الخيال وتطور الإنسان
طَوال نحو خمسين ألف سنة، كان الخيال حاضنًا وراعيًا للتفكير البشري، وقد أبرز نوعنا كأكثر الأنواع ابتكارًا على الكوكب. وبتكيُّف أسلافنا البشر الأوائل مع البيئات المتغيرة، وإقامتهم لمجموعات اجتماعية، وتطويرهم طرقًا أكثر تعقيدًا لضمان بقائهم، بدءوا يُنشئون أعمالًا زخرفية ويمثِّلون عالمهم بطرق جديدة. وتشير الأدلة من الأدوات والزينة الجسدية، والمنحوتات، ورسومات الكهوف، وطقوس الدفن، والألعاب التي صنعها إنسان ما قبل التاريخ إلى قدرة تطوَّرت تدريجيًّا على التفكير الخيالي والإبداع. ولنفهم كيف ظهر الخيال، من الضروري ألا ننظر إلى الوعي البشري نفسه بمعزل عن العالم المحيط به، بل كشيء تطوَّر بالتفاعل معه.
يتطلب النظر إلى الخيال كبُعد متطور للوعي البشري تكميل الفهم الفلسفي برؤًى من تخصصات أخرى. ففي حين فصَل النموذج السائد للعقل في الفلسفة الحديثة بشكل أساسي بين العقل والجسم، أكدت الفلسفة الظاهراتية والفلسفات المعاصرة للعقل على طبيعته المتجسدة والنشطة. هذا يعني أن قدرتنا على التفكير في العالم تظهر من خلال انغماسنا فيه جسديًّا ونفسيًّا، وأن معنى العالم بالنسبة لنا يظهر من خلال تفاعلاتنا. وإلى جانب الفلسفة، طوَّعنا نحن البشر معرفتنا عن القطع الأثرية القديمة، وعن مجموعات البشر الأوائل وهجراتهم، وعن التطور النفسي للأطفال المُحدَثين، وعن القدرات الإدراكية لدى الرئيسيات للمساعدة في شرح كيفية تطور الخيال في التفاعل البشري المبكِّر مع العالم.
تطوُّر الخيال
يُعَد الخيال تطورًا حديث العهد نسبيًّا في عملية تطور الإنسان. فمنذ نحو خمسة ملايين سنة، وحتى ظهور أول فرد من جنسنا، مشى أسلافنا ما قبل البشريين على قدمين، وصنعوا أدوات يدوية بدائية من الحجر، ونما حجم الدماغ لديهم بسبب زيادة استهلاك البروتين. ومنذ ظهور الإنسان العامل قبل ١٫٩ مليون سنة، طوَّر البشر الأوائل قدرات معرفية جديدة من خلال صنع أدوات جديدة، ومن خلال الهجرة، والصيد المنظَّم. وقبل نصف مليون سنة إلى مائة ألف سنة مضت، تطوَّر إنسان النياندرتال في أوروبا وأسلاف ما قبل البشر في أفريقيا مرة أخرى بشكل ملحوظ في حجم الدماغ وفي المهارات الفنية ومهارات الاتصال. وقبل نحو مائتَي ألف سنة، ظهر الإنسان العاقل الحديث في أفريقيا، وقبل نحو ستين ألف سنة كان قد تجوَّل في أوراسيا. بحلول ذلك الوقت، أي قبل نحو خمسين ألف سنة مضت، ظهرت طرق جديدة للتفكير بين أسلافنا البشر الأوائل.
ورغم أن النياندرتال كانوا أقل تطورًا من أقاربهم من البشر العاقلين الأوائل، فإنهم تركوا آثارًا تنمُّ عن أنشطة مثل تزيين الجسم، وصنع أدوات الزينة، ودفن الموتى؛ وقبل نحو ٤١ ألف سنة مضت، تركوا رسومات بسيطة على جدران الكهوف من نقاط حمراء، وخطوط، وقوالب للأيادي. ومع ذلك، جاء من تفوَّق على النياندرتال، فقبل نحو أربعين ألف سنة، أصبح الإنسان العاقل هو النوع البشري الوحيد المتبقي. فكوَّن هؤلاء البشر تنظيمات اجتماعية أكثر تعقيدًا، وسافروا لأماكن أبعد بحثًا عن الطعام، وصنعوا أعمالًا زخرفية أكثر تقدمًا. وتوسعت تمثيلاتهم للحيوانات والكائنات الحية الأخرى تدريجيًّا لتشمل تصويرات تعبيرية ورمزية، مما أدى إلى نشوء القدرة على إنتاج الأساطير والقصص الخيالية.
