تعزيز الواقع
بينما قد يساهم الخيال في تشكيل الخبرة، فإنه أيضًا يعزز الواقع عن طريق منحه معنًى بشريًّا مميزًا. والخيال الإنتاجي، الذي جرى الاحتفاء به في الفلسفات الجمالية للقرن التاسع عشر وناقشناه في الفصل السابق، جرى استكشافه في الحركات الفلسفية المهمة في القرن العشرين. في هذا الفصل، سنناقش كيف يشكِّل الخيال الإدراك ويغيِّره من خلال عملية «رؤية الشيء كأنه»، أو الإدراك التفسيري. وسنرى أن الخيال — رغم تحرره من قيود الواقع — يمكن أيضًا أن يزيد من إمكانيات الواقع، أو أن يفتح إحساسنا بالواقع على الإمكانيات. وسنلتفت إلى الوسائل، بما في ذلك الاستعارة، والسرد، والأفكار السياسية، والنماذج العلمية، التي يُعتقد أن الخيال يولِّد من خلالها معانيَ خيالية جديدة بالإضافة إلى أطر جديدة لفهم الواقع نفسه.
في حين أن «رؤية الشيء كأنه» — التي وصفها فيتجنشتاين لأول مرة — لا تُعدُّ قدرة إلهية خلَّاقة، فإنها تجعل رؤية وجهة النظر البشرية تجاه العالم ممكنة، كما تعزز التعبير الخيالي. وأحد أوجه التطور المهمة في فلسفة الخيال دراسةُ الظاهراتيَّة له، وهي الفلسفة التي تركز على هيكل الظواهر أمام الوعي. وفي حين يفصل سارتر عامة وبصرامة بين الخيال والإدراك — معتبرًا الإدراك مستقلًّا تمام الاستقلال عن أعمال الخيال في العقل — فقد أقرَّ أيضًا بالتخيل الملموس الذي نتصوَّر من خلاله الواقع تصورًا خياليًّا، فنتعرف على إمكانياته الكامنة. وفي دراسات ميرلو بونتي للرسم الحديث، يُعَد هذا الكُمون ارتباطًا خياليًّا بتجربتنا المادية للعالم. أي إنه من خلال تجربتنا بأننا ذاتٌ متجسدة تتحرك في الزمان والمكان بين الأشياء الأخرى، نبني حصيلة من التوجهات والتوقعات التي يملؤها الخيال ويكمِّلها في حين لا نجدها دائمًا كاستجابة كاملة في الإدراك المباشر. ونقل ريكور فلسفة الخيال من تركيزها على التصوير شبه الإدراكي إلى الخيال اللغوي؛ مما يوسع مفهوم الخيال الإنتاجي لتفسير القدرة البشرية على خلق معانٍ جديدة. فنظريات القرن العشرين هذه تعترف بالأهمية الكبيرة للخيال في تعزيز الواقع في الإدراك البشري، بما في ذلك التقاء البشر مع عالم يدركون أنه ذو معنًى.
«رؤية الشيء كأنه» وإدراك جانب ما
لشرح مفهوم «رؤية الشيء كأنه»، يقول فيتجنشتاين إن علينا أن نَصِف «الرؤية» بطريقتين مختلفتين. هناك رؤية مباشرة تعتمد على الإدراك البصري، أو استيعاب البيانات البصرية، وهناك نوع آخر من الإدراك البصري من خلال التشابه. في هذا الشأن، يكتب فيتجنشتاين:
هناك استخدامان لكلمة «أرى».
الأول: «ماذا ترى هناك؟ أرى «ذلك الشيء»» (ثم يتبعه وصف، أو رسم، أو صورة). الثاني: «أرى تشابهًا بين هذين الوجهين» … ما يهم هو اختلاف المقولة بين «موضوعي» الرؤية. أرصد وجهًا، ثم ألاحظ فجأةً تشابهه مع آخر. أرى أنه لم يتغير؛ ومع ذلك، أراه مختلفًا. أسمِّي هذه التجربة «ملاحظة جانب».
النوع الأول من الرؤية يشبه الإدراك الأوَّلي. والنوع الثاني من الرؤية — إدراك جانب ما أو «رؤية الشيء كأنه» — يسجل الشيء نفسه بصريًّا في ضوء تشابهه أو ارتباطه بآخر.

حدد فيتجنشتاين مجموعة متنوعة من الظواهر المرتبطة ﺑ «رؤية الشيء كأنه». إذ نرى شكل إنسان حيثما كان يوجد فيما سبق أغصان. ونرى حصانًا في صورة ثابتة كأنه يركض. ونرى مثلثًا «كأنه جبل، أو وتد، أو سهم، أو مؤشر». وفي «رؤية الشيء كأنه»، نحن لا نعتبر شيئًا كشيء آخر وحسب. في اللعب التظاهري، يعامل الأطفال قطعة الحطب «كما لو كانت» سفينة قراصنة. ولكن في «رؤية الشيء كأنه»، نرى الشيء «كأنه» شيء آخر من خلال منظور معين. بذلك ندرك الشيء في ضوء شيء آخر.
