الفصل الثاني

البلدة، ملامح فقط، في المؤخرة فندق «الرسول الذهبي». من الخارج؛ واجهة خربة على الطراز الشبابي،١ شرفة. إلى اليمين لافتة: ألفريد إل، محل تجارة، تحتها منضدة محل تجاري قذرة، وراءها رفٌّ عليه بضائع قديمة. كلما مرَّ شخص خلال الباب الوهمي للمحل دقَّ ناقوس رقيق. إلى اليسار لافتة: الشرطة. تحتها منضدة خشبية عليها جهاز تليفون. کرسیان. الوقت صباحًا. روبي وتوبي يأتيان من اليسار وهما يَمضغان اللادن، ويَحمِلان باقات وزهورًا عبر المسرح إلى الخلف حيث الفندق، وكأن ذلك لجنازة. إل ينظر إليهما من خلال النافذة، ابنته جاثمة على ركبتيها تكنس الأرض، ابنه يدُسُّ سيجارة في فمه.
إل : باقات.
الابن : كل صباح يأتون بمثلها من المحطة.
إل : للنعش الفارغ في «الرسول الذهبي».
الابن : وهذا لا يُثير الرعب في نفس أي فرد.
إل : البلدة في صَفِّي.

(الابن يشعل السيجارة.)

إل : هل تأتي الوالدة للإفطار؟
الابنة : قالت: إنَّها ستبقى فوق؛ إنَّها تَشعر بالتعب.
إل : إنَّ لكم أمًّا طيبة يا أولادي، فعلًا، لا بد أن أقول لكما ذلك ولو مرة. أُم طيبة، يجب أن تبقى فوق، يجب أن ترعى نفْسَها، ثم لنأكل نحن معًا، لم نفعل ذلك منذ مدة طويلة. سأُحضر بيضًا وعُلبة من لحم الخنزير الأمريكي المحفوظ، نريد أن نوسِّع على أنفسنا، كما كنَّا نفعل في الأوقات الطيبة، عندما كان كوخ الساحة المشمسة مزدهرًا.
الابن : أرجو أن تُعفيني من ذلك.

(يلقي بالسيجارة.)

إل : لا تريد أن تأكل معنا یا کارل؟
الابن : سأذهب إلى المحطة؛ هناك عامِل مريض، فربما احتاجوا إلى بديل له.
إل : العمل في الخطوط الحديدية تحت أشعة الشمس الحارقة ليس خليقًا يا بُني.
الابن : أيُّ عمل خير من لا عمل.

(ينصرف، الابنة تنهض.)

الابنة : أنا أيضًا ذاهبة.
إل : أنتِ كذلك، هكذا! إلى أين إذن، إن كان لي أن أسأل الآنسة ابنتي؟
الابنة : إلى مكتب العمل؛ ربما كانت هناك وظيفة خالية.

(الابنة تنصرف، يبدو على إل التأثر، يعطس في منديله.)

إل : أبناء طيبون، أبناء شجعان.

(تنطلق بعض نغمات قيثارة من ناحية الشرفة.)

صوت كلير تساخاناسيان : ناوِلني ساقي الیسرى یا بوبي.
صوت مدير الأعمال : لا أجدها.
صوت كلير تساخاناسيان : خلف زهور الخطبة على المنضدة.

(إلى إل يأتي الزبون الأول، (الأول).)

إل : صباح الخير، يا هوفباور.
الأول : سجاير.
إل : مما تأخذ منها كل صباح؟
الأول : لا أريد هذه، أريد الخضراء.
إل : إنَّها أغلى.
الأول : اكتبها على الحساب.
إل : سأفعل؛ لأنَّها لك أنت يا هوفباور، ولأنَّ علينا أن نَتماسك ونَتساند.
الأول : هناك شخص يعزف على قيثارة.
إل : مُجرِم من مُجرِمِي سنج سنج.

(يأتي الأعميان من الفندق يحملان شصَّيْن، وأدوات أخرى من لوازم صيد السمك.)

الاثنان : صباحًا جميلًا يا ألفريد، صباحًا جميلًا.
إل : اختطَفَكما الشيطان.
الاثنان : نحن ذاهبان للصيد، نحن ذاهبان للصيد.

(ينصرفان إلى اليسار.)

الأول : إنَّهما ذاهبان إلى نهير جوللين.
إل : بِشصَّي زوجها السابع.
الأول : يُقال إنَّه خسر مَزارع التَّبغ التي كان يَملِكها.
إل : وقد آلَت الآن هي الأخرى إلى صاحبة المليارات.
الأول : ستُقِيم بها مع زوجها الثامن حفلة قران رائعة. بالأمس تم الاحتفال بالخطبة.

(تأتي كلير تساخاناسیان إلى الشرفة التي في المؤخرة مرتدية الروب دي شامبر. تُحرِّك اليد اليمنى والساق اليسرى. يمكن عزف أنغام متفرقة على القيثارة لتصاحب المشاهد الجارية في الشرفة، وتُشبه الألحان الإلقائية في الأوبرا بعض الشيء، وتتنوَّع هذه الألحان بحسب معنی النصوص، تارة فالتس، وتارة قطع من السلامات الوطنية المختلفة، إلخ.)

كلير تساخاناسیان : لقد تجمَّعَت أجزائي من جديد.٢ اللحن الشعبي الأرمني يا روبي.

(لحن على القيثارة.)

كلير تساخاناسیان : أَحَب القطع الموسيقية إلى نفس تساخاناسیان، كان دائمًا يريد سماعها كل صباح، كان رجلًا کلاسيكيًّا، عملاق المال العجوز هذا، صاحب ناقلات البترول التي لا تُحصَى ولا تُعَد، وإسطبلات خيول السباق، وكان يملك علاوة على ذلك مليارات عديدة؛ لذا كان الزواج منه أمرًا مفيدًا. كان أستاذًا معلِّمًا كبيرًا، وأستاذًا في الرقص، ومتمكِّنًا من كافَّة الأعمال الشيطانية، وقد تعلَّمتُ منه كل شيء.

(امرأتان تُقبِلان. تعطيان إل إناءَي لبن.)

المرأة الأولى : لبن، يا سيد إل.
المرأة الثانية : وهذا إنائي، یا سید إل.
إل : صباح الخير والجمال. لتر لكل واحدة منكن یا سیداتي.

