فخامة الجنرال إليكتريك!
استيقظت البنت زعلانة وقرفانة … كانت تطمع في ليلة حمراء فإذا بها ليلة سوداء، ولكنها مع ذلك تقصعت وتمطعت واقتربت من العبد لله، وقالت: لا تزعل يا حماري الصغير، فبالرغم من أنك حمار، إلا أنك أحيانًا تكون عصبيًّا للغاية، وهي مسألة غريبة، حمار وعصبي! هذا هو المستحيل، وعندما أشحت بوجهي عن البنت الفرنساوية، قالت: دعنا الآن من أمور الغرام والدلال، وهيا من الآن نستأنف العمل، وقل لي أيها الحمار: هل تهتمون في العصر الحميري بالمناصب والألقاب، أم أنكم في العصر الحميري تطبقون نظرية «الإسطبلزم»، ولا تهتمون بالمناصب والألقاب؟
قلت: بالعكس، بل إننا أكثر أهل الأرض ألقابًا ونياشين، فلدينا الأوحد والمؤمن والمجاهد الأكبر والأخ القائد والأخ المناضل، ولدينا مشايخ على قفا من يشيل، أغلب عساكرهم من الأجانب، ومع ذلك يصدرون كل يوم بيانات مشتركة يهددون فيها الاستعمار، ولدينا سيادة الأمين العام؛ وهو رجل في حاله وعلى قده، ومع ذلك فهو يعلن بمناسبة ومن غير مناسبة بداية الزحف المقدس على إسرائيل!
قالت البنت تستفسر: وهل سيادة الأمين جنرال يفهم في المعارك والحروب؟
قلت: السيد الأمين لا يحمل رتبة، ولكنه في الحروب جنرال، أعظم من جنرال موتورز وأخطر من جنرال إليكتريك، وسلفه كان صاحب الكلمة المشهورة عشيةَ حرب فلسطين الأولى: تكلم السيف فاسكت أيها القلم، وسكت القلم ولكن السيف الوحيد الذي تكلم كان سيف الإسلام عبد الله.
قالت: وهل سيف الإسلام عبد الله هذا ماركة سلاح؟
قلت: بل ماركة بني آدمين، فلدينا قرية من أعمال مركز الباجور-منوفية، اسمها اليمن، كان أهل العمدة فيها يُدعون جميعًا سيوف الإسلام؛ سيف الإسلام عبد الله، وسيف الإسلام البدر، وسيف الإسلام الحسن، وسيف الإسلام أحمد، وسيف الإسلام يحيى.
قالت البنت: إذن هي أسرة مباركة، وما داموا سيوفًا للإسلام فهم سيوف للحق والبر والتقوى.
قلت: بالعكس يا خواجاية، لقد كانوا سيوفًا مغشوشة وصدئة! وكانوا سيوفًا على شعبهم وعارًا على أمتهم.
قالت: ولكن هل لديكم مارشالات وجنرالات؟
قلت: خذي عندك في حرب ١٩٤٨م كان على الجبهة ثمانية مارشالات عظام؛ المارشال أبو حنيك؛ وهو مارشال إنجليزي دخل في العصر الحميري واستحمر، وكان هناك جنرال حيدر باشا والجنرال الطاسان، وكان إلى جانب هؤلاء عدد من الجنرالات … الجنرال قتَّال والجنرال جبار والجنرال جزار، وكان كل منهم يحمل على صدره نياشين أضعاف أضعاف ما كان يحمل رومل ومونتجمري، ونوع قماش بدلة كل منهم لم يحلم به المأسوف على روحه فون رونشتيد، وفي الماضي القريب كان لدينا مارشال المارشالات، وكان يرتدي أحيانًا بدلة الجيش مع أنه لم يدخل معركة في حياته، وأحيانًا يرتدي بدلة الطيران مع أنه لم يركب في حياته إلا طائرة الخطوط البريطانية، وأحيانًا يرتدي بدلة البحرية مع أنه لم يركب في حياته إلا قارب الصيد والمعدِّية.
