طلقة واحدة … تكفي!
لم ينَم «أحمد» جيدًا تلك الليلة، فقد كان مشغولًا بهذه المهمة الغامضة، وعندما كانت الساعة تدق الثانية صباحًا، كان جهاز الاستقبال يستقبل رسالة، تابعها «أحمد» باهتمام شديد، لكنه مع الكلمات التي كانت تصل، كان يشعر بالهدوء، لقد كانت الرسالة من رقم «صفر» وعندما انتهت الرسالة، ملأت الدهشة نفسه، إن المهمة التي سوف يقوم بها هي التخلُّص من البروفيسور «جان كامي» صاحب الدعوة المشهور، والذي كرَّس كل حياته من أجل السلام. ففي العاشرة، سوف يقف «جان كامي» ليُلقي خطابًا هامًّا في مؤتمر شعبي وساعتها سوف تكون هناك بندقية في يد «أحمد» وعليه أن يقضي على داعية السلام.
استغرق «أحمد» في التفكير: إن هذه المعلومات الهامة التي وصلت إلى رقم «صفر». قد حصل عليها عملاؤه في فرنسا. تساءل بينه وبين نفسه: لماذا لم يتحدَّث إليه عميل رقم «صفر» لكنه في النهاية، كان لا بد أن ينام، حتى يكون مستعدًّا في الصباح.
في الثامنة تمامًا … كان يأخذ طريقه مع «بول» إلى حيث يوجد المؤتمر الشعبي. كان المؤتمر يعقد في ميدان «الكونكورد» الفسيح، حيث تقف المسلة المصرية. صحبه «بول» إلى بيت قديم، عندما دخله، شعر بالرهبة. فقد كان رطبًا، خافت الضوء، صعد به «بول» إلى الطابق الثالث، وعندما دخل الشقة، كانت هناك أسرة فرنسية تسكنها، استقبلهما صاحب الشقة في ابتسامة ثم قال: كل شيء جاهز يا عزيزي «بول»!
فهم «أحمد» أن الرجل، له علاقة بما سوف يحدث. دخل «بول» إلى غرفة مفتوحة النوافذ، وفي إحداها وقعت عينه على المنصة. حيث سيقف «جان كامي» نظر له «بول» مبتسمًا وقدَّم له مظروفًا مغلقًا. ثم قال: رسالة خاصة من السيد «فريدي».
فتح «أحمد» المظروف وقرأ الرسالة بسرعة، ثم ابتسم. لقد كانت محتويات الرسالة هي نفسها ما قاله الزعيم في رسالة نظر إلى «بول» وقال: هيا. حتى لا نضيع وقتًا!
قدم له «بول» حقيبة مستطيلة. تصلح لأن تكون حقيبة جيتار، ابتسم «أحمد» وقال: أين الريشة؟ فضحك «بول». فتح «أحمد» الحقيبة، فوقعت عيناه على بندقية مفكوكة الأجزاء. فكَّر لحظة، ثم أخذ في تكوينها، بينما كان «بول» يراقبه مبتسمًا، وعندما انتهى من تركيب أجزاء البندقية. قدم له «بول» ثلاث طلقات من الرصاص. وقال مبتسمًا: إنها طلقة واحدة تكفي هي التي ستحتاجها. أما الأخريان فقد تحتاجهما، إذا لم تكُن قد أصبت الهدف.
وضع «أحمد» الطلقات في البندقية ثم رفعها إلى كتفه، كان فوق ماسورة البندقية تليسكوب صغير يستطيع من خلاله أن يُحكم التنشين. أخذ ينظر بعينه على الجماهير الكثيرة التي ملأت الميدان … ثم وصل إلى المنصة التي لم يكُن فوقها أحد بعدُ … نظر إلى «بول» مبتسمًا وقال: كم الساعة الآن؟
نظر «بول» في ساعة يده … ثم همس: إنها التاسعة والنصف!
قال «أحمد» بنفس ابتسامته: إذَن، فقد اقترب الموعد!
فكَّر «أحمد» في رسالة رقم «صفر» الأخيرة، ابتسم من أعماقه. فقد عرف أن الزعيم قد استغل كل شيء جيدًا، وأن هذه خطة بارعة تلك التي وضعها رقم «صفر» للقضاء على رأس الأفعى الذي يقود هذه المنظمة الغريبة، التي تقوم بالتخلُّص من كل مَن يدعو إلى السلام، في نفس الوقت كان يفكِّر: تُرى مَن هم بقية أعضاء المنظمة؟ وكيف سيتم القبض عليهم؟ لكنه قال في نفسه: إن رقم «صفر» قادر على معرفة كل ذلك جيدًا!
كان «بول» يضع نظارة مكبرة فوق عينَيه وهو يرقب الاحتفال الشعبي. قال: لقد بدأ الأعضاء يأخذون أماكنهم!