يُجادل الكثيرون بأن القدرة على التخيل تعززت مع هجرات البشر الأوائل بحثًا عن الطعام. فعندما كان البشر الأوائل يتأملون المناظر الطبيعية المحيطة بهم من مسافة بعيدة، وربما يتسلقون التلال ليحصلوا على زاوية نظر أعلى، كانوا قادرين على النظر إلى المناظر الطبيعية من منظورات جديدة ومتغيرة. وقد منحهم هذا مزايا تكتيكية، فدعَّم تخطيط عمليات الصيد أو رسم الخرائط للأراضي الجديدة. ويمكن لمقارنة المنظورات المختلفة أن تكون قد مكَّنت أيضًا الظهور التدريجي للمهارات التمثيلية وإدراك الإمكانيات.
كما تطورت القدرات التخيلية أيضًا بالتوازي مع مهارات عملية محددة. أحد الأمثلة هو تطور الأدوات المقذوفة، مثل الرماح، التي تتطلب توجيه الرمية. تقذف حيوانات الشمبانزي والقرود الأخرى الأشياء إظهارًا وتعبيرًا عن العدوان، ويمكن لبعضها توقع مسار الأشياء التي تُرمى نحوها. ومع ذلك، فالرمي الموجَّه نحو هدف متحرك مهارة لا يبدو أن الأنواع الأخرى قادرة على القيام بها بدقة. وأقدم الأدوات المقذوفة المعروفة التي استخدمها البشر الأوائل لهذا الغرض صُنعت قبل مائتين وثمانين ألف سنة في إثيوبيا. وقد ذهب البعض إلى القول بأن القدرة العقلية على التمثيل الداخلي صارت نشطة تدريجيًّا من خلال تكرار توجيه رمح أو أي مقذوف آخر نحو فريسة متحركة.
وفقًا لهذه النظرية، قد تُعزز عملية توجيه الأشياء نحو أشياء أخرى متحركة وظيفة معرفية خاصة. فخلال عملية الرمي الموجَّه، تُولد ردود الفعل العصبية حسابات توقعيَّة. يُعتقد أن هذه العملية المعرفية أدت إلى ظهور الأنماط البصرية الداخلية، حيث يحاكي الرامي داخليًّا الموضع الذي قد يكون فيه الهدف المتحرك في اللحظة التالية. وبالإضافة إلى ذكريات البشر الأوائل وتفاعلاتهم المادية الأخرى مع بيئتهم، ربما وفَّر لهم هذا أساسًا معرفيًّا لنمط من أنماط التخيل هو التصوير أو التمثيل العقلي الداخلي.
علاوة على ذلك، توفُّر مثل هذه الأدوات سمح للبشر الأوائل بتخطيط أنشطتهم وتنظيمها. فمن المفيد أن يكونوا قادرين على تدبر الاستراتيجيات المحتملة للصيد وتمثيلها حتى قبل المخاطرة بتنفيذها، مما يحفز التفكير القائم على الافتراض. كانت الأدوات أيضًا من بين أولى الأشياء التي زيَّنوها. فتأمُّل الاحتمالات الهادف للمقارنة بينها، والتزيين المنمَّق باستخدام الأدوات دعَّما تطور الفكر التخيلي.

وربما تُعَد رسومات كهف لاسكو بفرنسا من العصر الحجري القديم أكثر أعمال ما قبل التاريخ الفنية شهرة. فمنذ أبدعها رسَّامها قبل نحو ١٧ ألف عام، وحتى إعادة اكتشافها في عام ١٩٤٠، كانت محجوبة عن الأنظار. فعلى جدران غرف الكهف، حُفظَت آلاف الرسومات والصور والنقوش. ويمكننا الآن رؤية مجموعة عجيبة من جاموس البيسون والخيول والغزلان والطيور وحيوانات الماموث والدببة والذئاب والقطط الكبيرة وثيران الأرخُص وحيوانات أخرى، من خلال الرسومات المتعددة الألوان المرسومة بأصباغ معدنية باللون الأحمر والأصفر والأصفر البني والبنفسجي والبني والأسود.
وثَمة أهمية خاصة لما يُعرف الآن باسم «رسمة ممر كهف لاسكو»، رغم أن الأكسيد الأسود الأحادي اللون الذي رُسمت به على بروز طبيعي في الجدار يبدو للوهلة الأولى أقل جاذبية من الرسومات المتعددة الألوان. لكن هذه الرسمة تعرض الصورة الوحيدة لشخصية بشرية في مجمع غرف الكهف، وإن كانت نتاج خيال أسطوري. إذ يظهر رجل برأس طائر — أو يرتدي قناع طائر — وله أربع أصابع فقط في كل يد، في إشارة ربما إلى كائن حيواني ذي أهمية أسطورية. يبدو الرجل الطائر مضطجعًا وهو يموت عند أقدام جاموس بيسون جريح (فأحشاؤه تتدلى من بطنه) التفت ليطعن الصياد بقرنيه. وبالقرب من هذه الرسمة هناك إوزة أو طائر ما في نهاية عصًا. وعلى بعد أقدام قليلة هناك ما يبدو أنه وحيد قرن صوفي.
