الفصل الأول

أجراس محطة سكك حديدية تُدوِّي قبل رفع الستار، بعدئذٍ لافتة: جوللين. واضح أنَّه اسم البلدة الصغيرة، التي تبدو مخططة الملامح في المؤخرة، محطمة، خربة. كذلك مبنى المحطة خرب، تارةً بحواجز وتارةً بدون حواجز، حسب المنطقة، لوحة مواعيد القيام والوصول مُقطَّعة على الحائط، مقصورة التحويل والإشارة يعلوها الصدأ، باب عليه لافتة: ممنوع الدخول. ثُمَّ في الوسط شارع المحطة البائس. كذلك الشارع يبدو مجرد مخطط. إلى اليسار بيت صغير بائس وسقفه من القرميد، لافتات مُهَلْهَلة على الحائط غير ذي النوافذ. إلى اليسار لوحة: سيدات. إلى اليمين: رجال. كل هذه الأشياء غارقة في شمس خريفية حارة. أمام البيت الصغير مقعد، عليه أربعة رجال. رجل خامس، بائس إلى درجة لا يبلغها الوصف، يكتب على لوحة شفافة بلون أحمر، يبدو أنَّها لاستقبال الموكب. مرحبًا بكِ يا كليري.١ دويٌّ صاخب صادر من قطارٍ سريعٍ عابر. أمام المحطة ناظر المحطة يؤدي التحية. يظهر أنَّ الرجال الجالسين على المقعد يلاحقون القطار السريع المنطلق بنظراتهم، وذلك بتحويل رءوسهم من اليسار إلى اليمين.
الأول : السريع «جودرون»، هامبورج-نابلي.
الثاني : الساعة الحادية عشرة والدقيقة السابعة والعشرون يأتي السريع «رولاند الصاخب»، فينيسيا-ستوكهولم.
الثالث : المتعة الوحيدة التي بَقيت لنا هي ملاحقة القطارات بأبصارنا.
الرابع : قبل خمس سنوات كان «جودرون» و«رولاند الصاخب» يتوقفان في جوللين. وكذلك كان «ديبلومات» و«لوريلاي»، وكلها قطارات سريعة ذات أهمية.
الأول : ذات أهمية عالمية.
الثاني : والآن لا تتوقَّف حتى قطارات الركاب، اللهم إلا قطاران يقومان من كافيجن، وقطار الساعة الواحدة والدقيقة الثالثة عشرة، الذي يصل من كالبرشتات.
الثالث : لقد حلَّ بنا الدمار.
الرابع : انهارت مصانع فاجنر.
الأول : وأفلس بوكمان.
الثاني : وانهار «ميدان الكوخ المشمس».
الثالث : وها نحن نعيش على إعانة البطالة.
الرابع : وعلى تكية الحساء.
الأول : وهل هذه عيشة؟
الثاني : عيشة وضيعة.
الثالث : عيشة متدهورة.
الرابع : البلدة كلها.

(رنين جرس.)

الثاني : أزف موعد وصول صاحبة المليارات. يُقال إنَّها أنشأت مستشفًى في «كالبرشتات».
الثالث : وفي «كافيجن» أنشأت دارًا للحضانة، وكنيسة تذكارية في العاصمة.
المصور : وعهدت إلى تسيمت،٢ المصور الطبيعي التافه بأن يرسم لها صورة.
الأول : يا لها ولأموالها: شركة النفط الأرمنية ملكها، وكذلك السكك الحديدية الغربية، وشركة الإذاعة الشمالية، وحي الملاهي في هونج كونج.

(ضوضاء قطار، ناظر المحطة يؤدي التحية، الرجال يتابعون القطار العابر بإدارة رءوسهم من اليمين إلى الشمال.)

الرابع : القطار السريع «ديبلومات».
الثالث : فضلًا عن هذا، كانت مدينتنا مدينة ثقافية.
الثاني : من أولى المدن في الدولة.
الأول : في أوروبا.
الرابع : جوته٣ أمضى هنا إحدى الليالي. في فندق «الرسول٤ الذهبي».
الثالث : وبرامس٥ ألَّف فيها إحدى رباعياته.

(رنين جرس.)

الثاني : وهنا اخترع برتولد شفارتس٦ اخترع ملح البارود.
المصور : وأنا تخرَّجت بامتياز من «الإيكول دي بوزار»،٧ وماذا أعمل الآن؟ أرسم لافتات!

(ضوضاء قطار. إلى اليسار يظهر محصل القطار، ويبدو كما لو كان قد قفز من القطار لتوه.)

المحصل (في صراخ ممطوط) : جوللين.
الأول : قطار الركاب الآتي من كافيجن.

(نزل مسافر، يمر من ناحية اليسار على الرجال القاعدين على المقعد، ثم يختفي داخل الباب الذي يحمل اللافتة: رجال.)

الثاني : المُحضَر.
الثالث : ذاهب ليحجز على دار البلدية.
الرابع : لقد اندحرنا سياسيًّا أيضًا.
ناظر المحطة : يرفع المؤشر: قيام!

(من ناحية البلد يأتي العمدة، والمعلم، والقس، وإل، وهو رجل في نحو الخامسة والستين من عمره، جميعهم في ملابس بائسة مهلهلة.)

العمدة : ستأتي الضيفة العظيمة بقطار الساعة الواحدة والدقيقة الثالثة عشرة القادم من كالبرشتات.
المعلم : فتستقبلها بالغناء فرقة الكورال المختلطة، وفرقة الشباب.
المُحضَر : ويدق لها ناقوس المطافي. إنَّه لم يرهن بعد.
العمدة : وفي ميدان السوق ستصدح فرقة موسيقى البلدة ويُقيم الاتحاد الرياضي هرمًا تكريمًا لصاحبة المليارات. ثم يُقدَّم غداء في فندق «الرسول الذهبي». للأسف لا تكفي الموارد المالية لإنارة الكنيسة ودار البلدية بالليل.

(المُحضَر يخرج من المبنى الصغير.)

المُحضَر : صباح الخير يا سيادة العمدة. تحية قلبية خالصة.
العمدة : ماذا تريد أن تصنع هنا، يا سيادة المُحضَر جلوتس؟٨
المُحضَر : أنت تعرف يا سيادة العمدة، عليَّ مهمة ثقيلة؛ الحجز على مدينة بأسرها.
العمدة : لن تجد في دار البلدية سوى آلة كاتبة قديمة.
المُحضَر : إنَّك تنسى متحف جوللين القومي يا سيادة العمدة.
العمدة : لقد بعناه منذ ثلاثة أعوام إلى مشترٍ من أمريكا. كل خزاناتنا خاوية. لا أحد يدفع ضرائب.
المُحضَر : الأمر يحتاج إلى بحث. الدولة كلها مزدهرة، إلا جوللين، ذات «ميدان الكوخ المشمس»، فإنَّها مفلسة.
القس : إنَّنا أنفسنا في حيرة من أمر هذا اللغز الاقتصادي.
الأول : كل ذلك من تدبير جماعة الماسونية.
الثاني : اليهود هم الذين دبَّروها.
الثالث : إصبع أصحاب المال الكبار وراءها.
الرابع : الشيوعية العالمية ترتب ترتيبها.

(رنين جرس.)

المُحضَر : من عادتي أن أجد دائمًا شيئًا. إنَّ لي عينين كعيني الصقر. فلأذهب الآن وأفتش في خزانة البلدة.

(يخرج.)

العمدة : من الخير أن ينهبنا الآن من أن ينهبنا بعد زيارة صاحبة المليارات.

(الرسام أتمَّ اللافتة.)

إل : هذا لا يصح طبعًا يا عمدة، اللافتة فيها رفع للكلفة زيادة عن الحد. لا بد أن تكون العبارة: مرحبًا بكلير تساخاناسيان.
الأول : ولكنَّها كليري.
الثاني : كليري فيشر.
الثالث : لقد نشأت هنا.
الرابع : وكان أبوها بنَّاء.
المصور : إذن فلأكتب: مرحبًا بكلير تساخاناسيان على ظهر اللافتة؛ فإن ظهَر الامتعاض على صاحبة المليارات، استطعنا أن نُدير اللافتة.
الثاني : قطار «بورزيانر»، زيورخ-هامبورج.
الثالث : دائمًا في موعده، حتى إنَّ الإنسان يستطيع أن يضبط عليه ساعته.

(قطار سريع آخر ينطلق من اليمين إلى اليسار.)

الرابع : العفو، ومن منَّا لا يزال يملك ساعة.
العمدة : سادتي، إنَّ صاحبة المليارات هي أملنا الوحيد.
القس : بعد الله.
العمدة : بعد الله.
المعلم : لكنَّ الله لا يدفع مالًا.
العمدة : لقد كنت صديقًا لها يا إل، فكل أملنا معقود على همتك.
القس : لكنكما افترقتما بعد ذلك. وقد سمعت حكاية غامضة، هل تريد أن تقوم بالاعتراف لقسك؟
إل : لقد كنَّا أعز صديقين — شباب وقوة — كنت آنذاك أيها السادة شابًّا يافعًا، وذلك قبل خمسة وأربعين عامًا، أمَّا هي، كلارا، فإنَّني لا أزال أراها في مُخيلتي حينما كانت تطلع علَيَّ بنورها عبر ظلام شونة بيتر، أو تأتيني حافية خلال غابة كونراد سفايل بين الطحالب والورق، بشعرها الأحمر المتطاير، وحركة جسمها المتثني، وقوامها الغض النحيل، الرقيق، ساحرة بديعة الجمال. ففرَّقت بيننا الدنيا، الدنيا وحدها، كما يحدث.
العمدة : لا بد لي من بعض تفصيلات عن السيدة تساخاناسيان أستعين بها في خطبتي الصغيرة التي سألقيها عند الغداء في فندق «الرسول الذهبي».

