الفصل الثالث

شونة بيتر. إلى اليسار تجلس كلير تساخاناسیان في هَودَجها بلا حراك، في ثوب العرس الأبيض، والطرحة، إلخ. إلى أقصى اليسار سُلَّم، وعربات دريس، عربة حنطور قديمة، قَش، في الوسط دَن صغير. ومن أعلى تتدلَّى بعض الأسمال، غرائر بالیة، خيوط عنكبوت هائلة منتشرة. مدیر الأعمال يأتي من المؤخِّرة.

مدير الأعمال : الطبيب، والمعلم.
كلير تساخاناسیان : فليَدْخُلا.

(الطبيب والمعلم يظهران، يتحسسان طريقهما عَبْر الظلام، يجدان في النهاية صاحبة المليارات، ينحنيان. الاثنان الآن يرتديان ملابس برجوازية جيدة، مناسبة، بل تبدو عليهما الأناقة.)

الاثنان : أيتها السيدة الكريمة.

(كلير تساخاناسیان تتأملهما من خلال نظارتها.)

كلير تساخاناسیان : عليكما غبار، سادتي.

(الاثنان يمسحان الغبار.)

المعلم : سامحينا، اضطررنا لتسَلُّق عربة حنطور قديمة.
كلير تساخاناسیان : اعتكفتُ في شونة بيتر؛ لأني محتاجة للراحة؛ القران الذي أُقيم في كنيسة جوللين منذ قليل أتعبني، على أيَّة حال لم أعد في ريعان الصِّبا، اجلِسا على الدَّن.
المعلم : شكرًا.

(يجلس. الطبيب يظل واقفًا.)

كلير تساخاناسیان : الجو مكتوم هنا، خانق، ولكني أحب هذه الشونة، رائحة الدريس والقش وشحم العربات، ذكريات، كل هذه الأدوات، شوكة الروث، عربة الحنطور، عربة الدريس المكسرة كلها كانت هنا أيام صباي.
المعلم : مكان للتأمل.

(يمسح عرقه.)

كلير تساخاناسیان : كانت عظة القس مما يرفع الروح المعنوية.
المعلم : رسالة كورنثة الأولى، فقرة ١٣.
كلير تساخاناسیان : وأنت أيضًا قد قمتَ بدورك في مهارة مع الفرقة المختلطة يا سيدي المعلم، كان للإنشاد دَوِي احتفالي.
المعلم : باخ.١ من الآلام رواية متى، ما زلتُ مأخوذًا للآن. كانت هناك دنيا الأرستقراطية، ودنيا المال، ودنيا السينما.
كلير تساخاناسیان : كل هذه الدنى سارعت في عرباتها الكاديلاك إلى العاصمة لوليمة العرس.
المعلم : أيتها السيدة الكريمة، لسنا نريد أن نأخذ من وقتك الثمين أكثر من اللازم، لا بد أنَّ قرينك ينتظرك بفروغ الصبر.
كلير تساخاناسیان : هوبي؟ لقد أعدْتُه في عربته البورشة إلى جايزلجاشتايج.
الطبيب (مضطربًا) : إلى جايزلجاشتایج؟
كلير تساخاناسیان : محامِيَّ قدَّموا طلبًا بالطلاق.
المعلم : أيتها السيدة الكريمة؟
كلير تساخاناسیان : متعودون على ذلك؛ إنَّها زيجة تُعتبر بالقياس إلى زيجاتي الأخرى في المرتبة الثانية من القِصَر، فزواجي من اللورد إسماعيل استمر وقتًا أقصر من ذلك، ماذا أتى بكما إليَّ؟
المعلم : أتينا إليكِ في شأن السيد إل.
كلير تساخاناسيان : أوه! هل مات؟
المعلم : أيتها السيدة الكريمة، لنا على أيَّة حال مبادئنا الغربية.٢
كلير تساخاناسيان : وماذا تريدون؟
المعلم : لقد اشترى أهل جوللين، بكل أسف أشياء مختلفة.
الطبيب : كثيرة نوعًا ما.

(الاثنان يمسحان عرقهما.)

كلير تساخاناسيان : لعلهم استدانوا؟
المعلم : بلا أمل في السداد.
كلير تساخاناسیان : بالرغم من المبادئ؟!
المعلم : لسنا إلا بشرًا.
الطبيب : وعلينا أن ندفع الآن ديوننا.
كلير تساخاناسیان : إنَّكم تعرفون ما عليكم أن تفعلوه.
المعلم (بشجاعة) : يا سيدة تساخاناسیان، لنتكلم معًا بصراحة، ضعي نفسكِ في موقفنا المؤلم، منذ عشرين سنة وأنا أغرس في هذا المجتمع الذي أخْنَى عليه الفقر بذور الإنسانية الرقيقة، وكان طبيب البلدة ينطلق لعيادة المصْدورِين والمصابِين بالكُسَاح في عربته المرسيدس القديمة، فلِمَ كانت تلك التضحيات الأليمة؟ من أجل المال؟ طبعًا لا، إلا أن يكون أقل ما يعيش به إنسان، ومكسبنا ضئيل. وأنا رفضت رفضًا تامًّا عرضًا للعمل في المدرسة الثانوية الرئيسية في كالبرشتات، ورفض الطبيب عرضًا للتدريس في جامعة إرلانجن، هل كان هذا من أجل حُب خالص للإنسانية؟ لو قلنا ذلك لكان من قَبيل المبالغة، لقد تجلَّدنا كل تلك الأعوام الطويلة التي لا نهاية لها، وتجلَّدتْ معنا البلدة كلها؛ لأنَّه كان هناك أمل، أمل بأن تعود جوللين إلى عظمتها مرة أخرى، وأنتِ تَعرفِين الإمكانيات التي تُكِنُّها أرض الوطن بكميات وفيرة؛ فالبترول موجود تحت منخفض بوكینريد، وخام الحديد تحت غابة كونراد سفايل. إننا لسنا فقراء، إنَّنا إنما نحتاج إلى قَرْض وثقة، وأوامر توريد؛ لكي يزدهر اقتصادنا وتزدهر ثقافتنا، فجوللين تستطيع أن تقدم شيئًا ما؛ ألا وهو ساحة الكوخ المشمس.
الطبيب : ومصانع بوكمان.
المعلم : ومصانع فاجنر، اشتريها، دَعِّمِيها، وبذلك تزدهر جوللين، يكفي أن تَدْفَعي مائة مليون، في صفقة رابحة، ولن يكون عليك أن تُبدِّدي مليارًا.
كلير تساخاناسيان : عندی ملیاران آخران.
المعلم : لا تَدَعِي صَبْرنا الطويل يضيع هباء، إننا لا نرجو صدقة، ولكنَّا نَعرِض عليكِ عملًا مُربِحًا.
كلير تساخاناسيان : فعلًا، لا بأس به كعمل.
المعلم : أيتها السيدة الكريمة، كنتُ أعلم أنكِ لن تتركينا في ورطتنا.
كلير تساخاناسیان : لكن التنفيذ غير ممكن؛ لا أستطيع شراء ساحة الكوخ المشمس؛ لأنَّها مِلكي.
المعلم : ملكك؟
الطبيب : وبوكمان؟
المعلم : ومصانع فاجنر؟
كلير تساخاناسیان : كلها ملكي أيضًا؛ المصانع، منخفَض بوكينريد، شونة بيتر، البلدة كلها، شارعًا شارعًا، بيتًا بیتًا، لقد أمرْتُ عملائي بأن يشتروا هذه الخرائب وأن يُوقِفوا الأعمال السائرة. أمَلُكم كان جنونًا، صَبْركم كان سُخفًا، تضحيتكم كانت حُمقًا، لقد أضعتم حياتكم هباءً.

(سكون.)

الطبيب : لكن هذا فظيع.
كلير تساخاناسيان : في ذلك الحين كان الوقت شتاء، عندما تركتُ هذه البلدة، وكنتُ في زِي بحَّار بضفائر حمراء، حاملًا في الأيام الأخيرة، فَضحك مني نَفَر من أهل البلدة ساخِرِين، وجلستُ أرتعد من البرد في القطار السريع المسافر إلى هامبورج، فما إن تَهاوتْ ملامح شونة بيتر كما لو كان يَحجبُها لوح زجاج عليه رَذاذ جليد مُتجمِّد، حتى قرَّرتُ أن أعود إليها مرة فيما بعد. وها أنا ذي، الآن أنا التي أَفرض الشَّرْط، أُمْلي ما يُعمَل. (بصوت عالٍ) روبي، توبي، إلى الرسول الذهبي؛ الزوج رقم تسعة أتى بكتبه ومخطوطاته.

(العملاقان الشائهان يأتيان من المؤخِّرة ويرفعان الهودج إلى أعلى.)

المعلم : يا سيدة تساخاناسيان، إنَّك امرأة مُحِبة مَكلومة، أنتِ تَطلُبين العدالة المطْلَقة، إنَّك تَلوحِين لي كبطلة من أبطال العصور القديمة، كمیديا.٣ ولكنكِ في أعماقك تُقدِّرين، وهذا يشجعنا على أن نطلب منك المزيد؛ تخلِّي عن فكرة الانتقام الفظيعة، لا تدفعي بنا إلى أحمق حماقة، ساعِدي أناسًا فقراء ضعفاء مُستقيمِين على أن يحيوا حياة أكرم، غالِبِي نفسكِ من أجل الإنسانية الخالصة.
كلير تساخاناسيان : الإنسانية، يا سادتي، خُلقَت لخزائن أصحاب الملايين، إنَّ من يملك إمكانياتي المالية يستطيع أن يضع للدنيا نظامًا خاصًّا به. لقد جعلَتْ مِني الدنيا عاهرة، فلأجْعَلَن منها دارًا للفجور، من لا يستطيع أن يَدفَع فعليه أن يُحكِم التشبُّث إن أراد ألَّا يسقط، وأنتم تريدون ألا تسقطوا، ومن يدفع هو الذي ينال الاحترام، وأنا أدفع، وتستطيع جوللين الحصول على انتفاضة اقتصادية مُقابِل قَتْل، مُقابِل جثة واحدة، انصَرِفا.

(تُحمَل إلى الخلف.)

الطبيب : رَبَّاه، ماذا نعمل؟
المعلم : ما يُملِيه علينا ضميرنا، يا دكتور نوسلين.

(في المقدمة من ناحية اليمين يظهر محل إل. لافتة جديدة. منضدة محل تجاري جديد بَرَّاقة، خزانة جديدة. بضائع أرفع قيمة. عندما يَمُر أحد خلال الباب الوهْمِي يدق جرس بديع. وراء منضدة المحل زوجة إل. من ناحية اليسار يأتي الأول في صورة جَزَّار مُحْدِث نعمة، بعض نُقط دم على المريلة الجديدة.)

الأول : لقد كان عيدًا. وقفت جوللين عن بكرة أبيها في ميدان الكنيسة تتفرج.
زوجة إل : كليرشن هي السعادة الممنوحة لنا بعد طول البؤس.
الأول : ممثلات السينما كوصيفات الشَّرَف. لهن مثل هذه النهود.
زوجة إل : موضة هذه الأيام.
الأول : صحفيون، سيَمُرون من هنا أيضًا.
زوجة إل : نحن أناس عاديون، يا سيد هوفباور، ولا يمكن أن نكون موضع اهتمامهم.
الأول : إنَّهم يسألون الجميع. سجاير.
زوجة إل : مِنَ الخضراء؟
الأول : كاميل، وساريدون، سنحضر الاحتفال الليلة عند أسرة شتوكر.
زوجة إل : أكتُبُها على الحساب؟
الأول : على الحساب.
زوجة إل : كيف حال العمل في محلك؟
الأول : سائر؟
زوجة إل : لا وجه للشكوى.
الأول : عينتم عمالًا؟
زوجة إل : سنُعيِّن عاملًا أول الشهر.

(الآنسة لويزة تمر مرتدية ملابس أنيقة.)