اقترح البعض أن هذا التصوير الخيالي لشخصية الرجل الطائر قد يمثل أسلاف المجموعة التي كان الرسام ينتمي إليها؛ أو طقوسًا سحرية خاصة بعملية الصيد؛ أو علامة دفن لصياد لقي حتفه؛ أو رؤية روحية. جرى تفسير العمل أيضًا في ضوء علم الكونيات الشامانية من حيث إن النقاط الثلاث، وهي الرجل والجاموس والطائر، ترمز لكوكبة النجوم — أو النمط النجمي — التي تقع في النصف الشمالي من القبة السماوية، والتي تُسمى مثلث الصيف. تقول نظرية أخرى إن رسمة ممر كهف لاسكو ربما سجَّلت حدثًا كونيًّا، فيمثِّل موت الرجل الطائر وجاموس البيسون سقوطًا كارثيًّا لمذنب في لاسكو نحو عام ١٥٢٠٠ قبل الميلاد. وأيًّا كان المعنى الذي تحمله هذه الرسمة بالنسبة لمبدعها، فإن المشهد يجمع بين العناصر الواقعية والرمزية والأسطورية، ويثمر عن أدلة مبكرة مثيرة للاهتمام عن الخيال الإنتاجي.
القدرة على التخيل الملموس والنظرة البشرية المبكرة للعالم
شهد تطور القدرات المعرفية البشرية — بالإضافة إلى التمثيل الداخلي والتفكير الافتراضي — ظهور قدرتنا على التخيل الملموس أو «رؤية الشيء كأنه». تصف هذه القدرة الطريقة التي يمكننا من خلالها وعبر الإدراك البصري أن نرى في شيء واحد أو مجموعة من الأشياء شكل شيء آخر: بينما أرى الغيوم تتحرك في السماء كنفثات دخان بيضاء، قد أرى فيها أحيانًا أشياء مألوفة، مثل وجه أو سلحفاة. يمكن أن يُعزى هذا جزئيًّا إلى حقيقة أن تمييز الأنماط أو الأشكال هو موطن قوة في الجهاز البصري البشري. فالعين والدماغ البشريان يدركان الوجوه والحيوانات، ويصنفانها بصريًّا من خلال مسارات عصبية أسرع من تلك التي تعالج التفاصيل البصرية. والتعرف البصري على الوجوه يمكِّننا من الترابط اجتماعيًّا، بينما التعرف البصري على الحيوانات يجنبنا التهديدات أو يساعدنا على السعي وراء الطعام.
قد تؤثر تلك القدرة على إدراك الأنماط أو الأشكال في الأشياء الأخرى، ويُعتقد أنها قد امتدَّت إلى إنشاء الفنون البشرية المبكرة.
تشير رسومات الكهوف على سبيل المثال إلى التعرف على الأشياء في أشكال الأسطح الطبيعية؛ مما يدل على مشاركة الخيال في الإدراك الحسي. ففي كهف شوفيه في فرنسا، حيث رُسِمت مئات الرسومات التمثيلية للغزلان والأسود وحيوانات وحيد القرن والحيوانات الأخرى قبل نحو ست وثلاثين ألف سنة مضت، يمكن رؤية رأس دب مرسومًا على بروز طبيعي. لقد كانت توحي معالم الجدار الصخري بشكل رأس الدب، وقد وضع راسمه دائرة في إشارة دالة على العين في موقعها التشريحي المناسب. فربما يكون شكل البروز قد أثار فكرة رسم هذا الدب، إضافة إلى وجود الدببة حينها في تلك المنطقة.
هذه القدرة على رؤية الشيء كأنه شيء آخر — التي من المحتمل أن تكون قد عززت التفكير البشري الأول — ظلت موجودة كوظيفة للعقل الفني البشري الحديث. فقد مارسها فنانو عصر النهضة عمدًا. إذ كان ليوناردو دافنشي يبحث عن الأنماط في كل أرجاء الطبيعة. فنصح ذلك الأستاذ تلاميذه بالعثور على صور للبشر والحيوانات والمشاهد في الأنماط والتشكيلات الطبيعية، حتى في ترسب الغبار على الأسطح. كذلك كان منافسه الأصغر سنًّا منه مايكل أنجلو يستخدم الإدراك التفسيري، حيث كان يرى موضوع منحوتته في الحجر الذي كان يستخدمه في النحت. وقيل إنه زعم أنه كان يرى تمثالًا في كل كتلة من الرخام، وإن كل ما عليه فعله هو أن يبعد ما لا ينتمي إلى التمثال لتحريره من الحجر.