(يكشف قِدر لبن ويَهم بالغرف.)

المرأة الأولى : لبن كامل الدسم، يا سيد إل.
المرأة الثانية : لتران من اللبن كامل الدسم، يا سيد إل.
إل : لبن كامل الدسم.

(يكشف قِدرًا آخر، يغرف بعض اللبن وهي تتأمل الصباح من خلال نظارتها.)

كلير تساخاناسیان : صباح خریفي جمیل، ضَباب طفيف في الحواري، دخان فِضِّي، وفوق كل ذلك سماء زرقاء في لون زهر البنفسج كَتِلك التي كان الجراف هولك يُصوِّرها، الجراف هولك زوجي الثالث، وزیر الخارجية، فقد كان يشتغل بالتصوير أثناء عطلته، كان ذلك شيئًا فظيعًا.

(تجلس في تكلف.)

كلير تساخاناسيان : كان الجراف٣ كله فظيعًا.
المرأة الأولى : وزبدة، مائتَي جرام.
المرأة الثانية : وخبزًا أبيض، كيلوين.
إل : لعل السيِّدتَيْن قد ورِثَتا، لعلهما قد ورِثَتا.
المرأتان : اكتب على الحساب.
إل : الكل للفرد، والفرد للكل.
المرأة الأولى : وشوكولاتة ماركتين وخمسة فنكات.٤
المرأة الثانية : ولي بأربعة ماركات وخمسين فنكًا.
إل : أكتب ذلك أيضًا على الحساب؟
المرأة الأولى : أيضًا.
المرأة الثانية : سنأكلها هنا، يا سيد إل.
المرأة الأولى : لديك أجمل مكان لمثل ذلك، يا سيد إل.

(تجلسان في مؤخرة المحل وتأكلان شوكولاتة.)

كلير تساخاناسيان : واحد ونستون؛ أريد أن أُجرِّب مرة نوعًا من من إنتاج زوجي السابع، الآن بعد أن تم الطلاق منه، من موبي المسكين بِغَرامه بصيد السمك، لا بد أنَّه يجلس حزينًا في القطار السريع المتَّجِه إلى البرتغال.

(مدير الأعمال يُقدِّم إليها سيجارًا ويشعله لها.)

الأول : ها هي ذي تجلس في شُرفَتها وتُدخِّن سيجارها.
إل : دائمًا أنواعًا غالية غلاء آثِمًا.
الأول : تبذير، كان الأحرى بها أن تخجل من ذلك أمام إنسانية أصابها الفقر.
كلير تساخاناسيان (تدخن) : شيء عجيب؛ طعمه مقبول.
إل : إنَّها سيئة الحساب، فأنا يا هوفباور؛ مُذنِب قديم الذنْب، ومن منَّا ليس كذلك. كان ما فعلته بها طيْشَ شباب شرير، أمَّا الساعة التي رفض فيها جميع أهل جوللين عَرْضها في فندق الرسول الذهبي بإجماع الأصوات رغم بؤسهم؛ فقد كانت أجمل ساعة في حياتي.
كلير تساخاناسيان : ويسكي، يا بوبي، ويسكي صِرف.

(يُقبِل زبون آخر، فقير مُهلْهَل الثياب، مثل الجميع؛ (الثاني).)

الثاني : صباح الخير. سيكون الجو حارًّا اليوم.
الأول : فترة الجو الصَّحْو مستمِرَّة.
إل : عندي زبائن هذا الصباح، لم تكن تأتيني الزبائن طوال الوقت الذي مضى، والآن تنهمر عليَّ الزبائن منذ أيام!
الأول : لأنَّنا نقف في صَفِّك، في صَف عزيزنا إل صامدين كالصخر.
المرأتان (وهما تأكلان الشوكولاتة) : صامدين كالصخر، یا سید إل، صامدين كالصخر.
الثاني : وأخيرًا؛ فأنت أحب الشخصيات.
الأول : وأهَمُّها.
الثاني : وستُنتَخَب عمدة في الربيع.
الأول : هذا حق كما أنَّ الموت حق.
المرأتان (وهُمَا تأكلان الشوكولاتة) : حق كما أنَّ الموت حق، یا سید إل، حق كما أنَّ الموت حق.
الثاني : قليلًا من الأشنبص.

(إل يمد يده إلى الرَّف.)

(مدير الأعمال يُقدِّم ويسكي.)

كلير تساخاناسيان : أيقِظ التاسع؛ لا أحب أن ينام أزواجي هكذا طويلًا.
إل : ثلاثة ماركات وعشرة فنكات.٥
الثاني : ليس هذا النوع هو الذي أريده.
إل : ولكنَّك كنتَ دائمًا تشربه.
الثاني : كونياك.
إل : ثَمنُه عِشرون ماركًا وخمسة وثلاثون فنكًا، لا يقدر على شرائه أحد.
الثاني : بل يجب أن يوسِّع الإنسان على نفسه.

(تنطلق على المسرح بنت نصف عارية أو تكاد، توبي من ورائها.)

المرأة الأولى (وهي تأكل الشوكولاتة) : مُشين هذا الذي تفعله لويزة.
المرأة الثانية (وهي تأكل الشوكولاتة) : ولكنَّها مع ذلك خطيبة الموسيقي الأشقر، بشارع برتولد-شفارتس.

(يُنزِل الكونياك من الرَّف.)

إل : تَفضَّل.
الثاني : وتبغ للغليون.
إل : جميل.
الثاني : صنف مُستورَد.

(إل يحسب الجملة.)

(يأتي الزوج رقم ٨ إلى الشُّرْفة، وهو مُمثِّل سينمائي، طويل، ممشوق القامة، أحمر الشارب، في روب دي شامبر. من الممكن أن يؤدي دوره الممثل الذي أدى دور الزوج ٧.)

الزوج ٨ : هوبسي،٦ إنَّه لرائع أول إفطار لنا معًا بعد الخطبة، كأنَّه حلم، شرفة صغيرة، شجرة زيزفون ذات حفيف، نافورة بلدية ذات خرير، دجاجات تجري فوق بازلت الطريق، في ركن من المكان نسوة يُثرثرن عن مشاكلهن الصغيرة وبرج الكنيسة خلف أسطح الدور.
كلير تساخاناسيان : اجلس یا هوبي، لا تتكلم؛ أنا أرى المنظر بنفسي، والأفكار ليست ميدانك.
الثاني : والآن يجلس الزوج هو الآخَر هناك فوق.
المرأة الأولى (تأكل شوكولاتة) : الثامن.
المرأة الثانية (تأكل شوكولاتة) : رجل جميل، ممثل سينمائي، ابنتي رأته يُمثِّل دور سارق الصيد في فيلم من أفلام جانجهوفر.
المرأة الأولى : ورأيتُه أنا في دور القس في فيلم من أفلام جراهام جرین.

