الانفجار العظيم
رغم مرور سنوات عديدة على ظهور الإطار النظري الأساسي لنماذج فريدمان، فإن نظرية الانفجار العظيم لم تظهر إلا على نحو حديث نسبيًّا بوصفها التفسير الإجمالي الأكثر ترجيحًا للكيفية التي تطورت بها محتويات الكون مع مرور الزمن. فلسنوات عدة، فضَّل أغلب علماء الكونيات نموذجًا بديلًا يسمى نموذج الحالة الثابتة. وفي الواقع، لنظرية الانفجار العظيم ذاتها صور مختلفة، ومن الأدق أن نطلق على هذه النظرية الحديثة اسم نظرية الانفجار العظيم الحار؛ للتفرقة بينها وبين نظرية أخرى أقدم كانت منافسة لها (وهي المرفوضة حاليًّا) كانت تفترض وجود مرحلة مبدئية باردة. وكما ذكرتُ بالفعل، ليس من الصحيح تمامًا إطلاق مسمى «نظرية» على نموذج الانفجار العظيم؛ فالفارق بين النظرية والنموذج فارق طفيف، لكنَّ ثمة تعريفًا قد يُفيد هنا، وهو يقضي بأن النظرية من المتوقع عادةً أن تكون مستقلة بذاتها تمامًا (بمعنى ألَّا يكون فيها متغيرات قابلة للضبط، وأن تكون كل الكميات الرياضية فيها محدَّدةً من قبل)، أما النموذج فليس تامًّا على النحو ذاته. وبسبب المراحل المبدئية التي يشوبها عدم اليقين في الانفجار العظيم، من الصعب عمل تنبؤات قوية مدعومة بالدليل؛ ومِن ثَمَّ ليس من السهل اختبار صحتها. وقد وجَّه أنصار نظرية الحالة الثابتة هذا الانتقاد في العديد من المناسبات. ومن قبيل المفارقة أن مصطلح الانفجار العظيم كان مقصودًا منه في البداية الحطُّ من شأن هذه الفكرة، وكان أول مَن صاغَه — وذلك في برنامج إذاعي على شبكة الإذاعة البريطانية — هو السير فريد هويل، أحد أبرز معارضي نظرية الانفجار العظيم.
نظرية الحالة الثابتة
في نموذج الحالة الثابتة الكوني، الذي اقترحه كلٌّ من توماس جولد وفريد هويل وهيرمان بوندي وجايانت نارليكار (ضمن آخرين)، فإن الكون يتمدد، لكنه مع ذلك يمتلك الخواص عينها طوال الوقت. والمبدأ الذي ترتكز عليه هذه النظرية يُدعَى «المبدأ الكوني المثالي»، وهو تعميم للمبدأ الكوني الذي يقضي بأن الكون متجانس ومتوحد الخواص في المكان، بحيث ينسحب التجانس على الزمن أيضًا.
ولأن كل خصائص علم كونيات الحالة الثابتة يجب أن تكون ثابتة مع مرور الزمن، فإن معدل التمدد في هذا النموذج ثابت أيضًا. من الممكن أن نجد حلًّا لمعادلات أينشتاين يتوافق مع هذه الفكرة، ويُطلَق على هذا الحل اسم «حل دي سيتر». لكن إذا كان الكون آخذًا في التمدد، فلا بد أن تتناقص كثافة المادة مع الوقت، أم هذا غيرُ ضروري؟ تفترض نظرية الحالة الثابتة وجود مجال يسمَّى «المجال سي»، يخلق المادة بمعدل ثابت لمعادلة تخفيف كثافة المادة الذي يسببه التمدد الكوني. وهذه العملية، المسماة «الخلق المستمر»، لم يجرِ قطُّ رصدُها في المختبرات، لكن معدل الخلق المطلوب صغير للغاية (حوالي ذرة هيدروجين واحدة لكل متر مكعب على مدار عمر الكون)، لدرجة أنه من العسير أن نستبعد بالملاحظة المباشرة وجود الخلق المستمر بوصفها عملية فيزيائية ممكنة.
في نظر العديد من المنظِّرين كانت نظرية الحالة الثابتة هي الأفضل؛ لأنه كان من الأسهل اختبارها مقارنة بغيرها من النظريات المنافِسة. فعلى وجه التحديد، من شأن أي دليل يُثبِت أن الكون في الماضي كان مختلفًا عما هو عليه الآن أن يُثبِت خطأ هذا النموذج. ومنذ أواخر أربعينيات القرن العشرين فصاعدًا، حاول الراصدون معرفة هل كانت خصائص المجرات البعيدة (التي نراها على حالها في الماضي) مختلفة عن المجرات القريبة. كانت هذه المشاهدات صعبة، وأدَّت المشكلات التي اكتنفتْ تفسير المشاهدات إلى نشوب خلافات حادة بين مؤيدي نظرية الحالة الثابتة ومعارضيها، ومثال على هذا ذلك التشاحن المرير الذي نشب بين المتخصص في علم الفلك الراديوي مارتن رايل وبين فريد هويل، حين زعم رايل أنه وجد تطورًا له اعتباره في خصائص مصادر موجات الراديو. وتعين الانتظار حتى منتصف الستينيات حين أدَّى اكتشافٌ عارضٌ جرى بمحض المصادفة إلى حسم هذا الجدل.