ناقشنا في الفصل الثاني ظاهرة رؤية تجمعات النجوم كأبراج فلكية. هذا ينطوي على تجربة مزدوجة من الإدراك والتشكيل: فقد نرى مجموعة من النجوم كنقاط من الضوء في السماء أو في هيئة كوكبة الصياد الجبار مثلًا. في هذا المثال على «رؤية الشيء كأنه»، يعزِّز الاستنباط المتزامن لإمكانية رمزية الإدراك البصري. فيمكنني رؤية النجوم مباشرة كنقاط مضيئة بين النجوم الأخرى، ويمكنني أن أتعرف عليها أيضًا باعتبارها تشبه أو تشكِّل هيئة أو صورة شيء آخر. ولا يتغيَّر موضوع البصر نفسه أثناء التحول من الرؤية المباشرة إلى «رؤية الشيء كأنه»، ولكن ما يتغيَّر هو الإدراك الذي نعايشه. وبما أن الخيال هو ما يمكِّن من تجربة «رؤية الشيء كأنه»، فيمكننا أن نصفها بأنها إدراك يهبُه الخيال.
ومع ذلك، فإن «رؤية الشيء كأنه» تُفسر كذلك قدرتنا على فهم التمثيلات أو تمييز المراجع البصرية. فعند النظر إلى رسمةٍ ما، يمكننا أن «نرى» الشيء الذي تُظهره — كأن يكون هيئة بشرية، على سبيل المثال — لا الخطوط والعلامات المادية المباشِرة التي تُكون الصورة. يصف فيتجنشتاين هذه الظاهرة على النحو الآتي: «نلاحظ الصورة الفوتوغرافية، الصورة التي على الجدار، باعتبار أنها الشيء نفسه الذي تصوِّره (الرجل، أو المنظر الطبيعي، وهكذا).» هذا التفسير الإدراكي يولد فائضًا يتجاوز مجرد الإدراك الحسي في شكل تماهٍ مع أو تمييز لما لم يُعطَ تجريبيًّا بالحصر. يوضح فيتجنشتاين أن هذه الحالات ليست مجرد مسألة معرفة مرجعية، ولكنها شكل من أشكال الإدراك. فنحن نعايش التمثيل نفسه (أغصان الشجر كهيئة بشرية أو الصورة المرسومة كمنظر طبيعي) إدراكيًّا كأنه الشيء الذي يجري تمثيله بالفعل. أطلق الفيلسوف الظاهراتي هوسرل على هذا «الوعي بالصورة»، وجرى تحليله — جنبًا إلى جنب مع أشكال أخرى من التجربة الخيالية — في بحث سارتر بعنوان «الخيالي».
تسمح لنا «رؤية الشيء كأنه» — بالإضافة إلى فهم الحقائق المادية التي أمامنا — برؤية الأشياء باعتبارها مليئة بالأهمية أو المعنى. فنحن لا نفهم الروابط الحرفية بين الأشياء، ولكن عوضًا عن ذلك ما يسميه فيتجنشتاين «العلاقات الداخلية»، بحيث يتحول إدراكنا للحقائق في تجربة حيَّة. وتشيع خبرات الرؤية التفسيرية هذه في الإدراك البشري، وهي ضرورية لإدراك الفن والتفكير الرمزي، ويمكن أيضًا أن تؤدي إلى التعبير الإبداعي. ومع ذلك، تظل «رؤية الشيء كأنه» في حالة توتر مع حالة التحرر من الواقع التي يُعتقد أن الخيال يمنحها.
ظاهراتية التصور العقلي
إذا كان بإمكان الخيال أن يعزز أو يزيد من إدراك الواقع، فإنه يظل متميزًا بشكل أساسي عنه. ففي عمله المهم عن الفلسفة الوجودية بعنوان «الوجود والعدم» (١٩٤٣)، اقترح سارتر أن الوعي البشري حر لأنه متميز بشكل أساسي عن العالم المادي ويمكنه، بشكل ما، «إنكار» هذا العالم أو إنكار سلطته على العقل. فبينما لكل شيء في الواقع «وجود»، يجادل سارتر بأن الوعي هو، بالأحرى، «عدم»، على الرغم من أنه «موجود» في وعيه بنفسه وبأي شيء يكون واعيًا به في أي لحظة معينة. فالخيال يتيح للوعي أن يبتعد عن الواقع، ويقدم بدائل له. ووفقًا لفلسفة سارتر، بينما قد أكون محصورًا جسديًّا بمكانٍ ما وبحالة معينة، فإنني في ذهني أكون حرًّا. هذه الحرية تعكس حقيقة أنني يمكن أن أتخيل العالم بشكل مختلف عن وجوده الفعلي، ويمكن أن أتخيل، أيضًا، مكانًا آخر وأتخيله بشكل آخر عما أعايشه بصورة مباشرة.
