الانفجار قُرب «برمودا»!
لم يكن «أحمد» في حالته الطبيعية في ذلك اليوم … فعندما استيقظ من النوم كان يشعر بصداع عنيف، وبرغم أنه ابتلع بعض الأقراص المسكنة حسب إرشادات الطبيب … إلا أن الصداع لم يتوقف … وعندما انضمَّ إلى الشياطين في قاعة البلياردو، كان يحاول أن يبدوَ عاديًّا … وجلس في ركن القاعة يرقُب «عثمان» و«قيس» وهما يلعبان … لكنه فجأة قفز من مكانه؛ فقد اشتد الصداع عليه كثيرًا. لاحظَت «إلهام» ذلك، فذهبَت إليه مسرعةً، وسألت: ماذا هناك؟
لم يستطع «أحمد» إخفاءَ الألم الذي يعانيه، فقال: صداع رهيب، لا أظن أنني تعرضتُ لمثله قبل اليوم!
سألت «إلهام»: لعلك لم تنَمْ جيدًا!
قال «أحمد»: إنني نمتُ مبكرًا، لكنني استيقظتُ مرارًا نتيجة الألم!
قالت: لعل ذلك جعل الألمَ يستمر!
قال «أحمد» وهو يضغط رأسَه بيدَيه: لقد عالجتُه بالمسكنات لكنه لم يتوقف!
عندما طالَت مدةُ الحوار بين «أحمد» و«إلهام»، لفت ذلك أنظار الشياطين، فترك «عثمان» المنضدة، وانضم إليهما، في نفس الوقت الذي اقترب فيه بقية الشياطين، وأجمعوا في النهاية على ضرورة أن يذهب «أحمد» إلى القسم الطبي في المقر السري … ورغم أن «أحمد» رفض ذلك في البداية، إلا أنه وافق على رأي الشياطين في النهاية.
عندما دخل «أحمد» القسم الطبي توجَّه إلى غرفة الأشعة بالكمبيوتر لإجراء أشعة على المخ، وجلس الشياطين خارج الغرفة في حالة قلق … فما معنى أن يطلب الطبيب إجراء أشعة على المخ، فلا بد أن المسألة خطيرة … هكذا فكر الشياطين.
قال «فهد»: تُرى، هل يعلم رقم «صفر» شيئًا مما يحدث؟
ردَّ «بو عمير»: لا بد أن يكون هناك تقريرٌ أمامه الآن.
قالت «ريما»: نريد أن نطمئن!
فجأة رنَّ جرس خافت في غرفة الانتظار الملحقة بغرفة الأشعة، قال «خالد»: إن رقم «صفر» يدعونا لاجتماع عاجل!
قال «مصباح»: ربما يكون الاجتماع بسبب حالة «أحمد».
قال «خالد»: لا بد أن رقم «صفر» قد عَلِم بحالة «أحمد»؛ ولهذا دعانا للاجتماع.
تحركوا بسرعة، كان يبدو عليهم الحزن؛ فهذه أول مرة يذهبون فيها لاجتماع مع رقم «صفر» دون أن يكون «أحمد» معهم. دخلوا قاعة الاجتماعات الصغرى، وأخذوا أماكنهم. لم تمضِ دقيقة حتى كانت الخريطة الإلكترونية قد أُضيئت، ثم ظهرت عليها التفاصيل. كان الساحل الغربي لأفريقيا في يمين الخريطة، والساحل الشرقي لأمريكا في شمال الخريطة، وبينهما كان المحيط الأطلنطي.
على ساحل أفريقيا ظهرَت مدينة «الرباط» المغربية، وعلى ساحل أمريكا ظهرت مدينة «فيلادلفيا»، وفي مياه المحيط ظهرَت جزيرة «برمودا»، ثم ظهرت خطوطُ الطول والعرض تُحدِّد المكان أكثر، كان خطَّا الطول يقعان بين ٦٠، ٨٠ درجة، وخطَّا العرض بين ٤٠، ١٥ درجة. تابع الشياطين تفاصيل الخريطة باهتمام، لكنهم في نفس الوقت، كانوا لا يملكون القدرة على التركيز؛ فقد كان غياب «أحمد» يشغل بالهم، وفكَّرت «إلهام»: هل يمكن أن يخرجوا في مغامرة دون أن يكون «أحمد» معهم؟
في نفس الوقت، كان بقية الشياطين يفكرون نفس التفكير … فجأة، جاء صوت رقم «صفر» يقول: إن المغامرة الجديدة تحتاج للسرعة؛ فالمسألة مسألة وقت.