الدليل الحاسم
في أوائل الستينيات كان اثنان من الفيزيائيين، وهما أرنو بنزياس وروبرت ويلسون، يستخدمان هوائيًّا مخروطيَّ الشكل خاصًّا باستشعار الموجات الميكرونية متخلفًا عن اختبارات أحد الأقمار الصناعية اللاسلكية؛ بهدف دراسة الانبعاثات التي ينتجها الغلاف الجوي للأرض. كان التليسكوب مصمَّمًا لدراسة مصادر التداخل المحتملة التي قد تسبب مشكلات لمنظومات الاتصالات عبر الأقمار الصناعية المخطَّط لها. وقد فوجئ بنزياس وويلسون حين وجدا ضوضاء منتظمة في الخلفية، لا يمكن التخلص منها. وفي النهاية، بعد الكثير من الفحص والتخلص من الحَمَام الذي كان يبني أعشاشه داخل التليسكوب، تقبَّلا فكرة أن هذه الضوضاء لن تختفي أبدًا. ومن قبيل المصادفة أنه بالقرب منهما في جامعة برينستون في نيوجيرسي، كانت مجموعة من الفيزيائيين الفلكيين، من بينهم روبرت هنري ديك وجيمس بيبلز، تحاول تصميم تجربة لرصد الإشعاع الذي أنتجه الانفجار العظيم. وقد أدرك أفراد المجموعة أن هناك مَن سبقهم إلى هذا. ونشر بنزياس وويلسون نتائجهما في دورية الفيزياء الفلكية عام ١٩٦٥، إلى جانب ورقة بحثية من مجموعة ديك تفسِّر ما تعنيه هذه النتائج. وفي عام ١٩٧٨ فاز كلٌّ من بنزياس وويلسون بجائزة نوبل.
منذ اكتشاف الخلفية الميكرونية وهي عُرْضة للبحث الدقيق، وقد بتْنا الآن نعلم عنها أكثر بكثير مما كان معلومًا في عام ١٩٦٥. كان بنزياس وويلسون قد لاحظا أن الضوضاء التي اكتشفاها لا تعتمد شدتها على وقت اليوم، وهو ما يمكن للمرء أن يتوقعه لو أنها ظاهرة مرتبطة بالغلاف الجوي. في الواقع، إن درجة الانتظام التي يتسم بها إشعاع الخلفية الميكروني تُبَيِّن أنه ليس مرتبطًا بأي مصادر من داخل مجرتنا (التي لن تكون موزعة بالتساوي في السماء). من المؤكد إذن أن إشعاع الخلفية هذا قادم من خارج المجرة. والأكثر أهمية أنه صار معلومًا الآن أن هذا الإشعاع له نوع خاص للغاية من الطيف يطلق عليه طيف الجسم الأسود. ينشأ طيف الجسم الأسود متى كان المصدر يمتص الإشعاع ويُطْلقه على نحو مثالي. والإشعاع المنتَج بواسطة الجسم الأسود عادةً ما يسمى إشعاعًا حراريًّا؛ لأن الامتصاص والإطلاق المثاليَّين يجعلان المصدر والإشعاع في حالة من التوازن الحراري.
