الحر
لَبَّيْكَ يَا قَلْبِ، مَاضٍ فِيكَ نَادَانِي
خَبَّأْتُ فِي عِطْرِهِ حُبِّي وَإِيمَانِي
أَيَّامَ كَانَ الْهَوَى الْغِرِّيدُ يَضْحَكُ بِي
وَيَرْتَمِي مَرَحُ الدُّنْيَا بِأَلْحَانِي
وَكَانَ لِلنَّاسِ آمَالٌ مُحَبَّرَةٌ
تَفَكَّكَتْ عَنْ كَلَابِيبٍ وَأَرْسَانِ
•••
فَقَدْ دَهَى الْحُكْمَ أَمْرٌ لَا مَرَدَّ لَهُ
هَانَ الْقَوِيُّ لَهُ، وَاسْتَأْسَدَ الْوَانِي
كَانَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ الْحَمْقَاءُ فِي بَلَدٍ
بَلَا النَّقِيضَيْنِ مِنْ جَهْلٍ وَعِرْفَانِ
فَكَانَ كَالْجَهْلِ لِلْعِرْفَانِ عَجْرَفَةٌ،
وَكَانَ للْجَهْلِ كَالْعِرْفَانِ عُرْفَانِ
عَذِيرُهُ وَمْضَةٌ فِي لَيْلِ مُدَّلِجٍ،
بَاقٍ لَهُ أمَلٌ، فِي قَلْبِ حَيْرَانِ
كَسَائِحٍ ضَلَّ فِي صَحْرَاءَ مُحْرِقَةٍ
كَأَنَّهَا قَلَقٌ فِي حُلْمِ ظَمْآنِ!
يَمْشِي، وَلِلنَّارِ فِي أَجْفَانِهِ زَبَدٌ
عَلَى لَظَى الرَّمْلِ، مِنْ وَادٍ لِوِدْيَانِ
وَلِلسَّرَابِ خِيَانَاتٌ عَلَى فَمِهِ
كَأَنَّهَا هُزْءُ شَيْطَانٍ بِإِنْسَانِ
حَتَّى أَصَابَ سَرَاةَ الْعَصْرِ نَاحِيَةً
يَمُجُّ فِيهَا سَحَابَ الظِّلِّ كَهْفَانِ
فَمَا تَخَيَّرَ، بلْ أَهْوَى عَلَى ظَمَأٍ،
فَصَادَفَتْ شَفَتَاهُ حَلْقَ ثُعْبَانِ
فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الْعَاتِي لَبِسْتُ فَتًى
أَلَمَّ فِي خُلْقِهِ أمْجَادَ غَسَّانِ
مِنْ سَالِفِ الْكَرَمِ الْمَسْلُوخِ عَنْ يَدِنَا
بَاقٍ عَلَى يَدِهِ إِيْمَاءُ إِدْمَانِ
أَحْلَامُ لُبْنَانَ أَجْسَادٌ عَلَى فَمِهِ
كَأَنَّ لُبْنَانَ لَمْ يَبْرَحْ كَلُبْنَانِ
تُصْغِي إِلَى السِّحْرِ يُحْيِيهِ بِهِ، فَتَرَى
فِي كُلِّ رَابِيَةٍ بَعْثًا لِإِيوَانِ
وَلَيْسَ كَالْفَأْلِ فِي الْآدَابِ دَاعِيَةٌ
لِهَدْيِ حَيْرَانَ، أَوْ تَنْبِيهِ وَسْنَانِ
وَكَالْخَيَالِ لِسَانٌ يُسْتَفَزُّ بِهِ
شَعْبٌ أَبِيٌّ إِلَى تَجْدِيدِ بُنْيَانِ
وَكَانَ أنَّ الْبَيَانَ الْحُرَّ فِي دَمِهِ
أَشَاعَ حِقْدَ اللَّظَى فِي الْحَاكِمِ الْجَانِي
فَقَالَ: نَهْجُكَ فِيمَا تَدَّعِي خَطَرٌ
عَلَى الرَّعِيَّةِ، يَحْدُوهَا لِعِصْيَانِ
أَمَا سَمِعْتَ صُدُورَ الشَّعْبِ تَهْتِفُ لِي؟
فَالشَّعْبُ مِلكِيَ، وَالْأَيَّامُ أَعْوَانِي!
فَأَغْمَدَ الْحُرُّ فِي عَيْنَيْهِ فُوَّهَةً
مِنْ نَاظِرَيْهِ، كَبُرْكَانٍ بِبُرْكَانِ!
وَقَالَ: مِلْكُكَ لَيْسَ الشَّعبُ، يَا مَلِكِي
فَلَسْتَ تَمْلِكُ إِلَّا بَعْضَ عُمْيَانِ!
كُنْ مَنْ تَشَاءُ، كُنِ الدُّنْيَا بِكَامِلِهَا،
فلَسْتَ تَعْدِلُ صِدِّيقًا بِمِيزَانِي
جَمَالُ قَلْبِيَ عُرْيَانٌ عَلَى شَفَتِي
وَنُورُ نَفْسِيَ مَعْقُودٌ بِأَجْفَانِي
وَكَيْفَ أَكْذِبُ، وَالدُّنْيَا تُصَارِحُنِي
حَتَّى قُشُورِيَ، حَتَّى جِسْمِيَ الْفَانِي؟!
