الخطوة الأخيرة
عندما انصرف الشياطين كلٌّ إلى غرفته. ظلَّ «أحمد» مستغرقًا في تفكيره. كان من الضروري أن يرسل لرقم «صفر» كل التفاصيل. فهو يشعر أنه مُقدِم على عملية هامة، سوف يكلِّفه بها «فريدي» وضع يده في جيبه، وبدأ يرسل رسالة شفرية إلى الزعيم، كانت رسالة طويلة، تحمل كلَّ التفاصيل وعندما انتهى منها، ظلَّ في انتظار الرد. لكن الوقت الذي مرَّ لم يكُن طويلًا، فبعد ربع ساعة، كان رد رقم «صفر» يأتيه في رسالة شفرية كانت الرسالة تقول: «٢ - ٢٤ - ٦ - ٤٨ - ٢٠ - ٥٤ - ٢» وقفة «٢ - ٥٠» وقفة «٢ - ٤٦ - ٤٠ - ٢٠ - ٢٨ - ٥٢» وقفة «٥٦» وقفة «٥٨ - ١٠ - ٤» وقفة «٢ - ٥٠» وقفة «٦ - ٣٠ - ٥٨ - ٣٦» وقفة «٥٢ - ١٨ - ٥٢» وقفة «٤٢ - ٤٨ - ٥٢» وقفة «٤٨ - ٢ - ٤٨ - ٢٠ - ٢ - ٤٤ - ٤٨» وقفة «٥٦ - ٥٠ - ٥٠ - ٢» وقفة «٢٤ - ٥٤ - ٤٠» وقفة «٥٠ - ٣٠ - ٢٠ - ٤» وقفة «٣٠ - ٢٠ - ٤ - ٦ - ٥٠ - ٢» وقفة «٢ - ٤٦ - ٤٤ - ٢٠ - ٥٨» وقفة «٢ - ٦ - ٤٨ - ٥٠ - ٥٨» وقفة «٤٦ - ٤٤ - ٤٨» وقفة «٢ - ٢٦ - ٦ - ٥٤ - ٤٠ - ٥٨ - ٤٢» انتهى.
عندما قرأ الرسالة شعر بالارتياح … الآن يصبح رقم «صفر» ملمًّا بكلِّ التفاصيل، فكر «أحمد»: إن الشياطين يجب أن يعرفوا كل شيء … فإن أي خطأ سوف يكشفهم. وإذا انكشفوا فإن ذلك يعني نهايتهم، بل إنه يمكن أن يكشف مكان المقر السري، والزعيم أيضًا كان يشعر أنه مراقب في كل لحظة، حتى عندما يفكِّر، كان يشعر أن أحدًا يراقب أفكاره، قال في نفسه: يجب أن أتخلَّص من هذا الشعور.
انتظر قليلًا. ثم أرسل رسالة إلى الشياطين، يشرح لهم كل ما حدث، ويطلب منهم في نفس الوقت ألا يتحدثوا في شيء، وأن أحاديثهم يجب أن تدور حول فرصتهم وحلمهم بالسفر إلى باريس، وفي المستقبل، وكيف سيكونون نجومًا في السينما والتليفزيون. وعندما انتهى من الرسالة الطويلة التي بعث بها إليهم. تمدَّد على السرير في محاولة لأن ينال بعض الراحة. فقد كان اليوم مشحونًا بالانفعالات، لكنه مع ذلك لم يستطع النوم، قفز من سريره، وأخذ يؤدِّي بعض التمرينات الرياضية، ثم أخذ حمَّامًا ساخنًا، نظر في ساعة يده، كانت لا تزال الثامنة، وهذا يعني أنه لا تزال هناك ساعة أخرى. قبل الذهاب إلى ملهى «إيطاليانا» رفع سماعة التليفون وتحدث إلى «بو عمير» ثم اتفق الجميع أن يلتقوا في الغرفة البيضاء في الدور الأول وهناك، قال «أحمد»: ما رأيكم لو خرجنا نقضي الساعة في جولة قبل الذهاب إلى «إيطاليانا»؟!
ردَّت «إلهام» بسرعة: إنني في حاجة إلى ذلك!
غادروا الفيلَّا في السيارة قال «باسم»: أظن أن عزيزي «بيدو» يحلم الآن بفيلم استعراضي.
قال «مصباح» مبتسمًا: إنها فرصة العمر، لقد حدثنا الصديق «باولو» عن ذلك!
قال «أحمد»: وهو صادق فيما يقوله: إنها فعلًا فرصتنا ويجب ألا تفلت منا، فأين يمكن أن نجدها مرة أخرى.
عند أول مكان لانتظار السيارات وقف «خالد» الذي كان يقود السيارة. غادروها بسرعة وعندما أصبحوا خارجها وبعيدًا عنها: قال «بو عمير»: أظن أن السيد «فريدي» لا يستطيع رؤيتنا الآن!