الأول : إنَّها تخدع نفسها خداعًا لطيفًا؛ إذ ترتدي هذه الملابس، لا بد أنَّها تعتقد أننا سنقتل إل.
زوجة إل : عديمة الحياء.
الأول : أين هو؟ لم أرَه منذ وقت طويل.
زوجة إل : فوق.

(الأول يُشعل سيجارة، ويُنصِت مُرهِفًا سَمْعه إلى أعلى.)

الأول : صوت خُطًی.
زوجة إل : يَلُف ويدور في الحجرة، منذ أيام.
الأول (ضمير مُعذَّب) : ساء ما فعَلَه بالسيدة تساخاناسيان المسكينة!
زوجة إل : أنا أتألم لذلك أيضًا.
الأول : أن يُلْقي الإنسان ببنت في أحضان البؤس، أُف من الشيطان. (مصممًا) يا سيدة إل، أرجو ألَّا يثرثر زوجك عندما يأتي الصحفيون.
زوجة إل : كلا.
الأول : كطبعه.
زوجة إل : إنني ألْقَى الصِّعاب، یا سید هوفباور.
الأول : إن أراد أن يُشنِّع على كلارا، أو يحكي عنها الأكاذيب أو أنَّها خَصَّصت جائزة لمن يقتله، وكان ذلك تعبيرًا عن ألم خفي، فسيكون علينا أن نتدخل، لا من أجل المليار (يبصق)، وإنما من أجل غضب الشعب. إنَّ السيدة تساخاناسيان الصالحة، يعلم الله أنَّها قد قاست بسببه بما فيه الكفاية (يلتفت حوله) هل طريق الصعود إلى المسكن من هنا؟
زوجة إل : الطريق الوحيد للصعود، طريق غير عملي، لكننا سنعدل البناء في الربيع القادم.
الأول : أريد أن أقف هنا، الأمان أمان.

(الأول يقف في أقصى اليمين عاقِدًا ذراعيه معًا، هادئًا، كأنَّه حارس. المعلم يُقْبِل.)

المعلم : إل؟
الأول : فوق.
المعلم : الحقيقة أنَّ ذلك ليس من طبعي، ولكني محتاج إلى مشروب كحولي قوي.
زوجة إل : جميل منك أن تزورنا مَرَّة، يا سيادة المعلم، عندي شتاینهیجر٤ جديد، هل تريد أن تجربه؟
المعلم : كأسًا صغيرة.
زوجة إل : وأنت أيضًا، يا سيد هوفباور؟
الأول : شكرًا؛ عليَّ أن أذهب بسيارتي الفولكس فاجن إلى كافيجن.٥ سأشتري خنازير صغيرة.

(زوجة إل تَصب خمرًا، المعلم يشرب.)

زوجة إل : إنَّك ترتعد، يا سيادة المعلم.
المعلم : إني أُكثر من الشراب في الأيام الأخيرة.
زوجة إل : كأس صغيرة أخرى لن تضرك.
المعلم : إنَّه يلف ويدور.

(يُنصِت مُوجِّهًا سَمْعه إلى أعلى.)

زوجة إل : يلف ويدور على الدوام.
الأول : عاقَبَه الله.
(المصوِّر يأتي من ناحية اليسار يحمل لوحة تحت ذراعه، يرتدي بدلة من قطيفة مانشستر جديدة،٦ شالًا مُلوَّنًا، بيريه أسود)
المصور : انتبِهوا فقد سأَلَنا صحفيان عن هذا المحل.
الأول : في ذلك شبهة.
المصوِّر : تظاهرتُ بأني لا أعرف شيئًا.
الأول : حاذق.
المصور : هذه لكِ يا سيدة إل، رفعتُها لِتوِّي من المرسم، لم تَجِف بعد.

(يعرض الصورة، المعلم يَصُب بنفسه خمرًا في كأسه.)

زوجة إل : زوجي.
المصور : بدأ الفن يزدهر في جوللين، تصوير؛ أي تصوير؟
زوجة إل : وتُشبِهُه.
المصور : بالزيت، تبقى إلى الأبد.
زوجة إل : من الممكن أن أُعلِّق الصورة في حجرة النوم، فوق السرير. فألفريد يزداد شيخوخة، ولا يعرف المرء ما يُمكِن أن يحدث، ويَسرُّه أن تكون لديه ذكرى.

(في الخارج تمر المرأتان اللتان ظهرَتَا في الفصل الثاني، تلبسان ملابس أنيقة وتتأملان البضائع المعروضة في نافذة العرض المخطَّطَة الملامح.)

الأول : هاتان المرأتان تذهبان إلى السينما في وضح النهار، وتتصرَّفان حِيالَنا كما لو كنَّا من أعتى القَتَلة.
زوجة إل : الثمن؟
المصور : ثلاثمائة.
زوجة إل : لا أستطيع الدفع الآن.
المصور : لا يهم، سأنتظر يا سيدة إل، سأنتظر مرتاح البال.
المعلم : الخُطى، الخُطى دائمًا.

(من ناحية اليسار يأتي الثاني.)

الثاني : الصحافة.
الأول : يجب أن نتكاتف في الموت والحياة.
المصور : يجب أن ننتَبِه حتى لا ينزل إلى هنا.
الأول : اتخذت الاحتياطات اللازمة لذلك.

(أهل جوللين يقفون ناحية اليمين. المدرس شرب نصف زجاجة الخمر، وظل واقفًا أمام منضدة المحل. اثنان من رجال الصحافة يأتيان، ومعهما جهازان للتصوير.)

الصحفي ١ : مساء الخير، أيها الناس.
أهل جوللين : سلام عليك.
الصحفي ١ : سؤال رقم واحد: ما هي مشاعركم، بصفة عامة؟
الأول (مضطربًا) : نحن — طبعًا — مسرورون لزيارة السيدة تساخاناسیان.
المصور : متأثِّرون.
الثاني : فَخُورون.
الصحفي ١ : فَخُورون.
الصحفي ٢ : سؤال رقم اثنين إلى السيدة خلف منضدة المحل: يقولون إنَّك فُضِّلت على السيدة كلير تساخاناسیان.

(سكون. يظهر على أهل جوللين الفزع.)

زوجة إل : من الذي قال هذا؟

(صمت. الصحفيان يكتبان بلا اكتراث في دفاترهما.)

الصحفي ١ : الشخصان القصيران السمينان الأعميان مع السيدة تساخاناسیان.

(سكون.)

زوجة إل (مُتردِّدة) : ماذا حكى هذان الشخصان؟
الصحفي ٢ : كل شيء.
المصور : یا للعنة.

(سكون.)

الصحفي ١ : إنَّ كلير تساخاناسیان وصاحِب المحل أوشَكَا على الزواج قبل أكثر من أربعين سنة، صحيح؟

(سكون.)

زوجة إل : صحيح.
الصحفي ٢ : هل السيد إل موجود؟
زوجة إل : في كالبرشتات.
الجميع : في كالبرشتات.
الصحفي ١ : يُمكنُنا أن نَتصوَّر الحكاية الغرامية، السيد إل وكلير تساخاناسيان يشبَّان معًا، وربما كانا جارَين، يذهبان معًا إلى المدرسة، نزهات في الغابة، القُبُلات الأولى أخوية، حتى يَتعرَّف عليكِ السيد إل، أيتها السيدة الطيبة، فيرى فيكِ الجديد، غير المألوف؛ الغرام.
زوجة إل : الغرام. حدثَت الحكاية تمامًا كما تَذكُر.
الصحفي ١ : نباهة، يا سيدة إل. كلير تساخاناسیان تعلَم بالأمر، تنسحب بطريقتها الهادئة الكريمة، وأنتِ تَتزوَّجين.
زوجة إل : عن حب.
أهل جوللين الآخرون (في ارتياح) : عن حب.
الصحفي ١ : عن حب.

(من ناحية اليمين يأتي الخَصيَّان، يجرهما روبي من أذنيهما.)

الاثنان (مُوَلوِلَيْن) : لا نريد أن نحكي أكثر من هذا، لا نريد أن نحكي أكثر من هذا.

(يُساقان إلى المؤخِّرة حيث ينتظرُهما توبي بسوط.)

الصحفي ٢ : وزوجُك، يا سيدة إل، ألم يُحسَّ من حين إلى حين؟ أعني، لو أحس لكان ذلك أمرًا إنسانيًّا، ألم يحسَّ بين الفَينة والأخرى بالندم؟
زوجة إل : المال وحده لا يجعل الإنسان سعيدًا.
الصحفي ٢ : لا يجعل الإنسان سعيدًا؟!
الصحفي ١ : حقيقة لا نستطيع نحن أهل العصر الحديث أن نُقدِّرها حق قدرها.

(الابن يأتي من ناحية اليسار، عليه جاكتة من الجلد البَرِّي.)

إل : ابننا كارل.
الصحفي ١ : شاب يافع.
الصحفي ٢ : هل يعرف أَمْر العلاقة؟
زوجة إل : إنَّنا لا نعرف في أُسرَتنا أسرارًا، نقول دائمًا: ما يعرفه الله، يجب أن يعرفه أبناؤنا.
الصحفي ١ : الأبناء يعرفون.

(الابنة تدخل المحل ترتدي ملابس التنس وتمسك المضرب في يدها.)

زوجة إل : ابنتنا أوتيليه.
الصحفي ٢ : ساحرة.

(وهنا يهب المعلم.)

المعلم : أهل جوللين، أنا مُعلِّمكم العجوز، شربتُ خمري الاشتاینهیجر في صَمْت، وسَكتُّ على كل ذلك، ولكني الآن أريد أن ألقي خطبة، وأحكي عن زيارة السيدة العجوز لجوللين.

(يرتقي الدَّن الصغير الذي ما زال باقيًا من شونة بيتر.)

الأول : أتراه قد جُن؟
الثاني : اسكت.
المعلم : يا أهل جوللين، سأُعلن عليكم الحقيقة حتى لو بقينا فقراء إلى الأبد.
زوجة إل : أنتَ ثَمِل يا سيادة المعلم، أَحْرى بك أن تخجل.
المعلم : أخجل؟ بل الأَحْرى بكِ أن تخجَلي يا امرأة؛ لأنكِ تَقومين بخيانة زوجك.
الابن : اخرس.
الأول : أَنزِلوه.
الثاني : أَخرِجوه.
المعلم : لقد اتَّسع نطاق الكارثة اتساعًا مؤسفًا.
الابنة (مُتوسِّلة) : يا سيادة المعلم.
المعلم : إنكِ تُخيِّبين أمَلي أيتها الابنة الصغيرة، كان المفروض أن تتكلَّمي أنتِ، والآن يُضطر معلم عجوز إلى الكلام بصوت هادر.

(المصور يضربه بالصورة على رأسه.)

المصور : هه؟ أتريد أن تسلبني أعمالي؟
المعلم : أنا أحْتَج أمام الرأي العام العالمي؛ هناك أشياء فظيعة تُدبَّر في جوللين.

(أهل جوللين يَنقَضُّون عليه، وفي هذه اللحظة يُقْبِل إل من ناحية اليمين في رداء قديم مَهلهَل.)

إل : ما هذا الذي يجري في محلي؟

(أهل جوللين يتركون المعلم ويُحملِقون في إل مفزوعين. سكون مطبق.)

إل : ماذا تريد بوقوفك على الدن، يا معلم؟

(يبتسم لإل في سعادة وارتياح.)

المعلم : الحقيقة، يا إل، إني أروي الحقيقة لرجال الصحافة، أرويها بصوت هادر، وكما لو كنتُ ملاكًا كريمًا (يترنح) لأني من المختصِّين في الإنسانيات،٧ صديق للإغريق القُدَامى، مُعجَب بأفلاطون.
إل : اسكت.
المعلم : هه؟
إل : انزل.
المعلم : والإنسانية؟
إل : اجلس.

(صمت.)

المعلم (وقد أفاق) : أجلس؟ على الإنسانية أن تجلس، هكذا، ولو خنت الحقيقة أنت أيضًا.

(ينزل من فوق الدن ويجلس وما زالت الصورة تُغطي رأسه.)