هذا الرأي الوجودي يؤثر أيضًا في عمل سارتر بعنوان «الخيالي» (١٩٤٠)، الذي يستخدم التناول الظاهراتي، وهو الشكل الوصفي لمنظور الشخص الأول، الذي أتينا على ذكره في الفصل الأول من هذا الكتاب. لقد سمحت الظاهراتية لسارتر بالتغلب على ما اعتبره خطأً جسيمًا في التفسيرات التقليدية للخيال، ولا سيما «وهم التأصل»، أو معالجة الصورة العقلية كما لو كانت شيئًا أو موضوعًا في العقل. يجادل سارتر بأن الصورة ليست موضوعًا، ولكنها «وسيلة» لقصد شيء غير موجود بصورة مباشرة أمام الوعي.
فعندما نتخيل شيئًا غير موجود، يمكن أن يأخذ هذا اللاحضور عدة أشكال. إذ يمكننا أن نتخيل شيئًا بأنه في مكان آخر (باستخدام مثال سارتر، صديقي بيير في برلين). ويمكننا أن نتخيل شيئًا بأنه شيء غير موجود (مثل اليونيكورن). ويمكننا أن نتخيل شيئًا بأنه ببساطة غائب (كأسد مثلًا، أينما كان). كما يمكننا أيضًا أن نتخيل شيئًا دون تأكيد وجوده أو مكانه على الإطلاق (مثل تخيل شيء بغضِّ النظر عن وضعه الوجودي أو المكاني). باستخدام المصطلحات الوجودية الخاصة بسارتر، الخيال هو إنشاء وإنكار في آنٍ معًا؛ لأنه يقدِّم موضوعه، ولكن ﮐ «عدم». فالصور لا تأخذ مساحة في الواقع كما تفعل موضوعات الإدراك، بل تسكن ما وصفه سارتر بأنه اللاواقع؛ وهو وضع ظاهري تجريبي من أوضاع الحضور أمام الوعي، ومستقل عن الواقع نفسه. ولأن الخيال يتيح لنا النظر إلى أي موضوع باعتباره «غير واقعي» — أو في وضع الصورة — فإنه يحرر الوعي من حتميات الواقع.
بينما يرفض سارتر الفكرة التي تقول إن الصورة هي شيء في العقل، فإنه يقدم تفسيرًا ظاهراتيًّا لعملية التخيل البصري الداخلي. فالصورة هي طريقة للوعي بشيء ما، في وضع معين. يشير سارتر إلى أنني عندما أتصوَّر شيئًا، تُعطى الصورة أو تتمثَّل كلها دفعة واحدة؛ ومن ثَم ليس من السهل التلاعب بها: فلا يمكننا تقسيم صورة، أو ربطها ربطًا سلسًا مع صورة أخرى، أو جعل صورة ثابتة بالفعل متحركة. فعندما أتخيل البانثيون، لا يمكنني أن أعد أعمدته بسهولة، بينما عندما أنظر له وهو أمامي، يمكنني اكتساب معرفة تفصيلية به عن طريق فحصه بشكل أكثر دقة، فألتفت لهذه الجهة أو تلك لأجمع منظرًا له كله. وإذا كان لديَّ صورة لرأس بيير، لا يمكنني إضافة قبعة عالية عليها دون أن تكون موجودة عليها؛ لا يمكنني استدعاء «المظهر» الذي سيكون عليه بيير وهو يرتدي قبعة عالية ما لم أستبدل صورة بأخرى. ولا يمكنني جعل تمثال خيالي في وضع واقف يسير نحوي إلا بطريقة متقطعة وخرقاء. فالصور تتسم بالنقص وسرعة التلاشي، وبهذه الطريقة، فهي مختلفة عن التصورات الإدراكية. فعندما أقدم المزيد من التفاصيل أو أحول صورة ما، يجب عليَّ في الواقع تقديم صورة جديدة لتحل محلها. وقد أخذ المنظِّرون المعاصرون اهتمام سارتر بالتلاعب بالصور الذهنية في دفاعهم عن أهميتها لدراسات الخيال. فقد أشار كوزلين في كتابه «الصورة والعقل» (١٩٨٠) إلى هذا التلاعب كدليل داعم لأهمية الصورة الذهنية، والتي استمر في الدفاع عنها في دراسات تجريبية لاحقة، وكانت هذه الأفكار هي الأساس لتفصيل كايسي الظاهراتي في كتاب «التخيل» (٢٠٠٠).