في عملية «رؤية الشيء كأنه»، نحن نؤوِّل الشيء تأويلًا إدراكيًّا كشيء آخر من خلال التشابه الجزئي بينهما. وفي عملية مماثلة، يمكن أيضًا لشيء أن يمثل شيئًا آخر أو أن يكون بديلًا له. وقد عرض فيتجنشتاين بين أمثلته ﻟ «رؤية الشيء كأنه» رؤية المثلث قائمًا على قاعدته كأنه جبل. فرغم التشابه البصري المحدود فقط (الشكل الأساسي فقط)، يصبح الإدراك رمزيًّا، ويمكن أن يؤدي إلى التفكير القياسي. على سبيل المثال، من أجل تمييز السمات الجغرافية على الخريطة، يدرك المشاهد كيف أن علامة معينة تناظر شيئًا معينًا تمثله داخل إطار بصري معين. فعلى الخريطة، يرتبط الخط المنحني بالمثلث كما يرتبط النهر بالجبل في الأماكن الطبيعية.
بالنسبة لأجدادنا البشريين الأوائل، كانت رؤية النجوم في سماء الليل توفر فرصة ملائمة لرؤية الأشياء كأنها أشياء أخرى. ومع عدم تغير العين البشرية ونظام المعالجة البصرية نسبيًّا طيلة مئات الآلاف من السنين، كان البشر الأوائل يرون النجوم كما يراها البشر المعاصرون، وإن كان أجدادنا الأوائل قد رأوها بشكل أكثر وضوحًا بكثير لأنهم لم يكن يتعين عليهم التعامل مع التلوث الضوئي الراهن. بالنسبة لهم، يمكن رؤية تجمع معين من النجوم كإطار لشكل ثور أو صياد، فيجري تمييزها على هذا النحو بفعل العرف. وقد أفسحت هذه العملية القديمة مجالًا لأعراف متغيرة في الثقافات البشرية المختلفة بشأن تحديد تجمعات النجوم.
والعملية الرمزية هذه قد توجه التحركات العملية؛ ومن ثَم قد تؤدي إلى البقاء البشري. إذ يمكن توجيه الرحلات بواسطة مواقع النجوم التي يسهل التعرف عليها من أشكالها المرئية في السماء. كما يمكن توريث معرفة المواقع المتبادلة للنجوم عبر الفصول من جيل إلى جيل. وبعيدًا عن الأغراض العملية المباشرة، عملية «رؤية الشيء كأنه» هذه يمكن أن تمكِّن التأمل التخيلي. فمن الأشكال المعروفة في سماء الليل ربما نشأت الأساطير بين البشر الأوائل حول دورات الحياة والموت أو قوى الكون الأكبر.
أشارت الدراسات المقارنة الحديثة للفن في حقب ما قبل التاريخ — بما في ذلك الرجل الأسد من كهف هولنشتاين-ستادل المذكور أعلاه والرسومات الكهفية من فرنسا وإسبانيا وتركيا — إلى أن أجدادنا البشر الأوائل كانوا يمتلكون معرفة بحركات النجوم منذ نحو أربعين ألف سنة، وكانوا يستطيعون تتبع الزمن وفقًا لذلك. وتشير المقارنات بين الأنماط الموجودة في الأعمال الفنية المنتمية لحقب ما قبل التاريخ من أماكن مختلفة، والخرائط المُنتَجة من قِبل الكمبيوتر للسموات في العصور القديمة، إلى أن صُناعها كانوا يرسمون تجمعات النجوم وغيرها من المشاهدات الفلكية. وربما كانت بعض الحيوانات في هذه الأعمال تمثِّل أيضًا رموزًا للأبراج الفلكية.

من هذا يمكننا أن نستنتج أن القدرة على التخيل الملموس سمحت للبشر الأوائل بإيجاد معنًى في العالم من حولهم وفي السماء من فوقهم. فالقدرة على رؤية الحيوانات أو الأشكال الأخرى في نتوء على جدار كهف أو في تجمُّع معين من النجوم تبرهن على قدرة خيالية قديمة تعزز الإدراك البشري وتغير فهمنا للعالم المحيط تدريجيًّا. والتمثيل الفني أو غيره من أنواع التمثيل لهذه الأشياء يتيح مزيدًا من التأمل فيها. فقد تكون رؤية الثور أو الدب عن قرب أمرًا مخيفًا، ولكن يمكن أن يصبح الكائن نفسه موضوعًا للتأمل، وربما السرد القصصي، عبر التمثيل الفني. ويمكن توريث المعرفة حول هذه الأشياء. وبعيدًا عن مساعدة البشر الأوائل على البقاء، دعَّم الخيال الظهور التدريجي للثقافة البشرية.
دور اللعب في التطور الإدراكي البشري
في حين تشير الأبحاث الحديثة إلى أن البشر الأوائل كانوا أكثر تطورًا في تفكيرهم مما كان عليه فهمنا سابقًا، فقد كنا نقارن الإدراك البشري المبكر في كثير من الأحيان بطفولة العقل البشري الحديث. كما كنا ننظر إلى دور الخيال في تطور الإدراك لدى الأطفال المعاصرين كمصدر لتأمل الدور المحتمل للخيال في تطور إدراك الجنس البشري. يمكننا أن ننظر أولًا في الكيفية التي قد استخدم بها الأطفال في حقب ما قبل التاريخ اللعب في تعزيز تطور الخيال.