يُظهِر طيفُ الجسم الأسود المعتاد لهذا الإشعاع، بما لا يدعُ مجالًا للشك، أن هذا الإشعاع أُنتج في ظروف من التوازن الحراري في المراحل المبكرة للغاية لكرة النار البدائية. في وقتنا الحالي الخلفية الميكرونية باردة للغاية؛ فحرارتها تقل عن ثلاث درجات فوق الصفر المطلق. بَيْدَ أن هذا الإشعاع أخذ في البرودة تدريجيًّا كتأثير لتمدد الكون؛ إذ عانى كل فوتون من الفوتونات المكوِّنة له من تأثير الإزاحة الحمراء. وبإرجاع عقارب الساعة إلى المراحل المبكرة من تطور الكون، نجد أن هذه الفوتونات كانت أشد حرارة، وتحمِل طاقة أعلى. وفي النهاية سنصل إلى مرحلة كان فيها للإشعاع تأثيرٌ عنيف على المادة. يتألف الغاز في المعتاد من ذرات، وهذه الذرات تتكون من إلكترونات تدور حول نواة مركزية، لكن في المجالات الإشعاعية الشديدة، تُنتزع الإلكترونات من الذرات مكوِّنة حالة البلازما، التي فيها يقال إن المادة تكون مؤيَّنة. وقد حدث هذا بعد مرور ٣٠٠ ألف عام على الانفجار العظيم، حين كانت درجات الحرارة تبلغ عدة آلاف درجة مئوية، وكان الكون أصغر مما هو عليه اليوم بألف مرة، وأشد كثافة بمليار مرة. في هذه الفترة كان الكون بأسره حارًّا كسطح الشمس (الذي، بالمناسبة، يُنتج إشعاعًا يقترب من إشعاع الجسم الأسود). في ظل ظروف التأيُّن الكامل، تمر المادة (خاصة الإلكترونات الحُرَّة) والإشعاع بتصادمات سريعة تحافظ على التوازن الحراري. ومن ثم يكون الكون مُعْتمًا غير شفَّاف للضوء حين يكون في حالة تأيُّن. ومع تمدد الكون وانخفاض حرارته، تعاود الإلكترونات الاتحاد بالنَّوَى مُكَوِّنة ذرات، وحين يحدث هذا فإن تشتت الفوتونات يكون أقل كفاءة بكثير. في الواقع، يصير الكون شفَّافًا على نحو فعلي بعد إعادة الاتحاد، ومن ثم فإن ما نرصده من إشعاع الخلفية الميكروني اليوم هو الأثر البارد لآخِر الإشعاع الذي تشتَّت بواسطة الإلكترونات في حقبة إعادة الاتحاد. وحين تحرَّر الإشعاع أخيرًا من عمليات التشتت، كان وقتها في نطاق الضوء المرئي أو فوق البنفسجي من الطيف، لكن منذ ذلك الوقت ظل هذا الإشعاع يشهد إزاحة حمراء بفعل تمدد الكون، وهو الآن يُرصَد في نطاق الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء أو الميكرونية.
وبسبب توحد الخواص شبه التام لإشعاع الخلفية الميكروني الكوني في السماء، فإنه يُعَدُّ دليلًا مؤيدًا للمبدأ الكوني. كما أنه يقدِّم مؤشرات على منشأ المجرات والعناقيد المجرِّية. لكن أهميته في هيكل نظرية الانفجار العظيم تفوق كلَّ هذا بكثير؛ فوجود إشعاع الخلفية الميكروني يمكِّن علماء الكونيات من استنتاج الظروف التي كانت حاضرة في المراحل المبكرة من الانفجار العظيم، ويساعد تحديدًا في تفسير كيمياء الكون.
التخليق النووي
إن التركيب الكيميائي للكون بسيط للغاية في جوهره؛ فالسواد الأعظم من مادة الكون المعروفة هو على صورة هيدروجين، أبسط العناصر الكيميائية قاطبة، وتتكون نواة ذرته من بروتون وحيد. أكثر من ٧٥ بالمائة من مادة الكون موجود على هذه الصورة البسيطة. وإلى جانب الهيدروجين، فإن ٢٥ بالمائة من المكونات المادية للكون (من حيث الكتلة) موجودة على صورة هليوم-٤، وهو نظير مستقر للهليوم يُوجَد بنواة ذرته بروتونان ونيوترونان. وبمقدارٍ أشدَّ ندرةً من هذا بمائة ألف مرة هناك عنصران آخران عجيبان، وهما الديوتيريوم، أو الهيدروجين الثقيل كما يطلَق عليه أحيانًا، وتتكون نواته من بروتون واحد ونيوترون واحد، والنظير الأخف للهليوم المسمى الهليوم-٣، الذي تقل النيوترونات في نواته بمقدار نيوترون واحد عن الهليوم العادي. وأخيرًا هناك الليثيوم-٧، والمُنتَج بمقدار ضئيل، وتصل نسبة توفره إلى جزء واحد في العشرة مليارات من نسبة توفر الهيدروجين. من أين جاء هذا الخليط الكيميائي؟
معروف منذ ثلاثينيات القرن العشرين أن آلية عمل النجوم تعتمد على حرق الهيدروجين بوصفه نوعًا من الوقود النووي. وكجزء من هذه العملية تُخلِّق النجوم الهليوم وغيره من العناصر. بَيْدَ أننا نعلم أن النجوم وحدها لا يمكن أن تكون مسئولة عن إنتاج هذا المزيج من العناصر الخفيفة التي وصفتُها توًّا. بادئ ذي بدء، تتضمن العمليات التي تجري داخل النجوم في المعتاد تدميرَ الديوتيريوم بمعدل يفوق معدل إنتاجه؛ لأن المجالات الإشعاعية القوية داخل النجوم تكسِّر الديوتيريوم إلى مكوناته من بروتونات ونيوترونات. وبالنسبة إلى العناصر الأثقل من الهليوم-٤ فهي تتكون بسهولة نسبية في قلوب النجوم، لكن نسبة الهليوم-٤ المرصودة أعلى بكثير مما يمكن تفسيره من خلال التنبؤات المعتادة لتطور النجوم.
