«فريدي» يختار «أحمد» للمهمة
كانت السيارة تقف أمام الفيلَّا مباشرة، قفز «أحمد» فيها، فانطلقت، ولم يمضِ وقت طويل، حتى كانت السيارة تدخل فناء عمارة عالية، توقفت. ظهر رجل نحيل، وفتح الباب بسرعة، نزَل «أحمد» فتقدَّمه الرجل، لم يتكلَّم كلمة واحدة، ابتسم «أحمد» من أعماقه، فهو يحب هذا الجو الغامض المثير، وقف الرجل عند باب المصعد، ودون أدنى حركةٍ فتح الباب، دخل «أحمد» فأغلق الباب بسرعة، وصعد المصعد بسرعة هائلة، كانت عينا «أحمد» تتابع أرقام الأدوار التي كانت تتغيَّر بسرعة عالية، فجأة، اختفت الأرقام بعد الدور العشرين، ظلَّ المصعد في صعوده، فجأةً توقَّف في هدوء وعندما فتح الباب، وقعت عيناه على «باولو» مباشرة، فالمصعد يفتح داخل المكتب، جاء صوت «باولو» الهادئ مرحبًا يقول: أعرف أنك مندهش وتبحث عن سبب!
كان «أحمد» قد تقدَّم حتى أصبح قريبًا من مكتب «باولو» كانت غرفة المكتب غارقة في اللون الأزرق. أما المكتب نفسه فقد كان أبيض اللون، وكان المنظر يبدو كأنه مركب وبحر، ابتسم «أحمد» وقال: إنه مكتب رائع!
ضحك «باولو» وقال: الأكثر روعة، هو أنكم في الطريق إلى المجد!
أبدى «أحمد» دهشةً مُصطنعة، وهو يقول: أخيرًا!
قال «باولو» ضاحكًا: أخيرًا أيها العزيز «بورو»، إن فرنسا كلها سوف تسمع «ستانا جروب»، وسوف تكون هذه هي الخطوة الأولى للشهرة!
تنهَّد «أحمد» وقال: هل يسمح لي السيد «باولو» باحتساء شيء ساخن، إنني لا أكاد أملك أعصابي من المفاجآت!
ضحك «باولو» ضحكة حادة وقال: إن المفاجآت الكبرى، لم تبدأ بعدُ!
وقف «باولو» في نشاط واتجه إلى بوفيه صغير في جانب الغرفة، ثم ضغط زرًّا فيه، ولم تمضِ دقيقتان حتى كان كوبٌ من الشاي الساخن قد ظهر فوق البوفيه، ابتسم «أحمد» وعلق: تكنولوجيا العصر الحديث تريح الإنسان!
قال «باولو» وهو يقدم له كوب الشاي: غدًا. سوف تحقق ما لم يخطر لك على بالٍ.
صمت لحظة، بينما كان «أحمد» يرشف رشفة من الكوب. ثم أضاف: إن السيد «فريدي» عندما يهتم بإنسانٍ، فإن ذلك يعني أن الحظ قد ابتسم له!
صمت مرة أخرى، ثم قال: والسيد «فريدي» مُعجَب تمامًا ﺑ «ستانا جروب» وسوف يصنع منها شيئًا فريدًا.
انتهى «أحمد» من شرب كوب الشاي، ابتسم «باولو» وقال: إليك مفاجأة جديدة!
ضغط زرًّا في المكتب، فتحرَّك المكتب كله، وانفتح الجدار أمام «أحمد» ليظهر «فريدي» على شاشة ضخمة، كانت ابتسامةً عريضة تغطِّي وجه «فريدي» الذي قال: سوف نلتقي غدًا في باريس!
تصنَّع «أحمد» الدهشة، ثم ابتسم قائلًا: صباح الخير يا سيد «فريدي»!
ضحك «فريدي» ضحكته الرفيعة الناعمة وقال: أنت شاب ذكي، وهذا ما يجعلني أهتم بك تمامًا. طبعًا بجوار مواهبك المتعددة، التي اكتشفت أنها في كل شيء!
صمت لحظة ثم قال: لقد أردت أن أبلغك بخبر السفر إلى باريس بنفسي؛ لأنني مهتم شخصيًّا بوجودكم هناك!
ابتسم «أحمد» وقال: إن ذلك يجعل مهمتنا ثقيلة يا سيدي!