قالت: ولكن أليس لديكم قانون ينظم مثل هذه الأمور ويضع كل شيء في مكانه الطبيعي؟
قلت: لدينا في العصر الحميري قانون اسمه خد راحتك، ولدينا قانون آخر اسمه البساط أحمدي، وفي بلادنا نكتة مشهورة خلاصتها: أن رجلًا كان يجلس منهمكًا في تحرير خطاب، فسأله ابنه: لمن تكتب هذا الخطاب؟ فأجابه الوالد: إنني أكتب لعمك، وقال الولد: ولكنك لا تعرف الكتابة، فأجاب الوالد: وعمك أيضًا لا يعرف القراءة، وما دام الشيء من بحره، فلا بأس أن يكون أي شيء مثل كل شيء، ولا بأس أن يكون أي أحد فينا مارشالًا للبحر والجو والأرض والفضاء أيضًا!
قالت البنت وهي ترعش حاجبيها: طيب، ما دام مارشال المارشالات لا يعجبكم، لماذا لا تفصلونه وتعينون مارشالًا غيره؟
قلت لها وأنا أغلي: عيبك يا خواجاية، رغم الدرس والعِشرة والعيش والملح، أنك لا تفهمين العصر الحميري ولا تحاولين فهمه، ولماذا نفصِله ولدينا من المارشالات أضعاف ما أنجبت كل الأمم؟
وقالت البنت وهي تصرخ: ياه … لديكم كل هذا العدد الوفير من المارشالات!
قلت: نعم، وألف مليون مرة نعم، بل إننا بعد النكسة …
قالت: نكسة! أي نكسة؟
قلت: هي حرب انتهت بهزيمتنا وانتصار العدو الغاصب، بعد عدوانٍ غاشم.
قالت: إذن هي هزيمة.
قلت: نعم ولا في الوقت نفسه؛ فنحن في العصر الحميري نفضِّل استخدام الكنية على الاسم نفسه … فإسماعيل نسميه أبو السباع، ومحمود نسميه أبو حنفي وأحيانًا أبو طه، وسليمان نسميه أبو داود، وإبراهيم نسميه أبو خليل، ويوسف نسميه أبو حجاج … والهزيمة نسميها نكسة.
قالت: ولكنك تقول إنكم انهزمتم بعد عدوان غاشم.
قلت: نعم، وهذا الوصف بالنص كما جاء في بياناتنا الحربية.
قالت البنت وهي تمصمص شفتيها: وهل هناك عدوان لطيف وعدوان طيب؟ ما دام عدوانًا، فلا بد أن يكون عدوانًا غادرًا وغاشمًا ولئيمًا أيضًا.
قلت: ربما هذا في بلادكم؛ حيث الأمور واضحة والأسماء محددة، ولكن في بلادنا الأمر يختلف؛ فالفول المدمس يسمونه اللوز، وأحقر أنواع اللحوم يسمونها الحلويات، والفجل يسمونه الورور، والهزيمة اسمها النكسة.
قالت: وماذا فعلتم بعد النكسة؟
قلت: فصلنا بعد النكسة عشرين مارشالًا.
قالت: يا خبر أسود! عشرون مارشالًا مرة واحدة! وإن فرنسا نفسها لم يأت فيها مارشال بعد بيتان، وألمانيا نفسها كان فيها خمسة مارشالات في زمن هتلر، فكيف تفصلون عشرين مارشالًا في ضربة واحدة؟ ألا تعرفون أن رتبة المارشال لا تعطى إلا لمن أضاف للفن العسكري إضافة جديدة، وأن كل مارشال يبقى مارشالًا حتى الموت، إذا نشبت الحرب يُستدعى على الفور إلى الخدمة حتى ولو كان في أرذل العمر.
قلت: الحمد لله، لدينا الآن مارشالات يقضون وقتهم في لعب الطاولة، المارشال السلال والمارشال خليفة والمارشال عجنون والمارشال الجمصي، وكان لدينا مارشال اسمه عبد السلام عارف مات في حادث مؤسف، وكان لدينا مارشال اسمه عبد الحكيم عامر انتحر بعد الهزيمة، أقصد بعد النكسة.
قالت: هذا مارشال عظيم، تصرف كما يتصرف المارشال؛ فالمارشال كالقبطان، إذا غرقت السفينة غرق معها.