رفع «أحمد» البندقية ومن خلال التليسكوب، بدأ هو الآخر يرْقُب المنصَّة. قال «بول»: لقد جلس «جان كامي» في المنتصف تمامًا. إنه يلبس قبعة عالية، ويضع على عينَيه نظارة سوداء. ها هو يرفع يده بالتحية.
توقف لحظة ثم قال: هل حددت مكانه جيدًا؟!
ابتسم «أحمد» وهو يقول، دون أن ينظر إلى «بول»: نعم إنه يجلس أمام فوهة ماسورة البندقية تماماً!
بينما كان «أحمد» يرد على «بول» كان يفكِّر في الشياطين. ماذا يفعلون الآن؟ وما سوف يفعلونه عندما يتم تنفيذ خطة رقم «صفر»؟ كان يشعر بالقلق، لكنه في نفس الوقت، قال لنفسه: من المؤكد أن رقم «صفر» قد أعد كل شيء جيدًا.
فجأةً قال «بول»: لا تنسَ الإشارة.
هزَّ «أحمد» رأسه، فسوف يُعطيه «بول» إشارة خاصة يبدأ بعدها في التنفيذ أخذ ينظر بعينَيه من خلال التليسكوب، حتى توقَّف عند وجه مُعيَّن، ارتفعت دقات قلبه هذا هو رأس الأفعى يجلس أمامه. إنه إذا ضغط على زناد البندقية الآن، فسوف يخلِّص العالم من شرور هذا الداهية، ففي الوقت الذي يجلس فيه بين صفوف المؤيدين للسلام، يكون قد دبَّر الخطط للتخلُّص من دعاة السلام، إن الخلاص منه، يمثِّل خطوة هامة، في الدعوة للسلام، فالعالم في أشد الحاجة الآن، ليبدأ مرحلة سلام يتفرَّغ فيها لحل مشاكله، وتنتهي تلك الحروب الدائرة في كل مكان، والتي لا يستفيد منها إلا تجار السلاح، وأعداء السلام، ولم يكُن رأس الأفعى سوى «فريدي» نفسه، إنه الذي يرأس هذه المنظمة الجهنمية ويتخفَّى خلف الملاهي التي يُديرها، قال «بول»: يبدو أن هناك شيئًا. فالاجتماع لم يبدأ بعدُ!
ابتسم «أحمد» وقال: لا بأس. فالوقت لا يزال أمامنا.
ثم أخذ «أحمد» يستعد ويؤكِّد تنشينه على صدر «فريدي» الذي كان يجلس في منطقة، لا يظهر فيها سوى وجهه … وصدره فقط. فكَّر «أحمد»: يبدو أن «فريدي» اختار مكانه بعناية: فجأة ظهرت الدهشة على وجهه ولكنه أخفاها بسرعة.
لقد رأى الشياطين، لقد دخلوا المكان، يقودهم «باولو» ثم انتشروا حول «فريدي». فكَّر «أحمد» هل يخشى «فريدي» شيئًا، حتى يضع الشياطين حوله، أو أنه يضع «أحمد» أمام الأمر الواقع، وهل يكون قد اكتشف شيئًا، أو أنه يختبر الشياطين في حراسته … كانت مشكلة. فقد اختفى صدر «فريدي» لضآلة حجمه، ولم يعُد يظهر منه سوى جبهته. فكَّر «أحمد»: إن أي خطأ في التصويب يمكن أن يُصيب أحد الشياطين. فجأةً جاء صوت «بول» يقول وهو يبتسم: هل ترى الزملاء!
أخفى «أحمد» قلقه، وضع ابتسامة على وجهه وهو يرد: نعم.
ثم أضاف بسرعة: يبدو أنهم الحرس الجديد للسيد «فريدي»!
ضحك «بول» وهو يقول: تمامًا. هذا ما فكرت فيه أيضًا.
ثم أبعد النظارة عن عينَيه ونظر إلى «أحمد» وقال: أنتم أول مَن يقترب من السيد «فريدي» بهذه السرعة. فقد احتاج «ماتي» سنوات حتى يكون من أعوان السيد «فريدي».
كادت صيحة تفلت من «أحمد»، إلا أنه ضبط أعصابه بسرعة. إذَن فالعازف الماهر «ماتي» هو أحد أعوان «فريدي» ولا بد أن يكون خلف عمليات الاغتيال التي تتم وكان آخِرها في «جنيف». أضاف «بول»: إن «ماتي» سوف يلمع قريبًا، بعد أن أكد إخلاصه للسيد «فريدي».
تذكر «أحمد» كلمات «باولو» حول الشهرة، والسينما والتليفزيون، وكلمات «فريدي» نفسه وهو يقول إنهم الآن يكتبون مستقبلهم. ابتسم «أحمد» وقال: أظن أن «ماتي» ليس أول الراحلين إلى الشهرة!
ابتسم «بول» وقال: ليس أولهم بالتأكيد فهناك أسماء في هوليود وروما وباريس، تلمع في السماء. يقف خلفها السيد «فريدي»!