إل : لا مؤاخذة؛ الرجل سكران.
الصحفي ٢ : السيد إل؟
إل : ماذا تريد مني؟
الصحفي ١ : أخيرًا، يُسعدنا أن نَلْقاك الآن، نحن في حاجة إلى بعض اللقطات، تسمح؟

(ينظر حوله.)

الصحفي ١ : أطعمة، لوازم المنازل، حدايد. نعم، لنلتقط صورتك وأنت تبيع بَلْطة.
إل (مترددًا) : بلطة؟
الصحفي ١ (للجزار) : الشيء الطبيعي هو الذي يبعث التأثير، هات آلة القتل، زبونك يأخذ البلطة، يزنها في يده، يُعبِّر وجهه عن الاستغراق في التفكير، وأنت تنحني فوق منضدة المحل، تحاول أن تُقنِعه. من فضلك.

(يُنظِّم اللقطة.)

الصحفي ١ : أكثر طبيعية، يا سادة، أكثر بُعدًا عن التكلُّف.

(الصحفيان يلتقطان.)

الصحفي ١ : جميل! جميل جدًّا!
الصحفی ٢ : هل تَتكرَّم فَتضَع ذراعك حول كتِفَي قرينتك؟ الابن إلى اليسار، البنت ناحية اليمين. والآن تهلَّلوا سعادة، تهلَّلوا، تهلَّلوا، رضاء قلبيًّا، تهلَّلوا سرورًا مطمئِنًّا.
الصحفي ١ : تهلُّل رائع.

(من ناحية اليسار من الأمام يجري بعض المصوِّرِين على المسرح إلى الخلف. أحدهم يُصبِح داخل المحل.)

المصور الفوتوغرافي : تساخاناسيان تَتخِذ رجلًا جديدًا، هُما يَتنزَّهان الآن في غابة كونراد سفايل.
الصحفی ٢ : رجلًا جديدًا؟
الصحفي ١ : هذا يصلح صورة غلاف لمجلة «لايف».٨

(الصحفيان يهرولان خارِجَين من المحل. صمت. الأول ما زال يمسك بالبلطة.)

الأول (مرتاحًا) : حصل خير.
المصور : سامحنا يا معلم، إن كنا نريد أن نُسوي المسألة وديًّا، فما كان يصح أن تعرف الصحافة شيئًا، فهمت؟

(يخرج. الثاني يتبعه، لكنه يظل واقفًا أمام إل.)

الثاني : حاذق، حاذق جدًّا، أن تمسك عن اللغو؛ فالناس لن يُصدِّقوا كلمة واحدة يقولها صغير مثلك.

(يخرج.)

الأول : والآن سوف نظهر في المجلات، يا إل.
إل : نعم.
الأول : وسنصبح من المشهورِين.
إل : أو نحو ذلك.
الأول : واحدة «بارتاجاس».
إل : تفضَّل.
الأول : على الحساب؟
إل : طبعًا.
الأول (بصراحة) : إنَّ ما فعلْتَه بكليرشن لا يأتي به إلا نذل.

(يهم بالانصراف.)

إل : البلطة، يا هوفباور.

(الأول يتردد، يعيد إليه البلطة. صَمْت في المحل. ما زال المعلم يجلس على الدَّن.)

المعلم : لا تؤاخِذْني؛ لقد تذوقْتُ بعض كئوس «شتاینهیجر»، كأسين أو ثلاث كئوس.
إل : تمامًا.

(الأُسْرة تنصرف من ناحية اليمين.)

المعلم : كنت أريد مساعدتك، ولكنهم أنزَلوني، وأنت كذلك لم تشأ أن أفعل .. (يتخلَّص من الصورة) آه، يا إل! أيُّ بشر نحن؟ المليار الفاضح يتأجج في قلوبنا. جَمِّع قُواك، صارِع في سبيل حياتك، اتَّصِل بالصحافة، لم يَعُد لديك وقت تُضيعه.
إل : لن أصارعَ بعد الآن.
المعلم (مندهشًا) : قل، هل يا تُرَى فقدْتَ عقلك تمامًا من الخوف؟
إل : رأيتُ أنَّه لم يَعُد لي حق.
المعلم : لم يَعُد لك حق؟ حيال هذه العجوز الملعونة، هذه العاهرة الأثيمة التي تُبدِّل رجالها أمام أعيننا بلا حياء، التي تستولي على أرواحنا؟
إل : أنا الذي أحمل هذا الذنب في نهاية المطاف.
المعلم : الذنب؟
إل : لقد صيَّرتُ كلارا إلى ما هي عليه، وصيَّرت نفسي إلى ما أنا عليه، تاجر قذر مُلتوٍ، ماذا أفعل يا معلم جوللين؟ أمثل دَور البريء؟ كل ما حدث كان من جَرَّاء فِعلي، الخَصِيَّان، مدیر الأعمال، النعش، المليار. لم يَعُد في إمكاني مساعدة نفسي، ولا مساعدتكم أنتم أيضًا.

(يتناول الصورة الممزقة ويتأمَّلُها.)

إل : صورتي.
المعلم : زوجتك كانت تريد أن تُعلِّقها في حجرة النوم، فوق السرير.
إل : سيُعید «كون» تصويرها.

(يضع الصورة على منضدة المحل. المعلم ينهض في مَشقة، وهو يَترنَّح.)

المعلم : لقد أفقت فجأةً.

(يَتَّجه مُترنِّحًا إلى إل.)

المعلم : صدقتَ، تمامًا، أنت المذنِب في كل ذلك. والآن أريد أن أقول لك شيئًا يا إل، شيئًا أساسيًّا.

(يظل واقفًا مستقيمًا أمام إل، ولا يَترنَّح إلا ترنحًا بسيطًا.)

المعلم : سوف يَقتلك أحدهم، أعرف ذلك من أول الأمر، وأنت أيضًا تعرف ذلك منذ وقت طويل، حتى ولو لم يَشأ فرد آخر في جوللين أن يصدق ذلك. الإغراء كبير كِبَرًا مفرطًا، والفقر مرير مرارة مُفرِطة. ولكني أعرف أكثر من ذلك، أنا أيضًا سأشترك فيما سيحدث، إنني أحس كيف أتحوَّل ببطءٍ إلى قاتل. إيماني بالإنسانية قد ضَعُف وأصبحتُ سكِّيرًا؛ لأني أعرف هذا. أنا خائف يا إل! كما كنتَ أنت خائفًا، وأعرف أيضًا أنَّ سيدة عجوزًا سوف تأتي إلينا يومًا، وسيجري لنا ما يجري لك الآن، ولكني بعد برهة، ربما بعد ساعات، لن أعود أعرف شيئًا من ذلك. (صمت) زجاجة «شتاینهیجر» أخرى.

(إل يقدِّم إليه الزجاجة، المعلم يتردَّد، ثم يأخذ الزجاجة في تصميم.)

المعلم : اكتُبْها على الحساب.

(ينصرف على مهل.)

(الأسرة تعود. إل يتلَفَّت حوله في المحل كأنَّه يحلم.)

إل : كل شيء جديد، كم يبدو كل شيء عندنا حديثًا، نظيفًا، مشهيًا! كنتُ أحلم بمثل هذا المحل.

(يأخذ المضرب من يد ابنته.)

إل : تلعبين التنس؟
الابنة : تلقيتُ بضعة دروس.
إل : في الصباح الباكر، أليس كذلك؟ بدلًا من الذهاب إلى مكتب العمل؟
الابنة : كل صديقاتي يلعبن التنس.

(صمت.)

إل : رأيتُك في سيارة يا كارل، من نافذة الحجرة.
الابن : مجرد سيارة أوبل أوليمبيا ليست غالية الثمن.
إل : ومتى تعلمتَ القيادة؟

(صمت.)

إل : بدلًا من البحث عن عمل عند المحطة تحت الشمس الحارقة؟
الابن : أحيانًا.

(الابن يحمل وهو في حالة ارتباك؛ الدَّن الصغير الذي كان السِّكِّير يجلس عليه ويُخْرِجه من ناحية اليمين.)

إل : كنتُ أبحث عن الثوب الذي ألبسه أيام الأحد فوجدتُ معطفًا من الفراء.
زوجة إل : للفرجة.

(صمت.)

زوجة إل : الجميع يستدينون يا فريدي، إنَّك تَهذي لا أكثر ولا أقل، خوفك أمْر مضحك، ولا شيء غير ذلك. واضح أنَّ الأمر سيُسوَّى وديًّا دون أن تُمَس شعرة منك بما يَثْنِيها، لن تَتمسَّك كليرشن تمسُّكًا تامًّا، أنا أعرفها، إنَّ طِيبة قلبها الجمة تَحُول دون ذلك.
الابنة : فعلًا، يا أبي.
الابن : لا بد أن تفهم ذلك

(صمت.)

إل (ببطء) : اليوم يوم السبت، أريد أن أركب في عربتك يا كارل، مرة واحدة (في عربتنا).
الابن (غير مصدق) : تريد؟
إل : ارتَدُوا ملابسكم الجميلة؛ نريد أن نستقل العربة معًا.
زوجة إل (غير مصدقة) : وأنا أيضًا أركب معكم؟ هذا لا يصح.
إل : ولِمَ لا يصح؟ البسي معطفك الفرائي، وافتتحِي الاستمتاع به في هذه المناسَبة، وحتى تَفرغوا من لبسكم سأكون قد أغلقْتُ الخزانة.

(السيدة والابنة تنصرفان من ناحية اليمين، والابن من ناحية اليسار، إل يشتغل بإغلاقه الخزانة. من ناحية اليسار يأتي العمدة ومعه السلاح.)

العمدة : مساء الخير، يا إل، ولا تتوقف عمَّا تعمل بسببي، جئت أزورك زيارة عابرة.
إل : تفضل.

(صمت.)

العمدة : لقد أحضرتُ سلاحًا.
إل : شكرًا.
العمدة : إنَّه مشحون.
إل : لا حاجة لي بذلك.

(العمدة يُسند السلاح إلى منضدة المحل.)

العمدة : مساء اليوم سيجتمع مجلس البلدة في الرسول الذهبي، في قاعة المسرح.
إل : سآتي.
العمدة : الجميع سيأتون، سنعالج مسألَتَك، إنَّنا في موقف حرج.
إل : هذا ما أراه أنا أيضًا.
العمدة : سيرفضون العرض.
إل : ممكن.
العمدة : طبعًا قد يُخطئ الإنسان.
إل : طبعًا.

(صمت.)

العمدة (في حذر) : أفي هذه الحالة يا تُرَى تقبل الحكم، يا إل؟ فإنَّ الصحافة ستكون حاضرة.
إل : الصحافة؟
العمدة : وكذلك الإذاعة، التلفزيون، الجريدة السينمائية، موقف عصيب، ليس بالنسبة إليك فحسْب، بل بالنسبة إلينا كذلك، صدِّقْني، لقد أصبَحْنا مشهورِين شُهرة موطِن السيدة، وبفضل قرانها الذي عُقد في كنيستنا، حتى إنَّه قد تَقرَّر أن يُعمَل تحقيق صحفي عن نُظمِنا الديمقراطية القديمة.

(إل مشغول بالخزانة.)

إل : هل ستعلنون عَرْض السيدة على الملأ؟
العمدة : بطريقة غير مباشرة، أولو الألباب وحْدَهم هم الذين سيفهمون معنى المداوَلة.
إل : إنَّ الأمر يدور حول حياتي.

(صمت.)