(كلير تساخاناسيان يُقبِّلها الزوج ٨. لحن على القيثارة.)

الثاني : بالمال يستطيع الإنسان أن يحصل على كل شيء.

(يبصق.)

الأول : لكن ليس ذلك عندنا.

(يضرب على المائدة بقبضته.)

إل : ثلاثة وعشرون ماركًا وثمانون فنكًا.
الثاني : اكتبها على الحساب.
إل : سأقبل الاستثناء هذا الأسبوع، ولكن عليك أن تدفع أول الشهر عندما تقبض معاش المتعطِّلِين.

(الثاني يذهب إلى الباب.)

إل : هیلمسبرجر!

(يظل واقفًا. إل يذهب إليه.)

إل : أتلبس حذاءً جديدًا؟! حذاء أصفر جديدًا؟
الثاني : نعم!

(ينظر إلى قدَمَي الأول.)

إل : وأنت كذلك يا هوفباور؟! أنت أيضًا تلبس حذاء جديدًا.

(ينظر نحو المرأتين، يذهب إليهما، بطيئًا، مذعورًا.)

إل : وأنتما كذلك. أحذية صفراء جديدة، أحذية صفراء جديدة!
الأول : لا أدري ماذا يضيرك في هذا؟
الثاني : لا يُمكن أن يسير الإنسان إلى الأبد في أحذية قديمة.
إل : أحذية جديدة! وكيف استطعتم شراء أحذية جديدة؟
المرأتان : أخذناها على الحساب، يا سيد إل، أخذناها على الحساب.
إل : أخذتموها على الحساب؟! وعندي أيضًا أخذتم ما تريدون على الحساب، تبغ من نوع أجود، لبن من نوع أفضل، كونياك. لماذا أثقلتم أنفسكم فجأة بالديون في المحلات؟
الثاني : بل تداينَّا عندك أيضًا.
إل : ممَّ تريدون أن تُسدِّدوا؟

(صمت. يقذف الزبائن بالبضائع. الجميع يَفرُّون.)

إل : ممَّ تريدون أن تُسدِّدوا؟ ممَّ تريدون أن تُسدِّدوا؟ مم؟ مم؟

(يسقط إلى الوراء.)

الزوج ٨ : هناك ضجة في البلدة.
كلير تساخاناسیان : إنَّها الحياة في بلدة صغيرة.
الزوج ٨ : يبدو أنَّ شيئًا ما يجري في المحل التجاري، هناك مِن تَحتِنا.
كلير تساخاناسیان : لا بد أنَّهم يتشاجرون على ثَمن اللحم.

(لحن قوي على القيثارة. الزوج ٨ يَهُب مذعورًا.)

الزوج ٨ : يا ساتر، هوبسي! هل سمعت؟
كلير تساخاناسيان : النمر الأسود، إنَّه يزأر.
الزوج ٨ (مندهشًا) : نمر أسود؟
كلير تساخاناسيان : من باشا مراكش، هدية. إنَّه يسير ويدور في قاعة الاستقبال المجاوِرة. قُطيطة كبيرة شريرة لها عينان يتطاير منهما الشرر، إني أحبها كثيرًا.

(الشرطي يجلس أمام المنضدة على اليسار، يتجرَّع البيرة، يتكلَّم ببطء وتُؤَدة. يُقبِل إل من الخلف.)

كلير تساخاناسيان : يمكنك أن تحضر بالإفطار، يا بوبي.
الشرطي : ماذا تريد يا إل؟ اجلس.

(إل يظل واقفًا.)

الشرطي : إنَّك ترتعد.
إل : إنَّني أُطالب بالقبض على كلير تساخاناسيان.

(الشرطي يُعمِّر غليونه ويشعله باطمئنان.)

الشرطي : غريب، عجيب جدًّا.

(مدير الأعمال يضع الإفطار، يحضر البريد.)

إل : إنَّني أُطالب بذلك بصفتي عُمدة المستَقْبَل.
الشرطي (ينفث سحابات من الدخان.) : لم يُجْرَ الانتخاب بعد.
إل : اقبض على السيدة فورًا.
الشرطي : معنى ذلك أنَّك تريد تقديم بلاغ في السيدة، أمَّا أن يُقبض عليها أو لا يُقبض، فأمر تَقطَع فيه الشُّرطة، هل اقترفَتْ جُرمًا؟
إل : إنَّها تُحرِّض أهل بلدتنا على قتلي.

(يصب لنفسه بعض البيرة.)

كلير تساخاناسيان : البريد، خطاب من أيك.٧ نهرو، إنَّهم يهنئون.
إل : هذا واجبك.
الشرطي : عجيب، عجيب جدًّا.

(يَحتسِي البيرة.)