ابتسم «مصباح» وقال: ولا يسمعنا!
قالت «إلهام»: هذه هي الطريقة الوحيدة التي نستطيع أن نتحدَّث بها، دون أن يكشفنا أحد.
ثم أضاف بسرعة: ينبغي أن يحدِّثنا «أحمد» عمَّا حدَّث اليوم بالتفصيل!
سأل «خالد»: هل يمكن أن نجلس في مكان؟
رد «أحمد» لا أظنُّ فما شاهدته اليوم يؤكِّد لي أن «فريدي» قادر على أن يعرف كل شيء عنَّا في أي مكان.
ثم قال بعد لحظة: صدقوني. إن هذا الرجل يملأ الإنسان بالخوف!
مرَّت دقيقة قبل أن يقول: سوف أُحدِّثكم عن كل شيء، منذ لحظة الإفطار وحضور «باولو» وحتى عودتي إليكم!
أخذ «أحمد» يصف لهم كلَّ لحظة عاشها، حديثه مع «باولو»، العالم السري الغريب الذي رآه تحت الأرض … «فريدي» وضحكته الرفيعة. جهاز التليفزيون الذي يرى فيه «فريدي» كل شيء لكنه فجأةً قال: ينبغي ألا ينسى أحدكم اسمه الحركي في هذه المغامرة، وأن يكون يقظًا تمامًا عندما يناديه أحد.
ضحكت «إلهام» وقالت: إن اسم «للي» يعجبني جدًّا.
نظر «أحمد» إلى «خالد» وقال مبتسمًا: الصديق «بيدو». وإلى «مصباح» وقال: العزيز «كارمي». وإلى «باسم»: العزيز «هان». وإلى «بو عمير»: الصديق «بير».
ثم أضاف: إننا فعلًا في مغامرة غريبة، فلم يحدث أنْ قُمنا بمغامرة مثلها، ورغم غرابة ما نراه، فأظن أننا مقبلون على ما هو أكثر منه، فنحن فعلًا كما قال «فريدي» في «عش النسر»!
ابتسمت «إلهام» وقالت: هذا هو الجزء الأول من مغامرتنا!
قال «أحمد»: عندما ذكر «فريدي» ذلك خفت أن يكون قد اكتشف ما نقوم به!
فجأةً، توقَّفت سيارة بجوارهم، وقال السائق: أنتم مطلوبون الآن!
نظر له الشياطين في دهشة: فابتسم السائق قائلًا: السيد «باولو»!
كانت مفاجأة غريبة، لكنهم لم يركبوا السيارة، رفع السائق سماعة تليفون أمامه، ثم قال: إنهم أمامي يا سيد «باولو»، نعم السيد «بورو» معك!
ثم قدم السماعة إلى «أحمد» الذي أخذها، وجاء صوت «باولو» يقول: يجب أن تكونوا في «إيطاليانا» الآن اركبوا السيارة حالًا!
لم يرد «أحمد» بكلمة، فقد كان لا يزال يشعر بالدهشة والحيرة، فكيف تم العثور عليهم بهذه السرعة!
نظر «أحمد» إلى الشياطين نظرة خاصة فهموا منها ما يقصده، ثم قفز في السيارة فتبعوه جميعًا، انطلقت السيارة، بينما كان الصمت يدور حول الشياطين في إيطاليانا. صحبهم «مانسيني» مدير الملهى، إلى مكتب «باولو» الذي استقبلهم في ودٍّ شديد، ثم قال: إن فرقة «ماتي» قد رحلت إلى «سويسرا» حيث تعمل هناك في ملهى «جنيفا». وسوف تقضي هناك بعض الوقت، وعليكم أن تقدِّموا العرض بدلًا منها.
ثم ابتسم قائلًا: حتى تأتي الأوامر بسفركم إلى باريس!
هزَّ «أحمد» رأسه وقال: أرجو أن نقوم بهذه المهمة على أكمل وجه!
ابتسم «باولو» وقال: إنني أعرف أن «ستانا جروب» قادرة على تقديم عرض شيق.
فجأةً جاء صوت «فريدي» الرفيع يقول: سوف أسهر معكم الليلة!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: إن ذلك يسعد «ستانا جروب» يا سيدي.
كانت هذه أول مرة يسمع فيها الشياطين صوت «فريدي» وكانت مفاجأة لهم، حتى إنهم تأكدوا من إحساس «أحمد» بأنهم مراقبون في كل لحظة.
انصرفوا إلى الصالة، التي كانت مزدحمة تمامًا هذه الليلة، عندما ظهروا أمام الروَّاد، تعالت الأصوات ترحِّب بهم، قدَّم «أحمد» فاصلًا من العزف المنفرد ثم اشتركت الفرقة في عزف جماعي، وأخيرًا غنَّت «إلهام». كانت تغنِّي أغنية كتبتها بنفسها … اسمها: إنك تدهشني دائمًا!