العمدة : سأوجِّه الصحافة إلى أنَّه من المحتَمَل أن تُقيم السيدة تساخاناسيان مَبرَّة، وإلى أنَّك توسطْتَ في إقامة المبرة بوصفك صديق صِباها، أمَّا أنَّك كنتَ صديق صباها فأمْر أصبح الآن كما تعلم معروفًا، وبهذا تكون من الناحية الظاهرية قد تَطهَّرْت مِمَّا حدث.
إل : هذا جميل منك.
العمدة : لم أفعل ذلك من أجْلِك، وإنما من أجْل أسرتك الجادَّة المستقيمة، أقولها بصراحة.
إل : فاهم.
العمدة : إنَّنا نلعب لعبة نظيفة، لا بد أن تعترف بهذا، لقد لُذتَ بالصمت حتى الآن، حسنًا. ولكن هل ستستمر في التزام الصمت؟ إن كنتَ تريد الكلام فعلينا أن نحسم الأمر دون اجتماع مجلس البلدة.
إل : فهمتُ.
العمدة : هه؟
إل : يسعدني أن أسمع تهديدًا صريحًا.
العمدة : لستُ أهددك يا إل، أنت الذي تُهدِّدنا، إذا تكلَّمتَ، كان علينا نحن أيضًا أن نفعل شيئًا قبل ذلك.
إل : سألوذُ بالصمت.
العمدة : مهما كان قرار مجلس البلدة؟
إل : سأقبله.
العمدة : جميل.

(صمت.)

العمدة : يسرني منك أن تَمْثُل أمام محكمة مجلس البلدة يا إل، فما زال ثمة إحساس بالشرف يومض فيك، ولكن أما كان الأفضل ألَّا نعقد محكمة مجلس البلدة هذه البتة؟
إل : ماذا تهدف من وراء ذلك؟
العمدة : لقد قلت منذ لحظة إنَّك لستَ بحاجة إلى السلاح، ربما كنتَ الآن رغم ذلك في حاجة إليه.

(صمت.)

العمدة : إذن لكان في إمكاننا، في هذه الحالة، أن نقول للسيدة إنَّنا قضَيْنا عليكَ، ولتلقَّينا المال على هذا النحو أيضًا. لقد كلَّفَني تقدیم هذا الاقتراح إليك سَهَر الليالي، صدِّقني. والحقيقة أنَّه يُمكن القول: إنَّه من واجبك الآن أن تُنهي حياتك بنفسك، وأن تتحمَّل التَّبِعات كرجل له شرف، ألست ترى ذلك؟ على الأقل مشاركة منك للشعور العام؛ حبًّا في وطنك، إنَّك لا ريب ترى بلاءنا المرير، البؤس، الأطفال الجياع.
إل : حالكم الآن على ما يرام.
العمدة : إل.
إل : يا عمدة، لقد خَبرت الجحيم، رأيتُ كيف تتداينون بالديون، وأحسستُ مع كل بادرة من بوادر الرخاء الذي أصابكم بالموت يدنو مِنِّي رويدًا رويدًا. لو أنَّكم وفَّرْتم عليَّ هذا القلق، هذا الرعب الشديد؛ لتغيَّر مَجرى كل شيء، لأمكننا أن نتحدث حديثًا آخر، لأخذتُ السلاح حبًّا فيكم، لكني حبَستُ نفسي، قهرْتُ خوفي وحْدِي، كان ذلك صعبًا عليَّ، ولكنه حدَث، ليس ثمة مكان للرجوع. عليكم أن تكونوا قُضاتي. أنا سأمتثل لحكمكم مهما كان منطوقه؛ الأمر بالقياس إليَّ أمر العدالة، ولا أعرف ماذا يكون بالقياس إليكم، ساعدكم الله على التَّمسُّك بحكمكم. في مقدوركم أن تقتلوني، لن أشكو، لن أحتج، لن أُدافع عن نفسي، ولكن لا يُمكن أن أقوم بعمل هو عمَلُكم أنتم.

(العمدة يتناول السلاح من جديد.)

العمدة : خسارة؛ إنَّك تُفوِّت على نفسك فرصة التطهر، فرصة أن تُصبح الى حدٍّ ما رجلًا مستقيمًا، ولكن هذا ما لا يُمكن أن يُتوقَّع منك.
إل : نار، يا سيادة العمدة.

(يُشعل له السيجارة. العمدة ينصرف.)

(زوجة إل تأتي مرتدية مِعطفًا من الفِراء، وتأتي الابنة مرتدية ثوبًا أحمر اللون.)

إل : راقَ منظرك يا ماتيلدة.
زوجة إل : «برزیانار».٩
إل : كَسيِّدة من المجتمع الراقي.
زوجة إل : غالي الثمن شيئًا ما.
إل : جميل ثوبُك يا أوتيليه، لكن تفصيلته جريئة، ألا ترين ذلك؟
الابنة : آه، دع عنك ذلك يا أبي، عليك أولًا أن ترى ثوب السهرة هذا.

(المحل يختفي. الابن يتقدَّم بالسيارة.)

إل : سيارة جميلة، لقد بذلتُ قصارى جهدي طوال حياتي لأصل إلى ثروة بسيطة، إلى شيء من اليسار، إلى سيارة مثل هذه، والآن وقد تحقَّق هذا، أُحِبُّ أن أعرف إحساس المرء وهو في داخلها. تعالي معي إلى الخلف يا ماتيلدة، وأوتليه تجلس بجوار كارل.

(يركبون السيارة.)

الابن : أستطيع القيادة حتى سرعة مائة وعشرين.
إل : لا تُسْرع على هذا النحو؛ أريد أن أرى المنطقة، البلدة التي عشتُ فيها سبعين عامًا أو زهاءها. نظيفة حواريها القديمة، جُدِّدت فيها أشياء كثيرة. دخان رمادي فوق المداخن، نبات إبرة الراعي أمام النوافذ، أزهار عبَّاد شمس، والورد في الحدائق عند بوابة جوته، ضحكات الأطفال، عُشاق في كل مكان، وهذا المبنى الجديد في ميدان برامس من طراز حدیث.
زوجة إل : مقهى هوديل هو الذي يقيمه.
الابنة : الطبيب بعربته المرسيدس ٣٠٠.١٠
إل : الهضبة، التَّل خلفها، تبدو اليوم وكأنَّها من ذهب. هائل هذا الظل الذي يغمرنا، وسيبعثه الضوء. كأنَّها في الأفق عمالقة روافع مصانع فاجنر تلك هي ومداخن بوكمان.
الابن : يجري الآن تشغيلها.
إل : هه؟
الابن (بصوت أعلى) : يجري تشغيلها.

(يزمر.)

زوجة إل : سيارات غريبة.
الابن : آل مسز شميت، على كل صبي أن يشتري عربة كتلك.
الابنة : سیه تريبل.١١
زوجة إل : أوتيليه تتلقَّى دروسًا تكميلية في اللغتين الفرنسية والإنجليزية.
إل : شيء عملي نافع، ساحة الكوخ المشمس، لم نخرج إلى هناك منذ مدة طويلة.
الابن : يُقال إنَّها ستُوسَّع.
إل : لا بد أن تتكلم بصوت أعلى وأنت تسير بهذه السرعة.
الابن (بصوت أعلى) : يُقال إنَّها ستُوسَّع. هذا هو شتوكار طبعًا، يتخطَّى الجميع بسيارته البويك.
الابنة : مُحْدِث نعمة.
إل : سِر بنا الآن خلال منخفَض بوكينريد، مُرَّ على المستنقَع، واجْتَز طريق أشجار الحور حول قصر الصيد الصغير الذي بناه الأمير الناخب هاسو. كِسَف مضطربة من السحاب تُغطِّي السماء متراكمة بعضها فوق البعض كحالها في الصيف. أرض جميلة، يغمرها نور المساء، وكأني أراها اليوم لأول مرة.
الابنة : جو كذلك الذي يصوِّره أدالبرت شتيفتر في لوحاته.١٢
إل : مَن؟
زوجة إل : أوتيليه تدرس الأدب أيضًا.
إل : شيء راقٍ.
الابن : هوفباور بسيارته الفولكس فاجن، راجع من كافيجن.
البنت : معه صغار الخنازير.
زوجة إل : كارل يُحسن القيادة، يا لبراعته وهو يقطع المنحنى الآن! ليس للإنسان أن يخاف.
الابن : السرعة الأولى؛ الشارع صاعد.
إل : كان نَفَسي ينقطع دائمًا، عندما كنت أصعد هذا الشارع على قَدمي.
زوجة إل : إني مسرورة؛ لأنَّ لديَّ معطف الفِراء؛ الجو يميل للبرودة.
إل : لقد أخطأتَ الطريق، من هنا سكة بايز نباخ، ارجع الآن ثم اتَّجِه إلى اليسار، وادخل بنا غابة كونراد سفایل.
(السيارة تنطلق نحو المؤخِّرَة. الأربعة يُقبِلون ومعهم المقعد الخشبي، يلبسون الآن فراك،١٣ يمثلون أشجارًا.)
الأول : مرة ثانية، نحن أشجار الشربين، أشجار الزان.
الثاني : طائر ثَقَّاب الخشب ووقواق، وغزال هيبان.
الثالث : جو ما قبل خلق الدنيا، كثيرًا ما تَغنَّى به المغَنُّون.
الرابع : والآن ينغصنا زمر السيارات.

(الابن يزمر.)

الابن : غزال آخر، لا يبعد كثيرًا عن الطريق، يا للبهيم.

(الثالث يقفز مبتعدًا.)

الابنة : غير خائف! لم يَعُد الصيد ممنوعًا.
إل : قِف تحت هذه الشجرات.
الابن : حسنًا.
زوجة إل : ماذا تريد إذن؟
إل : أن أسير خلال الغابة (ينزل). جميل صوت أجراس جوللين، إنَّه يصل إلى هنا. ساعة انتهاء العمل.
الابن : أربعة أجراس، الآن بدأ دقُّ الأجراس يصبح مريحًا.
إل : كل شيء أصفر، لقد حلَّ الخريف الصحيح. أوراق الشجر متناثرة على الأرض كأنَّها تِلال من الذَّهب (يطأ الأوراق).
الابن : سننتظر هناك بجانب كوبري جوللين.
إل : لا داعي لذلك؛ سأسير عَبْر الغابة حتى البلدة لحضور اجتماع مجلس البلدة.
زوجة إل : فلنذهب نحن إلى كالبرشتات، یا فریدی، وندخل السينما.
الابن : مع السلامة يا أبي.
الابنة : سو لونج، دادي.١٤
زوجة إل : إلى اللقاء، إلى اللقاء.

(السيارة تختفي وبها العائلة، تعود إلى الخلف. العائلة تلوح. إل يتابعها ببصره. يجلس على المقعد الخشبي الموجود ناحية اليسار.)

(حفيف ريح. من ناحية اليمين يأتي روبي وتوبي يحملان الهودج وبه كلير تساخاناسیان ترتدي ثوبها العادي. روبي يحمل قيثارة على ظهره. إلى جانبها يمشي زوجها ٩، حائز على جائزة نوبل، طويل، ممشوق القوام، شعره وشاربه قد وخَطَهما الشيب. من الممكن أيضًا أن يُمثِّل الدور هنا ممثل واحد بعينه. إلى الخلف مدير الأعمال.)

كلير تساخاناسيان : غابة كونراد سفایل، یا روبي وتوبي، توقَّفَا هنا.

(كلير تساخاناسیان تهبط من الهودج، تتأمل الغابة خلال منظارها، تُربِّت على ظهر الأول.)

كلير تساخاناسيان : سوس؛ الشجرة تموت. (تلحظ إل) ألفريد؟ جميل أن ألقاك، جئتُ أزور غابتي.
إل : هل غابة كونراد سفايل ملكك أيضًا؟
كلير تساخاناسيان : أيضًا، أتسمح أن أجلس معك؟
إل : لقد ودَّعتُ أسرتي منذ قليل، ذهبوا إلى السينما، كارل اشترى له سيارة.
كلير تساخاناسيان : تقدَّم قليلًا.

(تجلس إلى جانب إل من ناحية اليمين.)

إل : أوتيليه تأخذ دروسًا في الأدب، وفوق ذلك تتعلم الإنجليزية والفرنسية.
كلير تساخاناسيان : أرأيت، لقد بدءوا يفهمون المثاليات.١٥ تعالَ یا تسوبي، انحنِ، زوجي التاسع، حاصل على جائزة نوبل.
إل : تَشرَّفْنا.
كلير تساخاناسيان : عجيب المظهَر جدًّا عندما يَكُف عن التفكير، كُفَّ مرة عن التفكير يا تسوبي.
الزوج ٩ : ولكن يا شاتسي.١٦
كلير تساخاناسيان : لا تَتدلَّل.
الزوج ٩ : لكِ ما تريدين.