بينما يعتمد في الغالب وصف سارتر للتصور الداخلي على تجربته التأمليَّة الخاصة، من المعروف أن قدرة العقول البشرية على التصور متباينة. كان أول من اقترح هذا التباين هو فرانسيس جالتون في عام ١٨٨٠؛ إذ أجرى استطلاع رأي غير رسمي على أشخاص طُلب منهم النظر في طبيعة تجاربهم في التخيل. وقد اعترف ويليام جيمس بقيمة دراسة جالتون في كتابه «مبادئ علم النفس» (١٨٩٠)، وأدرك أن لدى بعض الأشخاص قدرة استثنائية على التصور الداخلي، بينما لدى البعض الآخر قدرات أضعف. وبحسب جيمس، فإن الإخفاق في تقدير هذا الاختلاف قد يؤدي إلى وجهة نظر «خاطئة» حول الخيال.
بالإضافة إلى الصور المتصورة ذهنيًّا بالكامل، تتناول أيضًا فلسفة سارتر الظاهراتية عدة أنواع مختلفة من الصور المرجعية — «عائلة الصورة» — لصورة فوتوغرافية لشخص، ولوحة تصوِّر شخصًا، ورسم تخطيطي لشخص. وبينما أدرج فيتجنشتاين مثل هذه الصور كحالات على «رؤية الشيء كأنه»، يجادل سارتر بأننا في هذه الحالات «نبصر» الشيء المادي — الصورة، وقماش اللوحة والطلاء، أو الخطوط على الصفحة — لكننا «نتخيل» الشيء الذي تشير إليه. فما نتخيله ليس الشخصية الفعلية في الصورة (بيير تحديدًا في اللحظة التي تم التقاط الصورة فيها) ولكن الشخص الذي تستحضره. ويزعم سارتر أن الشيء المادي يعمل ﮐ «نظير» للتخيل. ثَمة اعتماد ضمني هنا على مفهوم التشابه؛ ومن ثَم على الخيال التوليدي، إذ يمكن أن تقوم الصورة بدور النظير للتخيل؛ لأنها تشبه الشخص المُتصوَّر.

ويسلِّم سارتر بأنه عند تصور شخص غير موجود — بدون محفز مادي مثل صورة أو رسمة — فلا بد أن يكون بالعقل «نظير» أيضًا، لكن سارتر يعترف بأنه من الصعب تحديد ماهية هذا النظير. فيقترح أنه حركة الوعي التي تولي اهتمامًا للصورة، أو الإحساس الحركي المشارك في تكوين الصورة، والعاطفة المرتبطة بها. وقد أظهرت علوم الأعصاب أن التصور البصري لدينا يحدث في المناطق العصبية نفسها التي تحدث فيها الرؤية نفسها. فقد يكون من الصعب توفيق نظرية سارتر للنظير توفيقًا كاملًا مع أطروحته حول الصورة كعدم، إذا فُهم النظير كمخطط افتراضي تُنتجه الخلايا العصبية في العقل. بمعنًى آخر، قد لا تكون الصورة بالمعنى الدقيق للكلمة «عدمًا»، بل لها رابطة عصبية مادية يتم إنتاجها من خلال أفعال التخيل في العقل.
كشف الواقع و«استكشاف إمكانياته»
تسمح نظرية سارتر، مثل نظرية فيتجنشتاين، بنوع من الإدراك التفسيري. فعندما نرى، على سبيل المثال، بقعة على مفرش الطاولة بشكل معين، أو نرى وجوهًا في النار، أو صخورًا تبدو كأنها تُشكل هيئة بشرية، يقترح سارتر أننا نتحول إلى وضع تخيُّلي. إذ يمكنني أن أُبصر تلك البقعة كمجرد بقعة وحسب، أو يمكنني «التظاهر ﺑ «رؤية» الصورة»، أو استعراضها بطريقة معينة. وبينما يعتمد سارتر على التظاهر لدعم تمييزه بين التخيل والتصور، قد يكون الأمر أنه عند رؤية الخطوط التمثيلية على الصفحة (كما في الرسم التوضيحي أو الرسم التخطيطي)، تكون هذه الإمكانية متضمنة في الإدراك التفسيري للخطوط ذاتها.
طبقًا لهذا الرأي، العالم الذي نعايشه ليس مجرد كلٍّ متكامل ركَّبه العقل، أو مجموعة من الأشياء المادية، ولكنه نطاق غني وحيوي من الإمكانيات. ومعايشة العالم كنطاق مليء بالإمكانيات تتطلب أن نكون قادرين على التجاوز أو الذهاب إلى ما هو أبعد مما هو موجود فقط، والكشف عنه كشيء ما أو بطرق معينة. يتبنى سارتر فكرة هايدجر أننا «نكشف» الواقع بهذه الطرق، لكن بينما يؤكد هايدجر على الاهتمامات العملية، يرى سارتر أن هذا الكشف خيالي بشكل صريح. ففي رأيه أننا نُضفي قيمنا العاطفية والجمالية على ما نرى من خلال الخيال.