قلت: ولكن مارشالنا لم ينتحر لهذا السبب، فهو بعد الهزيمة راح يناضل من أجل الاستيلاء على السلطة، ولما فشل انتحر.
قالت البنت: وهل أصبح لديكم الآن مارشالات بعد هؤلاء الذين ماتوا وهؤلاء الذين انتحروا وهؤلاء الذين خرجوا من الخدمة؟
قلت: نعم، وألف مليون مرة نعم … لدينا من المارشالات على كل لون.
قالت: يا حظكم! وعلى هذا فأنتم ترهبكم الأمم وتخافكم الجيوش وتعمل حسابكم الدول.
قلت: بالعكس يا خواجاية، بل نحن مطمع لكل الدول، وأرضنا العربية محتلة بأحقر عساكر أهل الأرض. صحيحٌ عندنا بقعة من أرضنا شبه مستقلة، وبقعة تقاتل من أجل ذلك، وبقعة مغتصبة، وبقعة لا هي مستقلة ولا هي محتلة، ولكنها شيء، على رأي طه حسين، بينَ بين.
قالت: ولماذا لا تسعون إلى التحرير ولديكم كل هذا العدد الهائل من مارشالات البر والبحر والجو؟
قلت: حاولنا ذلك مرات، وبعد ثلاث حروب مريرة ذهبنا إلى الحرب الرابعة، وخضناها من أجل التحريك.
قالت: تقصد التحرير.
قلت: حاشا لله! بل أقصد التحريك، فقد أردنا فقط أن نحرك القضية؛ لكي تتولى أمريكا بعد ذلك حل القضية بالمناقشة والمناغشة.
قالت: إذن أنتم تريدون شراء قطعة أرض أخرى تضيفونها إلى أرضكم.
قلت: بل نريد استرداد أرضنا التي اغتُصبت منا.
قالت: وهل تسترد الأرض بالمناقشة والمناغشة؟ قلت: حتمًا، فعندما نجلس معًا ونتباوس معًا ونتباحث معًا، وتدور علينا أكواب الشاي وأقداح القهوة، نقسم بالله أن نأخذ غزة، ونخجل من كرم اليهود ونعطيهم أريحا، نقسم بالطلاق أن نأخذ القدس لكي نذهب إليها ونصلي، ويرق قلبنا فنعطي الخليج لليهود لكي يذهبوا أيضًا إليها ويصلُّوا، وهكذا تُحل القضية في الصينية، وتعالَج القضايا في المرايا وتُعزف المزيكا في البوليتيكا، وقدَّامك سكة سفر قولي إن شاء الله.
قالت البنت وهي تغالب النعاس: طيب ومارشال البر والجو والبحر ما حاجتكم إليه إذا كانت الأمور هكذا سهلة هكذا وهلة؟
قلت: لأن لدينا أعمالًا أخرى … صحيح ليست محورية، ولكنها ضرورية، فمع أن عدونا الحقيقي معروف، والطريق إليه واضح ومرصوف، لكننا بعد أن انتكسنا، رحنا نجرب مارشالاتنا في اتجاهاتٍ أخرى غير الاتجاه الذي ينبغي أن نتجه إليه؛ أحد مارشالاتنا عمل خلفًا در واتجه إلى لبنان، ومارشال آخر عمل خلفًا در واتجه شرقًا، ومع أن طريقه الطبيعي أن يتجه غربًا، ومارشال ثالث عمل خلفًا در وتوغل في أفريقيا، ولدينا حروب محلية صنع بلدنا، القتلى فيها من أبنائنا، والأسرى فيها من أولادنا، ونحن فيها المنتصرون والمنهزمون؛ حزب الله ضد حزب الملائكة، ومنظمة أمل ضد منظمة حنان، وجعجع ضد عون، ولدينا في البقاع ألف قائد مقاتل، ويبدو أنهم اكتشفوا أن قتال الأعداء صعب، فقاتلوا أنفسهم؛ أبو نضال ضد أبو كفاح، وأبو موسى ضد أبو عيسى، وأبو خنجر ضد أبو مطوة قرن غزال، وأبو سكين ضد أبو ساطور، وهم يكِرُّون داخل بلادنا ويفرون داخلها أيضًا، ومدننا هي ساحة معاركهم، وبيوتنا على رأس الأهداف المطلوب تدميرها، والمعارك في الشوارع مستمرة، وإطلاق النار عَمَّال على بطَّال، والثورة قايمة، والكفاح دوار!