إذا تنزهت اليوم في أي حديقة، فقد ترى الأطفال الصغار يلعبون بالعصي، أو أوراق الأشجار، أو الأحجار، أو الأشياء البسيطة الأخرى الموجودة في البيئة المحيطة بهم. وبينما تنتج المجتمعات التجارية المعاصرة عددًا لا يُحصى من المنتجات المصممة لحجمهم وعمرهم، يستمتع الأطفال الصغار باللعب بهذه الأشياء الأساسية والبسيطة، وغالبًا ما يحولونها إلى أدوات، أو أسلحة، أو حيوانات، أو كنوز. كان الأطفال البشر الأوائل يفعلون الشيء نفسه وكانوا أيضًا مثل نظرائهم المعاصرين يوائمون أدوات الكبار وأوانيهم مع لعبهم. ومع ذلك، كشف علماء الآثار أيضًا عن ألعاب قديمة، وهي أشياء مصنوعة دون وظيفة عملية واضحة وتتناسب من حيث الحجم مع يد الطفل. تقدم هذه الأشياء لمحة حول الدور المحتمل للخيال في التطور الإدراكي.
أقدم الألعاب المزعومة (التي يعود تاريخها إلى بين ١١ إلى ١٨ ألف سنة مضت وعُثِر عليها في أوروبا) هي الروندلات، أو الأقراص الدائرية الصغيرة المنحوتة من الحجر، أو العظم، أو العاج. كانت عادة ما تُثقب ويُنقش على أحد جانبيها أو كليهما أشكال حيوانية أو هندسية. وكانت هذه الأشياء غامضة لفترة طويلة، ولكن في الآونة الأخيرة بدأ علماء الآثار ينظرون إليها باعتبارها ألعابًا بصرية. إذ يمكن استخدام روندل واحد مثقوب في مركزه كثوماتروب — لصنع نوع من الصور المتحركة — عن طريق سحبه بخيط من محوره الجانبي، بحيث تتراكب الصورة من أحد الجانبين على الصورة من الجانب الآخر بسبب ثبات الصور على الشبكية. على سبيل المثال، عُثِر على روندل عمره ١٥ ألف سنة في عام ١٨٦٨ في دوردوني في فرنسا، محفور عليه صورة حيوان شمواه، يظهر الحيوان على أحد الجانبين واقفًا وعلى الجانب الآخر مستلقيًا. وبدوران القرص بسرعة تندمج الصور وتتحرك أمام عين المشاهد. فعلى غرار الثوماتروب اللعبة الحديث الذي ابتكره الفلكي جون هيرشل في القرن التاسع عشر، وقدَّمه تجاريًّا لاحقًا جون أيرتون باريس، جرى تشبيه الروندل بشكل من أشكال الرسوم المتحركة القديمة.
بينما قد يستمتع الكبار والأطفال على حد سواء بهذه المؤثرات البصرية، يبدو أن بعض الأشياء القديمة كانت مصممة خصوصًا ليلعب بها الأطفال الصغار. إذ يمكننا الإشارة إلى عربة حجرية عمرها ٧٥٠٠ سنة طولها بضع بوصات فقط عُثِر عليها في تركيا، وإلى دمية صغيرة من الطباشير لخنزير صغير أو قنفذ بأنف وأذنين طويلتين دُفنت مع طفل من العصر البرونزي في أطلال ستونهنج، وتماثيل صغيرة وخُشخيشات عُثر عليها في قبور الأطفال الرضع في منطقة خاكاسيا النائية في سيبيريا، بما في ذلك دمية عمرها ٤٥٠٠ سنة منحوتة من الحجر الصابوني. وعلى جزيرة بانتليريا الإيطالية، وجد علماء الآثار جزءًا من دمية عمرها ٤ آلاف سنة دُفنت مع أدوات طبخ مصغَّرة. كما عُثِر على لعبة من البرونز والفضة عمرها ٣٥٠٠ سنة في جبال رودوب في بلغاريا على شكل طائر لقلق يقف على حامل ثلاثي الأرجل، ويمكن تحريك رأسها؛ مما يتيح للأطفال التظاهر بأن الطائر يشرب.
تُعَد هذه الأشياء المصغرة دليلًا على مهارات فنية متقدمة ودعم اجتماعي للعب الأطفال التخيلي. فمثلما تفعل الدُّمى الحديثة، والحيوانات المحشوة، والمَركبات المصغَّرة، والمكعبات، للأطفال اليوم، تدعو هذه الألعاب المصغرة الأطفال للتفاعل مع الأشياء في العالم من حولهم وحتى إتقانها. وبينما كان علماء النفس يزعمون سابقًا أن اللعب التظاهري والتخيل يثبطان التفكير العقلاني في الأطفال، فقد بدأنا ندرك في العقود الأخيرة أهمية اللعب للتطور الإدراكي. ففي كتابه «اللعب والواقع» (١٩٧١)، دفع عالم النفس دي دبليو وينيكوت بأن اللعب يزيد إحساس الطفل بالوجود — فحسب تعبيره، «اللعب جزء أساسي من الوجود البشري» — ومن ثَم يعزز تطويرهم لذات متحققة بالكامل. فالأطفال خلال اللعب يكونون شديدي التركيز والعفوية، وعلى دراية كبيرة بالعالم وتفاعلهم معه، ومن خلال هذا التفاعل، يكونون على دراية بأنفسهم.