ومن المثير للاهتمام أن صعوبة تفسير وفرة الهليوم من خلال العمليات التي تجري داخل النجوم وحدها أُدركتْ في وقت مبكر يرجع إلى أربعينيات القرن العشرين، وذلك على يد كلٍّ مِن رالف ألفر وهانز بيته وجورج جاموف الذين اقترحوا هم أنفسهم نموذجًا تحدث فيه عملية التخليق النووي في المراحل المبكرة من تطور الكون. وقد أقنعتِ الصعوباتُ التي اكتنفتْ هذا النموذج، وتحديدًا الإنتاج الوفير للهليوم، كلًّا من ألفر وهيرمان في عام ١٩٤٨ بتدبر فكرة وجود خلفية إشعاعية كونية قوية في حقبة التخليق النووي. وقد قدَّرا أن هذه الخلفية من المفترض أن تبلغ درجة حرارتها الحالية نحو ٥ درجات كلفينية، وهي قيمة ليست بعيدة عن القيمة المعروفة لهذه الخلفية حاليًّا، رغم أن الأمر تطلَّب مرور خمسة عشر عامًا حتى اكتشاف إشعاع الخلفية الميكروني الكوني.
إن حساب المقادير النسبية للنوى الخفيفة المنتجة في كرة النار البدائية يتطلب عمل بعض الافتراضات بشأن بعض خصائص الكون في المرحلة المَعْنِية من تطوره. وبالإضافة إلى الافتراضات الطبيعية الموجودة داخل نماذج فريدمان، نحتاج بالضرورة أن يكون الكون في بداياته قد مر بمرحلة من التوازن الحراري على درجات حرارة تزيد عن المليار درجة. ووفق نموذج الانفجار العظيم فإن هذا حدث في وقت مبكر جدًّا من عمر الكون، بعد بضع ثوانٍ من بدايته. من ناحية أخرى، الحسابات بسيطة ومباشرة، ومن الممكن إجراؤها باستخدام أكواد حاسوبية مطوَّرة بالأساس بهدف نمذجة الانفجارات النووية الحرارية.
قبل أن تبدأ عملية تخليق النوى، تواصل البروتونات تحوُّلها إلى نيوترونات والعكس بالعكس بفعل التفاعلات النووية الضعيفة (ستُوصَف التفاعلات الضعيفة تفصيلًا في موضع لاحق). ومن الممكن حساب الأعداد النسبية للبروتونات والنيوترونات ما دامت في حالة توازن حراري، ورغم أن التفاعلات الضعيفة تكون من السرعة بما يكفي للحفاظ على حالة التوازن الحراري فإن نسبة البروتونات إلى النيوترونات تُواصل تعديل نفسها بالتوافق مع البيئة المحيطة الآخذة في البرودة. لكن عند نقطة حرجة معينة، تصير التفاعلات الضعيفة غير فعالة، ويستحيل ضبط النسبة أكثر من ذلك. وما يحدث هو أن نسبة البروتونات إلى النيوترونات «تتجمد» عند قيمة مُعَينة (تبلغ نحو نيوترون واحد مقابل كل ستة بروتونات)، وهذه النسبة لها أهمية جوهرية في تحديد الوفرة النهائية للهليوم-٤. فلتخليق الهليوم عن طريق الجمع بين البروتونات والنيوترونات معًا علينا أولًا تخليق الديوتيريوم. لكن كما ذكرتُ من قبل فإن ذرات الديوتيريوم يسهل تمزيقها بفعل الإشعاع؛ فإذا ضُربتْ ذرة ديوتيريوم بفوتون واحد، فستتفكك إلى بروتون ونيوترون منفصلين. وحين يكون الكون حارًّا جدًّا، تُدمَّر أي ذرات ديوتيريوم بمجرد تخليقها، ويطلَق على هذا اسم «عنق زجاجة الديوتيريوم». وما دام هذا الاختناق المروري النووي موجودًا، لا يمكن تخليق أي ذرة هليوم. علاوة على ذلك فإن النيوترونات التي تجمدت قبل ذلك ستبدأ في التحلل هي الأخرى بفترة عمر نصف قدرها عشر دقائق. ومن ثم تكون نتيجة التحلل هي وجود عدد قليل نسبيًّا من النيوترونات المتاحة للتخليق اللاحق للهليوم.