كتب سارتر أيضًا باستفاضة عن الأعمال الفنية والأدبية، وأحيانًا يربط الخيال في هذا السياق بما يسميه «استكشاف إمكانيات» الواقع. فبما أن وظيفة الخيال هي جعل ما يُتخيَّل «غير واقعي»، يمكن تغيير ما يُتخيَّل في العقل نحو أشكال وتكوينات ممكنة أخرى. وبينما شدَّد سارتر على الفرق بين المُتخيَّل والمُتصوَّر، اعتقد أيضًا أن هذا الفرق يُثري إحساسنا بالعالم. فيمكننا تعزيز فهمنا لواقع العالم وحقيقته من خلال الإمكانيات التي يوفرها الخيال، وتوليد بدائل ممكنة.

في حين كان قد أدرك الفلاسفة أن انخراطنا في العالم ضروري لمعايشته على نحوٍ متماسك أو ذي مغزًى، يضيف سارتر أن هذا الانخراط ضروري أيضًا لمعايشة اللاواقع، الذي أُطلق عليه أيضًا اسم «الخيالي». فمن أجل إدراك صورة أو شيء مُتخيَّل باعتباره «غير واقعي» — أو متميِّزًا وجوديًّا عن الواقع — يجب أيضًا افتراض العالم الذي يتجاوزه هذا الشيء. فلا بد أن نكون قادرين على تخيُّل حدود الواقع كي نتمكن من تجاوزها بالخيال. يجادل سارتر قائلًا:
لكي يتمكن الوعي من التخيل، يجب أن يتمكن من الهروب من العالَم بطبيعته، فلا بدَّ أن يتمكن من الابتعاد عن العالَم بجهوده الخاصة. باختصار، يجب أن يكون حرًّا.
يربط سارتر الابتعاد عن العالَم باتخاذ منظورٍ فني. فيقارن سارتر هذا بالمسافة التي يأخذها الرسام الانطباعي من القماش لكي «يبرز «الغابة» أو «زنابق الماء البيضاء» بالكامل من بين ضربات الفرشاة الصغيرة الكثيرة التي وضعها على القماش». فحتى إدراك الواقع باعتباره واقعًا يعني وجود لاواقع يمكن تمييز الواقع عنه. ومن ثَم، إحساسنا بالواقع كواقع «ينطوي ضمنًا على تجاوز خفي نحو الخيالي.»
رغم تمييزه بين الخيال والواقع، أدرك سارتر أن الخيال يمكن أيضًا أن يقدم للإدراك وسائل تحقُّقه الجمالي أو وسائل التحقق الرمزي الأخرى؛ أي كشف للواقع يعززه في الوقت نفسه. قد لا يغير المعنى الجمالي أو العاطفي أو الرمزي السمات الإدراكية المجردة للواقع الذي ندركه، ولكنه يؤثِّر على تفسيرها وكيفية معايشتها. فقد يبدو الجبل جميلًا أو جليلًا إضافة إلى كَوْنه حيدًا أو مهيبًا، ويمكن أن يبدو الغروب مجيدًا. وفي دراستها لسارتر، حددت الفيلسوفة البريطانية ماري وارنوك أمثلة على هذا التخيل «الملموس» في وصف سارتر للتجربة. عندما ينظر بطل رواية سارتر «الغثيان» إلى الجذر الداكن المتشابك للشجرة ويراه كوجود عارٍ، فهو يتخيل بشكل ملموس؛ لأن الإدراك نفسه في هذه اللحظات يكون محمَّلًا بقيمة وجودية. وفي كتاب «الوجود والعدم»، يصف سارتر أيضًا لحظات من الإدراك يتكشف فيها الواقع في ضوء قيم مستندة إلى غرض معين. فبالنسبة لشخص ينوي تسلق الجبل، يتكشَّف «المظهر المجرد» لانحداره الوعر «في شكل قابليته أو عدم قابليته للتسلق». على العكس من ذلك، وبالنسبة للفنان، فإن تقييم القابلية للتسلق غير ذي صلة، وعوضًا عن ذلك «يتجلى الجبل كجميل أو قبيح». في كلتا حالتَي التخيل الملموس، يوفر الخيال فائضًا من المعنى، سواء كان بقيمة عملية أو جمالية. يبدو أن سارتر يعترف أن هذا الكشف الخيالي للواقع هو إمكانية كامنة طوال أبد الإدراك. فنجد في آخر كتاب «الخيالي» أن ثَمة إشارة ملموسة ومؤثِّرة إلى توسيع الخيال للتجربة. يكتب سارتر:
الخيال ليس قوة تجريبية مضافة إلى العقل، بل هو العقل نفسه بقدر ما هو حر؛ كل حالة عقلية ملموسة في العالم تحمل الخيالي في طياتها، بمعنى أن الخيال موجود دائمًا كوسيلة لتجاوز الواقع.