(يَكُف عن التفكير.)

كلير تساخاناسيان : أرأيتَ؟ منظره الآن منظر رجل ديبلوماسي، يُذكِّرني بالجراف هولك، إلا أنَّ الآخَر لم يَكُن يكتب كتبًا. يريد أن يعتكف ليُدوِّن مذكرَّاته ويدير أملاكي.
إل : تَهانِيَّ.
كلير تساخاناسيان : لديَّ إحساس غير طيب، والرجال يُتَّخذُون لأهداف استعراضية، ولا يُتَّخذُون ليكونوا أشياء نافعة. اذهب يا تسوبي واكتشِفْ، الأطلال التاريخية تجدها على اليسار.

(الزوج ٩ يذهب للكشف. إل يتَلفَّت حوله.)

إل : الخصِيَّان؟
كلير تساخاناسیان : شَرعَا يُثرثِران؛ أمرتُ بطردهما إلى هونج كونج، إلى كهف من كهوف الأفيون التي أملكها هناك، هناك يستطيعان أن يُدخِّنا وأن يحَلُمَا، سيتبعُهما قریبًا خادمي الخاص؛ لن أكون بحاجة إليه. واحدة روميو وجوليت، یا بوبي.

(مدير الأعمال يأتي من المؤخِّرَة، يُقدِّم إليها علبة سجائر.)

كلير تساخاناسيان : أتريد واحدة أنت كذلك يا إل؟
إل : بكل سرور.
كلير تساخاناسيان. تَفضَّل. ناولنا نارًا یا بوبي.

(يُدخِّنَان.)

إل : رائحتها طيبة جدًّا.
كلير تساخاناسيان : في هذه الغابة دَخنَّا كثيرًا معًا، أما زلتَ تذكرُ؟ سجاير كنتَ تشتريها من عند ماتيلده، أو كنتَ تسرقها.

(الأول يرن بالمفتاح على الغليون.)

كلير تساخاناسيان : طائر ثَقَّاب الخشب مرة ثانية.
الرابع : كوكوك، كوكوك.
إل : وطائر الوقواق.
كلير تساخاناسيان : أيعزف لكَ روبي شيئًا على قيثارته؟
إل : من فضلكِ.
كلير تساخاناسيان : إنَّه يحسن العزف، ذلك السَّفَّاك المعفو عنه، أحتاج إليه في أوقات تَفكُّري وتدبيري، أكره أجهزة الجراموفون، وأجهزة الراديو.
إل : لحن «في الوادي الصخري الأفريقي تمشي سرية».
كلير تساخاناسيان : لحنك المفضل، علَّمْتُه إيَّاه.

(سكوت. يُدخِّنان. كوكوك … إلخ. حَفيف الغابة. روبي يعزف اللحن.)

إل : كان لكِ، أقصد، كان لنا طفل؟
كلير تساخاناسيان : هذا حق.
إل : أكان ولدًا أم بنتًا؟
كلير تساخاناسيان : بنتًا.
إل : بماذا سميَّتِها؟
كلير تساخاناسيان : جینیفییف.
إل : اسم جميل.
كلير تساخاناسيان : لم أرَ هذه المخلوقة إلا مرة واحدة، عند الولادة، ثم أُخذَت مني، أخذَتْها جمعية الرعاية المسيحية.
إل : العينان؟
كلير تساخاناسيان : كانَتا لا تزالان مُغمضتَين.
إل : الشَّعْر؟
كلير تساخاناسيان : أَسْود، على ما أعتقد، نعم شَعْر الوليد يكون غالبًا أسود.
إل : هو ذاك.

(صَمْت. تدخين. قيثارة.)

إل : أين ماتت؟
كلير تساخاناسيان : لدى بعض الناس، نسيتُ الأسماء.
إل : عِلَّة موتها؟
كلير تساخاناسيان : التهاب في قشرة المخ، ربَّما شيء آخر كذلك، تلقَّيْت بطاقة بذلك من المكتب المختَص.
إل : في حالة الوفاة يُمكن تصديقه.

(صَمْت.)

كلير تساخاناسيان : كلَّمْتُك عن ابنتنا، كلِّمْني الآن عن نفسي.
إل : عن نَفْسِك؟
كلير تساخاناسيان : عمَّا كنتُ، عندما كان عمري سبعة عشر ربيعًا، عندما كنتَ تحبني.
إل : اضطُررتُ مرة للبحث عنكِ طويلًا في شونة بییتر، عثرْتُ عليكِ في العربة، وكنتِ لا ترتدين سوی قمیص وبين شفتيك قشة.
كلير تساخاناسيان : كنتَ قويًّا شجاعًا، تصارعْتَ يومها مع عامِل السكك الحديدية الذي كان يلاحقني، ومسحت أنا الدم من وجْهِك بقميصي الأحمر.

(القيثارة تَكُف عن العزف.)

كلير تساخاناسيان : انتهى اللحن.
إل : أيضًا: «يا وطني الحلو الحبيب».
كلير تساخاناسيان : يعرفه روبي كذلك.

(عَزْف آخر على القيثارة.)

إل : أشكرُكِ على باقات الزهور، على زَهْرات الأقحوان وعلى الورود، جميل منظرها على النعش في «الرسول الذهبي». راقية جدًّا، إنَّها حتى الآن تملأ قاعتين، لقد بلغ الأمر هذا الحد، فها نحن نجلس الآن للمرة الأخيرة في غابتنا المليئة بشَقْشَقة الوقواق وحفيف الريح، وفي مساء هذا اليوم يجتمع مجلس البلدة؛ سيحكمون بإعدامي وسيقتُلني أحدهم، لا أعرف من سيكون ولا أين سيحدث ذلك، إنَّما أعرف فقط أنَّني أُنْهي حياة عارية من المعنى.
كلير تساخاناسيان : سأنقلك في نَعْشك إلى كابري؛ أقمتُ لك ضريحًا في حديقة قصري، حوله شجر السرو، يُطلُّ على البحر المتوسط.
إل : أعرفه من الصور فحسب.
كلير تساخاناسيان : أزرق داكن، منظر رائع. هناك مُستقَرُّك. ميت مع صنم من الصخر. حُبُّك مات منذ أعوام طوال، حبي لم يستطع الموت، ولم يستطع الحياة أيضًا، تحوَّل إلى شيء شِرِّير مِثلي تمامًا، مثل الفُطْر الباهت والجذور العمياء في هذه الغابة تحت أكداس من ملياراتي الذهبية. ملياراتي الذهبية هاجمَتْك، مدَّت إليك مخالبها تطلب حياتك؛ لأنَّ حياتك ملكي إلى الأبد، والآن تضُمُّك المخالب، والآن تنتهي، بعد قليل لن يبقى شيء في ذاكرتي سوی حبیب میت، شبح رقيق في غلالة ممزقة.
إل : والآن انتهى، أيضًا لحن «يا وطني الحلو الحبيب».

(الزوج ٩ يعود.)

كلير تساخاناسيان : الحائز على جائزة نوبل، يأتي من أطلاله، هه، تسوبي؟
الزوج ٩ : من العصر المسيحي الأول، حطمها «الهون».
تساخاناسیان : خسارة. ذراعك. الهودج یا روبي، ویا توبي.

(تَرْقى الهودج.)

كلير تساخاناسيان : وداعًا يا ألفريد.
إل : وداعًا، یا كلارا.

(يُحمَل الهودج إلى الخلف. إل يظل جالسًا على المقعد. الشجرات تتخَلَّص من أغصانها. من أعلى تنزل بوابة مسرحية بالستائر والزينات المألوفة، لافتة عليها: الحياة عابسة، الفن مرح. من ناحية المؤخِّرَة يأتي الشرطي في زي رسمي جدید بدیع، يجلس مع إل. مُراسِل إذاعي يأتي، يَشرَع في التكلُّم في الميكروفون في حين يتجمع أهل جوللين. الجميع في ملابس جديدة احتفالية، الجميع في حُلل فراك. في كل مكان مُصوِّرون صحفيون، رجال صحافة، آلات تصوير سينمائية.)

المذيع : سيداتي، سادتي، بعد التسجيلات التي أخذْنَاها في البيت الذي وُلِدت فيه السيدة، وبعد حديثنا مع القس؛ نشارك الآن في حفل من حفلات البلدة، إنَّنا الآن نَصِل إلى ذروة الزيارة التي تقوم بها السيدة كلير تساخاناسیان لبلدتها الجذابة الممتعة. نعم إنَّ السيدة الشهيرة لن تَحضر شخصيًّا ولكن العمدة سيُلقي بيانًا هامًّا باسمها. نحن الآن في قاعة المسرح «بالرسول الذهبي»، ذلك الفندق الذي أمضى فيه جوته إحدى لياليه. على المسرح الذي يُستخْدَم عادة لحفلات الجمعيات وحفلات الفِرَق الزائرة القادمة من مسرح كالبرشتات، يَتجمَّع الرجال الآن وفقًا لعادة قديمة — كما ذكر لنا العمدة لتوه. النساء يحتلِلْن أمكنة المتفرِّجِين، وهذا أيضًا تقليد قديم. جو احتفالي، التلهُّف خارق للمألوف، الجرائد السينمائية ماثلة معنا هنا، وكذلك زملائي في التلفزيون، ومُراسِلون من جميع أنحاء العالم، والآن تبدأ كلمة العمدة.

(المراسِل يذهب بالميكروفون إلى العمدة الذي يقف وسط المسرح ومِن حوله رجال جوللين يقفون في نصف دائرة.)

العمدة : أُرحِّب بمجلس مدينة جوللين، وأَفتتِح الجلسة. موضوع البحث واحد فقط، يُشرِّفني أن أكون أنا الذي أعلن إليكم أنَّ السيدة كلير تساخاناسیان، ابنة مُواطِننا الخطير المهندس المعماري جوتفرید فیشر؛ تنوي إهداءنا مليارًا.

(تهامُس يسْري بين رجال الصحافة.)

العمدة : خمسمائة مليون للبلدة، وخمسمائة مليون تُوزَّع على الأفراد.
المذيع (بصوت مُنخفِض) : سيداتي سادتي، حدث هائل، عمل سيحوِّل أهل البلدة بضربة واحدة إلى أثرياء، ويُعتَبر بالإضافة إلى ذلك تجربة من أعظم التجارب الاجتماعية في عصرنا؛ لذلك صَمَت مجلس البلدة كالمذهول. سكون مطبق. تأثر يبدو على كل الوجوه.
العمدة : والآن أعطي الكلمة للمعلم.

(مراسل الإذاعة يقترب بالميكروفون من المعلم.)