لكن حين تقل درجة حرارة الإشعاع عن المليار درجة، لا يكون الإشعاع بالقوة الكافية لتفكيك الديوتيريوم، ويظل حاضرًا لوقت طويل بما يكفي كي تحدث تفاعلات أخرى. ومن الممكن أن تتلاحم ذرتا ديوتيريوم كي تُكَوِّنا الهليوم-٣، مع إطلاق نيوترون. ويستطيع الهليوم-٣ اقتناص نواة ديوتيريوم وتكوين ذرة هليوم-٤، مع إطلاق بروتون. وهذان التفاعلان يحدثان بسرعة كبيرة جدًّا، وتكون النتيجة أن كل النيوترونات تقريبًا ينتهي بها الحال داخل ذرات الهليوم-٤، ولا يُنتَج إلا آثار بسيطة من العنصرين الوسيطين في هذه العملية؛ الديوتيريوم والهليوم-٣. إن وفرة الكتلة للهليوم-٤ التي تنتج بصورة طبيعية تُمثِّل نحو ٢٥ بالمائة، وهو الرقم المطلوب تحديدًا. وبالمثل، تقترب مقادير الذرات الوسيطة أيضًا من المشاهدات. وكل هذا جرى في الدقائق القليلة الأولى من عمر كرة النار البدائية.
يبدو هذا نجاحًا ساحقًا للنظرية، وهو كذلك بالفعل. بَيْدَ أن الاتفاق بين الحسابات التفصيلية للنواتج النووية المتخلفة عن الانفجار العظيم وبين وفرة العناصر المرصودة؛ لا يتحقق إلا في حالة قيمة معينة لأحد المؤشرات الحساسة: نسبة الباريونات إلى الفوتونات في الكون. فالأمر كله لا ينجح إلا حين يكون هذا الرقم في حدود واحد لكل عشرة مليارات؛ بمعنى بروتون أو نيوترون واحد مقابل كل عشرة مليارات فوتون. وبإمكاننا استخدام درجة الحرارة المعروفة للخلفية الميكرونية في حساب عدد الفوتونات الموجودة في الكون. ويمكن أن يَجري هذا الحساب على نحو دقيق للغاية. وبما أننا نعرف نسبة الباريونات إلى الفوتونات المطلوبة كي يعمل التخليق النووي بنجاح، فيمكننا استخدام القيمة الملائمة لحساب عدد الباريونات. والنتيجة ضئيلة؛ فمقدار المادة الموجودة في صورة باريونات لا يمكن أن يتخطَّى نسبة مئوية ضئيلة من مقدار الكتلة التي يتطلبها الكون المغلق.
إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء
يُعَدُّ إنتاج الخلفية الميكرونية إبَّان حقبة إعادة الاتحاد، وتخليق العناصر خلال حقبة كرة النار النووية، نجاحين كبيرين لنظرية الانفجار العظيم. والكيفية التي تتفق بها المشاهدات مع الحسابات التفصيلية تدعم هذا النموذج بقوة. وارتكازًا على هذه النجاحات، عكف علماء الكونيات منذ ذلك الحين على محاولة استخدام نظرية الانفجار العظيم في استكشاف التبعات الأخرى على المادة عند درجات الحرارة والكثافة المرتفعة للغاية. وفي هذا النشاط، تستغل نظرية الانفجار العظيم العلاقة بين عالم البِنَى الكبيرة للغاية وعالم البِنَى الصغيرة للغاية.
كلما تعمقنا في دراسة الماضي، صار الكون أصغر حجمًا وأشد حرارة. فنحن نعيش في حقبة أعقبت الانفجار العظيم بخمسة عشر مليار عام، وقد أُنتجت الخلفية الميكرونية بعد الانفجار العظيم بثلاثمائة ألف عام، وأجرى الأتون النووي عملية تخليق العناصر في الدقائق القليلة الأولى من عمر الكون. وكي نبسِّط فهمنا نحو الأزمنة المبكرة من عمر الكون، علينا معرفة كيفية سلوك المادة عند طاقات تزيد على تلك المتحققةِ داخل المفاعلات النووية. وليس من الممكن عمل التجارب القادرة على سبر أغوار هذه النطاقات الهائلة للطاقة إلا بتكاليف ضخمة. فبمقدور معجلات الجسيمات على غرار تلك الموجودة في سيرن بجنيف أن تعيد خلق بعض جوانب ذلك الأتون البدائي، بَيْدَ أن معرفتنا بكيفية سلوك المادة في ظل هذه الظروف المتطرفة لا تزال معرفة منقوصة، ولا تمتد حتى الفترات المبكرة للغاية فيما وراء حقبة التخليق النووي.
في البداية رأى الفيزيائيون في الانفجار العظيم متسعًا يمكِّنهم من تطبيق نظرياتهم. لكن في الوقت الحالي، في ظل عدم اختبار نظريات فيزياء الجسيمات بدرجة كبيرة في مواضع أخرى، صار الانفجار العظيم ساحة اختبار هذه النظريات. ولمعرفة الكيفية التي حدث بها هذا، علينا أن نفهم تطور فيزياء الجسيمات على مدار الأعوام الأربعين الماضية.
