سر الرسالة الزرقاء!
عندما ارتفعَت بهم الطائرة إلى «فيلادلفيا» كان «عثمان» يجلس بجوار «أحمد». مال عليه ثم سأله: ماذا كان يعني الزعيم بقوله: إن أفراد العصابة قد يظهرون بشكل رسمي!
ابتسم «أحمد» بهدوء ثم قال: يعني أنهم قد يظهرون في ملابس الشرطة مثلًا، أو الضفادع البشرية، وقد يحملون شاراتٍ تقول إنهم ينتمون إلى دولة ما!
هزَّ «عثمان» رأسه ولم ينطق بكلمة، غير أن «أحمد» قال: إن معي تقريرًا عن الحادثِ كلِّه، وأظن أننا في حاجة إلى بعض التفاصيل.
فتح حقيبته السرية، ثم أخرج تقريرًا مكتوبًا في عدَّة ورقات صغيرة، ثم أخذَت عيناه تجريان فوق الكلمات. فجأة، ظهرت الدهشة على وجهه، لاحظ «عثمان» ذلك، فقال بسرعة: ماذا هناك؟!
نظر له «أحمد» لحظة، ثم قال هامسًا: إن الطائرة لم تنفجر!
علَت الدهشةُ وجهَ «عثمان» وتساءل: إذن، كيف سقطَت؟!
مرَّت لحظة قبل أن يردَّ «أحمد»: لقد سقَطت الطائرة في الماء، بعد أن تعطَّل أحد محركاتها، واستطاع كابتن الطائرة أن ينزل بها على سطح الماء، وكانت هذه فرصة لينجوَ من يستطيع الخروج. وعندما بدأت تهبط تحت سطح الماء تم الانفجار.
علَت الدهشةُ مرة أخرى وجهَ «عثمان»، وسأل: هل هذا يعني أن قنبلة زمنية كانت داخل الطائرة؟!
ردَّ «أحمد»: لا أظن، ولكن أغلب الظن أنها تعرَّضت لعملية تفجير بطريقة حديثة.
قال «عثمان»: تقصد عن طريق أشعة مثلًا؟!
أجاب «أحمد»: ربما؛ فالتقرير يقول إن الطائرة قد خضعَت للكشف عليها، قبل أن تطير من «الرباط»، وهذا يعني أنها كانت سليمة تمامًا!
مرَّت لحظة صمت، عاد أثناءها «أحمد» إلى التقرير يقرأ فيه ثم قال: السؤال الآن، هل نجا «جان بوكر»، أو أنه انتهى؟
أضاف «عثمان»: إذا كان قد نجا، فأين هو الآن؟
أخرج «أحمد» خريطةً صغيرة من حقيبته، وبدأ يحدِّد عليها بدقَّة مكانَ سقوط الطائرة، المسافة بينها وبين جزيرة «برمودا»، في نفس الوقت كان «عثمان» يتابع الخريطة معه. قال «أحمد»: إذا كان «بوكر» يسبح بشكل جيد، فإنه يستطيع أن يَصِل إلى الجزيرة فعلًا، أما إذا لم يكن يستطيع السباحة، فالظن أنه قد غَرِق.
سأل «عثمان»: إذن كيف يمكن أن نَصِل إلى حقيقة وجوده!
نظر له «أحمد» لحظة، ثم قال: إن لدينا صورةً ضوئية له، أظن أنها سوف تُفيدنا، ثم أخرج جهازًا صغيرًا في حجم عُلبة الكبريت، له شاشةٌ صغيرة جدًّا، ضغطَ على زرٍّ فيه. مرَّت لحظة سريعة، ثم ظهرت صورة «بوكر».
قال «عثمان»: يبدو أنه قويُّ البنية تمامًا!
أضاف «أحمد»: سوف نعرف.
