أسطورة

إلى صديقي شفيق معلوف
كَانَ مَا كَانْ
فِي رُبَى لُبْنَانْ

•••

شَاحِبٌ كَالطَّيْفْ
أَهْيَفٌ أَسْمَرْ
ضَامِرٌ كَالسَّيْفْ
أَوْ أَضْمَرْ
خَدَرُ الرُّؤْيَا عَلَى عَيْنَيْهْ
وَارْتِعَاشُ الْحُبِّ فِي فَمِهِ
عَرَقُ الْوَحْيِ عَلَى صُدْغَيْهْ
فَاضَ مِنْ دَمِهِ
قَلْبُهُ، مَا أَبْعَدَ الْآثَامْ
عَنْ هَوَاهُ عَنْ لَيَالِيهِ
وَالْهَوَى إِنْ رَاحَ يُخْفِيهِ
حَدَّثَتْ عَنْ سِرِّهِ «الْأَحْلَامْ»
وَأَغَانِيهِ
وَالْحَوَرْ سَهْرَانْ
مُوهَنَ الْخَصْرِ
وَالْقَمَرْ سَكْرَانْ
فِي النَّهْرِ
وَالرُّبَى أَلْوَانْ
كَانَ مَا كَانْ

•••

بَكَّرَ الْعُصْفُورْ
دُونَ مِيعَادِ
وَاسْتَفَاقَ النُّورْ
فِي الْوَادِي
وَالصَّبَا لَمَّا تَزَلْ سَكْرَى
تَخْبِطُ الدَّوْحَ وَتَمْرُدُهُ
وَبِرِفْقٍ تَعْطِفُ النَّهْرَا
لَا تُجَعِّدُهُ
وَالنَّدَى يَصْحُو عَلَى الْعُنْقُودْ
فَكَحُلْمِ الطِّفْلِ مَبْسِمُهُ
وَشِفَاهُ الشَّمْسِ تُطْعِمُهُ
وَتُرَوِّي كَنْزَهُ الْمَرْصُودْ
حِينَ تَلْثِمُهُ
وَالدُّمَى الْأَجْفَانْ
وَالشَّذَا الْعَابِرْ
كُلُّهَا أَلْوَانْ
لِلشَّاعِرْ
كُلُّهَا أَلْحَانْ
كَانَ مَا كَانْ

•••

هَذِهِ الْأَلْوَاحْ
فِي رُبَى زَحْلَهْ
كَالْهَوَى وَالرَّاحْ
وَالْقُبْلَهْ
جِنَّةُ الْأَظْلَالِ تَرْسُمُهَا
وَعَرُوسُ النُّورِ تُحْيِيهَا
عَبْقَرٌ، حَتَّى جَهَنَّمُهَا
عَرَّشَتْ خَضْرَا بِوَادِيهَا
دَرَجَتْ فِيهَا مُخَيَّلَتُهْ
شَاعِرُ الْأَحْلَامِ وَالْحُبِّ
وَارْتَوَتْ مِنْ نَهْرِهَا الْعَذْبِ
تَأْخُذُ الْأَصْبَاغَ أَخْيِلَتُهْ
مِنْ دَمِ الْقَلْبِ
حُبُّهُ النَّشْوَانْ
مِنْ جَنَى السِّحْرِ
غَائِمٌ سَهْرَانْ
لِلْفَجْرِ
ذَاهِلٌ حَيْرَانْ
كَانَ مَا كَانْ

•••

غَرَّبَ الشَّحْرُورْ
وَالنَّوَى جُرْحُ
فَالْمَسَا مَهْجُورْ
وَالصُّبْحُ
قَالَتِ الْأَغْصَانُ لِلنَّهْرِ
ذَاتَ يَوْمٍ: «أَيْنَ شَادِينَا؟
مَا دَهَى حُلْقُومَهُ السِّحْرِي
لَا يُغَنِّينَا؟»
وَالسَّوَاقِي قُلْنَ لِلزَّهْرِ:
«أَيْنَ مَنْ كَانَ يُنَاجِينَا
يَمْلَأُ الْوَادِي تَلَاحِينَا؟
مَا دَهَاهُ؟ فِيمَ لَا يَجْرِي
ظِلُّهُ فِينَا؟»
وَالْهَوَى الظَّمْآنْ
قَالَ لِلْبَانِ:
«لَا أَرَى مَنْ كَانْ
يَرْعَانِي!»
فَأَجَابَ الْبَانْ:
«كَانَ مَا كَانْ»

•••

عِشْتِ يَا أَغْصَانْ
عِشْتَ يَا نَهْرُ
الْهَوَى رَيَّانْ
وَالشِّعْرُ
فَالدُّمَى فِي الْكَرْمِ نَاهِدَةٌ
وَعَلَيْهَا الطَّلُّ فِي حَرَمِ
كَرِضَاعِ الْحُبِّ جَامِدَةٌ
نُقَطٌ مِنْهُ عَلَى الْحَلَمِ
وَرَشَاشُ الْعِطْرِ وَالْأَنْغَامْ
وَخَرِيرُ الْجَدْوَلِ الْكَوْثَرْ
وَالْحَلِيبُ الْخَمْرُ وَالْعَنْبَرْ
حُمِلَتْ مِنْ شَاطِئِ «الْأَحْلَامْ»
لِذُرَى «عَبْقَرْ»
فَالْمَسَا الْمَلْآنْ
مِنْ دَمِ الْكَرْمِ
لَمْ يَزَلْ يَهْمِي
مِثْلَمَا كَانْ

•••

بِبَنانِ النُّورْ
لَمْ يَزَلْ هَارُوتْ
يَفرِشُ الْيَاقُوتْ
فِي الْمَدَى الْمَسْحُورْ
وَعَلَى هَوْدَجِهِ الْهَادِي
يَنْفُثُ اللَّيْلُ مَصَابِيحَهْ
وَسَريرُ الْحُبِّ فِي الْوَادِي
لَمْ يَزَلْ لِلْطَّيْرِ أُرْجُوحَهْ
كُلُّ مَا مَرَّ بِنَا يَبْقَى
ثَابِتَ اللَّوْنِ كَمَا كَانَا
إِنَّمَا الْأَرْوَاحُ أَحْيَانَا
حَسْبَمَا تَسْفُلُ أَوْ تَرْقَى
تُكْسِبُ الْأَشْيَاءَ أَلْوَانَا
وَالْهَوَى إِيمَانْ
لَمْ يَزَلْ نَاضِرْ
فِي دَمِ الشَّاعِرْ
مِثْلَمَا كَانَ

•••

فِي رُبَى الْأَسْرَارْ
حَيْثُ لَا شَهْوَهْ
قَالَتِ الْأَزْهَارْ
لِلرَّبْوَهْ:
«انْظُرِي عَيْنَيْهِ، يَا أُمِّي
فَالْهَوَى بَاقٍ بِعَينَيْهِ
جَفْنُهُ، كَمْ ذَابَ فِي حُلْمِي
كُحْلُ جَفْنَيْهِ
مَا أُحَيْلَى هَذِهِ الْخَلْوَهْ!
… هَلْ سَمِعْتِ الْحُبَّ، يَا أُخْتِ؟
عَادَ مُشْتَاقًا كَمَا عُدْتِ»
فَأَجَابَتْ أُمُّهَا الرَّبْوَهْ:
«عَادَ يَا بِنْتِ
قَلْبُهُ الْوَلْهَانْ
هَكَذَا كَانَا
عَادَ وَلْهَانَا
مِثْلَمَا كَانْ!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