المعلم : يا أهل جوللين! ينبغي أن يكون واضحًا لنا أنَّ السيدة كلير تساخاناسیان تقصد بهذه الهدية شيئًا مُعَينًا. ما هو هذا الشيء المعَيَّن؟ هل تريد أن تسعدنا بالمال، أن تُغدق علينا المال تلالًا، أن تُنقِذ مصانع فاجنر، ميدان الكوخ المشمس، مصانع بو كمان؟ إنَّكم تَعلَمون أنَّ الأمر غير ذلك. السيدة كلير تساخاناسيان تهدف إلى ما هو أهم من ذلك، إنَّها تريد العدل مقابل مليارها هذا، تريد العدل، إنَّها تريد أن تُحوِّل كياننا الاجتماعي إلى كيان يتصف بالعدل، وقد أذهلنا هذا الطلب، ألم نكن إذن كیانًا اجتماعيًّا عادلًا؟
الأول : كلَّا.
الثاني : فقد رَضِينا جريمة ارتُكِبت.
الثالث : حكم جائر.
الرابع : شهادة زور.
صوت امرأة : نذل.
أصوات أخرى : هذا عين الحق.
المعلم : أهل جوللين، هذا هو الواقع المرير؛ لقد رضينا الظلم، إنَّني أعترف كل الاعتراف بالمزايا المادية التي يُحقَّقها المليار، ولست أغفل مُطلقًا عن أنَّ الفقر سبَّب الكثير من الموبِقات، المريرة، ومع ذلك فإنَّ الأمر لا يتعلَّق بالمال (استحسان هائل)، لا يَتعلَّق بالرخاء والحياة الرغدة والتَّرَف، إنَّما الأمر يتعلَّق هنا بما إذا كنتم تريدون تحقيق العدالة، وليس العدالة فحَسْب، بل المُثل الأخرى التي عاش أسلافنا من أجْلِها وكافَحُوا من أجْلِها وماتوا في سبيلها، والتي تُمثِّل قيمة بلادنا الغربية (استحسان هائل)، إنَّ الحرية تتعرَّض للخطَر عندما تُمتَهن محبة الآخرين، عندما تُخالَف الوصية١٧ النَّاصة على مساعدة الضعاف، عندما تُهان عقدة الزواج، عندما تُخدع محكمة، عندما يُقذَف بأم إلى البؤس (صيحات استنكار)، إنَّ علينا بحق الله أن نقف مِن مُثُلنا موقف الجد، الجد الدامي (استحسان هائل)، والثورة لا معنى لها إلا إذا تمخَّضت عن ثروة في الغفران، والغفران لا يكون إلا لمن به جوع إليه، هل بكم هذا الجوع، يا أهل جوللين، جوع الروح، وليس جوع الجسد الدنيوي فحسب؟ هذا هو السؤال الذي يطيب لي كعميد للمدرسة الثانوية أن أُلقيه عليكم. إذا لم تكونوا تَحتَمِلون الشر، لم تعودوا قادرين بأي حال من الأحوال على العيش في دنيا من الظلم، في هذه الحالة فقط لكم أن تَقبَلوا مليار السيدة تساخاناسیان وتُوفوا بالشرط المعلَّق على منحه، هذا يا أهل جوللين ما أرجو أن تَذكُروه.

(استحسان مُدوٍّ.)

المذيع : إنَّكم تسمعون تصفيق الاستحسان، سيداتي، سادتي. إنَّني جد مأخوذ. إنَّ كلمة العميد برهان على عظمة أخلاقية لا توجد للأسف كثيرًا في الوقت الحاضر، لقد تناوَل بكل شجاعة التنويه بمساوئ عامة، وأنواع من الظلم تحدث في كل جماعة، بل في كل مكان فيه بشر.
العمدة : ألفريد إل.
الجميع : يعود العمدة إلى الكلام.
العمدة : يا ألفريد إل، عندي سؤال أوجِّهُه إليك.

(الشرطي يكز إل وكزة. إل ينهض. المذيع يأتي إليه بالميكروفون.)

المذيع : والآن تَسمَعون صوت الرجل الذي يتوقَّف على الرأي الذي سيُدلي به تقرير المنحة، صوت ألفريد إل، صديق صِبا فاعلة الخيرات. ألفريد إل رجل قوي البِنْية في نحو السبعين من عمره، جولليني عتيق، نشأ على البر والقشر العتيق،١٨ يبدو عليه التَّأثُّر بطبيعة الحال، تفيض نَفْسُه بالعرفان، والرضا، والسكون.
العمدة : عُرضت علينا المنحة من أجلِك أنتَ يا ألفريد إل! هل تعرف ذلك؟

(إل يقول شيئًا بصوت مُنخفِض.)

المذيع : لا بد أن ترفع صوتك، أيها الشيخ الطَّيِّب، حتى يسمع مستمِعُونا ومستمِعَاتنا شيئًا.
إل : نعم.
العمدة : هل ستحترم قرارنا بقبول أو رفض وقْفِيَّة كلير تساخاناسیان؟
إل : سأحترمه.
العمدة : هل يودُّ أحدكم أن يُوجِّه إلى إل سؤالًا؟

(صمت.)

العمدة : هل لدى أحدكم مُلاحَظة على منحة السيدة تساخاناسیان؟

(صمت.)

العمدة : السيد القس؟

(صمت.)

العمدة : السيد طبيب البلدة؟

(صمت.)

العمدة : الشرطة؟

(صمت.)

العمدة : المعارَضَة السياسية؟

(صمت.)

العمدة : والآن نأخذ الأصوات.

(سكون لا يقطعه إلا أزيز أجهزة السينما، وبريق أضواء التصوير.)

العمدة : من يريد أن يُحقِّق العدل بقلب نَقِي، يرفع يده.

(الجميع يرفعون أيديهم ما عدا إل.)

المذيع (سُكون تفكُّر وتأمُّل في قاعة المسرح) : لا شيء سوى بحر واحد من الأيدي المرفوعة، كأنَّه تصميم هائل لتحقيق عالم أفضل، عالم أكثر عدلًا، أمَّا الرجل العجوز الذي يجلس بلا حراك ويطغى عليه الفرح؛ فقد تحقَّق هدفه، قُرِّرت المنحة بفضل صديقة صِباه البارَّة.
العمدة : قُبِلت منحة كلير تساخاناسیان بالإجماع.
مجلس البلدة : لا بسبب المال.
العمدة : وإنَّما من أجل العدل.
مجلس البلدة : وإنَّما من أجل العدل.
العمدة : وبسبب وَخْز الضمير.
مجلس البلدة : وبسبب وخز الضمير.
العمدة : لأنَّنا لا يُمكن أن نعيش ونحن نرضى عن جريمة ارتُكِبت بين ظهرانينا.
مجلس البلدة : لأنَّنا لا يُمكن أن نعيش ونحن نرضى عن جريمة ارتُكِبت بين ظهرانينا.
العمدة : جريمة ينبغي علينا اقتلاعها.
مجلس البلدة : جريمة ينبغي علينا اقتلاعها.
العمدة : حتى لا تُصاب أنفسنا بسوء.
مجلس البلدة : حتى لا تُصاب أنفسنا بسوء.
العمدة : ونعِمُنا المقدَّسة.
مجلس البلدة : ونعِمُنا المقدَّسة.
إل (يصرخ) : ربَّاه.

(الجميع يقفون بصورة احتفالية رافعِين أيديهم، إلا أنَّ عُطلًا أصاب آلة الجريدة الأسبوعية السينمائية.)

المصور السينمائي : خسارة، يا سيادة العمدة. لقد تعطَّل جهاز الإضاءة، من فضلك الاقتراع النهائي مرة أخرى.
العمدة : مرة أخرى؟
المصور السينمائي : للجريدة السينمائية الأسبوعية.
العمدة : طبعًا.
المصور السينمائي : أجهزة الإضاءة جاهزة؟
صوت : تمامًا.
المصور : إذن هيَّا.

(العمدة يجلس مُتَّخذًا وَضْع مَن يتهيأ للتصوير.)

العمدة : من يريد أن يُحقِّق العدل بقلب نقي؛ يرفع يده.

(الجميع يرفعون أيديهم.)

العمدة : قُبِلت منحة كلير تساخاناسیان بالإجماع.
لا بسبب المال.
مجلس البلدة : لا بسبب المال.
العمدة : وإنَّما من أجل العدل.
مجلس البلدة : وإنَّما من أجل العدل.
العمدة : وبسبب وخز الضمير.
مجلس البلدة : وبسبب وخز الضمير.
العمدة : لأنَّنا لا يُمكن أن نعيش ونحن نرضى عن جريمة ارتُكِبت بين ظَهْرانينا.
مجلس البلدة : لأنَّنا لا يُمكن أن نعيش ونحن نرضى عن جريمة ارتُكِبت بين ظَهْرانينا.
العمدة : جريمة ينبغي علينا اقتلاعها.
مجلس البلدة : جريمة ينبغي علينا اقتلاعها.
العمدة : حتى لا تُصاب أنفسنا بسوء.
مجلس البلدة : حتى لا تُصاب أنفسنا بسوء.
العمدة : ونِعَمنا المقدَّسة.
مجلس البلدة : ونِعَمنا المقدَّسة.

(سكون.)

المصور السينمائي (بصوت مُنخفِض) : إل، هه؟

(سكون.)

المصور السينمائي (وقد خاب أمله) : لا، إذن. هذه خسارة كبيرة ألَّا تُذْكَر صيحة الفرح «ربَّاه» هذه المرة؛ فقد كانت مُؤثِّرة بصفة خاصة.
العمدة : السادة رجال الصحافة والإذاعة والسينما مَدْعُوُّون لوجبة خفيفة في المطعم، الأفضل أن تغادروا قاعة المسرح من الباب الخشبي، وقد أُعِد للسيدات الشاي في حديقة «الرسول الذهبي».

(رجال الصحافة والإذاعة والسينما يخرجون من الخلف من ناحية اليمين. الرجال يظلون واقِفِين بلا حراك على المسرح. إل ينهض، يَهم بالانصراف.)

الشرطي : انتظر.

(يجلس إل على المقعد الخشبي قصدًا.)

إل : أتريدون التنفيذ اليوم؟
الشرطي : طبعًا.
إل : فَكَّرتُ أنَّ الأفضل أن يكون التنفيذ عندي.
الشرطي : سيجري هنا.
العمدة : ألم يَعُد أحد في أماكن المتفرِّجِين؟

(الثالث والرابع ينظران إلى أسفل مُفتِّشِين.)

الثالث : لا أحد.
العمدة : في الشُّرْفة؟
الرابع : فارغة.
العمدة : أغْلِقوا الأبواب، ليس لأحد بعد الآن أن يطأ القاعة.

(يذهب الاثنان ناحية أماكن المتفَرِّجِين.)

الثالث : أُغْلِقت.
الرابع : أُغْلِقت.
العمدة : أَطفِئوا الأنوار؛ فالقمر يُضيء من خلال نوافذ الشُّرْفة، وفي هذا الكفاية.

(المسرح يُظلم. في الضوء القمري الخافِت لا يَرَى الناس بوضوح.)

العمدة : كونوا صَفَّيْن مُتوازِيَين.

(أهل جوللين يكونون صَفَّين مُتوازِيَين، اللاعب الرياضي يقف عند آخرهما وهو يرتدي بنطلونًا أبيض أنيقًا، وعلى صدره رمز أحمر فوق القميص.)

العمدة : السيد القس، تفضَّل.

(القس يذهب في بُطء إلى إل، يجلس معه.)

العمدة : هه يا إل، لقد حَلَّت ساعتك العسيرة.
إل : سيجارة.
القس : سيجارة يا سيادة العمدة.
العمدة : طبعًا، سيجارة جيدة من نوع خاص.

(يُقدِّم العلبة إلى القس الذي يقدمها إلى إل. إل يأخذ سيجارة، الشرطي يُشعِلها له، القس يُعيد العلبة إلى العمدة.)

القس : قال النبي عاموس.
إل : لا من فضلك.

(إل يدخن.)

القس : هل أنت خائف؟
إل : لم يَعُد خوفي كبيرًا.

(إل يدخن.)

القس (وقد أُسقِط في يده) : سأُصلِّي من أجْلِك.
إل : بل صلِّ من أجل جوللين.

(إل يدخن. القس ينهض ببطء.)

القس : ليرحمنا الله.

(القس يندمج ببطء في صفوف الآخَرِين.)

العمدة : انهض، يا ألفريد إل.

(إل يَتردَّد.)

الشرطي : قف يا خنزير.

(يدفعه إلى أعلى بعنف.)

العمدة : أيُّها الشرطي، تَمالَك نَفْسَك.
الشرطي : لا تُؤاخذني.
العمدة : تعالَ يا ألفريد إل.

(إل يُلقي السيجارة، يَدوسها بقدمه ثم يذهب ببطء إلى مُنتَصف المسرح، فيدور حتى يكون ظَهْره ناحية الجمهور.)

العمدة : ادْخُل بين الصفين.

(إل يَتردَّد.)

الشرطي : هه، هيا.

