اليتيم
حَرَمُ الْجَمَالِ عَلَى سَرَيرِكَ يَحْلُمُ
وَعَلَيْكَ مِنْ سُورِ الْهَوَى مُتَرَدَّمُ
وَالشَّمْسُ تِبْرٌ فِي أَدِيمِكَ كُلَّمَا
شَبَّ النَّهَارُ نَمَا وَأَيْنَعَ مَوْسِمُ
لُبْنَانُ يَا رِيفَ السَّمَاءِ وَثَغْرَهَا
فِي كُلِّ شِبْرٍ مِنْ تُرَابِكَ مُلْهَمُ
مَا أَنْتَ بِالْبَلَدِ الْيَتِيمِ وَإِنَّمَا
فِي كُلِّ عَيْنٍ لَا تَرَاكَ تَيَتُّمُ
لَكَ فِي الْفُصُولِ عَلَى الطَّبِيعَةِ ذِمَّةٌ
وَعَلى الْجَمَالِ مُؤَخَّرٌ وَمُقَدَّمُ
فَمِنَ الشِّتَاءِ أَبٌ يَدِبُّ بِصُلْبِهِ
جَيْشٌ مِنَ الْخَضَرِ الْجَنِيِّ عَرَمْرَمُ
وَمِنَ الرَّبِيعِ أَجِنَّةٌ لَمْ يَخْتَمِرْ
فِي مِثْلِهَا نُورٌ وَلَمْ يَطْهُرْ دَمُ
وَلَكَ الشَّبَابُ كَرِيمَةٌ أَغْصَانُهُ
فِي الصَّيْفِ تَرْتَزِقُ الْجِنَانَ وَتُولِمُ
وَإِذَا الْخَرِيفُ تَكَمَّشَتْ أَعْرَاقُهُ
أَجْرَى الْفُتُوَّةَ فِيكَ حَتَّى الْمَأْتَمُ
لَكَ مِنْ شَبَابِكَ أُسْرَةٌ مَيْمُونَةٌ
فَأَبٌ يَفِيضُ نَدًى وَأُمٌّ تَرْأَمُ
مَا الْيُتْمُ أَنْ تُشْقِيكَ أُمٌّ أَوْ أَبٌ
الْيُتْمُ أَنْ تُزْرِيكَ عَيْنٌ أَوْ فَمُ
إِنَّ الْيَتِيمَ مَنِ امَّحَى وِجْدَانُهُ
هُوَ مَنْ يَسُوقُ الظُّلْمَ لَا مَنْ يُظْلَمُ
هُوَ حَاكِمٌ يَشْقَى الْيَتِيمُ بِعَهْدِهِ
جَوْرًا وَمِنْ خُبْزِ الْيَتَامَى يُطْعَمُ
الْحَزُّ يُنْكَرُ إِنْ أَتَى بِنَصِيحَةٍ
وَالْعَنْكَبُوتُ إِذَا تَثَعْلَبَ يُكْرَمُ
«يُعْطِيكَ مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ حَلَاوَةً
وَيَرُوغُ مِنْكَ كَمَا يَرُوغُ» الْأَرْقَمُ
كُلُّ امْرِئٍ شَطْرَانِ فِي سُلْطَانِهِ
رَأْسٌ لَهُ يُحْنَى وَقَلْبٌ يَشْتُمُ
فِي كُلِّ مَأْدُبَةٍ يَسِيلُ لُعَابُهُ
كَالْهِرِّ يُؤْمَنُ شَرُّهُ إِذْ يُلْقَمُ
عَسَلُ الزَّبِيبِ يَسِيلُ مِنْ أَحْدَاقِهِ
وَعَلَى سَرِيرَتِهِ يَجِفُّ الْحِصْرِمُ
يَخْشَى لِضَعْفِ يَقِينِهِ هَمْسَ الصَّدَى
وَيَرَى الشِّفَاهَ كَأَنَّهَا تَتَهَكَّمُ
وَلَهُ مِنَ الْأَبْوَابِ أَنْظَارٌ تَرَى
وَمِنَ السُّقُوفِ مَسَامِعٌ تَتَفَهَّمُ
يَا حَاكِمًا فِي أَيِّ يَوْمٍ تَسْتَحِي
أَوَلَسْتَ تَدْرِي كَيْفَ أَنْتَ وَتَعْلَمُ؟!