الاستعارة وتوليد المعنى
لكي نقدِّر الخيال الإنتاجي تقديرًا تامًّا، يجب أن نتأمل ليس فقط في الصورة الذهنية المُتصوَّرة وتجارب التخيل الملموس، ولكن أيضًا العمل الخيالي للغة. أهم مؤلفات ريكور — بما فيها «سطوة الاستعارة» (١٩٧٥) و«الزمن والسرد» (١٩٨٣–١٩٨٥)، بالإضافة إلى محاضرات غير منشورة حول الخيال — تقدم الاستعارة والهيكل السردي كمظهرين للخيال الإنتاجي. ويُعتقد أنهما يخلقان معاني جديدة وعوالم (افتراضية) تتجاوز الواقع وتتعداه.
على سبيل المثال، تقدم الدراما المأساوية حالة من الحياة والحدث من خلال الهيكل السردي. لا يتم توجيه هذا الهيكل — كما جادل أرسطو حول المأساة — بالمعرفة الخاصة بالأحداث التي حدثت بالفعل، ولكن بما يمكن أن يحدث. يضيف ريكور على رؤية أرسطو، فيدفع بأن العمل الأدبي يقدم عالمًا جديدًا، قد يحث المشاهدين أو القراء على النظر مرة أخرى في عالمهم العادي. وعلى عكس المعالجات الكلاسيكية للأدب، يجادل ريكور بأن هذا العرض يتجاوز التقليد أو التمثيل. فالروايات الخيالية ليست نتيجة كاملة للخيال التوليدي، ولكنها تنتج أفكارًا وعوالم تجريبية لم تكن موجودة من قبل.
يجادل ريكور بأنه بينما يمكن وصف بعض التخيلات بمصطلحات توليدية، لا يمكن فهم الأشياء الخيالية فهمًا كاملًا بالإشارة إلى الأصل. إذ لا يوجد هاملت حقيقي استُنسخت منه شخصية هاملت لشكسبير — بغضِّ النظر عن إمكانية استخلاص العديد من جوانب الشخصية من تجارب شكسبير أو معرفته السابقة. فهاملت الخيالي هو إشارة مزدوجة إلى عالم الأشياء المألوفة الواقعي — الأمراء، والأبناء — وإلى عالم خيالي يحل محل ذلك الواقع؛ لأننا لن نعتبر هاملت شخصًا حقيقيًّا، بل شخصية أدبية. فيصف ريكور التأثير الإبداعي للخيال بأنه «إشارة إنتاجية»، مشددًا على الوضع الوجودي الأصلي للخيالات الإبداعية.
من أجل تعزيز الخيال الإنتاجي أمام مجرد وجهة نظر توليدية، يعيد ريكور توجيه الفهم الفلسفي للخيال بطريقتين. أولًا: يلجأ إلى الصورة المستحضَرة في اللغة بدلًا من تلك التي تثير الإدراك. نتذكر أن أفلاطون قارن الصور التي يستحضرها الشاعر بما يعتبره نسخًا بصرية للأشياء التي يصنعها الرسام؛ فالرسام والشاعر كلاهما «ينسخان» ما يدركانه. يهدف ريكور إلى إثبات عدم كفاية تصور الخيال على أنه صناعة نسخة من الإدراك. تَعتبِر هذه النظريات الصور المنشأة ماديًّا أو لغويًّا — بالإضافة إلى تلك التي تنشأ من الأوهام الداخلية — محاكاةً للشيء الذي تمثله. على سبيل المثال، يرى هيوم أن الصور تنبع من الإدراك وتمثِّل نُسخًا منه، أو أنها تشبه الأشياء الغائبة عن الإدراك، كما في رأي سارتر. في كلتا الحالتين، يعتقد ريكور أننا نُعامل الصور كمشتقات. ومع ذلك، ووفقًا لرأي ريكور، ليست الصورة مجرد تشابه أو إدراك باهت، بل معنًى ناشئ أصيل.
ثانيًا: يحوِّل ريكور النقاش من وصف الصورة المعزولة إلى التفصيل شاملًا صور التجربة الخيالية. يحدث هذا، على سبيل المثال، في الاستعارة، عندما نقارن بين شيئين أو أكثر. يحدث هذا التفصيل أيضًا في التشكيل السردي للأعمال الأدبية التي تنتج عالمًا أو شبكة من المعاني المترابطة من خلال الأحداث التي تتكشَّف بشكل خيالي. فكلاهما، وفقًا لرأي ريكور، ينطوي على خلق معنًى جديد.