إل : بل أكثر أمور الدنيا طبيعية.
الشرطي : يا عزيزي إل، إنَّ الأمر ليس طبيعيًّا كما تزعم، لِنبحث القضية دون تَحامُل، السيدة تَقترِح على البلدة، لقاء مليار أن — أنت تعلم ما أَعْني — هذا صحيح، فقد كنت حاضرًا، ولكن هذا لا يُشكِّل في نظر البوليس سببًا لاتخاذ إجراءات ضد السيدة كلير تساخاناسيان؛ إنَّنا في نِهاية المطاف مُقيَّدون بالقوانين.
إل : تحريض على القتل.
الشرطي : اسمع يا إل. التحريض على القتل لا يكون إلا إذا كان الاقتراح بالقتل جديًّا، هذا شيء جِد واضح.
إل : وهذا ما أعْنِي أيضًا.
الشرطي : بالضبط، إلا أنَّ الاقتراح لا يُمكن أن يُحمَل محمل الجد؛ لأنَّ مبلغ المليار مُبالَغ فيه، ولا بد أنَّك ترى أيضًا أنَّ الإنسان قد يدفع في مثل هذا العمل ألفًا أو ربما ألْفَين، لا أكثر، مطلقًا، ثِقْ في ذلك كل الثقة، وهذا يؤكد أنَّ الاقتراح لم يُحمَل محمل الجد، وحتى لو كان الاقتراح جديًّا، فإنَّ الشرطة لا تستطيع أن تَعتبِر السيدة جادة؛ لأنَّها في هذه الحالة تكون مجنونة، فهمتَ؟
إل : الاقتراح يُهدِّدني أنا يا سيادة الشرطي، سواء أكانت السيدة مجنونة أم لا، هذا منطقي.
الشرطي : غير منطقي؛ لا يُمكن أن يُهدِّدك مجرد اقتراح، وإنَّما تنفيذ الاقتراح هو الذي يُهدِّد، أرني محاولة فعلية لتنفيذ هذا الاقتراح، رجلًا على سبيل المثال يوجِّه إليك سلاحًا ناريًّا، وستراني أحضر في سرعة الريح، بل ليس هناك فرد واحد يريد أن يُنفِّذ هذا الاقتراح، الأمر على العكس من ذلك، لقد كان التصريح الذي صَدَر في فندق الرسول الذهبي مؤثِّرًا أبلغ التأثير، لا بد أن أُهنِّئك عليه، ولو بعد فوات الأوان.

(يحتسي البيرة.)

إل : أنا لست آمنًا تمامًا، يا سيادة الشرطي.
الشرطي : لستُ آمنًا تمامًا؟
إل : إنَّ زبائني يشترون لبنًا من نوع أحسن، وخبزًا من نوع أفضل، وسجاير خيرًا من تلك التي اعتادوا شراءها.
الشرطي : بل يجب أن تُسرَّ لذلك؛ تجارتك إذن تسير سيرًا أفضل من ذي قبل.

(يحتسي البيرة.)

كلير تساخاناسيان : دعهم يشترون أسهم دوبون،٨ يا بوبي.
إل : هيلمسبرجر اشترى مني بعض الكونياك، وهو مع ذلك لا يربح شيئًا منذ سنين ويعيش على ما تَجود به التِّكِيَّة.
الشرطي : سأجرب شُرب الكونياك الليلة، فأنا مَدعُو عند هيلمسبرجر.

(يحتسي البيرة.)

إل : الجميع يلبسون أحذية جديدة، أحذية صفراء جديدة.
الشرطي : وما اعتراضك على الأحذية الجديدة؟ أنا أيضًا ألبس حذاءً جديدًا.

(يريه قدميه.)

إل : وأنت أيضًا؟!
الشرطي : انظر.
إل : وصفراء أيضًا؟! وتشرب من بيرة بيلسن.
الشرطي : طعمها جميل.
إل : وكنتَ قُبلًا تشرب البيرة المحلية.
الشرطي : كانت فظيعة.

(موسيقى صادرة من راديو.)

إل : أتسمع؟
الشرطي : ماذا؟
إل : موسيقى.
الشرطي : الأرملة الطروب.
إل : راديو.
الشرطي : في بيت هاجهولتسر بجوارنا، كان يجب عليه قانونًا أن يُغلِق النافذة.

(يأخذ مذكرة من دفتره.)

إل : وكيف تَمكَّن هاجهولتسر من شراء راديو؟
الشرطي : هذا شأنه.
إل : وأنت، يا سيادة الشرطي، ممَّ تريد أن تدفع ثمن بيرتك البيلسن، وحذائك الجديد؟
الشرطي : هذا شأني.

(يدق التليفون الذي على المنضدة؛ الشرطي يرفع السماعة.)

الشرطي : مركز شرطة جوللين.
كلير تساخاناسيان : اتَّصِل بالروسي تليفونيًّا يا بوبي، وبلِّغْه أنَّني موافِقَة على اقتراحه.
الشرطي : تمامًا.

(يُعيد السماعة.)

إل : وزبائني، ممَّ سيدفعون؟
الشرطي : لا شأن للشرطة بهذا.

(ينهض ويأخذ البندقية من فوق مسند الكرسي.)

إل : ولكنَّه شأني؛ لأنَّهم سيَدفَعون مني.
الشرطي : ليس هناك مِن فَرْد يُهدِّدك.

(يشرع في تعمير البندقية.)

إل : المدينة تستدين، بالدَّيْن يزداد الرخاء، وبالرخاء تزداد الحاجة إلى قَتْلي، وهكذا يكفي السيدة أن تقعد في شُرفَتها، وتشرب القهوة وتُدخِّن السيجار وتنتظر، تنتظر فقط.
الشرطي : إنَّك تُخرف.
إل : كلكم تنتظرون.

(يقرع المنضدة.)

الشرطي : لقد أفرطت في شرب الأشنبص.

(يعبث بيده في البندقية.)

هكذا، الآن البندقية مُعمَّرة، يُمكنكَ أن تطمئن، الشرطة موجودة؛ لتحفظ للقوانين احترامها، ولترعى النظام وتحمي المواطنين، وهي تعرف واجبها، إن حدث وظهر أدنى اشتباه في تهديد في أي مكان أو من أية جهة، فسوف نتخذ اللازم يا سيد إل، يُمكنك أن تَطمئِن إلى ذلك.
إل (بصوت خفيض) : لماذا ركَّبتَ في فمك سنًّا ذهبية يا سيادة الشرطي؟
الشرطي : هه؟
إل : سنة ذهبية جديدة.
الشرطي : ألعله قد جنَّ؟

(هناك رأى إل أنَّ ماسورة البندقية موجهة إليه فرفع يديه ببطء.)

الشرطي : ليس لدَي وقت أيها الرجل، لا تُناقشنِي في أوهامك، لا بد أن أُعجِّل بالذهاب؛ فقد ضاع من صاحبة المليارات العجيبة جَروُها المدلَّل، النمر الأسود، عليَّ أن أقتنِصَه لها.

(ينصرف من الخلف.)

إل : أنا الذي ستقتنصونني، أنا.

(كلير تساخاناسيان تقرأ خطابًا.)

كلير تساخاناسيان : سيأتي مُصمِّم الأزياء، زوجي الخامس، أجمل أزواجي، لقد صمَّم لي كل أثواب زفافي، اعْزِف إحدى المينويتات يا روبي.

(يعزف منويتا على القيثارة.)

الزوج ٨ : لكن زوجك الخامس كان جرَّاحًا.
كلير تساخاناسيان : بل السادس.

