تفاصيل العالم المجهول
كان «أحمد» يفكِّر بسرعة، فهذه الفرصة يجب ألا تضيع، إن «فريدي» قد فتح العالم المجهول أمامه، وهو يستطيع بضربة واحدة أن ينتهي هذا العالم الغريب، فقط، يجب أن يكون حذرًا، وأن يكون هادئًا في نفس الوقت، جاء صوت «فريدي» الرفيع ضاحكًا. وقال: حتى تعرف أن من يصل عندي لا يستطيع أن يبتعد مرة أخرى، فسوف ترى الآن: ضغط زرًّا في مكتبه ثم قال: انظر إلى هذا الجهاز!
نظر «أحمد» إلى حيث أشار «فريدي»، كان هناك جهاز تليفزيون ضخم الشاشة مرَّت دقيقة، ثم رأى «أحمد» شيئًا مثيرًا للغاية، إنه لم يفكِّر مرة في أن تصل الأمور إلى هذا الحد، كان يتصوَّر تجسُّسًا محدودًا لكنه الآن، هو والشياطين يقعون تحت قبضة «فريدي» فعلًا. لقد كان الشياطين على شاشة التليفزيون برغم أنه كاد يفقد صوابه للمفاجأة، إلا أنه استطاع أن يتمالك نفسه، وأن يتصنَّع ابتسامة هادئة على وجهه، قال بفرح مُصطنع: «ستانا جروب».
ضحك «فريدي» ضحكة غريبة. ثم قال: ها هم أمامك «بيدو» و«كارمي» و«هان» و«بير» والآنسة «للي» ذات الصوت الدافئ.
سكت لحظة ثم أضاف: هل تحب أن ندعوهم؟
ابتسم «أحمد» ورد: إنها مفاجأة هائلة.
ضحك «فريدي» مرة أخرى، نفس الضحكة الغريبة، ثم قال: استمع إليَّ جيدًا يا عزيزي «بورو» وزِن كل كلمة أقولها لك، فهذه فرصة وحيدة، ففي عالمنا لا توجد فرصتان إنها فرصة واحدة، وهذه هي فرصتكم؛ إما أن تستغلوها وإما … ثم ابتسم قائلًا: وإما النهاية!
اهتزَّت مشاعر «أحمد»، إنه يعرف الآن جيدًا أنها فعلًا فرصة واحدة، وأنه إذا لم يستغل الفرصة فسوف تكون نهايته هو والشياطين.
قال «أحمد» في هدوء: أعتقد أننا سوف نستغلها جيدًا يا سيدي!
ضحك «فريدي» وقال: هذا ليس اختيارك، هذا قدرك فأنت لا تستطيع أن تعود، لقد دخلت «عش النسر» ومَن يدخله إما أن يكون مثله، أو يختفي.
ابتسم «أحمد» وهو يقول: أعرف يا سيدي أن القدَر يمنحني فرصة رائعة!
نظر «فريدي» إلى «باولو» وقال: هل أعددتم خُطتكم؟
ردَّ «باولو»: نعم يا سيد «فريدي»!
مرَّت لحظة، قبل أن يقول «فريدي» أريد أن أرى العزيز «بورو» في اختبار جديد! قال «باولو» متسائلًا: الاختبار الأخير!
ردَّ «فريدي»: نعم.
نظر «باولو» إلى «أحمد» وقال: هيا يا عزيزي «بورو»!
ابتسم «فريدي» وقال: سوف أراك مرة أخرى!
انصرف «أحمد» و«باولو». وعندما أصبحا وحدهما، قال: «باولو» مبتسمًا: إن «فريدي» سعيد بك تمامًا، وقليلون هم الذين يصلون إليه، لولا أنك إنسان مميز وتتمتَّع بقدرات هائلة، ما كنت قد حظيت بهذا اللقاء!
ابتسم «أحمد» وسأل: ما هذا الاختبار الأخير؟
رد «باولو» ضاحكًا: سوف ترى!
تعدَّدت الأبواب التي خرجا منها، كان «أحمد» يكتم في نفسه دهشة كبيرة لهذا العالم الذي يراه. وتساءل في نفسه: هل يمكن أن تتم المغامرة؟ وهل يستطيع الشياطين أن يقوموا بها؟ إن هذه أول مرة، يتعرَّض فيها الشياطين لمثل هذه المغامرة الغريبة. فجأة، خرجا من بابٍ إلى حديقة خضراء رائعة، تتوسطها مجموعة من الأشجار، وقد التفت حول بعضها في منظر فريد، أخرج «باولو» من حزامه مسدسًا صغيرًا، قدَّمه ﻟ «أحمد» … نظر له «أحمد» في دهشة. لكنه مدَّ يده وأخذه، قلب المسدس بين يدَيه ثم أخذ يختبره، في حين كان «باولو» يراقبه مبتسمًا. نظر «أحمد» إلى «باولو» وقال: ما هو المطلوب؟
قال «باولو»: هذه الأشجار الملتفة، سوف يظهر بينها أحد الرجال، فعليك اصطياده!
تجمَّد وجه «أحمد» وسأل في دهشة: ماذا تعني؟
ضحك «باولو» وقال: أعني أن تتخلَّص منه!
فكر «أحمد» بسرعة: ماذا يقصد «فريدي»؟ هل يريد أن يضعه في لحظة مماثلة لعملية قادمة؟ وهذا الرجل، ما ذنبه؟! إنه يمكن أن ينتهي. كيف يضحون بالرجال بهذه البساطة؟
مرَّت على «أحمد» دقيقتان وما زال يفكِّر. عندئذٍ ضحك «باولو» وقال: لا تجهد رأسك كثيرًا بالتفكير، عليك فقط بالتنفيذ.