هُوَ مُرشِدٌ خُبْزُ السَّمَاءِ طَعَامُهُ
يُصْغِي إِلَى أَسْرَارِهَا فَيُتَرْجِمُ
سُوَرُ التُّقَى تُتْلَى عَلَى فَمِهِ وَفِي
وِجْدَانِهِ الْهَارِي تَفُحُّ جَهَنَّمُ
الدِّينُ حَانُوتٌ يَبِيعُ بِهِ الرَّجَا
وَاللَّهُ نَهْبٌ فِي حِمَاهُ مُقَسَّمُ
وَلَهُ كَلَامٌ فِي السِّيَاسَةِ فَاصِلٌ
خَطَأُ الشَّرَائِعِ أَنْ يُعَابَ فَتُرْجَمُ
أَأَبَا الْيَتَامَى، وَالْحَيَاةُ قَصِيرَةٌ،
مَاذَا يُعَلِّمُكَ الْيَتِيمُ الْأَعْظَمُ؟
لَكَ فِي الْجَحِيمِ مَتَى تَهِمُّ إِلَى السَّمَا
فِي كُلِّ إِسْطَبْلٍ يُحَمْحِمُ مِرْجَمُ
هُوَ عَاشِقٌ لَمْ يَدْرِ مَا شِيَمُ الْهَوَى
فَإِذَا أَحَسَّ فَعِرقُهُ الْمُتَأَثِّمُ
رُوحٌ مُهَرَّأَةٌ وَلَحْمٌ جَائِعٌ
وَفَمٌ يَنِمُّ وَمُقْلَةٌ تَتَضَرَّمُ
مَا بَيْنَ غَدْرَتِهِ وَبَيْنَ يَمِينِهِ
إِلَّا تَسَلُّفُ حَاجَةٍ تَتَكَتَّمُ
فَحَذَارِ مِنْ جُرْحِ الْهَوَى فَجِرَاحُهُ
يَبْقَى الْأَذَى فِيهَا وَيَفْنَى الْمَرْهَمُ
تَاللَّهِ عَصْرُكَ يَا جَمِيلُ، فَعَصْرُنَا
فيهِ رُقِيٌّ لِلْهَوَى وَتَقَدُّمُ
الْفَاجِرُ الزِّنْدِيقُ فَحْلٌ رَاشِدٌ
وَالْعَاشِقُ الْعُذْرِيُّ أَبْلَهُ مُسْقَمُ
يَا بُثْنُ كَمْ يَحْلُو زَمَانُكِ حِينَمَا
تَصْفُو لَنَا لَيْلَى وَتَغْدُرُ مَرْيَمُ
مَاذَا عَسَى الْوَاشُونَ أَنْ يَتَحَدَّثُوا
إِلَّا يَقُولُوا إِنَّهُ بِكِ مُغْرَمُ؟!١
•••
هُوَ تَاجِرٌ أَدْنَى وَأَبْخَسُ سِلْعَةٍ
وِجْدَانُهُ، يُعْطِيهِ لَا يَتَلَعْثَمُ
حَجَرٌ تَحَجَّرَتِ الْعُيُونُ بِعَيْنِهِ
فَالنَّاسُ نَقْدٌ وَالْمَصَائِبُ أَسْهُمُ
حَتَّى دُمُوعُ الْبَائِسِينَ شَهِيَّةٌ
فِي قَلْبِهِ إِنْ كَانَ فِيهَا مَغْنَمُ
يَا تَاجِرًا تَعْلُو بِهِ أَسْعَارُهُ
مِقدَارَ مَا يَدْنَى الضَّمِيرُ الْمُجْرِمُ
سَتَذُوبُ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ تَرْكَةٌ
بِيَدِ الْمُبَذِّرِ أَوْ كَأَنَّكَ دِرْهَمُ
هُوَ شَاعِرٌ إِنْ لَمْ يَذُقْ أَلَمَ الْهَوَى
يَكْفِيكَ مِنْهُ أَحْرُفٌ تَتَأَلَّمُ
مَا الشِّعْرُ إِلَّا حِلْيَةٌ بَرَّاقَةٌ
خَزَفٌ يَغُرُّكَ أَوْ زُجَاجٌ يُوهِمُ
صُوَرُ الْحَيَاةِ كَثِيرَةٌ أَلْوَانُهَا
وَأَحَبُّهَا مَا قَدْ حَوَاهُ الْمُعْجَمُ
هُوَ شَاعِرٌ تَلِدُ الشُّمُوسُ صَرِيحَةً
مِنْ حَوْلِهِ أُسَرَ الْجَمَالِ وَيُبْهِمُ
إِنَّ الْيَتَامَى مَنْ يَمُجُّهُمُ الْوَرَى
لَيْسَ الْيَتَامَى مَنْ يَضُمُّ الْمَيْتَمُ
١
يقول جميل بثينة:
وَمَاذَا عَسَى الْوَاشُونَ أَنْ يَتَحَدَّثُوا
سِوَى أَنْ يَقُولُوا إِنَّنِي لَكِ عَاشِقُ؟!