(تَفُض خطابًا آخر.)

كلير تساخاناسيان : من صاحب السكك الحديدية الغربية.
الزوج ٨ (مندهشًا) : لم أسمع عنه شيئًا البَتَّة.
كلير تساخاناسيان : زوجي الرابع، لقد أصبح فقيرًا، وأنا التي أملك الآن أَسهُمه، أغْرَيْته في «باكنجهام بالاس».٩
الزوج ٨ : ألم يكن هو اللورد إسماعيل؟
كلير تساخاناسيان : بالضبط، أنت على حق يا هوبي، كنتُ قد نسيتُه تمامًا هو وقصره في يوركشير، ثمَّ هذا زوجي الثاني، كتب لي، تعرَّفتُ به في القاهرة، تَبادَلْنا القُبل تحت أقدام أبي الهول، كانت أُمسية مُؤثِّرة.

(يتحوَّل المنظر يمينًا، اللافتة «دار البلدية» تنزل. الثالث يأتي، يبعد خزينة المحل، ويُغيِّر وضع منضدته، فيُصبح من الممكن استخدامه كمكتب. العمدة يأتي، يضع مسدسًا على المكتب، يجلس. من اليسار يأتي إل. على الحائط عُلِّق تصميم لمبنًى جديد.)

إل : أريد أن أتحدَّث معك، يا عمدة.
العمدة : اجلس.
إل : حديثًا من رجل إلى رجل، بِصِفتي خليفتك.
العمدة : نعم.

(إل يظل واقفًا، ينظر إلى المسدس.)

العمدة : لقد هرب نمر السيدة تساخاناسيان، وهو الآن يُعربِد في الكنيسة كما يشاء؛ فلا بد أن يَتسلَّح الإنسان.
إل : بكل تأكيد.
العمدة : استدعَيتُ الرجال الذين يمتلكون أسلحة نارية، أمَّا الأولاد فَسيُحْجَزون في المدرسة.
إل (مُرتابًا) : هذه مصاريف كبيرة بعض الشيء.
العمدة : لاقتناص حيوان مُفتَرس.

(مدير الأعمال يأتي.)

مدير الأعمال : مدير البنك الدولي يا سيدتي الكريمة، وصل لتوه بالطائرة من نيويورك.
كلير تساخاناسيان : لا أستطيع التكلُّم مع أحد الآن، عليه أن يرجع.
العمدة : ماذا يُؤرِّقك؟ أَفضِ بكل ما في صدرك.
إل (مرتابًا) : أنت تدخن نوعًا جيدًا.
العمدة : سيجارة بيجاسوس شقراء.
إل : غالية.
العمدة : ولذلك جيدة.
إل : كنتَ من قبل تُدخِّن نوعًا آخر.
العمدة : روسلي خمسة.
إل : أرخص من تلك.
العمدة : تَبغُها حامٍ جدًّا.
إل : كرافتة جديدة؟
العمدة : من الحرير.
إل : ولا شك أنَّك اشتريتَ أحذية جديدة أيضًا؟
العمدة : كلَّفتُ مَن يأتينا بها من كالبرشتات، غريب! ومن أين علمتَ بهذا؟
إل : لذلك أتيتُ.
العمدة : ماذا دهاك؟ إنَّك تبدو شاحبًا، أأنت مريض؟
إل : أنا خائف.
العمدة : خائف؟
إل : الرخاء يزداد.
العمدة : ما أغرب هذا! المفروض أن يكون ذلك مَصدَر سرور.
إل : أنا أطلب حماية السُّلطة.
العمدة : آه! ولماذا؟
إل : السيد العمدة يعرف الأمر جيدًا.
العمدة : أترتاب في شيء؟
إل : جائزة قدرها مليار ثمن لرأسي.
العمدة : اتصل بالشرطة.
إل : كنت الآن عند الشرطة.
العمدة : لا بد أنَّ ذلك قد طمأنك.
إل : رأيت في فم الشرطي سنًّا ذهبية جديدة تلمع.
العمدة : إنك تنسى أنَّك في جوللين، في مدينة ذات تقاليد إنسانية، جُوته أمضى ليلة فيها، وبرامس ألَّف فيها إحدى رباعياته، هذه القيم تُقابلها واجبات.

(من اليسار يدخل رجل يحمل آلة كاتبة، الثالث.)

الرجل : الآلة الكاتبة الجديدة يا سيادة العمدة، ماركة ريمنجتون.
العمدة : أَدخِلْها المكتب.

(الرجل ينصرف من اليمين.)

العمدة : إنَّنا لا نستحق هذا الجحود، إذا كنتَ لا تستطيع أن تثق في جماعتنا، فإنَّك تُثير شفقتي، لم أكن أنتظر منك هذا المسلك العَدَمي، إنَّنا على أي حال نعيش في دولة تُؤمِن بالعدالة.
إل : إذن فَألقِ القبض على السيدة.
العمدة : هذا عجيب منك، عجيب جدًّا!
إل : هذا ما قاله الشرطي أيضًا.
العمدة : إنَّ تَصرُّف السيدة — يعلم الله — لا يُعتبَر تَصرُّفًا مستحيل الفهم؛ فإنَّك على أيَّة حال قد حرَّضت رجلين على شهادة الزُّور، وألقيتَ ببنت صغيرة في هُوَّة البؤس البَحْت.
إل : ومعنى هذا البؤس البَحْت، على أيَّة حال، بضعة مليارات، يا عمدة.

(صمت.)

العمدة : لنتكلم فيما بيننا مُخلصِين.
إل : هذا ما أرجوه.
العمدة : بين رجلين كما طلبتَ، ليس هناك باعِث خُلُقي يُخوِّل لك طلب القبض على السيدة، كذلك لا يصح لك أن تُصبح عمدة، يؤسفني أن أُضطر إلى تبليغك هذا.
إل : رسميًّا؟
العمدة : بتكليف من الأحزاب.
إل : فهمتُ.

(يتَّجه إلى اليسار نحو النافذة، يُدير ظهره إلى العمدة، يُحمْلق في النافذة.)

العمدة : ليس معنى استنكارنِا لاقتراح السيدة أنَّنا نُوافق على الجرائم التي أدَّت إلى هذا الاقتراح، ومَنصِب العمدة يتطلَّب صفات أخلاقية خاصة لم يَعُد في مقدورك تقديمها، لا بد لك أن تُقدِّر هذا. أمَّا أنَّنا فيما عدا ذلك سنظل نُكِن لك الاحترام والصداقة كما كان الحال في الماضي، فالأمر لا يحتاج إلى تبيان.