•••
قالت البنت الفرنساوية وهي تستمع في شغفٍ وتنصِت في إعجاب: وهل هذه المعارك للتدريب تمهيدًا لقتال الأعداء؟
قلت: بل هي الهدف، غاية المراد من رب العباد … ولدينا الآن، والحمد لله، أسرى من بيروت الغربية في بيروت الشرقية، وأسرى من بيروت الشرقية في البقاع، وأسرى من البقاع في جبل لبنان، وأسرى من جبل لبنان في جبل الدروز، وأسرى من الشوف في طرابلس، وعندما تتطور الحرب بإذن الله، سيكون لدينا أسرى من طرابلس في دمشق، وأسرى من دمشق في بغداد، وأسرى من بغداد في طرابلس الغرب، وأسرى من طرابلس الغرب في تونس الخضراء، وأسرى من تونس الخضراء في الجزائر، وأسرى من الجزائر في المغرب، وأسرى من المغرب في موريتانيا، وأسرى من موريتانيا في عدن، وأسرى من عدن في صنعاء، وأسرى من صنعاء في الصومال!
قالت البنت وقد صعِقتها المفاجأة: ولكنكم بذلك تخلقون واقعًا جغرافيًّا جديدًا.
قلت: بل هي حيلة ذكية لإعادة توزيع السكان؛ فالجزيرة العربية مثلًا مساحتها ملايين الأميال وليس فيها سوى حفنة من السكان، والعراق يتسع لخمسين مليونًا وليس فيه إلا عشرة ملايين نسمة، ومصر يكفيها عشرون مليونًا وفيها الآن خمسون مليون نسمة.
قالت: ولماذا لا يرحل بعضكم بطريقة سلمية بدلًا من الحرب والأَسْر ووقف الحال؟
قلت: لأننا في العصر الحميري لا نجيد إلا الرفس والنطح والاقتحام بغير استئذان، ولأن لدينا حمير حصاوي وحمير أخرى غلبانة من الجوع والضياع، فالانتقال من قرية إلى أخرى يحتاج إلى تأشيرة وأحيانًا يحتاج إلى كفيل؛ ولذلك ترين أن الحروب هي أصلح طريقة لتحقيق الهدف المنشود.
قالت البنت الفرنساوية وقد ساحت وناحت: ولكن من أين لكم كل هذا السلاح الذي تحاربون به بعضكم البعض على مدى الأربع والعشرين ساعة؟
قلت: السلاح عندنا على قفا من يشيل، نستورده بالمليارات من الخارج، ونصنع بعضه بأيدينا، وأغلبه يصدأ لدينا في المخازن؛ لأن حروبنا الأهلية المحدودة ليست في حاجة إلى كل هذا السلاح.
قالت: ولماذا تستوردونه؟
قلت: لأن السلاح كالسفر له سبع فوائد؛ عمولات وسمسارات وسفريات؛ لزوم المعاينة والاختبار والاختيار.
قالت: وهل تشترون صواريخ من النوع متعدد الدرجات؟
قلت: لدينا كل ما لا عين رأت ولا أذن سمعت؛ لدينا طائرات أواكس من النوع الذي يسمع دبيب النملة في القطب الشمالي، ويرى الغراب النوحي وهو سارح في فضاء الله، وكانت خمس طائرات منها معلقة في الجو عندما خرجت أسراب طائرات من بلاد الأعداء، وقطعت ألفًا وخمسمائة كيلو ووصلت إلى بغداد ونسفت المفاعل الذري العراقي، وعادت في سلام الله وأمانه دون أن تراها الأواكس أو تشعر بوجودها على الإطلاق.
قالت: وهل لديكم مفاعل ذري؟
قلت: بل كان لدينا في يوم من الأيام قبل أن يدمره العدو ويحيله إلى كوم من التراب.