استغرق «فريدي» في الضحك، وابتسم «باولو» ابتسامة واسعة. قال «فريدي»: سوف تقلكم طائرة خاصة إلى هناك. وسوف تجدون كل شيء معدًّا!
مرَّت لحظة قبل أن يضيف: ينبغي أن تذهب إلى المطار مباشرة، فالزملاء سوف يكونون هناك! برغم أن «أحمد» ملأته الدهشة إلا أنه أخفى ذلك، لقد عرف أن «فريدي» يريد أن يشترك الشياطين كلهم في هذه المهمة.
بعد قليلٍ جاء صوت «فريدي» الرفيع يقول: والآن. إلى اللقاء هناك!
فجأة، عاد الجدار كما كان، وقال «باولو» ضاحكًا: سوف نرى دائمًا أشياء مُدهشة!
ثم أضاف: تستطيع الانصراف الآن.
قام «أحمد» مباشرة واتجه إلى المصعد، الذي انفتح عندما وصل إليه وعندما دخل فانغلق وهبط مباشرة، هذه المرة لم تظهر أرقام الأدوار، حتى توقف المصعد، فكر «أحمد»: إنه عالم غريب تمامًا.
انفتح الباب؛ فوجد نفس الرجل النحيل، تقدمه حتى السيارة التي كانت في انتظاره، وبسرعة الصاروخ كان يأخذ طريقه إلى المطار، قال «أحمد» في نفسه: ما هذا الذي يحدث؟ وهل رحلة باريس سوف تكون هي الرحلة الأخيرة؟ هل يتصل بالزعيم، أما يترك الأمور تأخذ مجراها؟
لفت نظر «أحمد» شيء غريب، أن السيارة لم تقف خارج المطار، بل دخلت حتى سُلم الطائرة، قال في نفسه: لا بد أن «فريدي» له من السلطات ما يستطيع به أن يفعل ذلك.
ألقى نظرة سريعة على المكان، فلم يجد أثرًا للشياطين، لكن ذلك لم يجعله يشعر بالقلق، غادر السيارة، وصعد سُلم الطائرة سريعًا، عندما أصبح داخلها، وجد الشياطين أمامه، التقت أعينهم في نظرات خاصة، فلأول مرة في حياتهم، يقوم الآخرون بإصدار الأوامر إليهم، تبادلوا التحية وجلسوا، كانت الطائرة مصمَّمة على شكل غرفة اجتماعات، منضدة مستديرة وعدد من المقاعد حولها، كانت طائرة غريبة فعلًا، فهم لم يشاهدوا طائرة مثلها من قبلُ. دقَّ «أحمد» دقات الشياطين، فهم لا يستطيعون الحديث داخل الطائرة، وعليهم أن يجدوا وسيلة أخرى للتفاهم وتبادل وجهات النظر، وكانت الدقات هي لغة الحديث.
قال «أحمد» عن طريق الدقات: أخشى أن يلفت ذلك نظر أحد في الطائرة!
وقال «بو عمير»: إننا محاصرون حصارًا غريبًا!
قالت «إلهام»: هل هذا يعني ألا نتحدَّث! لكنها فجأةً قالت: سوف أغنِّي لكم أغنية، وعليكم أن تفهموا، بل إننا نستطيع من خلال الغناء أن نجري حوارنا كما نريد!
تحركت الطائرة ثم أخذت مسارها في الفضاء. وبدأت «إلهام» تغنِّي، كانت الكلمات حول الرحلة الأخيرة، ومتى يلتقي الجميع مرة أخرى، ليغنُّوا أغنية الحب، فجأةً اشترك معها «خالد» في الغناء ثم اشترك بقية الشياطين، ومن خلال الغناء، تحدثوا معًا، واتفقوا على كل شيء، فجأةً جاء صوت يقول: إن هذه فكرة جيدة لمسرحية استعرضية!
فوجئ الشياطين بالصوت، لكنه أضاف: كابتن الطائرة وطاقمها يحيِّيكم ويسعده أن يقول إنه استمتع فعلًا بالغناء!
نظر الشياطين إلى بعضهم، وتأكَّدوا من أنهم فعلًا محاصرون في كل لحظة، جاء صوت «أحمد» يقول: إن ذلك يُسعدنا فعلًا. وأظن أننا سوف نفكِّر في اقتراحك.