(يُقبِل روبي وتوبي من اليسار وهما يحملان باقات وزهورًا عبر المسرح، ويتواريان بها في فندق الرسول الذهبي.)

العمدة : الأفضل أن نلوذ بالصمت حيال هذا الأمر كله، وقد رجوت صحيفة اﻟ «فولكس بوته»١٠ ألَّا تذكر من أمرك شيئًا.

(إل يلتفت.)

إل : إنَّهم منذ الآن يُزيِّنون نَعْشي، يا عمدة، الصمت خطير جدًّا بالنسبة إليَّ.
العمدة : لماذا إذن يا عزيزي إل؟ كان الأحرى بك أن تشكر صَنيعَنا حين ترانا نَبْسُطُ على فَعلتك الشريرة بُساط النسيان.
إل : إذا كنتَ تراني أتكلَّم فهذه فرصتي الأخيرة للنجاة.
العمدة : هذه هي الذروة، مَن إذن ذلك الذي يُهدِّدك؟
إل : واحد منكم.

(العمدة ينهض.)

العمدة : فيمن تشك؟ اذكر لي اسمًا معيَّنًا وأنا أفحص الأمر، لا تُبالِ.
إل : كلكم.
العمدة : إنَّني أحتج رسميًّا باسم المدينة ضد هذا القذف.
إل : لا أحد يريد أن يقتلني بنفسه، كل منكم يأمل أن يفعل ذلك فاعل غيره، ولا بد أن يقوم بذلك أحدهم يومًا ما.
العمدة : إنَّك ترى أوهامًا.
إل : إني أرى تصميمًا على الحائط، المبنى الجديد لدار البلدية؟

(يضرب على التصميم المُعلَّق.)

العمدة : رَبَّاه، إنَّ لنا حق وَضْع ما نشاء من التصميمات.
إل : إنَّكم تُفكِّرون في موتي.
العمدة : يا عزيزي، إذا لم يَعُد لي باعتباري رجلًا سياسيًّا؛ أي حق في الإيمان بمستقبل أفضل، دون أن أُضطر إلى ارتكاب جريمة، فإني سأستقيل فورًا، ولك أن تَطمئِن إلى ذلك.
إل : لقد حَكمتم عليَّ بالإعدام.
العمدة : يا سيد إل.
إل (بصوت منخفض) : التصميم يُبرهِن على ذلك، يُبرهِن على ذلك.
كلير تساخاناسيان : أوناسيس سيأتي، الأمير والأميرة أغا.
الزوج ٨ : على؟
كلير تساخاناسيان : شلة الرفييرا كلها.
الزوج ٨ : صحفيون؟
كلير تساخاناسيان : من جميع أنحاء العالم؛ فحيث أَتزوَّج لا بد أن تُوجَد الصحافة، إنَّها في حاجة إليَّ، وأنا في حاجة إليها.

(تَفُض خطابًا آخر.)

كلير تساخاناسيان : من الجراف هولك.
الزوج ٨ : هوبسي، هل لا بد لكِ فعلًا أن تَقرئي خطابات أزواجك السابقين أثناء أول إفطار لنا معًا؟!
كلير تساخاناسيان : لا أريد أن أَفقِد ترتيبهم في مُخيِّلتي.
الزوج ٨ (بألم) : أنا أيضًا الآخَر لي مشاكلي.

(ينهض ويحملق في البلدة من أسفل.)

كلير تساخاناسيان : ألا تسير سيارتك البورشه؟
الزوج ٨ : هذه البلدة الصغيرة تضايقني، حقيقةً إنَّ شجرة الزيزفون تُحدِث حفيفًا، والطيور تشدو، والنافورة تُحدِث خريرًا، ولكنَّها كانت تفعل الشيء نفسه قبل نصف ساعة، ليس هنا شيء ذو بال لا في الطبيعة ولا في الناس، كل ما هنا، عبارة عن هدوء عميق لا يخالطه هم، شبع، راحة، ليس ثمة عظمة، ليس ثمة مأساة، وليست هناك أيَّة سمة أخلاقية مما يُميز عصرًا من عصور العظمة.

(من اليسار يأتي القس يحمل سلاحًا ناريًّا، يفرش منديلًا أبيض عليه صليب أسود على المنضدة التي كان الشرطي يجلس إليها من قَبْل، يُسنِد البندقية على حائط الفندق. خادم الكنيسة يساعده في لبس رداء الكهنوتية. ظلام.)

القس : ادخل الرواق يا سيد إل.

(إل يأتي من اليسار.)

القس : الدنيا مُظلِمة هنا، الجو أقرب إلى الرطوبة.
إل : لا أريد أن أضايقك، يا سيدي القس.
القس : بيت الله مفتوح لكل إنسان.

(يلحظ أنَّ نظر إل يقع على البندقية.)

القس : لا تدهش من وجود البندقية، نَمِر السيدة تساخاناسيان الأسْوَد يتسلَّل من مكان إلى آخر، وكان منذ لحظة هنا في المقاعد العلوية، وهو الآن في شونة بيتر.
إل : أنا أرجو عَونَك.
القس : لماذا؟
إل : أنا خائف.
القس : خائف؟ ممن؟
إل : من الناس
القس : أتخاف أن يقتلك الناس يا إل؟
إل : إنَّهم يطاردونني كما لو كنتُ حيوانًا وحشيًّا.
القس : لا ينبغي للمرء أن يخاف الناس، بل الله، ولا أن يخاف موت الجسد، بل موت الروح. أغلق أزرار الرداء الخلفية، يا خادم الكنيسة!

(في كل من حوائط المسرح يظهر مواطنون من جوللين، الشرطي أولًا، العمدة، الأربعة، المصوِّر، المعلم، كلهم يَتربَّصون، البنادق مُعدَّة للضرب، يَتسلَّلون من هنا وهناك.)