(يُخرج مذكرة صغيرة من جيبه.)

المعلم : لقد فتَّشت السجلات المدرسية تفتيشًا دقيقًا، فوجدت أنَّ درجات كلارا فيشر — للأسف الشديد — درجات بالغة الرداءة، حتى في السلوك، إلا في علم النبات والحيوان؛ فدرجاتها متوسطة.
القس (مُثْبتًا ذلك في مُذكِّرته) : حسنًا. درجات متوسطة في علم النبات والحيوان. هذا حسن.
إل : هنا يُمكنني أن أقدِّم العون للعمدة. كانت كلارا تُحب العدل بكل ما في ذلك من معنى. حدث ذات مرة أن اقتاد بعض الشرطة متشردًا، فانهالت على الشرطي قذفًا بالحجارة.
العمدة : حب العدل. لا بأس، نقطة لها دائمًا تأثيرها. ولكن يحسن أن نغفل ما فعلت بالشرطي.
إل : كذلك كانت مُحسنة، كانت توزِّع ما تملك، وحدث ذات مرة أن سرقت بعض البطاطس من أجل أرملة فقيرة.
العمدة : ميل إلى البر والإحسان. هذه النقطة، يا سادة، نقطة لا بد أن أُورِدها دون أي تحفُّظ؛ إنَّها أهم نقطة. هل يذْكر أحدكم مبنًى أقامَه أبوها؟ لا بأس بالإشارة إلى هذا في الخطبة.
جميعًا : لا أحد.

(العمدة يطوي مذكرته.)

العمدة : وهكذا أصبحت مستعدًّا بالنسبة للجزء المنوط بي، أمَّا الباقي فعلى إل.
الثاني : أعرف ما تريدون، على السيدة تساخاناسيان أن تُقدِّم ملايينها.
العمدة : ملايينها، هذا بالضبط هو التعبير الصحيح.
المعلم : لا تكفينا مجرد دار للحضانة.
العمدة : يا عزيزي إل، إنَّك منذ زمن طويل أحب الشخصيات في جوللين. وأنا سوف أعتزل منصب العمدة في الربيع القادم، وقد جسَست نبض المعارضة. واتفقنا على أن نرشحك لتولي منصب العمدية بعدي.
إل : ولكن يا سيادة العمدة.
المعلم : وأنا أؤكد صحة هذا الكلام.
إل : سادتي، لنرجع الآن إلى الموضوع. سأتحدَّث مع كلارا أول ما أتحدَّث عن الحالة البائسة التي صرنا إليها.
القس (ولكن في حذر) : في لطف.
إل : لا بد أن تتصرف بحذق، أن تتصرف تصرفًا سليمًا من الناحية السيكولوجية. إنَّ مجرد فشل الاستقبال في المحطة يُمكن أن يُفسد كل شيء. وليس في وسع فرقة موسيقى البلدة، وفرقة الكورال المختلطة، أن تصلح الأمر.
العمدة : إل على حق في ذلك. هذه — على أي حال — لحظة هامة. السيدة تساخاناسيان تطأ أرض الوطن، تتعرَّف على الدار، يتملكها التأثر، دموع في المآقي، ترى ما كانت تألفه في الماضي. وطبعًا لن أكون عندئذٍ في هذا القميص الرَّث، بل سألبس البدلة الرسمية السوداء والقبعة الغالية، وستقف إلى جانبي عقيلتي٩ وأمامي حفيدتاي في ملابس بيضاء، تحملان الورود. ربَّاه، لو سار كل شيء في نظامه ووقته.

(رنين جرس.)

الأول : «رولاند الصاخب.»
الثاني : فينيسيا-ستوكهولم، الساعة الحادية عشرة والدقيقة السابعة والعشرون.
القس : الساعة الحادية عشرة والدقيقة السابعة والعشرون. بقي أمامنا ساعتان لنلبس فيهما أفخر حُللنا.
العمدة : اللافتة «مرحبًا بكلير تساخاناسيان» يرفعها إلى أعلى «كون» و«هاوزر» (يُشير إلى الرابع)، أمَّا الآخرون فالأفضل أن يُلوِّحوا بالقبعات، ولكن أرجوكم لا تتصايحوا كما فعلتم في العام الماضي عند قدوم اللجنة الحكومية؛ فإنَّ ذلك لم يؤثر عليها البتة؛ ولذلك لم نحصل منها حتى الآن على أيَّة معونة. ليس هذا مقام الإفراط في إظهار السرور، لِيَكُن سروركم قلبيًّا أقرب شيء إلى التنهد، وتعاطفًا مع بنت البلدة التي تلتقي بموطنها بعد طول فراق. لا تكونوا متكلفين، أظهِروا الود الحميم. ولا بد أن يسير النظام سيره الموفق، وأن يدوي ناقوس المطافي بعد فرقة الكورال المختلطة. ويجب أن تراعوا قبل كل شيء …

(ضجيج القطار المقترب يطغى على كلامه فلا يُسمع ولا يُفهم. صوت ربط فرامل القطار. دهشة واضطراب يعلوان الوجوه كلها. الخمسة الجالسون على المقعد يَهبُّون واقفِين.)

المصور : القطار السريع.
الأول : سيقف!
الثاني : في جوللين!
الثالث : في أفقر.
الرابع : أقذر.
الأول : وأبأس عش على خط فينيسيا-ستوكهولم.
ناظر المحطة : لقد توقَّفت القوانين الطبيعية عن العمل. «رولاند الصاخب» سوف يظهر في منحنى «لويتناو» ثم ينطلق، فيتوارى كنقطة سوداء في منخفض «بوكينريد».١٠

(من اليمين تأتي كلير تساخاناسيان، سنها اثنان وستون عامًا، حمراء الشعر، عقد من اللؤلؤ في عنقها، أساور ذهبية هائلة في ذراعها، ثائرة النفس، صعبة المراس، ولكنَّها بسبب هذه الخصال سيدة من سيدات المجتمع العالمي، لها طلاوة غريبة، رغم غلظتها المضحكة. خلفها حاشيتها، مدير أعمالها بوبي، في نحو الثمانين، يلبس نظارة سوداء، زوجها رقم ٧ رجل طويل معتدل القامة، له شارب أسود، ومعه أجهزة كاملة لصيد السمك، رئيس القطار «الصاخب» يرافق الجماعة، قبعة حمراء، حقيبة حمراء.)

كلير تساخاناسيان : أهذه هي جوللين؟
ريس القطار : لقد شددتِ فرامل الطوارئ يا سيدتي.
كلير تساخاناسيان : أنا أشد دائمًا فرامل الطوارئ.
ريس القطار : وأنا أحتج بشدة. في هذه البقعة من الدنيا لا تُشد فرامل الطوارئ حتى ولو كانت هناك طوارئ. إنَّ دقة جدول مواعيد قيام ووصول القطارات مبدأ أسمى. هل لي أن ألتمس منك تفسيرًا؟
كلير تساخاناسيان : ألسنا في جوللين يا موبي؟ ها أنا ذا أتعرَّف على العش الحزين. هناك في هذه الناحية غابة كونراد سفايل بنهرها الصغير حيث تستطيع أن تصطاد سمك الأطروط، وسمك البيق، وهنا على اليمين سقف شونة بيتر.
إل (كمن يستيقظ من نوم) : كلارا.
المعلم : تساخاناسيان.
جميعًا : تساخاناسيان.
المعلم : وجوقة الكورال المختلطة لم تستعد ومثلها فرقة الشباب.
العمدة : واللاعبون والمطافئ.
القس : يا ساتر!
العمدة : ولم ألبس بدلتي، رَبَّاه، ولا قبعتي العالية، ولم تتقدَّم لها حفيدتاي.
الأول : كليري فيشر! كليري فيشر!

(يهُب واقفًا ويعدو إلى البلدة.)

العمدة (يصيح فيه) : لا تنسَ عقيلتي.
ريس القطار : أنا في انتظار تفسير منك، تفسير رسمي باسم هيئة السكك الحديدية.
كلير تساخاناسيان : أنت غبي. أريد أن أزور البلدة. هل المفروض يا ترى أن أقفز من قطارك السريع؟
ريس القطار : أوقفتِ «رولاند الصاخب» لا لشيء إلا لأنَّك تريدين زيارة جوللين.

(يُحاول جاهدًا أن يتمالك نفسه.)

كلير تساخاناسيان : طبعًا.
ريس القطار : سيدتي، عندما تريدين التوقف لزيارة جوللين فإنَّ قطار ركاب الساعة الثانية عشرة والدقيقة الأربعين الذي يقوم من كالبرشتات تحت أمرك. شأنك في ذلك شأن كل الناس. وهو يصل جوللين الساعة الواحدة والدقيقة الثالثة عشرة.
كلير تساخاناسيان : قطار الركاب الذي يقف في «لوكن» و«برونهوبل» و«بايزنباخ» و«لويتناو»؟ أتطلب مني يا ترى أن ألف وأدور طوال نصف ساعة في هذه المنطقة؟
ريس القطار : يا سيدتي، ستدفعين ثمن ذلك غاليًا.
كلير تساخاناسيان : أعطه ألفًا يا بوبي.
الكل (يُتمْتِمون) : ألفًا.