(إل يدخل بين صَفَّي الرجال الصامِتِين. في المؤخِّرة يقف اللاعب الرياضي في وجهه. إل يظل واقفًا، يدور حول نفسه، يرى كيف ينطبق الصَّفَّان عليه في قسوة، يَخِر على ركبتيه. الصَّفَّان يَتحوَّلان إلى جَمْع مُضطرب من الناس، عديم الصوت، يتزاحم، يجلس ببطء. سكون. من ناحية اليسار من الأمام يُقْبِل صحفيون. يُنار المكان.)

الصحفي ١ : ماذا يحدث هنا؟

(الجمع المحتَشِد من الناس يتَفَكَّك. الرجال يَتجمَّعُون في المؤخِّرة صامِتِين. لا يبقى منهم إلا الطبيب، يركع أمام جثة بُسط عليها مَفْرش ذو مُربَّعات، من المفارش التي تُستَعْمل لموائد المطاعم. الطبيب ينهض. ينزع السماعة.)

الطبيب : نوبة قلبية.

(سكون.)

العمدة : مات من الفرحة.
الصحفي ١ : مات من الفرحة؟
الصحفي ٢ : الحياة تكتب أجمل القصص.
الصحفي ١ : إلى العمل، هيَّا.

(الصحفيان يُسرعان ناحية اليمين إلى الخلف. من اليسار تأتي كلير تساخاناسیان، يَتْبَعها مدير الأعمال؛ ترى الجثة، تظل واقفة، تسير ببطء حتى مُنتَصف المسرح، تدور ناحية الجمهور.)

كلير تساخاناسيان : هاتوه.

(روبي وتوبي يأتيان بنَقَّالة، يُرقِدان إل عليها ويَضعانِه تحت قَدمَي كلير تساخاناسیان.)

كلير تساخاناسيان : بلا تأثُّر، اكشف عنه يا بوبي.

(مدير الأعمال يكشف وجه إل. تتأمَّلُه طويلًا بلا تَأثُّر.)

كلير تساخاناسيان : لقد عاد مرة ثانية إلى ما كان عليه قبل وقت طويل، هذا النمر الأسود، غَطِّه.

(مدير الأعمال يُغطِّي الوجه ثانية.)

كلير تساخاناسيان : احملوه إلى النعش.

(روبي وتوبي يخرجان بالجثة من ناحية اليسار.)

كلير تساخاناسيان : خذني إلى حجرتي یا بوبي، دَعْهم يحزمون الحقائب؛ سنُسافر إلى كابري.

(مدير الأعمال يُقدِّم إليها ذراعه، تتجه إلى اليسار خارجة، تتوقف.)

كلير تساخاناسيان : يا عمدة.

(من الخلف، من بين الرجال الصامِتِين، يُقْبِل العمدة بتُؤَدة إلى الأمام.)

كلير تساخاناسيان : الشيك.

(تُقدِّم إليه ورقة وتخرج مع مدير الأعمال.)

(إن كان التحَسُّن التدريجي الذي يبدو على الملابس قد ظلَّ يُعبِّر عن الرخاء المتزايد تعبيرًا ضمنيًّا بعيدًا عن المبالَغة؛ فإنَّه أبْعَد مِن أن يمر غير ملحوظ، وإن كانت ساحة المسرح قد ظلَّت تبعًا لذلك تزداد جاذبية وتَغيُّرًا، وتتسلق سُلَّم الصعود الاجتماعي، كما لو كان المرء ينتقل دون ما يَلفِت النظر من حي سكني فقير إلى مدينة حديثة رفيعة القَدْر، ويزداد ثراءً؛ فإنَّ هذا الصعود يبلغ هنا في الصورة الختامية قمة العظمة. الدنيا التي كانت قائمة تحوَّلت إلى شيء فَنِّي لامِع بَرَّاق، تحوَّلت إلى ثراء، وانتهت إلى دنيا النهاية السعيدة. أعلام وأُصُص ولافتات، أنوار نيون تُحيط بالمحطة المجدَّدة، وإلى جانبها أهل جوللين، نساء ورجال في ملابس السهرة وبِدَل الفراك يُكوِّنون جوقتين قَريبَتَي الشبه بكورس التراجيديا الإغريقية، لا عن طريق المصادَفة، وإنَّما بقصد تحديد مركز هام، يَكُون نشيدهما كما لو كانت ثمة سفينة مُشرِفة على الغَرَق، يجرفها الموج بعيدًا، وهي تُصدِر الإشارات الأخيرة.)

الجوقة ١ : الفظائع كثيرة؛
زلازل هائلة،

جبال تنفث النيران، فيضانات البحار، وحروب أيضًا، دبابات تخترق حقول القمح

لها صليل.

الضياء الشمسي للقنبلة الذَّرِّية.
الجوقة ١ : لكن ليس هناك شيء أفظع من
الفقر؛

فإنَّه لا يعرف المغامَرة،

في غير شفقة يحيط بالجنس البشري،

ويضيف

أيامًا قفرة إلى يوم قفر.
النسوة : ترى الأمهات، وهن عاجزات،
عزيزًا يزوى أمامهن من السقم.
الرجال : أمَّا الرَّجُل،
فيتمرَّد في تصميم،

ويفكر في الخيانة.
الأول : يَتجوَّل في أحذية رديئة.
الثالث : بعشب قبيح الرائحة بين الشفتين.
الجوقة ١ : لأنَّ أماكن العمل التي كانت قديمًا تُؤْتي لقمة العيش قد أصبحت خالية.
الجوقة ٢ : والقطارات المنطَلِقة كانت تتحاشَى هذا المكان.
الجميع : طوبى لنا.
زوجة إل : أتانا قَدَر صديق.
الجميع : فغَيَّر كل هذا.
النسوة : الملابس لائقة تحيط الآن القَدَّ الرقيق.
الابن : والصبي يقود السيارة الرياضية.
الرجال : السيارة الليموزين يقودها التاجر.
الابنة : البنت تجري وراء الكُرَة فوق ساحة حمراء.
الطبيب : في غرفة عمليات جديدة حيطانها من القيشاني الأخضر؛ يجري الطبيب عملياته الجراحية وهو في غاية السرور.
الجميع : العشاء.
يتصاعد دخانه في البيت. وبسرور وقد ارتدى ثوبًا قَشيبًا، يَنْعَم كلُّ واحدٍ منَّا بوجبة خضار أطيب من ذي قبل.
المعلم : وفي شغف جارٍ بالمعرفة يتعلم الشَّغُوفون بالتعليم.
الثاني : كنوز فوق كنوز تُوفِّرها لنا الصناعة النشيطة.
الجميع : سواء أكان الأمر يتعلق برمبرانت أم بروبنس.١٩
المصور : فإنَّ الفن أصبح يُقِيم أَود الفنان على خير وجه.
القس : في أعياد الميلاد، والقيامة، والعنصرة.
تَتشقَّق الكنيسة من تَدفُّق المسيحِيِّين إليها.
الجميع : والقطارات
البراقة العظيمة؛

تنطلق على قضبانها الحديدية

من مدينة مُجاوِرة إلى مدينة مُجاوِرة، عاملة على ربط السكان فيما بينهم، أصبحت من جديد تقف هنا.

(من ناحية اليسار يأتي المحصل.)

المحصل : جوللين.
ناظر المحطة : القطار السريع جوللين-روما، اركَبوا من فضلكم. العربة الفاخرة في المقدِّمة.

(من المؤخِّرَة تُقْبِل كلير تساخاناسيان في هودجها، لا تُبدي حراكًا، كأنَّها صنم قديم من الصخر، وتمر بين الجوقتين تتبعها حاشيتها.)

العمدة : إنَّها راحلة.
الجميع : مَن أهدتنا فأَثْرَتنا.
الابنة : البارَّة.
الجميع : مع حاشيتها النبيلة.

(كلير تساخانسیان تختفي من اليمين في الخارج، في النهاية يَحمِل الخدم النعش على طول طريق طويل إلى الخارج.)

العمدة : إذن فوداعًا.
الجميع : تصحب معها عزيزَها، صَفِيَّها.
ناظر المحطة : القطار ينطلق.
الجميع : لكن ليحفظ لنا.
القس : رب.
الجميع : في هذا الزمن الساحق المتقَلِّب.
العمدة : الرخاء.
الجميع : لِيحفَظ لنا النِّعَم المقدَّسة، ليحفظ السلام.
لِيحفَظ الحرية.

وليُبْقِ الظلام بعيدًا عنَّا.

ولْنعمل على ألَّا نَظْلِم أبدًا بلدتنا.

بلدتنا الزاهرة الجديدة النشأة.

حتى نتمَتَّع نحن بالسعادة في أسعد الظروف.