إل : الأمر يتعلَّق بحياتي.
القس : حياتك الخالدة.
إل : الرخاء يعم.
القس : عفريت ضميرك.
إل : الناس فَرِحون. البنات يضعن زينتهن، والصِّبْية يَلْبَسون قمصانًا مختلفة الألوان. المدينة تستعد لعيد قتلي، وأنا أتحطم من الرعب.
القس : إنَّ ما تُقاسيه أمر واقع، أمر واقع تمامًا.
إل : إنَّه الجحيم.
القس : الجحيم موجود فيك، أنت أكبر مني سنًّا وتعتقد أنَّك تعرف الناس، وما يعرف الإنسان إلَّا نفسه. إنَّك تعتقد الآن أنَّ الناس سيخونونك لقاء مال؛ لأنَّك من قَبْل خُنتَ بنتًا من أجل المال؛ تستنتج الحكم من فَعلَتك، وتتوقعه من الآخرين، وهذا طبيعي جدًّا؛ فسبب خوفنا موجود في قلوبنا، كائن في خطيئتنا، لو وعَيتَ هذا لقهرْتَ ما يُؤرقك ولاكتسبْتَ أسلحة تمكِّنك من ذلك.
إل : عائلة زيمتهوفر اشترت غسالة آلية.
القس : لا تهتم بهذا.
إل : على الحساب.
القس : بل اهتم بخلود روحك.
إل : واشترت عائلة شتوكار جهاز تليفزيون.
القس : أدِّ الصلاة، هات الحزام يا خادم الكنيسة.

(خادم الكنيسة يضع الحزام للقس.)

القس : فَتِّش في ضميرك، اسلك سبيل الندم، وإلَّا زادت الدنيا خوفك تأججًا، هذا هو السبيل الوحيد، لسنا نستطيع غيره.

(صمت. الرجال حاملو البنادق يختفون من جديد. ظلال على حواف المسرح. ناقوس المطافئ يَشْرع في الدق.)

القس : والآن يا سيد إل، عليَّ أن أقوم بمباشرة عملي، ينبغي أن أشرع في التعميد. هاتِ الكتاب المقدَّس يا خادم الكنيسة، وكتاب الطقوس، كتاب المزامير. الطفل الصغير بدأ يصرخ، ينبغي أن يُدفع به إلى ساحة الأمان، إلى الشعاع الوحيد الذي يُنير عالَمَنا.

(ناقوس آخر يَشْرع في الدق.)

إل : ناقوس آخر؟
القس : أليس كذلك؟ الصوت رائع؛ ممتلئ وقوي، إيجابي، إيجابي بحت.
إل (ينفجر صارخًا) : وأنت أيضًا، يا قس! أنت أيضًا!

(القس يرتمي على إل ويضمه إليه.)

القس : اهرب؛ إنَّنا ضعاف، المسيحيُّون منَّا وغير المسيحيين، اهرب، الجرس يُدوِّي في جوللين، ناقوس الخيانة، اهرب، لا تدفَعْنا إلى الفتنة ببقائك.

(رصاصتان تنطلقان. إل يخر على الأرض، القس يقع بجانبه.)

القس : اهرب، اهرب.
كلير تساخاناسيان : بوبي، أطلق بعضهم رصاصًا.
مدير الأعمال : تمامًا، يا سيدتي الكريمة.
كلير تساخاناسيان : ولماذا؟
مدير الأعمال : لقد أفلت النمر.
كلير تساخاناسيان : هل أصابوه؟
مدير الأعمال : إنَّه يرقد ميتًا أمام محل إل.
كلير تساخاناسيان : أسفي على الحيوان الصغير العزيز! سلام جنائزي يا روبي.

(مارش جنائزي على القيثارة. الشرفة تختفي. ناقوس يدق. المسرح يُصبح كما كان في بداية الفصل الأول. المحطة. ولكن لوحة مواعيد القطارات على الحائط جديدة، غير مُقطَّعة، وفي مكانٍ ما عُلِّقت لافتة رُسمت عليها شمس صفراء تنبعث منها الأشعة، وكُتبت عليها عبارة: قوموا برحلات إلى الجنوب. ولافتة أخرى عليها: ساعدوا تمثيليات الآلام في أوبارأمرجاو. كذلك يُلاحظ المشاهِد في المؤخِّرة بعض آلات رافعة بين البيوت، وكذلك الأسطح الجديدة. ضجة مُدوِّية مزلزِلة لقطار سريع مُنطلِق. أمام المحطة ناظر المحطة يؤدي التحية. من المؤخِّرة يأتي إل وبيده حقيبة صغيرة قديمة، ينظر حوله. مواطنون جوللينيون يُقْبلون من كل صَوب ببطء، كأنَّهم جاءوا مصادفة. إل يتردَّد، يظل واقفًا.)

العمدة : سلام عليك، يا إل.
الجميع : سلام عليك، سلام عليك.
إل (مُتردِّدًا) : عليكم السلام.
المعلم : أين تذهب بهذه الحقيبة؟
الجميع : إلى أين؟
إل : إلى المحطة.
العمدة : سنرافقك.
الجميع : سنرافقك، سنرافقك.

(يزداد وفود أهل جوللين.)

إل : خلُّوا عنكم، بكل إخلاص خلُّوا عنكم؛ ليس الأمر ذا أهمية.
العمدة : هل أنت مسافر يا إل؟
إل : أنا راحل.
الشرطي : وإلى أين؟
إل : لا أدري! إلى كالبرشتات، ومنها أُتابع الرحيل.
المعلم : هكذا، ثم تتابع الرحيل.
إل : إلى أستراليا؛ فهذا أفضل شيء، وهناك سأجد وسيلة للحصول على المال.

(يَتَّجه إلى المحطة.)

الجميع : إلى أستراليا، إلى أستراليا.
العمدة : ولماذا؟
إل (مُضطربًا.) : على أيَّة حال الإنسان لا يستطيع أن يعيش في مكان واحد دائمًا، حيث تتابع عليه الأيام والسنون.

(يشرع في العَدْو، يبلغ المحطة. الآخرون يتبعونه في تُؤَدة، يحيطون به.)

العمدة : تُهاجر إلى أستراليا! أمر يدعو للضحك.
الطبيب : هذا أخطر شيء بالنسبة لك.
المعلم : أحد الخصيَّيْن القصيرَين كان قد انتهى به الأمر إلى الهجرة لأستراليا.
الشرطي : أنت هنا أكثر أمنًا.
الجميع : أكثر أمنًا، أكثر أمنًا.

(إل يلتفت حوله في خوف، كما لو كان حيوانًا مُطارَدًا.)