قالت: ولديكم علماء ذرة إذن؟
قلت: لدينا علماء ذرة ربما ضعف علماء فرنسا، ولكن نصفهم هاجر واشتغل عند الأمريكان، والنصف الآخر قتلهم الأعداء واحدًا بعد آخر.
قالت: ولماذا لا تحمون علماءكم حتى لا يقتلهم الأعداء؟
قلت: إننا نحرسهم والأعداء يقتلونهم في نفس الوقت.
قالت: كيف؟
قلت: نحرسهم من الخلف فيقتلوننا من الأمام، نحرسهم من الأمام يقتلونهم من الخلف، نحرسهم من الأمام ومن الخلف فيقتلونهم من الجنب، نحرسهم من الجنب ونحرسهم من الأمام ومن الخلف، فيقتلونهم من فوق أو من تحت، لم نعد ندري من أين يأتيهم الموت، مع أننا من حولهم، حتى اقتنعنا في النهاية بأنها عين وصابتنا، وأن قتلهم هو نتيجة الحسد والقر؛ ولذلك اقترح بعضنا أن نعلق على المفاعل الذري يفطة «يا ناس يا شر، بطَّلوا قر».
قالت البنت الفرنساوية: وهل نفذتم هذا الاقتراح؟
قلت: في الحقيقة لم ننفذه بعد؛ فقد اعترض البعض على العبارة واقترح بدلًا منها: «ما تبصليش بعينك الرضية، بُص للفلوس اللي مدفوعة فيه».
قالت البنت الفرنساوية: وما الفرق بين العبارتين؟
قلت: بالفعل هناك فرق، وهو فرق رهيب وجوهري، ويتملكك مع الشعور الإنساني في الإحباط اللانهائي الكامن في أغوار النفوس دونما إحساس، فعبارة «يا ناس يا شر، بطلوا قر» فيها فعل أمر، كما أن فيها اتهامًا للناس بأنهم أشرار، وهي أمور لا تتفق مع قيمنا وعاداتنا وحضارتنا التي تمتد في التاريخ إلى سبعة عشر ألف عام، أما «ما تبصليش بعينك الرضية، وبص في الفلوس اللي مدفوعة فيَّه»، فهي عبارة فيها طلب وليس فيها أمر، كما أن بقية العبارة «بص للفلوس اللي مدفوعة فيَّه» تؤكد أننا في عصر الانفتاح، وأن عجلة الإنتاج دوارة كما الكفاح.
قالت البنت الفرنساوية: ولماذا لم تعلقوا هذه العبارات ما دامت أفضل؟
قلت: لأن هناك رأيًا ثالثًا اقترح عبارة «لا يفل الحديد إلا الحديد»، ولكن هذا الرأي وجد معارضةً شديدة، وتصور البعض أنها دعوة للأعداء لكي يأتوا ويهدموا المفاعل الذري تبعنا؛ باعتبار أنه حديد ولا يفلُّه إلا حديد قادم من بلاد الأعداء.
قالت: وماذا فعلتم؟
قلت: لاشيء، ما زلنا نفكر ونفكر، ونفكر ثم نعود لنفكر، ونفكر ثم نتوقف لنفكر، وسيظل التفكير مستمرًّا والنقاش على وِدْنُه، وهل الفرخة قبل البيضة أم البيضة قبل الفرخة؟ وهل الملائكة من صنف الذكور أم أنهم من صنف الإناث؟ وهل الإنسان مسيَّر أم مخيَّر؟ وهل الإمام معصوم؟ وهل القرآن مخلوق أم موجود؟
قالت البنت: ثم ماذا بعد ذلك؟
قلت: لا شيء بعد سوى البغبغة والكلام.
قالت: والمفاعل الذري؟
قلت: لقد ضربه الأعداء فاستحال إلى كوم من التراب.
قالت: إذن فلا داعي.
قلت: بالطبع لا داعي لليفطة.
قالت: ولماذا النقاش إذن حول اليفطة؟
قلت: لأن النقاش هو غايتنا، والموت في سبيل الكلام هو أسمى أمانينا.
قالت: إذن كفَّ عن الكلام أيها الحمار، وتعالَ بنا إلى المناغشة والغرام.