(مدير أعمالها يعطيه ألفًا.)

ريس القطار (مذهولًا) : سيدتي.
كلير تساخاناسيان : وثلاثة آلاف أخرى لجمعية رعاية أرامل موظفي السكك الحديدية.
الكل (يُتَمْتِمون) : ثلاثة آلاف.

(ريس القطار يتلقَّى من مدير الأعمال ثلاثة آلاف.)

ريس القطار : ليس هناك جمعية كهذه، يا سيدتي.
كلير تساخاناسيان : إذن فأسسوا واحدة.

(مدير البلدية يهمس في إذن ريس القطار بشيء.)

ريس القطار (مذهولًا) : السيدة الكريمة هي السيدة كلير تساخاناسيان؟ آه، متأسف. هذا وضع آخر. لو كان لدينا أقل فكرة عن ذلك لتوقفنا طائعين في جوللين، إليك مالك ثانية يا سيدتي الكريمة! أربعة آلاف، رباه!
الكل (يُتَمْتِمون) : أربعة آلاف!
كلير تساخاناسيان : احتفظ بهذا المبلغ البسيط.
الكل (يُتَمْتِمون) : احتفظ.
ريس القطار : هل تود سيدتي الكريمة أن ينتظر «رولاند الصاخب» إلى أن تفرغ من زيارة جوللين؟ لا شك أنَّ هيئة السكك الحديدية ستوافق على ذلك مسرورة. يُقال إنَّ باب كنيسة هذه البلدة بديع، قوطي الطراز١١ عليه لوحة تصوِّر يوم القيامة.
كلير تساخاناسيان : اذهب بقطارك هذا من هنا بأسرع ما تستطيع.
الزوج ٧ : ولكن الصحافة يا ماوزي١٢ لم تنزل بَعْد. المراسلون يأكلون في عربة الأكل في مقدمة القطار ولا شيء يخطر ببالهم.
كلير تساخاناسيان : دعهم يكملون غداءهم يا موبي. أنا لا أحتاج إلى صحافة في بداية زيارتي لجوللين. إنَّها سوف تأتي حتمًا إلينا بعد ذلك.

(في هذه الأثناء كان الثاني قد أحضر للعمدة رداءه. العمدة يتقدَّم رسميًّا إلى كلير تساخاناسيان. المصور والرابع على المقعد يرفعان اللافتة «مرحبًا بكلير تساخاناسيان …» إلى أعلى، ولمَّا ينتهي المصور من إعدادها.)

ناظر المحطة (يرفع المؤشر) : قيام.
ريس القطار : لو تتكرَّم السيدة الكريمة بألَّا تقدم شكوى إلى هيئة السكك الحديدية. إنَّ ما حدث كان سوء تفاهم لا أكثر.

(يبدأ القطار في التحرك. ريس القطار يقفز إليه.)

العمدة : سيدتي المبجلة الكريمة، يشرفني بوصفي عمدة جوللين أن أوجِّه إليكِ يا سيدتي الكريمة المبجلة، وأنت بنت بلدنا …

(ضجيج القطار المنطلق يجعل خطبة العمدة، التي يستمر في إلقائها دون تردد أو توقُّف، غير مفهومة.)

كلير تساخاناسيان : أشكرك يا سيادة العمدة على هذه الخطبة الجميلة.

(تتجه إلى إل الذي يتقدَّم إليها قليلًا وقد تملَّكه شيء من الارتباك.)

إل : كلارا!
كلير تساخاناسيان : ألفريد!
إل : جميل منكِ أن تأتي إلينا.
كلير تساخاناسيان : لقد كنتُ دائمًا أنوي ذلك. طول عمري، منذ برحت جوللين.
إل (في حيرة) : هذا جميل منكِ.
كلير تساخاناسيان : وأنتَ أيضًا، هل فكَّرت فيَّ؟
إل : طبعًا، دائمًا. أنتِ تعرفين ذلك يا كلارا.
كلير تساخاناسيان : لقد كانت رائعة، تلك الأيام كلها حين كنَّا معًا.
إل (فخورًا) : بالتأكيد. (إلى المعلم): أرأيت يا سيادة المعلم، أنَّها في جيبي.
كلير تساخاناسيان : نادِني كما كنت تناديني دائمًا.
إل : قُطيطتي البرية.١٣
كلير تساخاناسيان (تموء كقطة عجوز) : وماذا أيضًا؟
إل : ساحرتي الصغيرة.
كلير تساخاناسيان : وكنتُ أُسمِّيكَ نمري الأسود.
إل : وما زلت كذلك.
كلير تساخاناسيان : كلام فارغ. لقد امتلأ جسمُك، وشاب شَعْرك، وأصبحتَ من المدمِنِين.
إل : أمَّا أنتِ فقد بقيتِ كما كنتِ، ساحرتي الصغيرة.
كلير تساخاناسيان : آه، قل غير هذا الكلام. لقد هرمت وسمنت أنا أيضًا، بل وفقدت ساقي اليسرى. حادثة سيارة. ومن يومها وأنا لا أُسافر إلا بالقطارات السريعة. لكن الساق الصناعية ممتازة، ألا ترى ذلك؟ (ترفع جونلتها إلى أعلى وتكشف عن ساقها اليسرى): إنَّها تتحرَّك بسهولة.
إل : لم ألاحظ ذلك، يا قُطيطتي البرية.
كلير تساخاناسيان : أتسمح، يا ألفريد، أن أُقدِّم لك قريني السابع؟١٤ يملك مزارع تبغ. ونحن سعداء في حياتنا الزوجية.
إل : تفضلي بكل سرور.
كلير تساخاناسيان : تعال، يا موبي، انْحنِ. اسمه أصلًا بيدرو ولكن اسم موبي أحسن، ويتناسب أكثر مع بوبي. اسم الخادم الخصوصي. والخادم الخصوصي يظل عند الإنسان طول العمر؛ لذلك ينبغي أن تكون أسماء الأزواج متناسبة مع اسمه.

(الزوج رقم ٧ ينحني.)

كلير تساخاناسيان : ألا ترى أنَّه جميل بشاربه الأسود؟ فكِّر يا موبي.

(الزوج ٧ يفكِّر.)

كلير تساخاناسيان : أعمق من ذلك.
الزوج ٧ : يفكِّر أعمق من ذلك.
كلير تساخاناسيان : أكثر عمقًا.
الزوج ٧ : لا طاقة لي على أن أفكر أعمق من هذا، يا ماوزي، فعلًا لا أستطيع.
كلير تساخاناسيان : بل تستطيع. جرب.

(الزوج ٧ يفكر أعمق. رنين جرس.)

كلير تساخاناسيان : ألا ترى، لقد أَمْكنك ذلك ألَّا ترى أنت أيضًا يا ألفريد أنَّ شكله في هذه الحال يُصبح شيطانًا، كأنَّه برازيلي، لكن هذا خطأ؛ إنَّه إغريقي أرثوذكسي، كان أبوه روسيًّا، وقد عقد قراننا كاهن أرثوذكسي. طريف جدًّا، الآن أريد أن أطوف بجوللين.

(تتأمَّل المبنى الصغير على اليسار خلال نظارة مرصعة بالجواهر الكريمة.)

كلير تساخاناسيان : هذه المراحيض العمومية أقامها أبي يا موبي. بناء متين، دقيق. وكنت وأنا طفلة أجلس ساعات طوالًا على سطحها، وأبعث ببصاقي إلى أسفلها. لكن كنت أبعث به إلى الرجال فقط.

(في المؤخرة تجمَّعت فرقة الكورال المختلطة وفرقة الشباب. المعلم يتقدَّم لابسًا قبعة عالية.)

المعلم : سيدتي الجليلة، بوصفي عميدًا لمدرسة جوللين الثانوية، وبوصفي عاشقًا للسيدة الكريمة «موسيقى»١٥ لي أن أتشرَّف بتقديم أغنية شعبية بسيطة من تأدية فرقة الكورال المختلطة وفرقة الشباب.
كلير تساخاناسيان : أطلق أغنيتك الشعبية البسيطة يا معلم.

(المعلم يتناول شوكة رنانة ويُعطي النغمة القيادية فتبدأ فرقة الكورال المختلطة وفرقة الشباب في الغناء الاحتفالي، إلا أنَّ قطارًا آخر يأتي من اليسار. ناظر المحطة يؤدي التحية. الفرقة تُضطر إلى مُصارَعة ضجيج القطار، المعلم يتملَّكه الحنق واليأس، وأخيرًا يبتعد القطار.)

العمدة : ناقوس المطافئ، ألم يكن من المقرر استخدام ناقوس المطافئ؟
كلير تساخاناسيان : أحسنتم الغناء يا أهل جوللين. خاصة الجهير١٦ الأشقر الذي يقف هناك إلى أقصى اليسار ذا الحنجرة البارزة، كان منقطع النظير.

(من خلال فرقة الكورال المختلطة يتقدَّم شرطي مزاحمًا فيقف أمام كلير تساخاناسيان في وضع الانتباه.)

