ساجي
ومنهن «ساجي» مولاة عبيد الله، قال أبو الفرج: كانت ساجي إحدى المحسنات المبرزات المتقدمات، وهى تخرج مولاها عبيد الله، وكان مهما صنع من الغناء نسبه إليها، وكان قد بلغ من ذلك الغاية، لكنه كان يترفَّع عن ذكره ويكره أن يُنسب إليه.
بصبص
ومنهن «بصبص» جارية ابن نفيس. قال أبو الفرج: كانت جارية من مولَّدات المدينة، حلوة الوجه، حسنة الغناء، قد أخذت عن الطبقة الأولى من المغنين، وكان يحيى بن نفيس مولاها صاحب قيان، يغشاه الأشراف ويسمعون غناء جواريه، ثم اشتُريتْ للمهديِّ وهو ولي عهد بسبعة عشر ألف دينار، وقيل: إنها ولدت لهُ عُلَيَّة بنت المهدي، وقيل: أم عليَّة غيرها، قال: وكان عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزُّبير يأتيها فيسمع منها، وكان يأتيها فتيان قريش فيسمعون منها، فقال عبد الله بن مصعب حين قدِم المنصور منصرفًا إلى الحج ومر بالمدينة يذكر «بصبص»:
عجيبة
ومنهن «عجيبة» وكان غناؤها بالجنك على الدف، وفي «طبقات السبكي» ذكر عجيبة وقصتها مع الكامل والقاضي عين الدولة، قال: كانت عجيبة مغنية بمصر على عهد السلطان الملك الكامل بن أيوب، وكان الكامل مع تصميمه بالنسبة إلى أبناء جنسه تحضر إليه وتغنيه بالجنك على الدف في مجلس يحضره ابن شيخ الشيوخ وغيره، وأولع الكامل بها جدًّا ثم اتفقت قضية شهد فيها الكامل عند ابن عين الدولة، وهو في مملكته، فقال ابن عين الدولة: السلطان يأمر ولا يشهد، فأعاد عليه السلطان الشهادة، فأعاد القاضي القول، فلما زاد الأمر وفهم السلطان أنه لا يقبل شهادته، قال: أنا أشهد تقبلني أم لا؟ فقال القاضي: لا، ما أقبلك، وكيف أقبلك وعجيبة تطلع إليك بجنكها كل ليلة وتنزل ثاني يوم بكرة وهي تتمايل سكرًا على أيدي الجواري، وينزل ابن الشيخ من عندك أنجس مما نزلت، فقال له السلطان: يا كنواخ! وهي كلمة شتم بالفارسية. فقال: ما في الشرع يا كنواخ، اشهدوا على أني قد عزلتُ نفسي، ونهض؛ فجاء ابن الشيخ وقال للملك الكامل: المصلحة إعادته لئلا يُقال لأي شيء عزل القاضي نفسه، وتطير الأخبار إلى بغداد، ويشيع أمر «عجيبة». فقال له: قم إليه، فنهض إلى القاضي وترضَّاه وعاد إلى القضاء.
خديجة الرحابية
ومنهن «خديجة الرحابية»، وفي «ابن إياس» (ص٧٦-٧٧): قبض يشبك بن حيدر والي القاهرة على امرأة يقال لها خديجة الرحابية، وكانت من أعيان مغنيات مصر، ولها إنشادٌ لطيف، وكان أصلها من مغنيات العرب، ثم عظم أمرها جدًّا وحظيت عند أرباب الدولة ورؤساء مصر، وكانت جميلةً حسنة الغناء، فافتتن بها الناس، وقد قال فيها بعض الشعراء:
وكانت في بعض الأفراح، فبعث يشبك مَنْ قبض عليها، وقال لها: أنت التي أفسدت عقول الناس، ثم أمر بضربها نحوًا من خمسين عصًا، وقرَّر لها مبلغًا، وكتب عليها قسامة بأنها لا تُغنِّي ولا تحضر في مقام، فلما خلصت من ذلك أقامت مدة مريضة من الرجفة التي وقعت لها، ثم ماتت عقب ذلك، وكان لها من العمر نحو ثلاثين سنة، فتأسَّف عليها الكثير من الناس.
(٧) قرَّاء وموسيقيون
«وفي الضوء اللامع» (ج٣ ص٢٩): عبد الله بن الحسن بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الجمال الدمشقي الأصل، القاهري الأذرعي، أخو الشهاب أحمد الماضي، ووالد البدر محمد الآني، قرأ القرآن وبرع في الموسيقى، ونادم عبد الباسط بل كان أحد موقعي «الدست».
ولما سافر يحيى بن العطار وهو على مشيخة الباسطية القدسية، رغب له عن أشياء من وظائفه رغبة أمانة لوثوقه به، فلما عاد أعطاه ما اجتمع له منها، وقد مات في شوال سنة ست وأربعين، وأرخه «العيني» ووصفه «الخيضري» بالقاضي.
