فليكس فارس
تُذَكِّرُنِي، وَحَقِّكَ مَا نَسِيتُ
وَهَلْ أَنْسَى شُجُونَكَ مَا حَيِيتُ؟!
أُحِسُّكَ فِي الْحَرارَةِ مِنْ حَنِينِي
كَأَنَّكَ فِي غَلِيلِ دَمِي تَبِيتُ
وَأَسْمَعُ مِنْكَ مَا أَسْمَعْتَ قَلْبِي
وَقَدْ غَدَرَ الْحَبِيبُ الْمُسْتَمِيتُ
يُغَرَّقُ مِنْ عُيُونِكَ فِي عُيُونِي
هَوًى سَاهٍ وَوِجْدَانٌ شَتِيتُ
تَقُولُ: «أَرَى عَلَى وَقْبَيْكَ خَمْرًا
إِذَا وُصِفَتْ تَنَكَّرَتِ النُّعُوتُ
أَخَافُ عَلَيكَ مِنْ دَمِهَا فَإِنِّي
بَذَلْتُ لَهَا الْحَيَاةَ وَمَا رَوِيتُ
هَوَاكَ هَوَايَ قَلْبُكَ مِثْلُ قَلْبِي
كَمَا تَهْوَى عَلَى مَضَضٍ هَوِيتُ
سَلَكْنَا مُعْضِلَ الدُّنْيَا» وَلَكِنْ
شُفِيتَ مِنَ الشَّقَاءِ وَمَا شُفِيتُ
تُرَابُ الْقَبْرِ أَسْلَمُ مِنْ فِرَاشٍ
عَلَى جَنْبَيْهِ ثُعْبَانٌ وَحُوتُ
رَأَيتُكَ تَملَأُ الدُّنْيَا ضِيَاءً
وَفِي عَيْنَيْكَ تَحْتَرِقُ الزُّيُوتُ
وَتَفْنَى فِي الْمَحَبَّةِ وَهْيَ بِكْرٌ
وَيَسْمَنُ حَوْلَكَ الْبُغْضُ الْمَقِيتُ
وَقَلْبُ الْحُرِّ آفَتُهُ هَوَاهُ
وَآفَةُ وَحْيِهِ الْأَدَبُ النَّحِيتُ
فَفِيهِ يُحَقَّرُ الْخَزُّ الْمُوَشَّى
وَيُكْرَمُ فِي سِوَاهُ الْعَنْكَبُوتُ
تَكَلَّمْ يَا فِلِيكْسُ فَنَحْنُ صَرْعَى
وَفِي أَعْمَاقِنَا حُلُمٌ يَمُوتُ
وَعَلِّمْ كَيْفَ تُكْتَسَبُ الْمَرَاقِي
وَكَيْفَ تُشَادُ لِلْأُمَمِ الْبُيَوتُ
وَكَيْفَ صَوَاعِقُ الْأَفْكَارِ تَهْوِي
وَكَيْفَ يُجَلْجِلُ الشَّعْبُ الصَّمُوتُ
أُفَتِّشُ فِي سُكُوتِكَ عَنْ بَيَانِي
فَيُخْرِسُهُ بِرَوْعَتِهِ السُّكُوتُ
وَأَبْحَثُ عَنْ شُعَاعِكَ فِي سِرَاجِي
وَلِي مِنْ زَيْتِكَ الْعُلْوِيِّ قُوتُ
•••
سَمِعْتُ الْمِنْبَرَ الْمَحْزُونَ يَشْكُو
فَتَتَّضِعُ الْأَرَائِكُ وَالتُّخُوتُ
يَقولُ: «رُزِقْتُهُ أَشْهَى طَعَامِي
وَلَمَّا اشْتَدَّ سَاعِدُهُ قَوِيتُ
أَبَرُّ الْوُلْدِ بِالْآبِاءِ خُلْقًا
وَأَقْرَبُهُمْ إِلَيَّ إِذَا زُهِيتُ
عَلَى عُرْيِي نَمَا أَمَلًا وَلَمَّا
أَظَلَّتْنِي ذِرَاعَاهُ كُسِيتُ
وَكَانَ وَكُنْتُ صَمْصَامًا وَغِمْدًا
تُجَلِّلُنِي الْبُرُوقُ إِذَا عَرِيتُ
يَلُفُّ وَتِينُهُ خَشَبِي فَيَحْيَا
وَيَنْبِضُ لِي بِهِ شَرَفٌ وَصِيتُ
وَكُنْتُ أَوَدُّ لَوْ ذُوِّبْتُ نَوْطًا
لَهُ وَإِلَى سَرِيرَتِهِ رَقِيتُ
وَنَوْطُ الْبَعْضِ تُحْرَمُهُ الْأَعَالِي
وَيُمْنَحُهُ الزَّبَانِيَةُ التَّحُوتُ»
سَمِعْتُ عَرُوسَ شِعْرِكَ فِي خَيَالِي
تَقُولُ: «عَشِقْتُهُ حَتَّى اشْتُهِيتُ
فَفِي عَيْنَيْهِ ذَوْبُ السِّحْرِ يُرْغِي
وَفِي أَهْدَابِهِ الْمِسْكُ الْفَتِيتُ
بَذَلْتُ لَهُ الْخَطَايَا مِنْ عُرُوقِي
وَحِينَ لَمَسْتُ مِرْشَفَهُ نَقِيتُ
وَأَطْلَقْتُ الرَّوِيَّ لَهُ جَوَارِي
قِيَانٌ فِي مَزَاهِرِهَا رَبِيتُ»
•••
سَمِعْتُ بِلْادَكَ الثَّكْلَى تُنَادِي:
«لِيَ الْغِطْرِيفُ وَالرَّجُلُ الثَّبِيتُ
لِيَ الْأَنْوَارُ فِي عَنَتِ اللَّيَالِي
إِذَا مَا رَاغَتِ الدُّنْيَا الْعَنُوتُ
لِيَ الفُصْحَى عَلَى أَدَبٍ بَلِيغٍ
وَمِنْ أَلْبَانِ ثَدْيَيْهَا سُقِيتُ
وَلَيْسَ لِيَ الضَّوَارِي فِي خُدُورِي
تَسَرَّتْنِي وَكَالسِّلَعِ اقْتُنِيتُ
يُقَعْقِعُ فِي مَشَافِرِهَا سَمِيجٌ
وَأَدْرَدُ أَشْنَعُ الدَّعْوَى هَرِيتُ
عَذِيرِي مِنْ مَمَالِيكٍ مَوَالٍ
لَهُمْ خُطَطٌ وَلَيْسَ لَهُمْ سُمُوتُ»
•••
سَمِعْتُ الْقَبْرَ يَنْفُثُ مِنْ دُجَاهُ
حَدِيثًا فِيهِ أَشْجَانِي الْخُفُوتُ
يَقُولُ: «إِلَيَّ يَأْتِي كُلُّ حَيٍّ
وَيَبْقَى فِي تُرَابِي مَا بَقِيتُ
يُقِيمُ اثْنَانِ فِي دُنْيَا سُكُونِي
فَتًى يَفْنَى وَآخَرُ لَا يَمُوتُ»