الشرطي : الشرطي هانكه، يا سيدتي الجليلة، تحت أمرك.
كلير تساخاناسيان : شكرًا. لا أريد القبض على أحد. ولكن ربما تحتاج إليك جوللين. هل تغمض عينك أحيانًا؟١٧
الشرطي : أفعل ذلك أحيانًا، وإلَّا فكيف أُسيِّر الأمور في جوللين.
كلير تساخاناسيان : الأفضل أن تُغمض عينيك كلتيهما.

(يقف الشرطي مرتبكًا بعض الشيء.)

إل : كلارا كما عهدتها، ساحرتي الصغيرة لم تتغيَّر.

(يربت على فخذيه مسرورًا. العمدة يلبس قبعة المعلم العالية بسرعة ويُقدِّم حفيدتيه. توأمتان ذواتا ضفائر شقراء.)

العمدة : حفيدتاي، يا سيدتي الجليلة، هرمينه وأدولفينه. لم تبقَ إلا عقيلتي.

(يمسح عرقه. البنتان تنحنيان للتحية ثم تُقدِّمان إلى كلير تساخاناسيان ورودًا حمراء.)

كلير تساخاناسيان : أهنئك على الطفلتين يا عمدة. خذ.

(تدس الورد بين ذراعي ناظر المحطة. العمدة يُعطي القبعة العالية سرًّا إلى القس فيلبسها.)

العمدة : قَسُّنا، يا سيدتي الجليلة.

(القس يشد القبعة، ينحني.)

كلير تساخاناسيان : آه الكاهن. أمن عادتك مواساة المحتضرين؟
القس : أجتهد في ذلك.
كلير تساخاناسيان : ومواساة أولئك الذين حُكِم عليهم بالإعدام أيضًا؟
القس : عقوبة الإعدام ملغاة في بلدنا، يا سيدتي الجليلة.
كلير تساخاناسيان : ربما تُعاد ثانية.

(القس يُعيد القبعة العالية في شيء من الدهشة إلى العمدة فيلبسها.)

إل (ضاحكًا) : أيتها القُطيطة البرية. يا لنِكاتك الصارخة!
كلير تساخاناسيان : الآن أريد أن أذهب إلى البلدة.

(العمدة يمد ذراعه إليها.)

كلير تساخاناسيان : ماذا خطر ببالك يا عمدة؟ أنا لا أستطيع السير أميالًا بساقي الصناعية.
العمدة : حالًا، حالًا. الطبيب عنده سيارة، مرسيدس من عام١٩٣٢م.
الشرطي (مؤدِّيًا التحية) : أمرك يا سيادة العمدة. سأحضرها إلى هنا بأمر رسمي.
كلير تساخاناسيان : لا ضرورة لذلك. أنا لا أتنقَّل منذ حادثتي إلا في هوادج. يا روبي ويا توبي، إليَّ بالهودج.

(من اليسار إلى اليمين يُقبِل رجلان مسخان يمضغان اللادن ويحملان هودجًا. أحدهما يحمل قيثارة على ظهره.)

كلير تساخاناسيان : مجرمان من مانهاتن، حُكم عليهما في سنج سنج١٨ بالإعدام على الكرسي الكهربائي. وأُفرج عنهما بناءً على التماسي لكي يحملا لي الهودج. وقد كلَّفني هذا الالتماس مليون دولار لكل واحد منهما. والهودج من متحف اللوفر، وهو هدية من رئيس جمهورية فرنسا. رجل ظريف، شكله يُطابق تمامًا صورته في الجرائد. احملاني إلى البلدة يا روبي ويا توبي.
الاثنان : يس، مام.١٩
كلير تساخاناسيان : لنذهب أولًا إلى شونة بيتر، ثم إلى غابة كونراد سفايل. أريد أن أزور مع ألفريد مغاني حبنا القديمة. في هذه الأثناء انقلوا المتاع والنعش إلى فندق «الرسول الذهبي».
العمدة (مذهولًا) : النعش؟
كلير تساخاناسيان : لقد أحضرت نعشًا معي. ربما احتجت إليه. هيَّا يا روبي وأنت يا توبي.

(الرجلان الهائلان القبيحان ماضِغَا اللادن يحملان كلير تساخاناسيان إلى المدينة. العمدة يُعطي إشارة فيصيح الجميع بصوت عالٍ مرددين نداءات الترحيب التي ما تلبث أن تنخفض وتنخفض، ويبدو عليهم الدهشة عندما يرون خادمين قادمين يحملان نعشًا أسود ثمينًا ويسيران به إلى جوللين. وفي هذه اللحظة يدق ناقوس الحريق، الذي لم يُرهن بعد.)

العمدة : أخيرًا ناقوس المطافئ.

(الشعب يسير وراء النعش، ثم تأتي وصيفات كلير تساخاناسيان بعد ذلك ومعهن متاع وحقائب لا حصر لها، فيحملها أهل جوللين. الشرطي يُنظِّم حركة المرور ويهم بمتابعة الركب، فيأتي رجلان هَرِمان قصيران بدينان في ملابس أنيقة يُمسك الواحد بيد الآخر ويقولان بصوت منخفض.)

الاثنان : نحن في جوللين. نحن نشم ذلك. نحن نشم ذلك من الهواء، هواء جوللين.
الشرطي : ومن أنتما؟
الاثنان : إنَّنا نتبع السيدة العجوز، وهي تُسمينا كوبي ولوبي.
الشرطي : السيدة تساخاناسيان تُقيم في فندق «الرسول الذهبي».
الاثنان (مسروران) : نحن أعميان، نحن أعميان.
الشرطي : أعميان؟ إذن فلأصحبكما إلى هناك.
الاثنان : شكرًا، يا سيادة الشرطي، شكرًا جميلًا.
الشرطي (مندهشًا) : ولكن كيف عرفتما وأنتما أعميان أنَّني شرطي؟
الاثنان : من طريقة كلامك، من طريقة كلامك؛ فكل رجال الشرطة يتكلَّمون بطريقة واحدة.
الشرطي (متشكِّكًا) : يبدو أنَّ لكما خبرة شخصية بالشرطة، أيها الرجلان القصيران البدينان.
الاثنان : الرجلان! إنَّه يعتبرنا من الرجال.
الشرطي : وماذا تكونان غير ذلك، بحق الشيطان؟
الاثنان : ستعرف ذلك، ستعرف ذلك.
الشرطي (مندهشًا) : إنَّكما، على الأقل، دائمَا البشاشة.
الاثنان : نتناول كوستليته وبيكون. كل يوم، كل يوم.
الشرطي : لو حصلت أنا على مثل ذلك لرقصت فرحًا. تعاليا مدا إليَّ أيديكما. إنَّ هذين الأجنبيين في حالة مرح غريبة.

(يذهب بهما إلى المدينة.)

الاثنان : إلى بوبي وموبي، إلى روبي وتوبي.
(تغيير المنظر دون إسدال الستار. تُرفع واجهة المحطة والمبنى الصغير إلى أعلى داخل فندق «الرسول الذهبي»، بل ويُمكن أيضًا أن تُدلَّى لافتة برمز الفندق من أعلى، صورة مذهبة لرسول مجيد، كعلامة رمزية، تَبقى معلَّقة وسط المكان. زخرف أتى عليه الزمن، كل شيء مستهلك مُغَبَّر، مكسر، متعفن، كريه الرائحة، والمصيص مفتت، مواكب لا حصر لها من حملة الحقائب، يدخلون أولًا بقفص ثم بالمتاع، ويحملون كل ذلك إلى أعلى. العمدة والمعلم يجلسان إلى اليمين في المقدمة أمام مائدة ويحتسيان الاشنابس.٢٠
العمدة : حقائب ثم حقائب، تلال من الحقائب، وقبل ذلك جاءوا بقفص به نَمِر حُمِل إلى أعلى، حيوان أسود متوحِّش.
المعلم : وأمَّا النعش فقد أمرت بوضعه في حجرة خاصة. عجيب.
العمدة : شهيرات السيدات في العالم لهنَّ هواياتهن.
المعلم : يبدو أنَّها تُزمِع البقاء هنا مدة طويلة.
العمدة : هذا خير. إنَّ إل متمكِّن منها. ناداها: قُطيطتي البرية، وساحرتي الصغيرة. سوف يغترف منها الملايين. في صحتها، يا معلم! في صحة إنقاذ كلير تساخاناسيان لمؤسسة بوكمان.
المعلم : ومصانع فاجنر.
العمدة : وساحة الكوخ المشمس. فإنَّها إن نهضت، نهض كل شيء، البلدية والمدرسة الثانوية، وعمَّ الرخاء.

(يقرعان كأسيهما.)

المعلم : أقوم بتصحيح تمارين تلاميذ جوللين في اللغتين اللاتينية والإغريقية منذ أكثر من عقدين من السنين فلم أعرف معنى الرجفة، يا سيادة العمدة، إلا منذ ساعة. كان نزول السيدة العجوز من القطار بملابسها السوداء شيئًا مرعبًا. بدت لي كأنَّها بارسة،٢١ كأنَّها إلهة القدر الإغريقية. كان الأحرى أن تُسمى كلوتو لا كلير، فإنَّ هيئتها تبعث على الاعتقاد بأنَّ في مقدورها أن تغزل خيوط حياة البشر.

(الشرطي يأتي، يُعلِّق خوذته على مشجب.)

العمدة : اجلس معنا، يا شرطي.

(الشرطي يجلس معهما.)

