سنوات الثقب الأسود
«سادَ صمتٌ طويل هذه المرة، طال الصمتُ حتى لم يَقطعه أيُّ حديث بعد ذلك، غرق كلٌّ منهما تمامًا في أفكاره؛ في ذلك العمر الذي مضى وكيف مضى، في تلك السنوات الضبابية الغائمة التي لا يُدرِك ما كان يفعل فيها بالتحديد؛ سنوات تبدو مَنسيَّة، لا يُميزها شيء وكأنما ابتلعها ثقبٌ أسود.»
هل صنعَت تلك السنواتُ فارقًا في حياتي؟ ظل هذا السؤال يُراوِد «ياسين عمران» أثناء سَفره بالقطار، من القاهرة إلى مسقط رأسه بالإسكندرية، كان مُستغرِقًا طوال الوقت في تأمُّلاته، شاردَ الذهن في تذكُّر سنوات عمره التي عاشها بكل أحداثها، باحثًا عن إجاباتٍ لتساؤلاتٍ كثيرة، وفي هذه اللحظات التأمُّلية تأتي المصادَفة حين يلتقي «ياسين» في القطار بصديقه بعد غيابِ سنوات، أطال كلٌّ منهما النظرَ إلى الآخَر، لم يكن الأمر حقيقيًّا، لم يُصدِّقا وجهَ التشابُه الكبير الذي بينهما، حتى بدَوَا كأنهما شخصٌ واحد لا اثنان، تبادَلا الحديثَ وتذكَّرا ماضيَهما وأحلامهما القديمة، تذكَّرا السنوات الأربعين كيف مضَت وكيف تَركَت آثارَها الواضحة على مَلامحهما، كيف ساقَهما القدَر إلى حياةٍ دون الحياة التي رَغِبا في عَيشها، كلٌّ منهما سار في طريقٍ مختلف، لكن أيهما كان أفضل؟ هذا ما سيَرويه لنا «حسين مهران» في هذه الرواية.