وكانت هذه أول مرة تغنِّيها. تعالت الصيحات. وهي تغنِّي. وعندما انتهت منها طلبوها مرة أخرى، فغنَّتْها من جديد، وجاءت فترة الاستراحة، كان الشياطين يعملون وهم يفكِّرون في كلِّ ما يدور حولهم، بعد قليل جاءهم «مانسيني» ينقل إليهم إعجاب السيد «باولو» بالأغنية وانتهت الليلة.
مرَّ أسبوع وهم على هذا الحال لكن فجأة، ذات صباح تجمَّد وجه «أحمد» وهو يلقي نظرة على جرائد هذا اليوم. مقتل داعية السلام في سويسرا. كان هذا العنوان يتصدَّر الصفحة الأولى من الجريدة. فكَّر «أحمد»: إن «ماتي» سافر بفرقته للعمل في ملهى «جنيفا» الذي يملكه «فريدي» هناك، هذه إذَن عملية جديدة.
ظلَّ شاردًا يفكِّر: هل هو «ماتي» الذي ارتكب الجريمة؟ كانت رأسه تدور، شعر أنه أمام أكبر مغامرة في حياته. قال في نفسه: لا بد من إرسال رسالة إلى الزعيم!
لكنه فجأةً شعر بدفء جهاز الاستقبال، كانت هناك رسالة في الطريق، عندما انتهى من استقبال الرسالة وبدأ في قراءتها فوجئ أنها من رقم «صفر» كانت الرسالة تضم تفاصيل عن جريمة الاغتيال لم تنشرها صحف الصباح، فكر: كيف يمكن التحدُّث إلى الشياطين. قال في نفسه: لا بد من وجود موجة خاصة، يتحدَّث خلالها الشياطين دون أن يكشفهم أحد. بسرعة أرسل رسالة إلى رقم «صفر» يطلب فيها تحديد موجة لا يمكن التقاطها وجاء الرد بسرعة بأن مركز الأبحاث سيقوم بذلك ويخطره فورًا، ولم تمضِ دقائق حتى كانت رسالة رقم «صفر» الثانية تحدِّد له الموجة، أرسل رسالة شفرية إلى الشياطين، يخبرهم بالموجة الجديدة التي يستطيعون الحديث خلالها، بسرعةٍ أدار جهاز الراديو الموجود في غرفته، حتى التقط الموجة الجديدة، وبهدوء أخذ يتحدَّث فيها قال: هل يسمعني الشياطين؟
جاء صوت «إلهام» يقول: نعم.
ثم جاءت أصوات بقية الشياطين قال «أحمد»: هل قرأتم صحف اليوم؟!
وكانت إجاباتهم، أنهم فوجئوا بما وقع، وأن ذلك يعني أن المغامرة يجب أن تنتهي فكلما مرَّ الوقت كلما كان هناك ضحايا جدد، ردَّ «أحمد» عليهم بأنهم لا يستطيعون ذلك الآن، فرقم «صفر» يتابع ما يدور وهو الذي سيحدِّد ساعة «صفر».
فجأةً رنَّ جرس التليفون. توقف «أحمد» عن الكلام. ظنَّ أن «فريدي» قد اكتشف الموجة السرية، وسمع ما يقولون، رنَّ الجرس مرة أخرى، فرفع «أحمد» السماعة بسرعة جاء صوت «مانسيني» يقول: السيد «باولو» في انتظارك في مكتب العمليات، وسوف تصلك السيارة بعد قليل!
ثم وضعت السماعة فكر «أحمد»: هل هي تجربة جديدة يريدها «فريدي» أو أن العملية التي يتوقَّعها قد اقتربت؟!
فتح موجة الراديو وتحدَّث إلى الشياطين يخبرهم بالرسالة الجديدة … التي جاءت من «باولو» قال «بو عمير»: نحن نعيش في لغز غريب!
وقال «مصباح»: أكاد أفقد السيطرة على نفسي!
وأضاف «باسم»: ينبغي أن نستأذن رقم «صفر» ونبدأ!
ردَّ عليه «أحمد»: لقد بدأنا فعلًا، منذ دخلنا «عش النسر» ولم يعُد أمامنا إلا أن نُكمل ما بدأناه.
فجأةً، رنَّ جرس التليفون، رفع أحمد السماعة بسرعةٍ؛ فجاء صوت «جلاكسو» رئيس الخدم، يخبره أن السيارة في انتظاره. نقل «أحمد» المكالمة إلى الشياطين ثم قال من خلال الراديو: يبدو أننا ندخل المرحلة الأخيرة فإلى اللقاء!
قفز من سريره، ثم أخذ طريقه إلى الخارج، وهو يفكِّر: ما الذي يريده «باولو» الآن؟!