ضغطَ نفس الزرِّ مرة أخرى، فاختفت الصورة، ثم ضغط زرًّا آخر، فبدأت الكلمات تظهر تِباعًا وتختفي، إلا أن «أحمد» كان يستطيع قراءتها بسهولة. وعندما انتهت قال: إنه سباحٌ ماهر ولاعب كاراتيه، وحاصل على بطولة في الغطس، وهو في الأربعين من عُمره.
قال «عثمان»: إنها صفات جيدة، تُفيد في مثل هذه المواقف!
وقبل أن يقول «أحمد» شيئًا أضاف «عثمان»: هل تُفكر العصابة في انتظاره في الجزيرة؟
لم يُجب «أحمد» مباشرة؛ فقد مرَّت دقائق قبل أن يقول: كلُّ شيء جائز؛ فالمسألة بالنسبة للعصابة مسألة حياة أو موت!
ثم أضاف بسرعة: دعنا نفكِّر بهدوء. تصور الطائرة وقد أقلعَت من مطار «الرباط»، وأصبحت في الجو وعَلِمت العصابة بالرسالة الهامة التي تحملها، إنها لن تستطيع أن تفعل شيئًا، وليس أمامها سوى اصطياد الطائرة في الجو، وهل يمكن أن تقوم طائرة تابعة للعصابة بإسقاط الطائرة؟
صمتَ لحظة ثم نظر إلى «عثمان» وقال: ما رأيك؟
قال «عثمان»: ما دامت الطائرة قد تعطَّل محركها، مع أنها خضعت للكشف عليها قبل طيرانها؛ فهذا يعني أن المحرك قد تعطَّل نتيجة حادث طارئ.
صمتَ لحظة فتساءل «أحمد»: هل يمكن أن يكون العطلُ مفاجئًا بطريقة عادية!
ردَّ «عثمان»: ممكن، لكن إذا كانت العصابة قد عرفَت، فلا بد أنها قد تدخَّلَت في الأمر؛ فهي لن تنتظر حتى تَصِل الطائرة إلى مطار «فيلادلفيا»؛ لأنها إذا وصلَت إلى المطار، فإن سيطرة العصابة عليها ستكون عمليةً صعبة، إن لم تكن مستحيلة!
قال «أحمد»: هذا صحيح.
أضاف «عثمان»: إذن، لا بد أن العصابة قد تدخَّلت، وبطريقةٍ ما أسقطَت الطائرة!
قال «أحمد»: هذا تفكير منطقي، وفي هذه الحالة يصبح أمام العصابة أن تصطاد الطائرة من البحر أو البر، وهذا أمر صعب.
قال «عثمان»: من الممكن أن يكون من الجو؛ فيمكن أن تظهر طائرة ومن مسافة محسوبة تُطلق أشعتَها لتُوقفَ محرك الطائرة، وتتخلص منها!
قال «أحمد»: هذا ممكن، لكني أظن أن العصابة لم تضع في حساباتها مقدرة كابتن الطائرة، الذي استطاع أن يهبط بها فوق الماء.
أضاف «عثمان»: بالتأكيد؛ ولأن جسم الطائرة ضخم جدًّا، فإنه يعطيها فرصةَ الطفو فوق سطح الماء!
قال «أحمد»: هذا قول سليم.
تساءل «عثمان»: لكن، إلى متى يمكن أن تظلَّ الطائرة طافية فوق السطح، من الضروري أنها بعد وقت، سوف تبدأ في الغوص؛ لأنها ليست مجهَّزة كطائرة مائية.
هزَّ «أحمد» رأسَه وقال: هذا كلُّه تفكيرٌ جيد، وأعتقد أنه لن يبعدَ عن الحقيقة كثيرًا، ثم أضاف بعد لحظة … يبقى أن نتصور دورنا!
نظر إلى الخريطة التي في يده، ثم قال: إن الطائرة سوف تهبط في مطار «فيلادلفيا»، ونحن لن نستطيع إجبارها على الهبوط في الجزيرة.