إل (بصوت مُنخفِض) : كتبتُ للمدير في كافيجن خطابًا.
الشرطي : ثم ماذا؟
إل : لم أتلقَّ ردًّا.
المعلم : سوء ظنك هذا لا سبيل إلى فهمه.
العمدة : لا أحد يريد أن يقتلك.
الجميع : لا أحد، لا أحد.
إل : مكتب البريد لم يرسل الخطاب.
المصور : غير ممكن.
العمدة : موظف البريد عضو في مجلس البلدة.
المعلم : رجل محل لكل ثقة.
الجميع : محل لكل ثقة، محل لكل ثقة.
إل : هنا. لافتة كتب عليها: قُومُوا برحلات إلى الجنوب.
الطبيب : ثمَّ ماذا؟
إل : شَاهِدوا تمثيليات الآلام في أوبارأمرجاو.
المعلم : ثم ماذا؟
إل : وهناك من يقومون بالبناء.
العمدة : ثم ماذا؟
إل : وكلكم تلبسون بنطلونات جديدة؟
الأول : ثمَّ ماذا؟
إل : وتزدادون غِنًى وثروة.
الجميع : ثمَّ ماذا؟

(ناقوس يدق.)

المعلم : ها أنت ذا ترى مقدار حُبِّنا لك.
العمدة : البلدة كلها ترافقك.
الجميع : البلدة كلها، البلدة كلها.
إل : لم أطلب إليكم الحضور لمرافقتي.
الثاني : ولكن لنا أن نُودِّعك.
العمدة : كأصدقاء قدامى.

(ضجة قطار. ناظر المحطة يتناول المؤشِّر. من ناحية اليسار يظهر مُحصِّل القطار كما لو كان قد قفز من القطار لِتَوِّه.)

المحصل (في صيحة بطيئة ممطوطة) : جوللين.
العمدة : هذا قطارك.
الجميع : قطارك، قطارك.
العمدة : والآن يا إل، أتمنى لك رحلة طيبة.
الجميع : رحلة طيبة، رحلة طيبة.
الطبيب : وحياة جميلة.
الجميع : وحياة جميلة.

(أهل جوللين يتجمَّعون حول إل.)

العمدة : لقد أزف الموعد، اركب القطار باسم الله إلى كالبرشتات.
الشرطي : ونتمنى لك حظًّا عظيمًا في أستراليا.
الجميع : حظًّا عظيمًا، حظًّا عظيمًا.

(إل يقف بلا حراك، يحملق في مُواطنِيه.)

إل (بصوت مُنخفِض) : لماذا تقفون جميعكم هنا؟
الشرطي : ماذا تريد إذن؟
ناظر المحطة : ركوب.
إل : لماذا تتجمعون حولي هكذا؟
العمدة : نحن لا نتجمَّع حولك مُطلقًا.
إل : أفسحوا الطريق.
المعلم : لقد أفسحنا الطريق وانتهينا.
الجميع : لقد أفسَحْنا الطريق، لقد أفسَحْنا الطريق.
إل : سيُوقِفُني واحد منكم.
الشرطي : هذا هراء، ما عليك إلا أن تركب القطار لترى أنَّ ذلك محض هراء.
إل : ابتعِدُوا.

(لا يتحرَّك أحد منهم، البعض يقفون واضعين أيديهم في جيوب البنطلونات.)

العمدة : لا أدري ماذا تريد؟ الرحيل من شأنك وحدك، اركب القطار إذن.
إل : ابتَعِدوا.
المعلم : إنَّ خوفك يثير الضحك.

(إل يَخر على ركبتيه.)

إل : لماذا تقفون هكذا قريبًا مني؟
الشرطي : لقد جُن الرجل.
إل : إنَّكم تريدون إبقائي.
العمدة : بل اركب.
الجميع : اركب، اركب.

(صمت.)

إل (بصوت مُنخفِض.) : سيرجعني أحدكم لو ركبتُ.
الجميع (يُؤكِّدون) : لن يحدث … لن يحدث.
إل : أنا أعرف ذلك.
الشرطي : لقد أَزِف الوقت.
المعلم : اركب القطار إذن أيها الرجل الطيب.
إل : أنا أعرف ذلك، سيُرجِعني بعضكم، سيُرجِعني بعضكم.
ناظر المحطة : قيام.

(يرفع المؤشر، المحصِّل يقوم بحركة كما لو كان يقفز إلى القطار، وإل منهار، يُحيط به أهل جوللين، يُغطِّي وجهه بيديه.)

الشرطي : أترى؟ لقد انطلق وتركك.

(الجميع يتركون إل المنهار، يذهبون إلى الخلف، ببطء، يختفون.)

إل : أنا ضائع.
١  طراز من الطُّرُز الفنية دام من ١٨٩٠م إلى ١٩٠٥م تقريبًا، وسُمِّي شبابيًّا نِسبة إلى مجلة «الشباب» التي كانت تظهر في ميونيخ في ذلك العصر. ويهتم هذا الاتجاه الفني — خلافًا للاتجاه التأثيري، والاتجاه التاريخي — ببساطة وجمال الأشكال في جوانب الحياة اليومية، بالزخرفة، بتجاهل العامل المكاني، وبالميل إلى القِيَم الرمزية. والأسلوب الشبابي في نظر المعاصرين من العامة «أسلوب عجائزي». (المترجم)
٢  تعني ضُمَّت أجزاؤها المتفرِّقة من أعضاء تعويضية وما شابه إلى بعضها فصارت شخصًا، كما تُجمع أجزاء السيارات والآلات في مصانع التجميع لتصبح سيارات وآلات. (المترجم)
٣  لقب ألماني يُعادل لقب بارون. (المترجم)
٤  لم ترد في المسرحية أسماء العملة المستعمَلة وقد اعتبرناها ماركات. وفنكات (الفنك ١ / ١٠٠ من المارك). (المترجم)
٥  لم ترد في المسرحية أسماء العملة المستعمَلة وقد اعتبرناها ماركات، وفنكات: (الفنك ١ / ١٠٠ من المارك). (المترجم)
٦  هوبسي اسم من أسماء المداعبة. (المترجم)
٧  = دوايت دافيد أيزنهاور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ١٩٥٣–١٩٥٨م. (المترجم)
٨  Dupont-Aktien
٩  القصر الملكي في لندن.
١٠  جريدة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