انتظر لحظة ثم أضاف: مَن يسبق … يكسب!
لكنه فجأة أضاف مرة أخرى: أعرف أن حالة «أحمد» تشغل بالكم، إنها مسألة ليست ذات أهمية، وربما يكون الآن على باب القاعة!
فجأة، فُتح باب القاعة، وظهر «أحمد». كان يبدو مبتسمًا، هادئ الوجه. هزَّ رأسه يُحيِّيهم.
فقالت «إلهام»: لقد شغلتَنا عليك!
ابتسم «أحمد» وردَّ: إنني أشكركم، لكن دعونا من ذلك الآن؛ فأمامنا مهمة سريعة! جلس بسرعة، وكانت عيناه قد التقطتا تفاصيل الخريطة.
قال «عثمان» مبتسمًا: هل عندك أخبار جديدة؟
ردَّ «أحمد» بابتسامة صغيرة، دون أن يقول كلمة واحدة. فجأة، قال رقم «صفر»: هل أنتم على استعداد الآن؟
ابتسم الشياطين وهم ينظرون ﻟ «أحمد» الذي قال: إن الشياطين جاهزون دائمًا!
اقتربَت خطوات رقم «صفر» حتى توقَّفت، في نفس الوقت كان الشياطين ينتظرون التفاصيل.
جاء صوت الزعيم يقول: لقد سقطت طائرة تابعة للخطوط الجوية الأمريكية بالقرب من جزيرة «برمودا» وسقوطها لم يكن مسألةً عادية ولا طبيعية؛ فهناك مَن أسقطها. صمتَ الزعيم، وظهرت على الخريطة الإلكترونية نقطةٌ حمراء بدأت من مدينة «الرباط» ثم سارَت في المحيط حتى انفجرَت قُرب جزيرة «برمودا». جاء صوت رقم «صفر» يقول: كما تابعتم كان هذا هو مسار الطائرة.
لم تستطع «إلهام» الانتظار، فسألت: ما دام سقوطها لم يكن طبيعيًّا، فلا بد أنها كانت تحمل شيئًا هامًّا غير الركاب!
جاء صوت الزعيم يقول: هذا ما كنت سأتحدث عنه. صمتَ قليلًا ثم قال: السيد «جان بوكر» كان يحمل رسالة هامة مكتوبة بالحبر السري، الذي لا يتأثر بشيء، لا الماء، ولا الحرارة، وهذه الرسالة الهامة تمثِّل هدفًا خطيرًا بالنسبة لعصابة «سادة العالم»؛ فقد خرجت الرسالة من الصين إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم وصلت إلى مصر، ومنها إلى المغرب. كانت هذه عملية تمويه، لكن العصابة اكتشفَت العملية في النقطة النهائية، وبعد أن أقلعَت الطائرة من مطار «الرباط»، ولم يكن أمامها إلا أن تُسقط الطائرة، ثم تحاول العثور على الرسالة الهامة، واستطاعَت أن تفعل ذلك بالقرب من جزيرة «برمودا»، وقبل أن تَصِل الطائرة إلى مدينة «فيلادلفيا» على ساحل المحيط.
مرَّت لحظة قبل أن يعود الزعيم إلى تكملة حديثه، وأضاف: إن الرسالة تحمل خريطة كاملة لكل مقارِّ العصابة على اتساع الكرة الأرضية، وإذا تم العثور عليها، فإن القضاء على العصابة سوف يتم خطوة خطوة؛ لهذا فهي رسالة شديدة الأهمية، سواء بالنسبة للعصابة أو لنا!
مرة أخرى صمتَ بعض الوقت ثم قال: إن الرسالة عليها خاتمٌ أزرق، لا يظهر إلا إذا تعرَّض للضوء، ومَن يعثُر على الرسالة، فلن يهتمَّ بها؛ لأنها مجرد ورقة بيضاء، لكن مَن يعرفها، فإنه سوف يكتشف الخاتم الأزرق، بمجرد وقوع الضوء عليها.