ويُعَد اللعب في الآونة الأخيرة أمرًا أساسيًّا للتطور الفكري لعقل الطفل. فوفقًا لما ذكره عالم النفس بول هاريس في كتابه «أعمال الخيال» (٢٠٠٠)، فإن التخيل لا يعوق تطور التفكير العقلاني، بل هو أمر أساسي بالنسبة له. فخيالات اللعب تساعد الأطفال على تطبيق المعرفة التي تعلموها من الواقع في سيناريوهات جديدة. ومن خلال اللعب المتخيل، يفحص الأطفال الأفعال المستقبلية الممكنة مع النظر في الخيارات المتعددة. ومن خلال تظاهرهم نجدهم يتخيلون أيضًا وجهات نظر الآخرين؛ مما يعزز الترابط والمواجدة الاجتماعيين. فاللعب يحفز الخيال من خلال تشجيع التظاهر والنظر في سيناريوهات مُغايرة للواقع وتغيير وجهات النظر. ولا يدعم اللعب المهارات الأخرى الضرورية للبقاء وحسب، ولكنه قد يكون غاية تطورية في حد ذاتها.
وفي حين يتناقص الدافع للعب كلما كَبِر الأطفال وأصبحوا بالغين، فإن البالغين يستمتعون أيضًا بوسائل التسلية التي لا توجد لها وظيفة عملية واضحة، حيث يظل اللعب أمرًا أساسيًّا للرفاهية المعرفية، كما زعم وينيكوت. وقد كانت العديد من الحضارات القديمة تستمتع بألعاب تتطلب مشاركة عدة لاعبين، مثل ألعاب اللوح. فالداما من بين أقدم ألعاب اللوح التي لا تزال تُلعب إلى الآن، وكان منشؤها بلاد الرافدين منذ نحو ٥ آلاف عام. كما كانت بلاد فارس القديمة (إيران) تمارس لعبة الطاولة، ولعب المصريون القدماء لعبة ميهين، التي سُميت على اسم إله الثعبان الذي جرى تشكيل اللوح على هيئته. وكذلك لعبة الجو أو ويتشي، التي لا تزال شائعة إلى يومنا هذا، نشأت في الصين القديمة بين ٣ و٤ آلاف عام مضت. وأقدم لعبة لوح يمكن لعبها وما زالت موجودة فعليًّا هي نسخة من لعبة أور الملكية، التي نشأت في بلاد الرافدين منذ ٤٦٠٠ عام. وقد كتب فلكيٌّ بابليٌّ قواعد هذه اللعبة على لوح طيني بالخط المسماري في عام ١٧٧ قبل الميلاد. وبينما تتضمن كل هذه الألعاب التفكير المنطقي المعقد، فإنها تحافظ أيضًا على غريزة اللعب وتعززها؛ مما يتيح التعامل مع الاحتمالات والمنظورات المتعددة، إلى جانب الاستمتاع بممارسة النشاط.
خيال الحيوان
يمكن العثور على أدلة أخرى على تطور الخيال في دراسات عن أقربائنا من الحيوانات. ففي طقوس المغازلة، يبني ذكور طيور التعريشة أبراجًا محبوكة أو ملصوقة من الأعواد ويزينونها بأشياء مثل الزهور، والطحالب، والحشرات، وصدف الحلزون، وأجنحة الفراشات. وتنهمك الببغاوات في التقليد المعقد. قد تُنسب هذه الأنشطة إلى الغريزة، ولكن بعضها الآخر يكون نتاجًا عن التشارك الاجتماعي أو التعلم. فللفيلة روابط اجتماعية قوية بشكل استثنائي، وتستطيع التعرف على عظام الفيلة الأخرى، فتقوم بأعمال الدفن التي تشير إلى الوعي بالموت والتعلق بحياة الفيلة الأخرى. وتستخدم القردة والسعادين أشكالًا من اللغة، كما تصنع وتستخدم أدوات بدائية، وهي واعية بذاتها. وبينما يبدو أن القدرة على التخيل تُميز النوع البشري خاصة، يمكن أيضًا للحيوانات الأخرى أن تتخيل، حسبما يتجلى في حلها للمشكلات والتواصل الاجتماعي.