تردَّد «أحمد» لكنه في نفس الوقت عرف أنه لا يملك الاختيار، وأن عليه فعلًا التنفيذ، وإلا فإنها سوف تكون نهايته هو والشياطين. فجأة تحرك رجل بين الأشجار، وفي سرعة كان «أحمد» قد أطلق طلقة من مسدسه، فسقط الرجل على الأرض، وقف مشدوهًا فقد ارتكب جريمة، إلا أن ضحكة «باولو» أيقظته من تفكيره قال «باولو»: هذه براعة غير عادية … فقليلون هم الذين يستطيعون ذلك، وأنت واحد منهم! نظر له «أحمد» وهو غير مصدق. لكنه فجأة امتلأ بالدهشة مرة أخرى. فقد رأى الرجل يقوم من بين الأشجار، ثم يختفي مرة أخرى. ضحك «باولو» فابتسم «أحمد» فكر: هذه إذَن خدعة.
قال «باولو»: لعلَّك فهمتَ!
قال «باولو» وهو يتحرك: هيا إلى السيد «فريدي» إذَن!
قبل أن يخطو أول خطوة إلى مكتب «فريدي»، جاء صوته الرفيع يقول: لقد امتلكت المستقبل! وعندما أصبح أمامه، صاح «فريدي»: أنت شاب معجزة، كيف تملك كل هذه الإمكانات، ثم لا تصبح نجمًا لامعًا.
صمت لحظة، ثم قال: هل تحب البقاء هنا، أو تعود للزملاء!
ابتسم «أحمد» وقال: يا سيدي، إننا الآن طوعَ أمرك!
ضحك «فريدي» طويلًا ضحكة جعلت «أحمد» يمتلئ بالاشمئزاز. فقد كان صوت «فريدي» الرفيع يثير في النفس الضيق.
قال «فريدي»: ينبغي أن تعود إلى الزملاء، فأنتم لستم بعيدين عني، وفي الوقت المناسب، سوف تقومون بمهمتكم!
انصرف «باولو» و«أحمد» وقد عادا من طريق مختلف، لكن «أحمد» كان قد طبع في ذاكرته كل التفاصيل، وبينما كانت السيارة تأخذ طريقها إلى روما فكَّر «أحمد»: كيف يمكن التصرف الآن، ونحن محاصرون في كل وقت؟! إن «فريدي» يتابعنا من عالمه المجهول، ويعد علينا خطواتنا وكلماتنا! وكيف يمكن الاتصال برقم «صفر» الآن، وأية حركة سوف تكون مرصودة، وأية إشارة يمكن التقاطها؟ ظلَّ شاردًا يفكِّر، إلا أن «باولو» ابتسم وقال: أظن أنك ما زلت تحت تأثير هذا الجو المثير.
هزَّ «أحمد» رأسه: وابتسم قائلًا: هذا صحيح.
مرَّت لحظة ثم قال «باولو»: ما رأيته، سوف يظل سرًّا، ما لم يأمر السيد «فريدي» بأمر جديد وحتى الزملاء، لا يجب أن يعرفوا شيئًا، فقد خرجنا في جولة، وعقدنا اتفاقًا، وسوف تسافرون إلى باريس للعمل هناك عندما يصدر الأمر، هذا كل ما يمكن أن تقوله للزملاء، أما ما رأيته أو لقاءك بالسيد «فريدي» فهذا سرٌّ، لا يجب أن يعرفه أحد.
كان «أحمد» يعرف ذلك كله، لكن ما استوقفه، هو حكاية السفر إلى باريس … سأل «باولو»: وهل هذه حقيقة؟
قال «باولو»: نعم، سوف تعملون في «الباريزيانا» بعض الوقت؛ لأن هناك مهمة.
ثم ابتسم قائلًا: هذه أيضًا مسألة سرية!
هزَّ «أحمد» رأسه يعلن فهمه، فقال «باولو»: سوف تكون هذه المهمة هي البداية، بعدها سوف ترون المستقبل أمامكم وسوف تحقِّقون كل ما تحلمون به!
أبدى «أحمد» فرحته وقال: بهذه السرعة!
ضحك «باولو» وهو يقول: هذا يتوقَّف عليك، إن خلفك قوة لا يستطيع أحد أن يقف أمامها، إنها تأمر فيقوم الآخَرون بالتنفيذ!
مرَّت دقيقة قبل أن يضيف: إن نجومًا كثيرة من التي تسمعون عنها، صنعها السيد «فريدي»؛ لأنهم يتبعون تعليماته وينفذون أوامره.
سأل «أحمد» في هدوء برغم أنه يعرف أن الإجابة لن تظهر قال: مَن هؤلاء النجوم؟
ضحك «باولو» طويلًا ثم قال: هذا سؤال لا يجب أن تسأله. فإن أحدًا لن يعرف يومًا أنك أحد رجال «فريدي»، هذه مسألة في غاية السرية!
رد «أحمد»: أعرف فقط كنت أمزح معك.
ضحك «باولو» من جديد. وقال: وأنا أعرف ذلك أيضًا!
وصلت السيارة إلى الفيلَّا فودعه «باولو» ثم انطلقت السيارة، وعندما أصبح الشياطين حول «أحمد» سألته «إلهام» باهتمام: ماذا هناك؟
ابتسم «أحمد» وهو يقول: سوف نسافر إلى باريس للعمل هناك بعد أيام!
ظهرت الدهشة على وجوه الشياطين لكن «أحمد» نظر لهم نظرة خاصة، فهموا منها أن هناك أشياء لا يجب أن تُقال الآن.