يرى ريكور أيضًا أن الاستعارة تتيح الابتكار الدلالي. ففيها لا يُسمى الشيء بشيء آخر وحسب، بل يُمنح صفات أو خصائص تُخصَّص عادة لشيء مختلف. فبعبارته «ما الدنيا إلا مسرح»، قارن شكسبير الحياة بعرضٍ درامي. كما قارن الشاعر الأمريكي روبرت فروست الحياة بأن يشق المرء طريقه في الغابة. ففي قصيدته «شجر البتولا»، على سبيل المثال، يشتكي المتكلم من لحظة «تشبه الحياة فيها غابة خالية من المسارات إلى حدٍّ كبير»، ويحلم بمغادرتها لبرهة فقط ليبدأ بداية جديدة. وفي قصيدته «الطريق غير المطروق»، يحكي المتكلِّم عن سلوك الدرب الذي لم يُسلك كثيرًا من بين دربَين، وأن «هذا أحدث فارقًا كبيرًا». في هذه الأمثلة، تدمج الاستعارة بين معنيَين مختلفَين، ومع ذلك تحافظ على الصلة بين القديم والجديد. فالحياة ليست بالمعنى الدقيق للكلمة مسرحًا أو دربًا في الغابة، ولكن مرة أخرى هذه المقارنات تجعلنا نفكر في الحياة بطرق جديدة. في المقارنة المجازية، ندرك التشابهات من بين التباينات، فتنشأ شرارة معنًى جديد. ويقترح ريكور أن الصورة المجازية تظهر كدلالة ناشئة عوضًا عن مجرد إدراك باهت ومتلاشٍ للواقع.
وبينما يستقي ريكور من أرسطو وكانط في تناوله للخيال الإنتاجي، فإنه يجد الإلهام أيضًا في الدراسة الظاهراتية للصور الشعرية بعنوان «جماليات المكان» للفيلسوف الفرنسي جاستون باشلار. في هذا العمل، يتعامل باشلار مع الصور الشعرية كمولدات للمعنى تنهل من التجارب الحياتية المتجسدة المبكِّرة. وتركز دراسة باشلار على الصور المكانية، مثل أماكن المأوى، أو أماكن الاستكشاف الشاسعة. صورة الدرب وسط الغابة من قصيدة فروست تثير التجارب المبكرة للعودة إلى البيت من الدنيا الواسعة. هذه الصور لا تقلد أو تمثل فقط الأماكن في العالم، ولكنها ترتبط بعمق أيضًا مع ذكريات القارئ المتجسدة. ولتوصيف ظاهرة الصور الشاعرية، يدفع باشلار بأن هذه الصور «يتردد صداها» في الخيال في حين تُوقظ كلًّا من الذكريات المُستثارة والمعنى الجديد في عقل القارئ.
وبعيدًا عن الاستعارة، تولِّد اللغة أيضًا معنًى جديدًا من خلال السرد. فعند قراءة الروايات الأدبية، تتشكل الصور من خلال الاستدعاء المجازي واستعراض العلاقات. فنحن كقراء للرواية نُستفزُّ لاستحضار عالَم تجريبي. وبينما نفعل ذلك، قد تستيقظ الذكريات الساكنة، وتنبعث التجارب المماثلة، لكن يمتد تأثير الخيال أكثر، فيعطي شكلًا لتجربة جديدة في تفاعلٍ حر للإمكانيات تتوسط فيه اللغة. وبالمقارنة مع وصف نابوكوف للقراءة الأدبية، الخيال الأدبي عند ريكور ليس بالمعنى الدقيق شكلًا من أشكال رؤية شيء في العقل، ولكنه بالأحرى فهم معنًى مُشار إليه في تفاعل بين الصور المرتبطة، ويظهر من خلالها عالم خيالي.
يمكن توضيح الفكرة التي تقول إن الخيال الإنتاجي يعزز إحساسنا بالواقع بالإشارة إلى التعبير الفني. فالخيال — سواء في الكتابة أو الرسم — لا يقدم تمثيلًا لعناصر الواقع وحسب، ولكنه يقوم أيضًا بما يسميه ريكور «تعزيزًا رمزيًّا» لها. إذ يمكن للعرض الفني أن يحول ما يعرضه، على سبيل المثال، من خلال تقليص موضوعه وتكثيفه، فينشأ من خلال هذا معنًى فائض. فلوحات المناظر الطبيعية — على سبيل المثال، لوحة «ليل مرصَّع بالنجوم» لفينسنت فان جوخ — تؤطر وجهة نظر معينة، ومن خلال الألوان، والخطوط، وضربات الفرشاة، والأسلوب، تقوِّي العلاقات بين العناصر المعروضة. وقد يحدث أيضًا هذا التأطير والتكثيف في قصيدة من خلال تفاعل الصور اللفظية. ومن ثَم ينطوي ما نتخيله في كل حالة على أكثر مما هو موجود.
هذا المعنى الزائد يسلط أيضًا ضوءًا جديدًا على العالم العادي. وصف والاس ستيفنز التعزيز الإبداعي لإحساسنا بالأشياء بطريقة مماثلة. إذ وصف القصيدة على النحو الآتي:
تفصيلة من الحياة فكَّر فيها المرء لوقتٍ طويل حتى أصبح فكره عنها جزءًا لا يتجزأ منها، أو تفصيلة من الحياة نشعر بها بعمق وبشدة حتى داخلَها هذا الشعور.