قوى الطبيعة الأربع
متسلحينَ بنظريتَيِ النسبية وميكانيكا الكم الجديدتين، ومدفوعينَ في بعض الحالات بالاكتشافات الجديدة التي وُلدت من رحم إنجازات التكنولوجيا التجريبية، سعى الفيزيائيون في هذا القرن إلى بسط نطاق العلم لوصف كل أوجه العالم الطبيعي. وكل الظواهر الخاضعة لهذا المبحث من الممكن عَزْوُها إلى أفعال قوى الطبيعة الأربع. وهذه التفاعلات الجوهرية الأربعة هي السُّبُل التي بواسطتها تتفاعل الجسيمات العديدة الأولية — التي تتكون منها المادة بكل صورها — بعضها مع بعض. ناقشتُ بالفعل قوتين من هذه القوى الأربع، وأعني بهذا المغناطيسية والجاذبية. أما القوتان الأخريان فتختصان بالتفاعلات الواقعة بين مكونات نوى الذرات، وهما القوة النووية الضعيفة والقوة النووية القوية. تتفاوت القوى الأربع في القوة (الجاذبية أضعفها، والقوى النووية القوية أقواها) وتتباين أيضًا من حيث أنواع الجسيمات الأساسية التي تشارك في التفاعلات التي تهيمن عليها.
تُبقي القوة الكهرومغناطيسية على الإلكترونات في مداراتها حول نواة الذرة؛ ومن ثم فهي المسئولة عن تماسك كل أشكال المادة المألوفة لدينا. لكن أُدرِكَ في وقت مبكر من القرن العشرين أنه من أجل تطبيق نظرية ماكسويل تفصيلًا على الذرات، لا مناص من الاستعانة بأفكار من فيزياء الجسيمات ومن النسبية. وتعيَّن الانتظار حتى أعمال ريتشارد فاينمان وآخرين، المبنية على عمل ديراك؛ حتى يتم تطوير النظرية الكمية الكاملة للقوة الكهرومغناطيسية، المسماة «الكهروديناميكا الكمية». ووفق هذه النظرية، يكون الإشعاع الكهرومغناطيسي على صورة فوتونات هو المسئول عن حمل التفاعل الكهرومغناطيسي بين الجسيمات ذات الشحنات المختلفة.
قبل المُضي أكثر من هذا في مناقشة التفاعلات، من الملائم الحديث عن بعض خصائص الجسيمات الأساسية التي تعمل هذه القوى بينها. أول هذه الجسيمات هي المجموعة المسماة «الفرميونات»، وهذه تختلف عن حاملات القوى، أو «البوزونات» (كالفوتونات)، بفعل لفها المغزلي. وتنقسم الفرميونات إلى فئتين؛ اللبتونات والكواركات، وكل فئة من هاتين الفئتين تنقسم بدورها إلى ثلاثة أجيال، وكل جيل يحتوي على جسيمين اثنين. ومن ثم يكون لدينا إجمالًا ستة فرميونات (مُرتَّبة في ثلاثة أزواج). أحد فردي كل زوج من الفرميونات يكون مشحونًا (الإلكترون على سبيل المثال)، بينما يكون الآخر عديم الشحنة، ويطلق عليه اسم «نيوترينو». ورغم أن الإلكترون مستقر، فإن اللبتونين الآخرين المشحونين (ويسميان «الميوون» و«التاوون») يتحللان بسرعة كبيرة، ومن ثم يكون رصدهما أكثر صعوبة بكثير.
الكواركات كلها مشحونة، وعائلاتها الثلاثة مُرتَّبة في أزواج هي الأخرى. أُولى العائلات تحتوي على الكواركات «العلوية» والكواركات «السفلية»، والثانية من الكواركات «الغريبة» والكواركات «الساحرة»، والثالثة من الكواركات «القاعية» والكواركات «القمية». والكواركات تكون على الدوام حبيسة داخل جسيمات مركبة تسمى «الهادرونات». وهذه الجسيمات تتضمن «الباريونات»، وهي تجميعات من ثلاثة كواركات، أشهر الأمثلة عليها البروتونات والنيوترونات. هناك حالات أخرى عديدة للهادرونات، لكن أغلبها غير مستقر بدرجة شديدة. ومن الممكن أن تُنتَج الهادرونات داخل تجارب المعجلات (أو في الانفجار العظيم) لكنها لا تستمر في البقاء لفترة طويلة قبل أن تتحلل. ووفق فهمنا الحالي يبدو أنه في غضون جزء على المليون من الثانية من بداية الزمن باتت الكواركات تملك الطاقة الكافية كي تحرر نفسها. أما فيما قبل ذلك فتتحلل الجسيمات الهادرونية إلى «حساء» من الكواركات.
كل جسيم من الفرميونات له نظير معاكس يسمى الجسيم المضاد. والجسيم المضاد للإلكترون هو البوزيترون، وهناك أيضًا الكواركات المضادة والنيوترينوات المضادة.