رفع «بول» نظارته إلى عينَيه ثم قال: ها قد بدأ الاحتفال!
وبعد لحظة أضاف: استعد!
رفع «أحمد» بندقية بهدوء، وأخذ ينظر في التليسكوب ثم حدد الهدف، ولم يكُن الهدف، سوى «فريدي» نفسه بدأ أحد الرجال يتحدَّث … وعندما انتهى أعلن عن السيد «جان كامي» وقف «جان» أمام الميكرفون بدأ يتحدَّث، مرَّت دقيقة، ثم رفع «بول» يده، وأعطى الإشارة ﻟ «أحمد» أحكم «أحمد» تصويبه في اتجاه «فريدي» ثم ضغط الزناد في نفس اللحظة شاهد شيئًا في يد «مصباح» و«خالد» ثم ملأ المكان دخانًا كثيفًا يحوط المنصة حتى أخفاها. فعرف أن الشياطين قد اشتركوا في العملية وأن رقم «صفر» قد حدَّد كل شيء تمامًا، ثم حوَّل البندقية بسرعة في اتجاه «بول» الذي كان أسرع منه. وقد ضرب ماسورة البندقية بيده وهو يصيح: ماذا تفعل؟
إلا أن «أحمد» كان رده عليه ضربة سريعة قوية جعلته يتراجع بسرعة، ثم يصطدم بالحائط وقبل أن يفيق من الضربة كان «أحمد» قد تابعه وضربه عدة ضربات سريعة، لم يستطع «بول» أن يفلت منها، فسقط على الأرض، لكن في نفس الوقت وفجأة كان العملاق صاحب الشقة، يدخل في عنف المعركة متجهًا إلى «أحمد» مباشرة.
صرخ في «أحمد»: من أنت؟
وقبل أن يجيب «أحمد» عليه، كان يطير في الهواء، وهو يسدِّد ضربة قوية إليه لكن العملاق، كان مستعدًّا، فتلقَّى الضربة في براعة، ثم أمسك بقدم «أحمد» وجذبها بعنف، إلا أن «أحمد» كان قد قرأ ما يدور في فِكْره، وعرف الحركة قبل أن يقدم عليها العملاق. فقفز في اتجاهه، حتى اصطدم به. اهتزَّ لشدة الاصطدام. لكنه سدَّد ضربة قوية إلى «أحمد» فأصابته وأطاحت ﺑ «أحمد» في الهواء.
فكر بسرعة: إن العملاق قوي بما يكفي، ولا بد من حيلة للسيطرة عليه، وهزيمته. جرى «أحمد» إلى الباب، وكأنه يريد أن يهرب؛ فاندفع العملاق خلفه في قوة، فتح «أحمد» باب الغرفة بقوة، فاصطدم العملاق بالباب ثم اهتزَّ وقبل أن يستعيد توازنه، كان «أحمد» قد طار في الهواء وسدَّد له ضربة قوية، جعلته يدور حول نفسه في نفس اللحظة التي التقط فيها «أحمد» البندقية — وكانت قد سقطت على الأرض — ثم وجه ضربة حادة بها إلى العملاق، فترنَّح، ثم سقط على الأرض. وقف «أحمد» لحظة يرقب ما حوله، خوفًا من أن يظهر آخَر، وألقى نظرة سريعة على الميدان كان الدخان لا يزال ينتشر في المكان في نفس الوقت الذي وصلت رسالة من الشياطين، استقبلها جهاز الاستقبال السري. كانت الرسالة تقول: لقد أصبت الهدف تمامًا …
اللقاء في النقطة «م» فكر «أحمد» لحظة سريعة، ثم خرج من باب الغرفة في حذرٍ، تسمَّع قليلًا فلم يجِد صوتًا، تقدَّم في نفس اللحظة التي رنَّ فيها جرس باب الشقة … تردَّد قليلًا ثم فكَّر بسرعة: مَن يكون؟ إن أحدًا لا يعرف مكانه الآن سوى الشياطين أو رجال المنظمة!
جهَّز البندقية ثم اختقى خلف الباب، وفتحه فجأة، وقبل أن يفكِّر في توجيه ضربة؛ كان أحد رجال الشرطة يقول: أين السيد «بورو»؟
ابتسم «أحمد» وظهر أمام الضابط الذي حيَّاه بشدة، وهو يقول: لقد أحسنت كل شيء وقضيت على رأس الأفعى الذي لم نكُن نعرفه.
في النقطة «م» اجتمع الشياطين وجاءتهم رسالة من رقم «صفر» تُهنِّئهم على نجاحهم في المغامرة الشاقة، ويطلب منهم العودة سريعًا، في طريق العودة كانوا يضحكون وهم يصفقون بتوقيعات معيَّنة، فقد كانت «إلهام» تغنِّي لهم: عندما التقينا في عش النسر!