الشرطي : ليس العمل في هذا العش مما يمتع. لكن الخرائب بدأت تزدهر. كنت لتوي مع صاحبة المليارات والبدَّال إل في شونة بيتر. منظر مؤثر. كان الاثنان خاشعين كأنَّهما في كنيسة. فتحرَّجت من ملازمتها، وابتعدت عنهما حين رأيتهما يتجهان إلى غابة كونراد سفايل. موكب بمعنى الكلمة؛ الهودج في المقدمة، وإلى جانبه إل، ومن خلفه مدير الأعمال، وزوجها السابع يحمل الشص.
المعلم : استهلاك الرجال. لاييس٢٢ أخرى.
الشرطي : وثمة رجلان قصيران بدينان. لا يعلم أمرهما أحد.
المعلم : شيء مرعب. كأنَّما نزلا من ملكوت الموت٢٣
العمدة : أنا مندهش، ما الذي يبحثان عنه في غابة كونراد سفايل.
الشرطي : يبحثان عمَّا بحثا عنه في شونة بيتر يا عمدة. إنَّهما يرجعان إلى الأماكن التي التهبت فيها عاطفتهما، إن صحَّ هذا التعبير.
المعلم : لهبًا متأججًا. على المرء أن يعود بذاكرته إلى شيكسبير. روميو وچولييت. سادتي: لقد اهتزَّ كلُّ كياني، لأول مرة أحسُّ في جوللين بالعظمة القديمة.
العمدة : قبل كل شيء لنشرب الآن نخب حبيبنا الطيب إل الذي يبذل كل جهد ممكن في سبيل تحسين حالنا. سادتي، في صحة أحب مواطن في البلدة، في صحة خلَفي.

(صورة رسول الفندق ترتفع إلى أعلى. من اليسار يأتي المواطنون الأربعة ومعهم المقعد الخشبي البسيط، الذي لا مسند له، يضعونه إلى اليسار. الأول يصعد على المقعد وقد علَّق حول رقبته قلبًا من الورق المقوى عليه الحرفان «أ» و«ك»، والآخرون يلتفُّون حوله في نصف دائرة، ناشرين أغصانًا ترمز إلى أشجار.)

الأول : نحن أشجار التنوب، أشجار الصنوبر، أشجار الزان.
الثاني : نحن أشجار شربين خضراء قاتمة.
الثالث : طحالب وأشنة٢٤ ولبلاب.
الرابع : أعشاب وجحور ثعالب.
الأول : تحركات سحب، زقزقات طير.
الثاني : أشجار برية ألمانية قحة.
الثالث : فطر ذبابي، غزلان خائفة.
الرابع : همسات أغصان، أحلام قديمة.

(من المؤخرة يأتي العملاقان القبيحان ماضغا اللادن يحملان هودج كلير تساخاناسيان، إلى جانبها إل. في الخلف الزوج رقم ٧، وفي أقصى المؤخرة مدير الأعمال يسحب الأعميين من يديهما.)

كلير تساخاناسيان : غابة كونراد سفايل، يا روبي ويا توبي، توقفا.
الأعميان : توقَّفا يا روبي ويا توبي، توقفا يا بوبي ويا موبي.

(كلير تساخاناسيان تنزل من الهودج، وتتفرَّج على الغابة.)

كلير تساخاناسيان : القلب وعليه اسمك واسمي يا ألفريد. بهتت كتابتهما وابتعدا الواحد عن الآخر. والشجرة كبرت، امتلأ جذعها وامتلأت فروعها كما امتلأ جسمانا نحن أنفسنا.

(كلير تساخاناسيان تذهب إلى الأشجار الأخرى.)

كلير تساخاناسيان : مجموعة من الأشجار الألمانية. لم أَجُل منذ وقت طويل في غابة صباي، ولم أطأ بقدمي الورق المتساقط بين أشجار اللبلاب البنفسجي. يا ماضغي اللادن تنزَّها الآن بهودجكما برهة خلف الخمائل، فلست أحب أن أرى وجهيكما على الدوام. أمَّا أنت، يا موبي، فتمشَّ إلى اليمين، نحو النهر الصغير، نحو أسماكك.

(يخرج العملاقان القبيحان بالهودج من اليسار. الزوج ٧ يتَّجه إلى اليمين. كلير تساخاناسيان تجلس على المقعد.)

كلير تساخاناسيان : انظر، غزال.

(الثالث يقفز.)

إل : هذا وقت تحريم صيد الحيوان للمحافظة على صغاره الوليدة.

(يجلس معها.)

كلير تساخاناسيان : على هذا المقعد تبادلنا القُبَل. قبل أكثر من خمس وأربعين سنة، كنَّا نختلي للحب تحت هذه الشجيرات، تحت شجرة الزان هذه، بين الفطر الذبابي والطحلب. كان عمري سبعة عشر عامًا، وكنت في نحو العشرين. ثم تزوَّجتَ ماتيلده بلومهارد صاحبة محل الخردوات وتزوَّجت أنا أيضًا تساخاناسيان الأرمني العجوز وملياراته. كان قد وجدني في بيت دعارة بهامبورج. فجذبه شعري الأحمر، ذلك الجعل٢٥ الذهبي العجوز.
إل : كلارا.
كلير تساخاناسيان : بوبي، واحد هنري كلاي.
الأعميان : واحد هنري كلاي، واحد هنري كلاي.

(مدير الأعمال يأتي من المؤخرة، يُقدِّم إليها سيجارًا، يشعله لها.)

كلير تساخاناسيان : أنا أحب السيجار. كان المفروض أصلًا أن أدخن السيجار الذي ينتجه زوجي، ولكني لا أثق فيه.
إل : لقد تزوَّجتُ ماتيلدة بلومهارد من أجلك.
كلير تساخاناسيان : كان عندها مال.
إل : لقد كنتِ شابة وجميلة. كان المستقبل ملك يمينكِ. وكنت أريد سعادتكِ. فكان عليَّ أن أتنازلَ عن سعادتي.
كلير تساخاناسيان : وها نحن الآن في المستقبل.
إل : لو بقيت هنا مثلي، لحلَّ بكِ الخراب الذي حلَّ بي.
كلير تساخاناسيان : هل حلَّ بك الخراب؟
إل : بقَّال مفلس في بلدة مفلسة.
كلير تساخاناسيان : وأنا الآن عندي مال.
إل : إنَّني أعيش في جحيم، منذ ذهبتِ عني.
كلير تساخاناسيان : أمَّا أنا فقد أصبحت الجحيم.
إل : إنَّني وعائلتي نلقى العنت، وعائلتي لا تكف يومًا عن لومي على فقري.
كلير تساخاناسيان : ألم تجعلك ماتيلدة الحبيبة سعيدًا؟
إل : المهم أن تكوني أنتِ سعيدة؟
كلير تساخاناسيان : وأولادك؟
إل : ليس لديهم أي إحساس بالمثاليات.
كلير تساخاناسيان : سيكون لديهم ذلك.

(يصمت. يحملقان في غابة صباهما.)

إل : إنَّني أعيش عيشة مضحكة. لم أخرج من البلدة مرة واحدة خروجًا يستحق هذا الاسم. رحلة إلى برلين، ورحلة إلى تيسين،٢٦ لا أكثر.
كلير تساخاناسيان : وما فائدة ذلك. أنا أعرف العالم.
إل : لأنَّكِ تستطيعين السفر في كل آنٍ.
كلير تساخاناسيان : لأنَّ العالم ملكي.

(هو يصمت وهي تدخن.)

إل : والآن سوف يتغير كل شيء.
كلير تساخاناسيان : بكل تأكيد.
إل : هل ستساعديننا؟
كلير تساخاناسيان : لن أترك مهد صباي كالمعلق.
إل : إنَّنا نحتاج إلى الملايين.
كلير تساخاناسيان : أمرها هين.
إل : قُطيطتي البرية!

(يربت على فخذها الأيسر متأثرًا، وما يلبث أن يبعد يده متألمًا.)

كلير تساخاناسيان : مؤلم. لقد ربت على مفصلة من مفاصل ساقي الصناعية.

(الأول يخرج من جيب بنطلونه غَليونًا قديمًا ومفتاح بيت صَدئ ويقرع الغليون بالمفتاح.)

كلير تساخاناسيان : الطائر النقَّار.٢٧
إل : تمامًا كالأيام الخالية عندما كنَّا في سن الشباب وكنَّا جسورين، أيام كنَّا نذهب إلى غابة كونراد سفايل، أيام حبنا. الشمس تعلو أشجار التنب، كأنَّها قرص وضَّاح، وهناك بعيدًا سحب سابحة، وزقزقة الوقواق في مكان ما على أغصان الشجيرات البرية.
الرابع : كوكوك. كوكوك.

(إل يتحسَّس الأول.)

إل : خشب بارد وريح بين الأغصان، خرير كخرير أمواج البحر المتحطمة، كما كنَّا في الأيام الخالية، كل شيء كما كان في الأيام الخالية الثلاثة يمثلون الشجر، يُصَفِّرون كالريح، يحركون الأذرع إلى أعلى وأسفل.
لو انتفى الزمن يا ساحرتي الصغيرة. لو لم تُفرِّق بيننا الأيام.
كلير تساخاناسيان : أتتمنى هذا؟
إل : هذا، لا شيء غير هذا. فما زلت أحبك.

(يُقبِّل يدها اليمنى.)