في حين كان الفلاسفة في جانب كبير من التقليد الغربي يتجاهلون مسألة ذكاء الحيوانات أو يرفضونها، كان أرسطو قد اقترح أن الحيوانات لا بد أنها تمتلك شيئًا من الخيال في البحث عن أشياء لا يتم إدراكها إدراكًا مباشرًا أو تجنبها. فحسب اعتقاده، لدى الحيوانات تمثيل داخلي بصري أو من نوع آخر للأشياء. والأبحاث الحديثة تظهر أن الحيوانات قد تكون قادرة على الانخراط في أنماط أخرى من التخيل مثل التظاهر وبعض الإبداع. فقد جرت ملاحظة قردة الشمبانزي في البرية، وهي تنقل أنشطة من سيناريو حقيقي إلى شيء مُدَّعًى. إذ جرت ملاحظتها، على سبيل المثال، وهي تعتني بالأوراق محاكاةً للاستمالة الاجتماعية، واستخدام العِصي للصيد في «عش وهمي» للنمل، وحمل قطعة حطب كما لو كانت طفلًا. وحتى عندما تكون بمفردها، قد تتظاهر بالقيام بعروض عدوانية. وقد تقلد سعادين المكاك بعضها أفعال بعض، وتتظاهر بسلوكيات التغذية أو التجاهل. كما تتشاجر وديًّا بغرض اللعب وتتناكف.
وتُظهِر الرئيسيات التي يُربيها البشر مجموعة واسعة من السلوكيات التي تشير إلى بعض أنماط التخيل. فجرت ملاحظة أنثى شمبانزي في الأسر تُدعى فيكي وهي تلعب بأشياء وهمية، فكانت تتظاهر كما لو كانت تسحب لعبة سحب غير موجودة ثم «علِقت». كما جرت ملاحظة قرد بونوبو يُدعى كانزي وهو يلعب بأشياء غير مرئية ووهمية، ويشجع الآخرين على اللعب بها. وكانت واشو — وهي أنثى شمبانزي تُربت على يد البشر — أول كائن غير بشري يتواصل بلغة الإشارة الأمريكية. فكانت تتظاهر أثناء اللعب، بأنها تغسل دُماها بالصابون وتجففها بالمناشف. وكانت هي وحيوانات أخرى في مجموعتها يشيرون «دغدغة» بلغة الإشارة، عند اللعب بالدُّمى. كما جرت ملاحظة شمبانزي وهو يتظاهر بأكل ممحاة، ويشير «طعام» بلغة الإشارة، ثم يخفيها في غرفته. هذا يشير إلى تخيل منظور آخر يمكن من خلاله إخفاء موقع شيء حقيقي. وفي الأسر، رسمت غوريلات صورًا، رغم أنها كانت بدائية إلى حد ما، وأعطتها أسماءً بلغة الإشارة.
ربما كان أكثر المظاهر التي نعرفها عن خيال الحيوانات تقدمًا هو ما أظهرته كوكو، أنثى الغوريلا التي عاشت من عام ١٩٧١ إلى عام ٢٠١٨ في كاليفورنيا، وعُلمت لغة الإشارة منذ طفولتها. أصبحت كوكو قادرة على التحدث بلغة الإشارة بنحو ألف كلمة، كما كان يمكنها فهم ضِعف هذا العدد من الكلمات. كانت كوكو تتظاهر بشكل روتيني أثناء اللعب. فكانت تلعب مع دُمى غوريلات، فتشير لها بلغة الإشارة بمطاردة أو دغدغة بعضها بعضًا. وهي في سن الرابعة تقريبًا، كانت لعبتها المفضلة التظاهر كما لو كانت عمياء، فكانت تتعثر وتصطدم بالأشياء. وفي مناقشة لها مع القائم على رعايتها حول صورة لطائر، أشارت بلغة الإشارة «كوكو، الطائر»، ثم أقرَّت بعد مزيد من الأسئلة بأنها في الواقع «الغوريلا كوكو». وعند رؤيتها صورة لملكة إنجلترا في الرداء القرمزي كما رسمها ريتشارد ستون، ارتدت كوكو بطانية حمراء، وأشارت بلغة الإشارة «كوكو، الملكة». وقد يكون للخيال أيضًا دور في فهم الأحداث الهامة التي لا يمكنها إدراكها مباشرة. فعندما أُبلغت كوكو بأن القط الأليف الذي أحبته وأطلقت عليه اسم «أول بول» قد تعرض لحادث سيارة ومات، حزنت كوكو، وأشارت بلغة الإشارة «سيئ، حزين … بكاء-عبوس»، وقد بكت عليه بصوت مسموع في وقت لاحق وعلى انفراد؛ مما يدل على الاهتمام الواعي بشيء غائب.