ثم قال بسرعة: متى سنصل؟
قال الكابتن بسرعة. أمامنا نصف ساعة.
عندما انقضت النصف ساعة، كانت الطائرة تهبط في مطار «أورلي» في «باريس» وفي دقائق كان الشياطين خارج المطار حيث تنتظرهم سيارة خاصة، حملتهم وانطلقت بهم إلى قلب باريس، وأمام عمارة قديمة في شارع الشانزلزيه توقفت السيارة، نزل الشياطين بسرعة، وكان شاب مفتول العضلات يقف مبتسمًا أمام الباب. قال في أدب: اسمي «بول» وأنا في انتظاركم.
حيَّاه الشياطين ثم تبعوه، دخلوا في ممر طويل، خافِت الضوء، توقف «بول» أمام باب عتيق، فانفتح مباشرة. دخل، فدخلوا خلفه، كانت هناك صالة واسعة خالية، فُتح باب فيها، فسقط ضوء قوي على أرض الصالة، انحنى «بول» وهو يبتسم قائلًا: السيد «فريدي»!
عقدت الدهشة ألسنة الشياطين. لكنهم كانوا قادرين على إخفاء أي انفعال. دخل «أحمد» بسرعة ودخل خلفه الشياطين، كان «فريدي» يقف بقوامه الضئيل في وسط الغرفة. قال مبتسمًا: مفاجأة. أليس كذلك؟
قال «أحمد» وهو يرد بابتسامة: نحن نعيش في مفاجآت مستمرة يا سيدي.
ضحك «فريدي» بقوة. نفس ضحكته الغريبة ثم قال: ما رأيكم في أن نبدأ العمل مباشرة!
ثم أضاف بسرعة: أو أنكم تشعرون بالتعب؟
رد «أحمد» على الفور، نحن جاهزون دائمًا.
ابتسم «فريدي» وقال: هكذا أحب أن يكون رجالي!
ثم تحرَّك داخلًا إلى غرفة أخرى، فتبعه الشياطين، كانت الغرفة عبارة عن صالون أبيض اللون يملأ النفس بالارتياح، ألقى «فريدي» بنفسه في أحد المقاعد المريحة ثم قال: هيا. كلٌّ يأخذ مكانه.
عندما جلس الشياطين، استغرق «فريدي» في التفكير لحظة، ثم قال: حتى لا نضيع وقتًا، هناك مهمة ضرورية جدًّا لحياتنا، وهي مهمة لا تحتمل التأجيل، وعليها سوف تتوقَّف خطواتنا في المستقبل. كان الشياطين يسمعون بكثير من الاهتمام، أكمل «فريدي»: الحياة نوع من الصراع، وما دام هناك صراع فهناك طرفان لهذا الصراع، ومَن ينتصر يكون هو الرابح. ثم وقف فجأةً وقال: وعليكم أن تربحوا.
ثم نظر إليهم لحظة وأضاف: إنني لم أعرف الخسارة في حياتي مرةً، منذ كنت صغيرًا مثلكم، كنت أُحقِّق النجاح، ولا يهمني كيف أحقِّقه، المهم أن أنتصر في النهاية!
ابتسم ابتسامة صغيرة، وسأل: ما رأيكم هل تحبون الانتصار دائمًا.
قال «أحمد»: بالتأكيد يا سيدي!
قال «فريدي»: حتى لو كان الانتصار ثمنه أن تُقتل!
كان السؤال صعبًا. لكن «أحمد» ومعه الشياطين كانوا يفهمون ما يرمي إليه، فرد «أحمد» بسرعة: المهم هو النجاح يا سيدي!
ضحك «فريدي» ثم قال: إذَن سوف تقوم أنت بالمهمة.
ابتسم «أحمد» وقال: إنني على أتم استعداد!
نظر له «فريدي» لحظة ثم قال: إذَن فسوف تكون المهمة غدًا صباحًا، وفي التاسعة، سوف تقف أمام مهمتك وتكتب ساعتها بنفسك مستقبل «ستانا جروب».
ثم ابتسم قائلًا: والآن، هيا إلى طعام خفيف، يكون بداية لمشوار نجاح للفنانين الشباب!
وكان الطعام، وهو الخطوة الأخيرة في كلمة النهاية.