اليد البيضاء الباردة بعينها.
كلير تساخاناسيان : خطأ. عضو صناعي أيضًا. من سن الفيل.

(إل يترك يدها تهوي وقد تملَّكه الذعر.)

إل : كلارا. هل كل ما فيكِ من الأعضاء الصناعية؟
كلير تساخاناسيان : تقريبًا. بسبب حادثة سقوط طائرة في أفغانستان. خرجت زاحفة وحدي من وسط الحطام. حتى طاقم الطائرة لقي مصرعه، ليس في الإمكان قتلي.

(الأعميان. ليس في الإمكان قتلي، ليس في الإمكان قتلي.)

(موسيقى من آلات النفخ تدوي بطريقة احتفالية. صورة «رسول الفندق» تنزل ثانية. أهل جوللين يدخلون الموائد، مفارش الموائد مهلهلة إلى درجة مؤلمة. أدوات الأكل، مأكولات، مائدة في الوسط، مائدة إلى اليسار، مائدة إلى اليمين متوازية مع الجمهور. القس يأتي من المؤخرة. نفر من أهل جوللين يندفعون إلى الداخل، أحدهم في زي الرياضيين. العمدة والمعلم والشرطي يعودون للظهور. أهل جوللين يصفقون إعجابًا. العمدة يأتي إلى المقعد الذي تجلس عليه كلير تساخاناسيان وإل، الأشجار تحوَّلت إلى مواطنين ينصرفون إلى الوراء.)

العمدة : عاصفة الترحيب هذه من أجلك، يا سيدتي الجليلة الكريمة.
كلير تساخاناسيان : بل من أجل فرقة موسيقى البلدة، يا عمدة، إنَّها تعزِف عزفًا ممتازًا، كذلك الهرم الذي كوَّنه الفريق الرياضي قبل ذلك كان بديعًا. إنَّني أحب الرجال الذين يلبسون قمصانًا وبنطلونات قصيرة. على هذا النحو يكون منظرهم طبيعيًّا.
العمدة : أتسمحين لي أن أرافقك إلى المائدة؟

(يقود كلير تساخاناسيان إلى المائدة الوسطى ويُقدِّم إليها زوجه.)

العمدة : عقيلتي.

(كلير تتفحَّص عقيلته من خلال المنظار.)

كلير تساخاناسيان : أنيتشن دوميرموت،٢٨ أولى فصلنا.

(ثم يقدم امرأة ثانية تبدو عليها سيما المرارة والبؤس كامرأته.)

العمدة : السيدة إل.
كلير تساخاناسيان : ماتيلدشن بلومهارد. ما زلت أذكر كيف كنت تقفين وراء باب الدكان وتترقَّبين ألفريد. لقد أصبحتِ هزيلة شاحبة يا عزيزتي الطيبة.

(من اليمين يندفع الطبيب داخلًا، إنسان قصير في سن الخمسين، له شارب، شعره أسود متصلب، ندبات جروح في وجهه، ويلبس بدلة فراك قديمة.)

الطبيب : انطلقتُ في آخر لحظة بعربتي المرسيدس القديمة، حتى أصل هنا في الموعد.
العمدة : دكتور نوسلين،٢٩ طبيبنا.

(كلير تساخاناسيان تتأمَّل، من خلال نظارتها، الطبيب وهو يُقبِّل يدها.)

كلير تساخاناسيان : طريف. هل تصدر شهادات الوفاة؟
الطبيب : شهادات وفاة؟
كلير تساخاناسيان : ألا يموت بعض الناس؟
الطبيب : طبعًا، يا سيدتي الكريمة. واجبي. بأمر من السلطات.
كلير تساخاناسيان : توقَّع حدوث سكتة قلبية في المستقبل.
إل : لذيذة، لذيذة فعلًا.

(كلير تترك الطبيب وتتأمَّل اللاعب الرياضي في قميصه.)

كلير تساخاناسيان : العب مرة أخرى.

(اللاعب يُثني الركبتين ويطوح الذراعين.)

كلير تساخاناسيان : هائلة هذه العضلات. هل سبق لك أن استخدمت قوتك هذه في خنق إنسان.
اللاعب الرياضي (يُجَمَّدُ من الدهشة وهو ثاني الركبتين.) : خنق إنسان؟
كلير تساخاناسيان : طوَّح ذراعيك مرة ثانية إلى الخلف، أيها اللاعب، ثم اطرح جسمك على الأرض.
إل (ضاحكًا) : إنَّ لكلارا نكتًا من ذهب. فكاهات تميت من الضحك.

(الطبيب ما زالت الدهشة تتملَّكه.)

الطبيب : لا أدري. إنَّ مثل هذه الفكاهات تخترق النخاع والعظم.
إل (سرًّا) : ملايين، وعدت بها.

(العمدة يشهق.)

العمدة : ملايين.
إل : ملايين.
الطبيب : ربَّاه.

(صاحبة المليارات تحوِّل بصرها عن اللاعب الرياضي.)

كلير تساخاناسيان : الآن أشعر بالجوع، يا عمدة.
العمدة : إنَّنا ننتظر قرينك، يا سيدتي الكريمة.
كلير تساخاناسيان : لستم في حاجة إلى الانتظار. إنَّه يصطاد السمك، وأنا أنتظر الطلاق.
العمدة : الطلاق!
كلير تساخاناسيان : كذلك موبي سيُدهش لذلك. سأتزوَّج ممثلًا سينمائيًّا.
العمدة : لكنَّكِ قلتِ إنَّكما تعيشان حياةً زوجيةً سعيدةً.
كلير تساخاناسيان : كل زيجاتي كانت سعيدة. لكني كنت أحلم في شبابي بأن يُعقد قراني في كنيسة جوللين. وأحلام الشباب لا بد أن يُحقِّقها الإنسان. وسوف يكون ذلك في احتفالٍ كبيرٍ.

(الجميع يجلسون. كلير تساخاناسيان تتخذ لها مكانًا بين العمدة وإل. إلى جانب إل زوجته، وإلى جانب العمدة عقيلته. إلى اليمين على مائدة أخرى المعلم، القس، الشرطي، إلى اليسار الأربعة. مدعوون آخرون مع عقيلاتهم في المؤخرة، حيث تُضيء عبارة: مرحبًا كليري. العمدة ينهض، والفرح يشعُّ منه، وقد لفَّ فوطة المائدة حول عنقه، يدق على كأسه.)

العمدة : سيدتي الكريمة، أعزائي أهل جوللين. لقد انقضت خمس وأربعون سنة منذ تركت بلدتنا التي أسسها الأمير الناخب الشريف هاسو،٣٠ وها هي ذي المدينة تمتد وادعة كما كانت بين غابة كونراد سفايل ومنخفض بوكنريد. خمس وأربعون سنة، أكثر من أربعة عقود، وقت طويل. لقد حدث الكثير في هذه الأثناء، الكثير المر. لقد حلَّ الحزن بالدنيا، وحلَّ بنا أيضًا. لكنَّنا لم ننسك أبدًا يا سيدتي الكريمة — يا عزيزتي كليري — (استحسان) لا أنتِ، ولا أسرتك. والدتك ذات البنية القوية (إل يهمس إليه بشيء) التي اختطفتها يد المنون في شبابها المبكر ضحية السُّل، ووالدك الرجل الشعبي، الذي أقام بجوار محطة السكك الحديدية بناءً يجتذب الكثير من الزائرين المتخصصين وغير المتخصصين (إل يهمس بشيء) بناء يلقى الكثير من الاهتمام، والدتك ووالدك، يا سيدتي! يعيشان في فكرنا دائمًا ويُمثلان في ذاكرتنا كأحسننا وأشجعنا. ثمَّ أنتِ يا سيدتي الكريمة وقد كنتِ بشَعرك الأشقر (إل يهمس إليه بشيء) بشَعرك الأحمر ذي الخصال، تجرين كالصيد البري خلال حوارينا التي أصبحت الآن خربة بكل أسف، من منَّا كان يجهلك. الجميع كانوا يحسون في ذلك الوقت سحر شخصيتك، ويتُوقُون لصعودك إلى أعلى ذروة للإنسانية (يخرج مذكرته). لم يطوك النسيان. فعلًا؛ فهذا جهدك في المدرسة، ما زال المعلمون يذكرونه للتلاميذ كمثل أعلى يُحتذى به، فقد كنتِ ممتازة وبوجه خاص، في أهم مادة من مواد الدراسة، في علم النبات والحيوان، كنتِ ممتازة امتيازًا يُعبِّر عن حنانك على المخلوقات كلها، على المخلوقات المحتاجة للعون والحماية. وكان حبك للعدل وميلك لعمل الخير مثار الدهشة في أوساط كثيرة في ذلك الحين (استحسان هائل) ألم تُقدِّم عزيزتنا كليري طعامًا إلى أرملة عجوز، اشترت لها بعض البطاطس بما اقتصدته من مصروف جيبها الذي كسبته بشق الأنفس من العمل عند الجيران، فأنقذتها من الموت جوعًا، وما هذا إلا مثل واحد من برها العميم أسوقه في هذا المقام (استحسان هائل) سيدتي الكريمة، أعزائي أهل جوللين، لقد ترعرعت البذور الرقيقة لهذه الاستعدادات الفطرية ترعرعًا قويًّا، وتحوَّل الصيد البري ذو الخصائل الحمراء إلى سيدة تغمر العالم ببرها، ويكفي أن يذكر الإنسان أعمالها الاجتماعية الخيرية من مصحات لرعية الأمهات وتكيات ومعونات للفنانين، ودور حضانة للأطفال؛ لذا أودُّ أن أهتف للعائدة إلى وطنها: تعيش، تعيش، تعيش! (استحسان).