تسمى النظرية المَعْنِية بالتفاعلات القوية، تلك التفاعلات المسئولة عن تماسك الكواركات داخل الهادرونات، باسم «الديناميكا اللونية الكمية»، وهي مبنية على أسس مشابهة للكهروديناميكا الكمية. في الديناميكا اللونية الكمية توجد مجموعة أخرى من البوزونات العيارية تختص بتوصيل القوى، وهذه البوزونات تسمى «الجلوونات»، وثمة ثمانية أنواع منها. إضافة إلى هذا، للديناميكا اللونية الكمية خاصية تسمى «اللون»، وهي تلعب دورًا مشابهًا للدور الذي تلعبه الشحنة الكهربية في الكهروديناميكا الكمية.
الدافع نحو التوحيد
هل من الممكن — اقتداءً بما فعله ماكسويل من توحيد عظيم الأثر للقوتين الكهربية والمغناطيسية في القرن التاسع عشر — أن نجمع بين الكهروديناميكا الكمية والتفاعلات الضعيفة والديناميكا اللونية الكمية في نظرية واحدة واسعة النطاق؟
طُوِّرت نظرية توحد القوة الكهرومغناطيسية مع القوة النووية الضعيفة نحو عام ١٩٧٠ على يد كلٍّ من شيلدون جلاشو ومحمد عبد السلام وستيفن واينبرج. وتقضي هذه النظرية، المسماة بنظرية القوة الكهروضعيفة، بأن هاتين القوتين المنفصلتين ما هما إلا تجسيدان منخفضا الطاقة لقوة واحدة. فحين تمتلك الجسيمات طاقة منخفضة، وتتحرك في بطء، فإنها تستشعر الطبيعة المتباينة للقوتين الضعيفة والكهرومغناطيسية. ويقول الفيزيائيون إنه عند مستويات الطاقة العالية يوجد تناظر بين التفاعلات الكهرومغناطيسية والتفاعلات الضعيفة؛ فالقوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة تبدوان مختلفتين في نظرنا عند الطاقات المنخفضة بسبب انكسار هذا التناظر. تخيل أن هناك قلمًا واقفًا على سِنِّه. حين يكون القلم في وضع رأسي فإنه يبدو على النحو ذاته من جميع الاتجاهات. لكن من شأن نسمة هواء عابرة أو مرور شاحنة قريبة أن يسبب سقوط القلم، وهنا سيقع في أي اتجاه بِنِسَب احتمالات متساوية. لكن حين يسقط، فإنه يسقط بطريقة «معينة» متخذًا اتجاهًا محددًا. وبالمثل، الفارق بين الكهرومغناطيسية وبين القوى النووية الضعيفة يمكن أن يكون وليد المصادفة؛ محض نتيجة عارضة للكيفية التي انكسر بها تناظر الطاقة العالية في العالم.
توجد التفاعلات الكهروضعيفة والتفاعلات القوية في نظرية مجمعة للتفاعلات الأساسية تسمى «النموذج القياسي». وقد حقق هذا النموذج نجاحًا مذهلًا تمثَّل في أن كل الجسيمات الرئيسية التي تنبَّأ بها تمَّ اكتشافُها بعد ذلك بالفعل، باستثناء جسيم واحد فقط. (فثمة حاجة لبوزون خاص يسمى «بوزون هيجز» من أجل تفسير الكتل في النموذج القياسي، وقد استعصى هذا الجسيم، حتى الآن، على الاكتشاف.) إلا أن هذا النموذج لا يقدم توحيدًا لكل أنواع التفاعلات الثلاثة بالطريقة عينها التي توحِّد بها النظرية الكهروضعيفة بين التفاعلات الكهرومغناطيسية والتفاعلات الضعيفة. ويأمل الفيزيائيون في نهاية المطاف أن يوحدوا الأنواع الثلاثة من القوى محل النقاش في نظرية واحدة، وسُتعرف وقتها بأنها «النظرية الموحَّدة العظمى». وثمة نظريات عديدة تتنافس على هذا اللقب، لكن ليس معروفًا بعدُ أيُّها الصحيح (هذا إن كان من بينها نظرية صحيحة من الأساس).