وفي (ص٣٨٢) منه، قال: علي ابن بطيخ القاهري الضرير أحد رؤساء قراء الجوق، ممن جوَّد على الشيخ حبيب وبرع في الموسيقى؛ ولذا كان يسلك في قراءته اقتفاء الأنغام، وغير ملاحظ أدب التجويد، وما كنت أحمده في ذلك، ولكنه كان أستاذًا، وليس بطيخ اسم أبيه، وإنما هو لقب اشتهر به وكتبته هنا لعدم معرفة اسمه، مات في عاشر المحرم سنة ست وخمسين عن نحو السبعين، وهو عم الشهاب أحمد بن البدر محمد ابن بطيخ أحد الأطباء وقراء السبع هو ووالده.
(٨) العيدان الشبابيط
في «الأغاني» (ج٥ ص٢٤): أوَّل من أحدث العيدان الشبابيط، وكانت العادة قديمًا تجري على عمل عيدان الفرس.
وذكر أحمد بن أبي طاهر أن حماد بن إسحاق حدَّثه عن أبيه قال: كان الرشيد قد وجدَ علَى منصور زلزل؛ لشيء بلغَه عنه، فحبسه عنه عشْر سنين أو نحوها، فقام الرشيد يومًا لحاجةٍ فجعل إبراهيم الموصلي يغنِّي صوتًا صنعه في شعرٍ كان قاله في حبس «زلزل» وهو:
الشعر والغناء: لإبراهيم، خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو، قال: ودخل الرشيد وهو في ذلك، فجلس في مجلسه، ثم قال: يا إبراهيم، أي شيء كنت تقول؟ فقال: خيرًا يا سيدي، فقال: هاته، فتلكَّأ، فغضب الرشيد وقال: هاته فلا مكروه عليك، فردَّد الغناء، فقال له: أتحب أن تراه؟ فقال: وهل ينشر أهل القبور؟!
فقال الرشيد: هاتوا زلزلًا، فجاءوا به وقد ابيضَّ شعر رأسه ولحيته، فسُرَّ به إبراهيم، وأمره الرشيد فجلس، وأمر إبراهيم فغنى على ضربه؛ فزلزلا الدنيا، وشرب الرشيد على ذلك رطلًا، وأمر بإطلاق زلزل، ورضي عنه، وأسنى جائزتهما.
قال: وزلزل أول من أحدث العيدان الشبابيط، وكانت أخته تحت إبراهيم، وله ولد منها.
(٩) الأنغام الهندية وأوقاتها
- أولها: (راك بهيرون) وهو عند العرب والفرس شعبة يسمونها: «المخالف».
- وثانيها: (سرى راك) وهو نغم: «السيكاه» عند العرب والفرس.
- وثالثها: (مالكوس) وهو عند العرب والفرس كوشة يسمونها: «الركبى».
- ورابعها: (ميك ملهار) وهو شعبة عند العرب والفرس يسمونها: «النيرين».
- وخامسها: (راك هندول) وهو شعبة يسميها الفرس والعرب: «نيشابور»، وعرب الحجاز يسمونها: «نشاورك».
- وسادسها: (راك دبيك) والعرب والفرس يسمونه: «نوروز الصباح»، وهو نغم لا يحسن أحدٌ عمله في زماننا هذا.
وأما أوقات عمل الأنغام الهندية، فوقت «بهيرون» من الفجر الكاذب إلى الصباح، ووقت «سرى راك» من اصفرار الشمس إلى وقت الغروب، ووقت «مالكوس» من الساعة الرابعة من الليل إلى أوَّل الخامسة، ووقت «ميك ملهار» في فصل الأمطار، ووقت «هندول» عندما تزهر الأشجار.
أما الشُّعب والبهرجات — يعني الكوشات بالقاف العجمية — فلكل واحد منها وقت في الليل لا حاجة إلى بيانه خوفًا من الإطالة.
(١٠) مراهنة بين أرباب الفن
ومن الوقائع اللطيفة ما وقع في يوم الأحد تاسع الشهر، وذلك أنه وقع بين شخص من أرباب الفن يُقال له: «محمد الأوجاقي»، ويعرف أيضًا «بالشرابي» وشخص يقال له: «محمد بن سرية»، وقع بينهما رهان في فن الموسيقى، فقال محمد بن سرية: أنا أعرف قطعة من الفن ما سمعها أحد من أهل مصر قط، فقال محمد الأوجاقي: إن كان حقًّا ما تدَّعيه فنجمع مشايخ أرباب الفن ونجمع المغنين في البلدة قاطبة، ويكون ذلك يوم الأحد في وسط بركة الرطلى.
وكان ذلك في زمن الربيع، فلما كان يوم الأحد يوم الميعاد، حضر جماعة من أرباب الفن، وحضر مغاني البلد قاطبة وأتوا إلى بركة الرطلى، فجلسوا في وسطها، واجتمع هناك الجم الكثير من المتفرجين، وكان ذلك اليوم مشهودًا، فغنى كل واحد من المغنين في ذلك اليوم نوبة من أحسن ما عنده من الغناء، وابتهح الناس غاية البهجة.
وأما محمد بن سرية، فإنه احْتجَّ بأنه ضعيف ولم يحضر، وقال: الرهان باقٍ إلى يوم الأحد الثاني، فظهر عليه العجز ولم يفِ بما ادَّعاه مما تقدم، فكان كما قيل:
فانفضَّ ذلك الجمع، وعُدَّ ذلك اليوم من النوادر في الفرجة والقصف.