هذا النوع من الشعر الذهني يُمكن، بل يصبح بالفعل مادة التجربة الحياتية وجزءًا منها. على سبيل المثال، عندما نرى أو حتى نفكر فقط في سماء زرقاء، فإن هذا ليس مجرد بيانات بصرية أو شبه بصرية فقط، بل يستحضر إحساسًا بدفء أشعة الشمس، أو غياب العواصف المزعجة، أو وجود فرص جديدة، أو احتمالات بلا حدود، أو حتى السعادة. بهذه الطريقة، تتحدد جغرافيا العالم ﺑ «لا جغرافيا» خيالنا. يُسهب ستيفنز فيقول:
على سبيل التمثيل، عندما نستشهد بالسماء الزرقاء مثلًا، يمكننا أن نكون متأكدين أن هذا الشعور أصبح جزءًا من تجربتنا الحياتية الأساسية، حتى لو لم نكن ندرك ذلك.
وعلى غرار مفهوم فيتجنشتاين «رؤية الشيء كأنه»، ومفهوم سارتر الخاص بالتخيل الملموس، هذا التأثير للخيال الإنتاجي هو تعزيز لإحساسنا بالأشياء، وبالواقع الذي نعايشه. إنه تمديد لوجودنا في العالم، كما يشير الفلاسفة الوجوديون إلى العالم الذي نعايشه، والذي نتفاعل معه تفاعلًا ذا مغزًى، ومن خلاله يتطوَّر وجودنا.
إن الخيال إنتاجي، ليس في الأدب والفنون وحسب، بل في العديد من مجالات الفكر والحياة البشريين. يصف ريكور اليوتوبيات السياسية، على سبيل المثال، بأنها خيالات إنتاجية؛ لأنها تعكس دولًا مثالية لم توجد بعد. وقد حاجج بينيدكت أندرسن في عمله «الجماعات المتخيَّلة» (١٩٨٣) بأن الحس القومي ينشأ خياليًّا في المجتمع حين يتصور الأفراد أنفسهم جزءًا من مجموعة اجتماعية متميزة. يمكن أن تكون مثل هذه التراكيب خطيرة إذا لم يجرِ السيطرة عليها. فقد زعمت الفيلسوفة الألمانية اليهودية حنة آرنت في كتابها «أصول الشمولية» (١٩٥١) أن الشخص الذي يعيش في ظل نظام شمولي قد غابت عنه التفرقة بين الخيال والواقع، والحقيقة والزيف. وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الحرية الأخلاقية تتطلب أيضًا الخيال، من خلال خلق مسافة للتأمل من التجربة المباشرة، بحيث يمكننا النظر في الإجراءات المحتملة.
واستخدام الخيال في الوصول للمعرفة العلمية يحمل أيضًا بعض المقارنة مع توليده للمعنى في سياقات أخرى. يقول ريكور إنه من خلال توليد النماذج النظرية، يتخلص العلماء من الأوصاف القديمة للواقع من أجل إعادة توصيفه بمجازات إرشادية. بعض أمثلة هذه النمذجة العلمية تشمل تمثيل توماس يانج للضوء على أنه موجات بدلًا من جُسيمات، أو فَهم جيمس كليرك ماكسويل للمجال الكهربائي في ضوء السيولة أو الميوعة. وبينما تهدف هذه النماذج إلى إدراك طبيعة الواقع، فإنها تمثِّل طرقًا لإعادة وصفه. وفقًا لفرانسوا جاكوب، هذه النماذج قابلة، بأشكالٍ ما، للمقارنة مع الأعمال الفنية المبتكرة. فيزعم أنه من خلال التخلص من الواقع المتصوَّر، «ومن أجل إعادة صنعه بشكل مختلف، يبني الرسام، أو الشاعر، أو العالِم رؤية للكون».
لقد أدت دراسة الخيال الإنتاجي إلى تغيير فلسفة الخيال، وشغَل بالَ الفلاسفة طَوال القرن العشرين. ومن دراسة فيتجنشتاين ﻟ «رؤية الشيء كأنه»، يمكننا رؤية أثر الخيال في الإدراك والتعبير الرمزيين والتأويليين. وبينما يصف سارتر قدرة التخيل على فصل نفسه عن الواقع واقتراح بدائل أخرى، فإنه رغم ذلك يُقرُّ بمساهمته الإنتاجية في التجربة، ويبرز حرية الخيال في كشف الواقع. وكما يصف سارتر استكشاف الخيال لإمكانيات الواقع، وصف ريكور تعزيزه من خلال الاستعارة أو المجاز. وتستخدم دراسات ميرلو بونتي للرسم ودراسات باشلار للصور الشعرية كلاهما الفلسفة الظاهراتية لتسليط الضوء على الكيفية التي يعزز بها الخيال الواقع. ويمكن العثور على تعزيزات الخيال الإنتاجي في العديد من أوضاع التفكير والعمل البشريين، سواء كان ذلك في خدمة المعرفة، أو عرض المناظر الطبيعية، أو توليد العوالم الخيالية. سيكون للخيال الإنتاجي ودوره في التفكير البشري دورٌ مركزي في فهم الإبداع، وهو ما سنركِّز عليه في الفصل الآتي.