على حد علمنا، يبدو أن ما يميز البشر هو استخدام الخيال دون التقيد بالظروف أو الأشياء المحيطة. إذ يبدو أن البشر وحدهم هم من ينهمكون في التخيل المستفيض بمنأًى عن الدلائل البيئية؛ مما يتيح لنا التوهم، وتأليف القصص الخيالية، وبناء عوالم أخرى. ومع ذلك، تستمر الأدلة على تعقُّد الوظائف العقلية للقرود والحيوانات الأخرى في الزيادة، وهي بالتأكيد أكثر تقدمًا بكثير مما كنا نعتقد سابقًا. ونحن الآن ندرك أن حيوانات أخرى إلى جانب البشر — بما في ذلك ليس فقط الرئيسيات ولكن أيضًا الفيلة والدلافين من بين آخرين — لها دراية بالذات، وقد يكون لديها شيء مثل الحياة الداخلية. تضمنت رسالة مدهشة من كوكو بلغة الإشارة التي أُرسِلت في فيديو إلى مؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ في باريس في عام ٢٠١٥ انتقادها للبشر «الأغبياء» الذين خرَّبوا الطبيعة. ورغم عرض هذه الرسالة وتحريرها على يد رفاقها من البشر؛ ومن ثَم استقبالها ببعض الشك حول درجة الفهم المتضمنة، فإن التماس كوكو ﻟ «أصلحوا الأرض … احموا الأرض … الطبيعة» أظهر على الأقل حيوانًا غير بشري يستحضر موقفًا بعيدًا عن الإدراك المباشر، ويشير إلى بديل.
وعلى غرار الإدراك البشري، ينشأ الإدراك الحيواني غير البشري من التفاعل مع البيئة، وفي الجهود المبذولة لتشكيل العالم وفقًا للحاجات. وعلى الرغم من أن الفيلسوف الفرنسي ميرلو بونتي ركز على ظاهراتية الوعي البشري المتجسد، فقد أقرَّ بالحياة الداخلية للحيوانات. إذ أشار إلى أن «جميع الكائنات الحية، بما في ذلك نحن البشر، تسعى لإعطاء شكل لعالم لم يكن مقدرًا مسبقًا لاستيعاب محاولاتنا للتفكير فيه والتفاعل معه». ومع ذلك، يمكننا أن نأمل في فهم هذا المسعى المشترك فقط «إذا كنا مستعدين للعيش جنبًا إلى جنب مع عالم الحيوانات بدلًا من أن نتسرع في أن ننكر عنهم امتلاك أي نوع من الحياة الداخلية». وقد يتضمن فهمنا للخيال البشري في ضوء تطورنا الإدراكي الاعتراف ببعض التشابهات مع الحيوانات غير البشرية، بغضِّ النظر عن مدى درجة التفرد التي تطور إليها.
بحسب ما استكشفنا في هذا الفصل، نجد أن تطوُّر الخيال أفسح المجال لظهور الثقافة البشرية. ومن وجهة نظر حديثة، يبدو أن الرسومات الجدارية، والمنحوتات، والألعاب التي تعود لما قبل التاريخ تُعبر عن الحيوية الخام للخيال البشري المبكر. وفي حين تسلق أسلافنا البشر الأوائل التلال، ورأوا العالم من الأعلى للمرة الأولى، أو شاهدوا النجوم بدهشة وإعجاب، فقد حولت التكنولوجيا قدرات البشر المعاصرين على التخيل جذريًّا. فلدينا الآن صور للأرض من الفضاء، ويمكننا فحص سطح الأرض بالكامل بتصويره بالأقمار الصناعية. ومع ذلك، تحوَّل الفنانون المحدثون إلى ما يُسمى أعمال البشر الأوائل البدائية بحثًا عن الإلهام. فبعد أن رأى بيكاسو الرسومات الجدارية في كهف لاسكو، قيل إنه قال: «لقد ابتكروا كل شيء». ومهما بدت هذه العبارة مثيرة للجدل، فقد رأى الفنانون المحدثون في الفن البشري المبكر تعبيرات أصيلة عن الرؤى الخيالية.
وإلى جانب البقاء على قيد الحياة، سمح لنا الخيال بتعزيز تجاربنا في الحياة وإدخال تعديلات عليها وتأملها بصورة معبِّرة. لقد مكَّننا الخيال من أنسنة عالمنا رمزيًّا بما يتناسب مع إطار عقلي يمكن للعقل البشري فهمه والتعامل معه. وبفضل الخيال، نستطيع النظر للعالم كشيء ينتمي إليه المجتمع البشري. غير أن الخلل البيئي الذي نتج عن أنسنتنا العملية للعالم قد يتطلب مجددًا الخيال كمكون أساسي في حل المشكلات. ومن أجل تحسين تفكيرنا على الوجه الأمثل، قد يكون من المفيد فهم هذه القدرة الرائعة فهمًا أفضل.
في الفصول الثلاثة القادمة، سنتتبع الفهم الفلسفي للخيال بدءًا من اليونانيين القدماء إلى البواكير الحديثة للفلسفة والعلوم، وظهور فلسفة الجمال والحماسة الرومانسية للخيال، وتأكيدات القرن العشرين على التخيل الإنتاجي.