انْظُرْ إِلَى النَّهْرِ فِي صَفْوٍ وَفِي كَدَرٍ
فَهَلْ تَخَفَّى عَلَى الصَّفْصَافِ وَالْبَانِ؟!
لِلنُّورِ، فِي كُلِّ مَجْرًى مِنْهُ مِصْقَلَةٌ،
وَكُلِّ مُنْعَطَفٍ لِلْحُبِّ ثَدْيَانِ
وَانْظُرْ إِلَى حَرَمُونِ الشَّيْخِ كَيْفَ بَدَا
فَهَلْ لِهَيْبَتِهِ الشَّمَّاءِ وَجْهَانِ؟!
فَذَلِكَ الْجَبَلُ الْجَبَّارُ أَطْعَمَنِي
قُوتَ النُّسُورِ، وَهَذَا النَّهْرُ رَوَّانِي
خَفِّفْ عُتُوَّكَ وَاغْسِلْ قَلْبَكَ الْجَانِي
لِلظُّلْمِ يَوْمٌ وَلِلْمَظْلُومِ يَوْمَانِ
عَرْشُ الْعَتِيِّ عَلَى بُرْكَانِ مُنْكَرِهِ
شَتِيمَةٌ رَخَمَتْ فِي قَلْبِ سَكْرَانِ
مَا كَانَ سُلْطَانُ هَذَا الشَّعْبِ سَيِّدَهُ،
إِنَّ السِّيَادَةَ مَا احْتَاجَتْ لِتِيجَانِ
هَذِي الرَّعِيَّةُ، مَهْمَا تَطْغَ، نَافِرَةٌ
وَمَنْ تَكُنْ، لَسْتَ فِيهَا غَيْرَ سُلْطَانِ …
تَعْصِي ضَمِيرَكَ وَالدُّنْيَا تُنَاطُ بِهِ
وَحِينَ أَعْصِي ضَلَالًا فِيكَ تَنْهَانِي؟!
فَاخْلَعْ وَبَدِّلْ، لَكَ الْحِرْبَاءُ قَاعِدَةٌ،
لَكَ الْوَدَاعَةُ وَالطُّغْيَانُ ثَوْبَانِ
مَنْ أَنْتَ؟ أَنْتَ يَدٌ سَوْدَاءُ مَا ارْتَفَعَتْ
إِلَّا لِتَفْرِيقِ أَحْبَابٍ وَإِخْوَانِ
مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ مِنَ الْفَحْشَاءِ لَوْ شَعَرْتَ
رُوحِي بِهَا لَمْ أَبِعْ سَهْلِي وَأَظْعَانِي
مَنْ جَاءَنَا بِكَ؟ حُمْقُ الشَّعْبِ، يَا مَلِكِي
لَا بُؤسُهُ، فَبِكَ الْهَدَّامُ لَا الْبَانِي
لَقَدْ بَطِرْتَ فَلَمْ تُسْتَرْ مُخَدَّرةٌ
وَقَدْ زَنَيْتَ فَلَمْ يَهْنَأْ حَبِيبَانِ!
لَكَ الْحُسَامُ عَلَى رَأْسِي تُسَرِّحُهُ،
وَلِي عَلَيْكَ، وَلَوْ حُجِّبْتَ، عَيْنَانِ!
لَمْ يَبْقَ غَيْرُ ثِمَارٍ مِنْكَ فَانِيَةٍ
خَدَائِعٌ نَتَنَتْ فِي بَعْضِ عِيدَانِ
أَمَا سَمِعْتَ هُبُوبَ الرِّيحِ؟! إِنَّ لَهُ
صَدَى تَزَحُّفِ أَشْبَاحٍ وَأَكْفَانِ!
فَدَمْدَمَ الْحَاكِمُ الْغَضْبَانُ، وَارْتَسَمَتْ
عَلَيْهِ أَشْبَاحُ غِيلَانٍ وَحِيتَانِ
وَأَصْدَرَتْ نَفْسُهُ مَا فِي قَذَارَتِهَا الْـ
ـحَمْرَاءِ مِنْ شَهْوَةٍ لِلْأَحْمَرِ الْقَانِي
وَصَاحَ: إِنْ يَكُ ذَا حَدٍّ لِسَانُكَ بِي
فَلِي لِسَانٌ عَلَيْهِ الْمَوْتُ حَدَّانِ
فَحَمْلَقَ الْحُرُّ فِي الْعَاتِي، وَقَالَ لَهُ:
أقْضِي غَدًا أَوْ أَمُوتُ الْيَوْمَ سِيَّانِ
فَكُلُّ مَا أَبْتَغِي أَنْ لَا تُقَاطِعَنِي!
دَعْنِي أُكَمِّلْ دِفَاعِي، أَيُّهَا الْجَانِي!