من جديد توقَّف رقم «صفر» عن الكلام، في نفس الوقت الذي كان فيه الشياطين قد استغرقوا في الاستماع باهتمام شديد، جاء صوت الزعيم يقول: إن العصابة في سباق معنا الآن للعثور على الخريطة الهامة، وهناك أكثر من جهة مهتمة بالحادث، سوف تكون كلها هناك؛ ولذلك فإن الزحام حول حطام الطائرة سوف يكون شديدًا، وعليكم أن تتصرفوا بهدوء، بل وفي صمت حتى نفوز بالرسالة. أنتم تعرفون أن أفراد العصابة الذين سيصلون إلى هناك سوف تكون لهم حِيَل كثيرة وذكية؛ فربما يظهرون بشكل رسمي في المكان، الحذر إذن يكون مسألة ضرورية.
صمتَ عدة دقائق ثم أضاف بعد لحظة: إن عليكم أن تنطلقوا الآن، وبأقصى سرعة، وقد أبلغتُ تعليماتي إلى كل العملاء، ليكون الكل في انتظار وصولكم، ولتقديم ما تحتاجونه. وقبل انتهاء الحديث، قال: لقد سقطت الطائرة منذ نصف ساعة.
وهذا يعني أن كلَّ شيء لا يزال في طيِّ الكتمان!
ثم سأل: هل لديكم أسئلة؟
مرَّت لحظةُ صمت قبل أن يسأل «أحمد» هل كان السيد «جان بوكر» مسافرًا بالدرجة الأولى أم الثانية؟
مرَّت لحظة أخرى قبل أن يقول الزعيم: هذا سؤال ذكي، كنت أنتظر أن أسمعه منك، إن السيد «بوكر» كان يجلس في الدرجة الثانية، أيضًا كنوع من التمويه، وعدم إعطائه صفة الأهمية التي يحملها!
ثم قال: الآن سوف تَصِلكم أسماء الفريق، وتمنياتي لكم بالنجاح!
أخذَت خطوات رقم «صفر» تتباعد شيئًا فشيئًا حتى اختفَت تمامًا. نظر الشياطين إلى «أحمد» وسأل «عثمان»: ماذا كنت تقصد بسؤالك عن السيد «جان بوكر»؟
ابتسم «أحمد» وأجاب: إن مكان السيد «بوكر» في الطائرة يُفيدنا في العثور على المكان الذي يمكن أن يوجد فيه؛ فعندما سقطت الطائرة، فإن مقدمتها سوف تأخذ اتجاهًا، ومؤخرتها سوف تأخذ اتجاهًا معاكسًا، وهذا يختصر لنا زمن البحث!
هزَّ «عثمان» رأسه، وقال: إنه بالفعل سؤال ذكي كما قال الزعيم!
أخذ الشياطين يغادرون القاعة في الطريق إلى غُرَفهم. اقتربت «إلهام» من «أحمد» وسألته مبتسمة: هل عرفت سببَ الصداع؟
نظر إليها لحظة ثم أضاف: نعم، لقد اكتشف الطبيب بعد إجراء الأشعة أنني قرأت فترة طويلة وأنا جالس في السرير.
ظهرَت الدهشة على وجه «إلهام» وسألت: وماذا في ذلك؟
قال «أحمد»: إن وضْع الرقود مع القراءة يتسبَّب في انزلاق فقرات الرقبة بما يمكن أن يؤثر على اندفاع الدم إلى الرأس، وهذا في النهاية قد يبدأ بالصداع إلى ما هو أخطر من ذلك.
قالت «إلهام»: لكنك عُدتَ بسرعة!
ابتسم «أحمد» وقال: لقد أجرَوا لي بعض العلاج الطبيعي؛ فقد كانت المسألة في بدايتها!
هزَّت «إلهام» رأسها، وقالت: حمدًا لله على سلامتك!
شكرها «أحمد»، بينما كانت خطواتهما تقترب من غرفة «أحمد» الذي دخلها، فقرأ على شاشة التليفزيون أسماء مجموعة المغامرة. وكانت تضم: «أحمد»، «خالد»، «عثمان»، «قيس»، «فهد» … وما إن انتهى من قراءتها حتى دق جرس التليفون، وجاء صوت «فهد» يقول: هل أنت جاهز؟
ردَّ «أحمد» مبتسمًا: الشياطين دائمًا جاهزون!
ثم أخذ يُجهز حقيبتَه السرية وسؤال يتردد في رأسه: يا تُرى مَن يفوز في هذا السباق؟