ثمة فكرة مرتبطة بالنظريات الموحدة، وهي «التناظر الفائق». وفق هذه الفرضية، ثمة تناظر كامن بين الفرميونات والبوزونات، وهما العائلتان اللتان تُعامَلان على نحو منفصل في النموذج القياسي. في نظريات التناظر الفائق، لكل فرميون بوزون «شريك»، والعكس بالعكس. فالكواركات لها شركاء بوزونية تسمى الكواركات الفائقة، وللنيوترينوات شركاء تسمى النيوترينوات الفائقة، وهكذا دواليك. وللفوتون، وهو من البوزونات، شريك من الفرميونات يسمى الفوتينو، أما شريك بوزون هيجز فيسمى الهيجزينو، وهكذا دواليك. ومن الاحتمالات المثيرة للاهتمام في التناظر الفائق أنه قد يكون هناك جسيمٌ واحدٌ على الأقل مستقرٌّ من الأعداد الضخمة للجسيمات المتوقع أن تظهر عند مستويات الطاقة العالية للغاية. أيمكن لأحد هذه الجسيمات أن يؤلف المادة المظلمة التي يبدو أنها تتغلغل في أرجاء الكون بأسره؟
التخليق الباريوني
من الجلي أن فكرة التناظر تلعب دورًا مهمًّا في نظرية الجسيمات. على سبيل المثال، المعادلات التي تصف التفاعلات الكهرومغناطيسية تتسم بالتناظر حين يتعلق الأمر بالشحنة الكهربية. فإذا غيرنا كل الشحنات الموجبة إلى شحنات سالبة، والعكس، فإن معادلات ماكسويل التي تصف الكهرومغناطيسية ستظل صحيحة. بتعبير آخر، إن خيار تعيين شحنة سالبة للإلكترون وشحنة موجبة للبروتون هو خيار اعتباطي تمامًا؛ إذ كان من الممكن أن يصير الحال معكوسًا، ولن يُحدث هذا أي اختلاف في النظرية. هذا التناظر يُترجَم إلى قانون لحفظ الشحنة؛ فالشحنة الكهربية لا تفنى ولا تُستحدث من العدم. يبدو من المنطقي ألَّا يكون لكوننا أي شحنة كهربية صافية؛ فينبغي وجود مقدار من الشحنة الموجبة مماثل لمقدار الشحنة السالبة، وبذا يُتوقع أن تساوي محصلة الشحنة الصافية صفرًا. ويبدو أن هذا هو الحال بالفعل.
أيضًا يبدو أن قوانين الفيزياء تعجز عن التفرقة بين المادة والمادة المضادة. لكننا نعلم أن المادة العادية أكثر شيوعًا بكثير من المادة المضادة. وتحديدًا، نحن نعلم أن عدد الباريونات (البروتونات والنيوترونات) يفوق عدد الباريونات المضادة. في حقيقة الأمر تحمل الباريونات نوعًا إضافيًّا من «الشحنة» يسمى العدد الباريوني. للكون رقم باريون صافٍ. ومثلما هو الحال بالنسبة إلى الشحنة الكهربية، قد يتوقع المرء أنه ينبغي أن يكون العدد الباريوني كمية محفوظة. ومن ثم إذا لم يكن العدد الباريوني يساوي صفرًا الآن، يبدو أنه لا مناص من أن نَخْلُص إلى أنه لم يكن يحمل القيمة صفرًا قط في أي وقت من الماضي. وقد حيرت مشكلة توليد عدم التناظر هذا — مشكلة التخلق الباريوني — العلماء العاملين على نظرية الانفجار العظيم لوقت ليس بقليل.
كان الفيزيائي الروسي أندريه ساخاروف أول مَن حدد (عام ١٩٦٧) الظروف التي في ظلها يمكن أن يكون هناك بالفعل انعدام تناظر باريوني صافٍ، وأول مَن بيَّن أن العدد الباريوني لا يلزم، في واقع الأمر، أن يكون كمية محفوظة. وقد تمكن من أن يُنتج تفسيرًا وَفْقَهُ تكون قوانين الفيزياء بالفعل متناظرة باريونيًّا، وفي الأوقات المبكرة من عمر الكون لم يكن للكون رقم باريون صافٍ، لكن مع برودته ظهر تفضيل تدريجي للباريونات على الباريونات المضادة. كانت أعماله سابقة لعصرها؛ لأنها أُجريتْ قبل بناء أي نظرية موحدة لفيزياء الجسيمات بوقت طويل. وقد تمكن من اقتراح آلية يمكنها إنتاج موقف في الكون المبكر يكون فيه مقابل كل مليار باريون مضاد مليار وواحد باريون. وحين تتصادم الباريونات والباريونات المضادة، فإنها تفنى في لفحة من الإشعاع الكهرومغناطيسي. وفي نموذج سخاروف، من شأن أغلب الباريونات أن تقابل باريونات مضادة، وأن تفنى بهذه الصورة. وفي النهاية سيتبقى لدينا كون يحتوي آلافَ الملايين من الفوتونات مقابل كل باريون ناجٍ. وهذا هو واقع الحال في الكون بالفعل؛ إذ يحوي إشعاع الخلفية الميكروني الكوني مليارات الفوتونات مقابل كل باريون. وتفسير هذا الأمر يُعَدُّ مثالًا سارًّا على الارتباط بين فيزياء الجسيمات وعلم الكونيات، بَيْدَ أنه ليس أشد هذه الأمثلة إثارة على الإطلاق. وفي الفصل التالي سأناقش فكرة التضخم الكوني التي وفقًا لها يُعتقد أن الفيزياء دون الذَّرية تؤثر في هندسة الكون بأسره.