(كلير تساخاناسيان تنهض.)

كلير تساخاناسيان : أيها العمدة، يا أهل جوللين، إنَّ فرحكم بزيارتي فرحًا مُجردًا من الأنانية يهز مشاعري. والحقيقة أنَّني في صغري كنت طفلة أخرى غير تلك التي جاءت أوصافها في خطبة العمدة، ففي المدرسة كان يُنْهَال عليَّ بالضرب، والبطاطس التي أعطيتُها للأرملة «بل» سرقتها أنا وإل، لا لننقذ القوادة العجوز من الموت جوعًا، وإنَّما لأشارك إل، ولو لمرة واحدة، فراشًا أحنَّ من غابة كونراد سفايل وشونة بيتر. هذا؛ ولكي أسهم بنصيب في فرحتكم، أعلن أنَّني مستعدة لأن أهدي جوللين مليارًا؛ خمسمائة مليون للمدينة، وخمسمائة مليون تُقسَّم بين جميع العائلات.

(سكون مطبق.)

العمدة (مُتلَعثمًا) : مليار!

(الجميع ما زالوا جامدين.)

كلير تساخاناسيان : وذلك بشرطٍ واحدٍ.

(الجميع يهللون فجأةً تهليلًا يَفُوق الوصف. يرقصون، يرتقون الكراسي، الرياضي يقوم بحركات … إلخ. إل يُربِّت على صدره مسرورًا.)

إل : كلارا الحبيبة، عظيم، مدهش، رائع، حبيبتي الساحرة الصغيرة بلحمها ودمها.

(يُقبِّلها.)

العمدة : بشرط واحد، تقولين يا سيدتي الكريمة؟ هل لي أن أعرف هذا الشرط؟
كلير تساخاناسيان : هذا هو الشرط، أعطيكم مليارًا لأشتري به العدالة.

(سكون مطبق.)

العمدة : وكيف السبيل إلى فهم هذا، يا سيدتي الكريمة؟
كلير تساخاناسيان : كما قلت.
العمدة : العدالة لا يستطيع إنسان أن يشتريها.
كلير تساخاناسيان : يستطيع المرء أن يشتري كل شيء.
العمدة : ما زلتُ لا أستطيع الفهم.
كلير تساخاناسيان : تقدَّم يا بوبي.

(مدير الأعمال يأتي من اليمين متَّجهًا إلى الوسط بين الموائد الثلاثة، يخلع النظارة السوداء التي يضعها.)

مدير الأعمال : لا أعرف ما إذا كان فيكم من يستطيع التعرُّف عليَّ الآن.
المعلم : القاضي الأول هوفر.
مدير الأعمال : بالضبط، القاضي الأول هوفر. قبل خمس وأربعين سنة كنت القاضي الأول في جوللين، ثمَّ رُقِّيت إلى منصب قاضٍ في محكمة الاستئناف في كافيج، وبقيت هناك حتى عَرضَت عليَّ السيدة كلير تساخاناسيان منذ خمس وعشرين سنة أن أعمل في خدمتها كمدير لأعمالها، فقبلت. ربما يبدو هذا العمل غريبًا بالنسبة لشخص تلقَّى دراسة جامعية عالية، لكنَّ الأجر المعروض كان مذهلًا لدرجة أن …
كلير تساخاناسيان : ادخل في الموضوع يا بوبي.
مدير الأعمال : سمعتم أنَّ السيدة كلير تساخاناسيان تَعرض مليارًا في مقابل شراء العدالة. بعبارة أخرى: السيدة كلير تساخاناسيان تُقدِّم إليكم مليارًا إذا أصلحتم الظلم الذي أصابها في جوللين. السيد إل، هل تتكرَّم؟

(إل ينهض، شاحبًا، مذعورًا مدهوشًا في آنٍ واحد.)

إل : ماذا تريد مني؟
مدير الأعمال : تقدَّم يا سيد إل.
إل : نعم.

(يتقدَّم أمام المائدة يمينًا، يضحك مضطربًا، يهز كتفيه.)

مدير الأعمال : حدث هذا في عام ١٩١٠م وكنت أنا القاضي الأول في جوللين، وعُرضت عليَّ قضية أُبوَّة لِأبُت فيها. كلير تساخاناسيان، في ذلك الوقت للآنسة كلارا فيشر، اتهمَتْك يا سيد إل بأنَّك والد لطفل وضعَتْه.

(إل يصمت.)

مدير الأعمال : وأنكرْتَ الأُبوَّة في ذلك الوقت، يا سيد إل، وأحضرت شاهدَين.
إل : حكايات تَقادَم عهدها، كنت صغيرًا سفيهًا.
كلير تساخاناسيان : يا توبي، ويا روبي، سُوقَا إلينا كوبي ولوبي.

(العملاقان ماضِغا اللادن يسوقان الخصِيَّين الأعمَيَين إلى وسط المسرح وهما يتماسكان باليدين فرحَيْن.)

الاثنان : ها نحن أولاء، ها نحن أولاء.
مدير الأعمال : هل تعرف هذين الاثنين يا سيد إل؟

(إل يصمت.)

الاثنان : نحن كوبي ولوبي، نحن كوبي ولوبي.
إل : لا أعرفهما.
الاثنان : لقد غيَّرْنا أنفسنا، لقد غيَّرْنا أنفسنا.
مدير الأعمال : قُولا اسميكما.
الأول : يعقوب هونلاين، يعقوب هونلاين.
الثاني : لودفيج شبار، لودفيج شبار.
مدير الأعمال : والآن يا سيد إل؟!
إل : لا أعرف من أمرهما شيئًا.
مدير الأعمال : يا يعقوب هونلاين، ويا لودفيج شبار، هل تعرفان السيد إل؟
الاثنان : نحن أعميان، نحن أعميان.
مدير الأعمال : هل تعرفانه من صوته؟
الاثنان : من صوته، من صوته.
مدير الأعمال : في عام ١٩١٠م كنت أنا القاضي، وكنتما الشاهدَين. عَلامَ أقسمتما يا لودفيج شبار، ويا يعقوب هونلاين، أمام محكمة جوللين؟
الاثنان : على أنَّنا اختلينا بكلارا، على أنَّنا اختلينا بكلارا.
مدير الأعمال : على ذلك أقسمتما أمامي، أمام المحكمة، أمام الله. هل كانت تلك الحقيقة؟
الاثنان : حلفْنا كذبًا، حلفْنا كذبًا.
مدير الأعمال : لماذا يا لودفيج شبار، ويا يعقوب هونلاين؟
الاثنان : إل رشانا، إل رشانا.
مدير الأعمال : بماذا؟
الاثنان : بلتر من مشروب الأشنبص، بلتر من مشروب الأشنبص.
كلير تساخاناسيان : والآن قُصَّا ما فعلْتُه بكما يا كوبي، ولوبي.
مدير الأعمال : قُصَّا ذلك.
الاثنان : السيدة بعثَت إلينا مَن بحث عنَّا، السيدة بعثت إلينا مَن بحث عنَّا.
مدير الأعمال : نعم، حدث هذا. كلير تساخاناسيان بعثت مَن بحث عنكما في جميع أنحاء الدنيا. كان يعقوب هونلاين قد هاجر إلى كندا، وكان لودفيج شبار قد هاجر إلى أستراليا، لكنَّها عثرت عليكما، ثم ماذا فعلَتْ بكما؟
الاثنان : أسلمَتْنا إلى توبي وروبي، أسلمتنا إلى توبي وروبي.
مدير الأعمال : وماذا فعل توبي، وروبي بكما؟
الاثنان : خصَيَانا وأعمَيانا، خصَيَانا وأعمَيانا.
مدير الأعمال : هذه هي القصة: قاضٍ، مدَّعٍ، شاهِدَا زُور، حُكْم خاطئ في عام ١٩١٠م. أليس كذلك يا مُدَّعية؟

(كلير تساخاناسيان تنهض.)

كلير تساخاناسيان : هو ذاك.
إل (يضرب الأرض بقدميه) : لقد عفى الدهر على ذلك، كل ذلك عفى عليه الدهر. حكاية قديمة، حمقاء.
مدير الأعمال : وماذا حدث للطفل يا مُدَّعية؟
كلير تساخاناسيان (بصوت منخفض) : عاش عامًا.
مدير الأعمال : وماذا حدث لكِ؟
كلير تساخاناسيان : أصبحتُ عاهرة.
مدير الأعمال : لماذا؟
كلير تساخاناسيان : حُكم المحكمة هو الذي صيَّرني كذلك.
مدير الأعمال : والآن تريدين العدل يا كلير تساخاناسيان؟
كلير تساخاناسيان : في إمكاني الحصول عليه، مليار لجوللين إنْ قَتل أي واحد من أهلها ألفريد إل.

(سكون مطبق، زوجة إل ترتمي على زوجها، تحطيه بذراعيها.)