لمعَت عينا «عثمان». فجأة، نظر له «أحمد» في تساؤل، فابتسم «عثمان» وقال «أحمد»: فيمَ تفكر؟!
كتم «عثمان» ضحكة ثم همس: أفكر في شيء شرير!
علَت الدهشةُ وجهَ «أحمد» ثم ابتسم قائلًا: إن الشياطين لا يتصرفون تصرفاتٍ شريرةً أبدًا، فهم ضدها!
قال «عثمان» وما زالت الابتسامة فوق شفتَيه: لا أقصد هذا بالضبط، لكني فقط أريد أن نكسب وقتًا!
مرَّت لحظة، ثم ابتسم «أحمد»، وقال: هل تظن أننا ينبغي أن نفعل ذلك؟!
ردَّ «عثمان»: هناك خطوة يجب أن تسبق هذه الخطوة؛ فإن فشلت فلن يكون أمامنا غيرها!
استغرق «أحمد» في التفكير لحظة، ثم همس وكأنه يتحدَّث إلى نفسه: إنها فكرة لامعة، وإن كان تنفيذها يبدو مخيفًا، على الأقل بالنسبة للآخرين!
ثم نظر إلى «عثمان» وأضاف: إن بقية الشياطين يجب أن يشاركونا هذه الفكرة.
ابتسم «عثمان» وقال: هذا صحيح، سوف أنتقل إلى مقعد الشياطين، وسأُرسل إليك «خالد» وأقوم أنا بشرح الفكرة ﻟ «قيس» و«فهد».
وبسرعة قام من مكانه واتَّجه إلى المقعد الثلاثي الذي يجلس فيه الثلاثة، ثم همس ﻟ «خالد»: «أحمد» يريدك في قرار هام!
علَت الدهشةُ وجهَ الشياطين الثلاثة، غير أن «خالد» قام من مكانه واتجه إلى حيث يجلس «أحمد». وعندما انضم إليه أخذ «أحمد» يشرح له اقتراح «عثمان». علَت الدهشةُ وجهَ «خالد»، وظهر عليه نوعٌ من الفزع الهادئ، ثم قال متسائلًا: هل تظن أنها فكرة جيدة؟!
قال «أحمد»: إننا بها سوف نوفر وقتًا طويلًا سوف نحتاجه.
استغرق «خالد» في التفكير لحظة، ثم قال: ننتظر رأيَ الآخرين.
نظر «أحمد» في اتجاه الشياطين الثلاثة، فرفع «عثمان» يدَه، وأشار إشارة تعني الموافقة. في نفس الوقت علَت وجهَه ابتسامةٌ عريضة. همس «أحمد» ﻟ «خالد»: لقد وافق الآخرون.
ثم أضاف بسرعة: إن المسألةَ كلَّها مسألةُ وقت، وكما قال الزعيم مَن يسبق … يكسب. ونحن لا بد أن نكسب، فهذه عادتنا دائمًا.
انتظر «خالد» لحظة قبل أن يقول: إنه قرار صعب، خصوصًا إذا فشلت الخطوة الأولى!
ابتسم «أحمد» وقال: أعتقد أنها لن تفشل؛ فسوف يفهم طاقم الطائرة دواعي القرار.
فجأةً، قال «خالد»: وإذا لم يكن المكان ممهَّدًا لتنفيذ الفكرة؟
ابتسم «أحمد» وقال: لقد فكرتُ في ذلك، وأعرف أن المنطقة تسمح بما نفكر فيه!
مرَّت لحظات قبل أن يقف متجهًا إلى مقدمة الطائرة؛ حيث يوجد الكابتن وطاقمها، وحيث كان من الضروري تنفيذ الفكرة التي طرحها «عثمان»، أما بقية الشياطين، فقد كانوا مستعدين لتنفيذ الخطوة الثانية إذا فشلت الخطوة الأولى.