زوجة إل : فريدي.٣١
إل : ساحرتي الصغيرة، لا يُمكن أن تطلبي هذا.
كلير تساخاناسيان : لقد سارت الحياة من بعد ذلك شوطًا طويلًا، لقد سارت الحياة شوطًا طويلًا، لكني لم أنْسَ يا إل، لم أنْسَ غابة كونراد سفايل، ولا شونة بيتر، ولا حجرة نوم الأرملة بول، ولا خيانتك، والآن تقدَّمت بنا السِّن كِلَيْنا، أنتَ تدهورتَ، وأنا مزقَني الجرَّاحون بمشارطهم، الآن أريد أن نُصفِّي الحساب بيننا، أنتَ اخترت حياتك واضطررتني إلى الحياة التي عشتُها، لقد قلتَ لتوِّك: إنَّك توَد لو انتفى الزمان، ونحن في غابة صِبانا المفعَمة بالماضي الفاني. لقد ألغيتُ أنا الزمان الآن، وأريد العدل، العدل بمليار.

(العمدة ينهض، شاحبًا، وقورًا.)

العمدة : سيدتي تساخاناسيان، إنَّنا ما زلنا في أوروبا، ما زلنا في عِدَاد غير الكافرِين. إنَّني باسم مدينة جوللين أرفض العرض، باسم الإنسانية. خيرٌ لنا أن نَظل فقراء عن أن نُخَضِّب أيديَنا بالدماء.

(استحسان هائل.)

كلير تساخاناسيان : إني مُنتظِرة.
١  كليري صيغة التدليل من كلارا. أمَّا كلير فهو الاسم نفسه باللغة الفرنسية، ويبدو أنَّ كلارا اتَّخذت الصورة الفرنسية لاسمها بعد أن أصبحت من صاحبات المليارات، أو أنَّها اتخذتها لسخطها على سنواتها الأولى في جوللين. (المترجم)
٢  اسم علم، معناه حرفيًّا = قرفة. (المترجم)
٣  شاعر وأديب ألمانيا الأشهر. ولد عام ١٧٤٩م وتوفي عام ١٨٣٢م. من أشهر مؤلفاته؛ آلام فرتر، فاوست، الديوان الغربي الشرقي، شعر وحقيقة. (المترجم)
٤  الرسول هنا من حواري المسيح. وكلمة «الذهبي» ساخرة؛ لأنَّ الفندق في حالة يُرثَى لها. (المترجم)
٥  يوهانيس برامس، مؤلف موسيقي ألماني من هامبورج، ولد عام ١٨٣٣م وتوفي عام ١٨٩٧م. ألَّف أنواعًا مختلفة لاقت الشهرة والخلود؛ منها أغاني وموسيقى الحجرة، وسيمفونيات … إلخ. (المترجم)
٦  راهب ألماني، ولد في فرايبورج/برايسجاو في مطلع القرن الرابع عشر. يُقال إنَّه اخترع ملح البارود. والمؤكَّد على أي حال أنَّه هو الذي صبَّ أوَّل المدافع البرونزية التي استعملها أهل فينيسيا. (المترجم)
٧  كلية الفنون الجميلة في باريس،  L’Ecole des Beaux Arts.
٨  اسم علم مبتكر اشتقاقًا من فعل بالألمانية معناه يحملق أو يبحلق، مثل «بحلق». (المترجم)
٩  لا يصح من باب اللياقة أن يقول المتكلم عن امرأته عقيلتي Meine Gattin. واستعمال العمدة لهذه الكلمة في غير محلها يُعطينا فكرة عن ثقافته وعن حالته النفسية في تلك اللحظة. (المترجم)
١٠  يُعبِّر عن دهشته للتطور المفاجئ المتمثل في توقُّف القطار العظيم في القرية الخربة. (المترجم)
١١  طراز فني، خاصة في العمارة، يُنسب خطأ إلى أمة القوط رغم أنَّه نشأ في فرنسا، وانتشر في أوروبا في الفترة بين القرن الثاني عشر والسادس عشر. ويتميَّز بعقد على شكل قوس مكسور، وقبة ذات عروق قوسية متجمعة في المركز إلى الداخل. (المترجم)
١٢  حرفيًّا = فأر صغير، فُؤير، وهو من أسماء المداعبة بالألمانية. وكثيرًا ما تستعمل اللغة الألمانية اسم التصغير من أسماء الحيوانات والطيور للمداعبة؛ مثلًا قرد، خروف، قطة، حمام … إلخ. (المترجم)
١٣  سبقت الإشارة إلى استعمال أسماء بعض الحيوانات والطيور في صيغة التصغير للمُداعبة، و«ساحرتي الصغيرة» من هذا القبيل. (المترجم)
١٤  سبق التنويه إلى أنَّ اللياقة تفرض على المتكلِّم ألَّا يقول Gatte, Gattin = قرين، عقيلة … وهنا تستعمل كلير تساخاناسيان لفظة «قريني» مما يدل على سوء مراعاتها للياقة. (المترجم)
١٥  ربة من ربات الفنون عند الإغريق. وكان الإغريق يعتقدون أنَّ لجوبتر ومنيموزينة تسع بنات؛ هنَّ ربات الفنون الحرة، «كليو ربة التاريخ»، و«أويتربة ربة الموسيقى»، و«تالية ربة الكوميديا»، و«ميلبومينة ربة التراجيديا»، و«تربسيخورة ربة الرقص»، و«إراتو ربة الإيليجية»، و«بوليمنية ربة الشعر الغنائي»، و«أورانية ربة الفلك»، و«كاليوبة ربة الخطابة والشعر البطولي». وكانوا يعتقدون أنَّهنَّ يعِشْن مع أبوللو في البرناس والبنده والهيليكون والثلاث جبال في بلاد الإغريق. (المترجم)
١٦  تُقسَّم أصوات الرجال إلى أنواع ثلاثة؛ أعلاها التينور = الصادح، وأوسطها الباريتون = الغريد، وأوطاها الباس = الجهير. (المترجم)
١٧  يتهاون. (المترجم)
١٨  سجن نيويورك. (المترجم)
١٩  نعم، سيدتي Yes Mam. بالأمريكية الدارجة. (المترجم)
٢٠  مشروب روحي، خمر. (المترجم)
٢١  كان الرومان يعتقدون في ربات ثلاث يُسيِّرن حياة الناس؛ هنَّ البارسات، الواحدة بارسة Parca، وأصل الكلمة غير معروف على وجه اليقين، ربما من فعل Parcere = يدع؛ أي اللاتي لا يدعن أحدًا، أو من فعل Parere = يلد؛ أي اللاتي يُسيطرن على الإنسان من المولد. وقد كان للإغريق ثلاث ربات للقدر موارة؛ مورات على هيئة غزالات يغزلن حياة الناس، كلوتو تُمسك كرة الخيط وتتحكَّم في المولد، ولاخيسيس تُمسك المغزل، وأتروبوس تقطع الخيط. (المترجم)
٢٢  Lais اسم يُطلق على طبقة من غانيات كورينث في القرن الخامس قبل المسيح، كنَّ يُسمَّين أيضًا بالخليلات وهنَّ نوع من العاهرات كان ذا ثقافة وأثر على الحياة الفكرية. ولا شك أنَّ المقصود هنا دلالة اللفظة على الفاجرات. (المترجم)
٢٣  Orkus باللاتيني Orcus ملكوت الموت أو العالم السفلي عند الرومان، الذين أخذوا الأسطورة عن الإغريق. وقد زعم الإغريق أنَّ ملكوت الموت يوجد في أقصى الغرب، وأنَّ نهرين يرويانه؛ هما «ستيكس» و«آخيرون»، وأنَّ ثمة كلب جهنمي يقوم على حراسته يُدعى سيربيروس، وأنَّ ملكوت الموت ينقسم إلى منطقتين: «اليزيوم» دار المنعمين، و«تارتاروس» دار عقاب الملعونين. (المترجم)
٢٤  Flechten.
٢٥  كلمة مداعبة. والمقصود هنا الحشرة المسماة Maikâfer = الجعل الأوروبي. ويتميَّز بلونه الأحمر المنقط نقطًا سوداء، ويُقال في ألمانيا: إنَّه يجلب الحظ. و«ذهبي» هنا إشارة إلى أمواله. (المترجم)
٢٦  تيسين منطقة سياحية على نهر بالاسم نفسه في جنوب سويسرا فيها إلى جانب جبال الألب التيسينية مروج خضراء وزراعة مزدهرة وفاكهة منوعة وكروم وأشجار منطقة البحر المتوسط. (المترجم)
٢٧  طائر ملوَّن فيه الأخضر والبني والرمادي والأصفر، له منقار ثاقب قوي، يستخرج به الحشرات واليرقات من قشر جذوع الأشجار، ويحفر لنفسه بواسطتها تجاويف عميقة يعشش فيها. (المترجم)
٢٨  النهاية «شن» في أواخر الكلمات تُفيد التصغير. وصيغة التصغير مستعملة هنا للمداعبة وعلامة على رفع الكلفة والمعرفة القديمة. أمَّا «دوميرموت» فاسم علم مبتدع معناه النفس الغبية. (المترجم)
٢٩  نوسلين اسم علم مبتدع، وهو صيغة التصغير من نوس = بندقية، وقد سبق أنَّ الطبيب قصير القامة. (المترجم)
٣٠  الأمير الناخب أمير له صلاحية الاشتراك في انتخاب القيصر. ولم يعرف التاريخ الألماني أميرًا ناخبًا باسم «هاسو»، وقد ابتدع الكاتب ذلك ابتداعًا. (المترجم)
٣١  صيغة مداعَبة من ألفريد. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