ملحوظة

زيارة السيدة العجوز قصة تجري وقائعها في مكان ما بأوروبا الوسطى، ببلدة صغيرة، كَتَبها إنسان لا يُباعِد بين نفسه وبين هؤلاء الناس قط، ولا يعرف بالتأكيد ما إذا كان يتصرف على نحو آخر لو وُضِع موضعهم. أمَّا ما بالقصة من أمور تربو على ذلك فلا حاجة للتصريح بها هنا، ولا لإخراجها على خشبة المسرح. وينطبق هذا الكلام كذلك على ختام المسرحية. والحق أنَّ الناس في المنظر الختامي يتكلَّمون لغة فيها احتفالية أكثر ممَّا في طبيعة الواقع، أقرب إلى ناحية ذلك الشيء الذي يُسمى أدبًا أو تأنقًا في اللغة، وما هذا إلا لأنَّ أهل جوللين قد صاروا في تلك الفترة أغنياء يتحدثون لغة مُحْدِثي النعمة. إنَّني أَصِف بشرًا لا دُمًى، أصف حدثًا لا أتكلم بالمجاز، أعْرِض عالَمًا ولا أعرض — كما يَدَّعي البعض — أخلاقًا، بل إنَّني لا أحاول البتَّةَ أن أضاهي قطعتي هذه على العالم؛ فإنَّ هذه الأشياء كلها تحدث طبيعية من تلقاء ذاتها ما دام الجمهور في حوزة المسرح. في رأيي أنَّ المسرحية تُؤدَّى حسب إمكانية المسرح، ولا تُؤدَّى في رداء أي أسلوب كان. فإذا مثَّل أهل جوللين أشجارًا فليس ذلك اتباعًا للسريالية، وإنَّما لكي يَدْفعوا بقصة الحب المؤلمة بعض الشيء، تلك القصة التي تجري في الغابة — أعني محاوَلة تَقَرُّب شيخ عجوز من امرأة طاعنة في السن — أقول لِيدفعوا بهذه القصة إلى مجال مسرحي شِعْري ويجعلوها بهذه الوسيلة محُتمَلة. إنَّني أكتب عن إيمان بالمسرح، وبالممثِّل الكامن فِيَّ بالقوة، هذا هو دافِعي الأساسي؛ فالموضوع يجتذبني، ولا يصح أن يعمل الممثل إلا قليلًا على تمثيل أُناس، بل على تمثيل البشرة الخارجية فَحَسْب، أَعْني تمثيل النص الذي ينبغي بلا مِراء أن يكون صحيحًا، أقصد: كما أنَّ الكائن الحي العضوي يتم بتكوين البشرة، تكوين شيء ظاهري خارجي، كذلك المسرحية تتم باللغة. المؤلف المسرحي لا يُنتِج سوى اللغة، اللغة إنتاجه؛ لهذا باتَ من غير الممكن أن يشتغل المرء باللغة ذاتها، وإنَّما بذلك الشيء الذي يصنع اللغة، بالفكرة، بالحدث مثلًا، ولا يشتغل باللغة في ذاتها وبالأسلوب في ذاته إلا الهواة، وواجب الممَثِّل في اعتقادي؛ هو التوصُّل إلى النتيجة ذاتها مرة أخرى، فما كان فَنًّا وجب أن يبدو طبيعة. فليؤدِّ المؤَدُّون الظاهر صحيحًا كما أُقدمه، فسيظهر الباطن من تلقاء ذاته. أنا لا أعتبر نفسي ضمن طليعة هذه الأيام، وإن كانت لي نظرية فَنِّية خاصة، فأنا ككل إنسان، لا أُعجب بكل شيء، ولكني أَحتَجز نظريتي في صدري، مُعتبرًا إياها رأيًا خاصًّا، (وإلَّا لكان عليَّ أن أتبعها)، وأعتبر نفسي صَبيًّا على الفِطْرة، مُضطربًا بعض الشيء، ذا إرادة منقوصة فيما يتعلق بالشكل. ليخرجني المخرِجون في الاتجاه الذي تسير فيه التمثيليات الشعبية، وليعاملوني على أني من نوع «نيستروي»٢٠ عن وعي، فيكونوا أقرب إلى أمري. ليلتزموا خواطري، وليُخَلُّوا سبيل المغزى العميق، وليُرَاعوا تغيير المشاهد بدون تَوقُّف، وبدون إسدال ستار، ولْيُمَثَّل مشهد السيارة ببساطة، والأفضل أن تُستَخدم سيارة مسرحية عليها الأجزاء الضرورية للتمثيل فحسب: عجلة القيادة، قضيب التصادم، ويجب أن تبدو السيارة من مقدمتها، على أن تُعلَّى المقاعد الخلفية. كل هذه الأجزاء لا بد بطبيعة الحال أن تكون جديدة، جديدة كالأحذية الصفراء … إلخ. (هذا المشهد لا شأن له ﺑ «وايلدر»؛٢١ لماذا؟ هذه مسألة جدلية من اختصاص النقَّاد). كلير تساخاناسيان لا تُمثِّل العدل ولا مشروع مارشال٢٢ ولا الرؤيا٢٣ اليوحنية، لِتَكُن ما هي، أغنى امرأة في العالم، تُمكِّنها ثَروَتها من التصرُّف كبطلة من بطلات التراجيديا الإغريقية تَصرُّفًا مُطلقًا، فَظيعًا، كمیدیًا مثلًا. إنَّ لديها ما يُمكِّنها من ذلك، والسيدة ذات فكاهة، ذلك أَمْر لا ينبغي إغفاله؛ لأنَّ بينها وبين البشر بَونًا كما لو كانوا بضاعة تُشتَرى، كذلك بينها وبين نَفْسها ذاتها بَوْن، وهي بالإضافة إلى ذلك ذات طلاوة عجيبة وسحر شرير، ولكنَّها لَمَّا كانت تتحرك خارج النظام الإنساني أصبحت شيئًا لا تبديل له، شيئًا جامدًا، لم يَعُد يَعْتريه تطوُّر، اللهم إلا أن يتحوَّل إلى صخر، إلى صنم. إنَّها ظاهرة أدبية، كذلك حاشيتها، وحتى الخَصِيَّان اللذان لا داعي لإظهارهما واقعيًّا مُنفِّرَين لهما صوت الخِصْيَان، بل ينبغي إظهارهما على نحو غير واقعي على نحو ما في الحكايات، مُنْخفِضَي الصوت كالأشباح في سعادتهما الوهمية، ضَحِیَّتَي انتقام كامل منطقي منطقيةَ قوانين العصور القديمة. (بُغية تسهيل الأدوار يَصِح أن يتناوب الاثنان الكلام بدلًا من أن يَتكلَّما في آنٍ واحد، وفي هذه الحالة لا تُكرَّر العبارات مرة ثانية). وإذا كانت كلير تساخاناسیان جامدة لا تتغيَّر ولا تتطوَّر، إذا كانت بطلة من أول الأمر؛ فإنَّ حبيبها القديم يَتطوَّر ليصبح بطلًا هو الآخَر؛ فهو بَقَّال قذر، يقع ضحية في بادئ الأمر دون أن يَتوقَّع شيئًا، مُذْنِب يرى أنَّ الحياة لا بد أن تكون قد مَسحَت كل ذنب من تِلقاء ذاتها، رجل عديم التفكير، رجل بسيط، يتكشَّف له شيء ما ببطء، بسبب الخوف، بسبب الرعب، شيء شخصي جدًّا، رجل خبر العدل على نفسه؛ لأنَّه اعترف بجرمه، رجل يزداد بموته عظمة، فموته لا يفتقر إلى عظمة ما.

أمَّا موته؛ فله معناه، ولا معنى له في وقتٍ واحدٍ معًا. فلو قلنا له معناه فَحَسْب؛ لكان حدثًا من أحداث العالم الميثولوجي في مدينة من العصور الغابرة، والقصة هُنا تجري في جوللين. وفي الوقت الحاضر يدخل أهالي جوللين في زمرة الأبطال، وهم بشر مثلنا جميعًا؛ فلا ينبغي أن يُصوَّروا على أنَّهم أشرار، مُطلَقًا، ففي الأول كانوا مُصمِّمِين على رفض العرض. نعم إنَّهم يستدينون، وإنَّما دون أن يقصدوا إلى قَتْل إل من وراء ذلك، يستدينون عن حماقة، عن شعور بأنَّ كل شيء سيُسوَّى. على هذا النحو ينبغي إخراج الفصل الثاني، حتى مشهد المحطة، فهناك لا يُخالج الخوف إلا إل وَحْدَه؛ لأنَّه يُقدِّر موقفه، ولكن لا ينطق أحد بكلمة شر، فإذا أتى مشهد شونة بيتر وضح التحوُّل. إنَّ الكارثة لم يَعُد ثمة سبيل إلى تحاشيها؛ فمنذ هذه اللحظة يَستعِد أهل جوللين لقتل إل، ويبدو عليهم الحنق على خطيئة إل … إلخ. إلا العائلة فإنَّها تُقْنِع نَفْسها حتى النهاية بأنَّ كل شيء سيُسوَّى، ذلك أنَّ العائلة إن لم تكن شريرة فإنَّها ضعيفة كالجميع. إنَّها تنقاد للإغراء ببطءٍ، مثل المعلم، ولكن هذا الانقياد لا بد أن يكون مقبولًا عقلًا؛ الإغراء بالغ القوة والفقر بالغ المرارة. السيدة العجوز قطعة من الشر؛ ولذلك بالذات لا ينبغي إخراجها على نحو شِرِّير، وإنَّما على نحو بالغ الإنسانية، بحزن لا بغضب، ولكن أيضًا بفُكاهة، فما من شيء يضرُّ بهذه الكوميديا التي تنتهي نهاية تراجيدية، إلا العَبَس البهيمي.

إضافة: المشهد الثاني بالمحل (الفصل الثالث) يُمكن تبسيطه بتَرْك المصوِّر. فإذا أريد الإخراج على هذا النحو لزم تغيير النص بحيث يكون) بهذا الشكل:
المعلم : إنَّك تُخيِّبِين أمَلي أيتها الابنة الصغيرة؛ كان المفروض أن تَتكلَّمي أنتِ، والآن يُضطر معلمكِ العجوز إلى الكلام بصوت هادر. أنا أحتجُّ أمام الرأي العام العالمي، أشياء فظيعة تتأهب في جوللين.
وثمة تغييرات أخرى من اليسير إدراكها. كذلك ينبغي إضافة ما يلي على الصفحة نفسها. بعد:
الأول : جُن؟
الثاني : اسكت.
الصحفي ١ : «يا جماعة، اتْرُكوا الرَّجل الطَّيِّب يتكَلَّم.»

كذلك من الممكن الاكتفاء بصحفي واحد بدلًا من اثنين.

١  يوهان زبستيان باخ (١٦٨٥–١٧٥٠م) موسيقِي ألمانيا الأشهر، ورَب الموسيقى في كل زمان ومكان. (المترجم)
٢  المقصود هم البلاد الغربية. (المترجم)
٣  بنت الملك أييتس ملك كولخيس، وكانت عالِمَة بالسِّحر، فَرَّت مع ياسون زعيم بَحَّارة أرجون وعاونَتْه بِفنِّها في مصارعته للثيران التي تَنفُث النار، وتمكَّنَت من تنويم التنين الهائل حارس الفِرَاء الذهبي، حتى حصل ياسون عليه، وتَزوَّجَت ياسون. كذلك أرجعَتْ أبا ياسون إلى صباه، لكن زوجها ما لبث أن خانها فانتقمَتْ منه بقتل أولادها. هذه الأسطورة اليونانية عالجَها الأدباء مرارًا، نَذكُر من هؤلاء الأدباء: أويريبيدس، سينيقا، كورتي، وجريلبارتسر. (المترجم)
٤  من أنواع الخمور المشهورة. (المترجم)
٥  يحظر القانون على من يسوق سيارة أن يحتسي خمرًا؛ لذلك رفض هوفباور أن يشرب. (المترجم)
٦  المانشستر نوع من القطيفة يُستعمَل في صناعة الحُلل الرياضية. (المترجم)
٧  أي الدراسات الإنسانية. (المترجم)
٨  مجلة أمريكية مُصوَّرة، واسعة الانتشار. (المترجم)
٩  نوع من الفِراء يُتَّخذ بسلخ الحُمْلان الوليدة. (المترجم)
١٠  رمز العربة الفاخرة في ألمانيا.
١١  بالفرنسية Cest terrible = شيء فظيع.
١٢  أدالبرت شتیفتر، أديب ألماني وُلِد عام ١٨٠٥م، وتُوفِّي منتحرًا عام ١٨٦٨م. يُعتبر شتيفتر من أهم الأدباء الألمان، خاصة في ناحية تصوير الطبيعة والتفكير المثالي والصياغة الأسلوبية، من مؤلَّفَاته المشهورة، الروايات: «الغابة العظيمة»، «بريجيتا»، «أحجار ملونة» … إلخ. (المترجم)
١٣  الفراك حُلَّة ممتازة للاحتفالات الراقية، تتميز خاصة بسُتْرة طويلة من الخلف، وعادة يُلبس معها قميص أبيض مُنَشًّى، ورباط عنق على شكل الفراشة. (المترجم)
١٤  تقول وداعًا بالإنجليزية So Long. Dady
١٥  من المفيد مُقارَنة المقابَلة الأولى بين كلير وإل في الغابة بمُقابلَتِهما الأخيرة؛ لملاحظة التطوُّر في شخصية كلير وإل، وحُكْمهما على الأشياء.
١٦  صيغة المداعبة من لفظة Schatz = كنز. وهي صيغة مُداعَبة شائعة الاستعمال في اللغة الألمانية وفي لغات أوروبية أخرى مثل الإيطالية.
١٧  الوصية هنا من الوصايا العشر المعروفة عند أهل الكتاب.
١٨  دلالة على الأصالة.
١٩  من أعظم المصوِّرِين على وجه الإطلاق. رمبرانت هولندي، ولد عام ١٦٠٦م ومات عام ١٦٦٩م مخلِّفًا لوحات ورسومات يربو عددها على اﻟ ۷۰۰، كلها من الروائع. أما روبنس فبلجیكي (فلامي)، وُلِد في مدينة زيجن في منطقة الراين الألمانية عام ١٥٧٧م ومات عام ١٦٤٠م. كان ديبلوماسيًّا بالإضافة إلى اشتغاله بالتصوير، وقد ذاعت شهرته في أوروبا قاطبة، وصَوَّر في بلدانها المختلفة؛ في إيطاليا، وفرنسا، وإسبانيا، وإنجلترا، وهولندا، وتَرَك لوحات عديدة تُعتَبر من الروائع الفنية. (المترجم)
٢٠  یوهان نيبوموك نيستروي (١٨٠١–١٨٦٢م) مؤلِّف وممثِّل كومیدي نمساوي، حوَّل اتجاه الكوميديات الشعبية المحلية في عصره إلى النقد الاجتماعي المحبوب، وإلى الالتفات إلى مشاكل الساعة، وإلى الموضوعات الواقعية، وأبعدها عن الجو البحري القديم؛ فحقَّ اعتباره مؤسِّسًا للكوميديا المحلية لفيينا. من كوميدياته المعروفة «على الأرض وفي الدور الأول». (المترجم)
٢١  ثورنتن وايلدر (وُلِد عام ١٨٩٧م) من أشهر الأدباء الأمريكان في الوقت الحاضر، وأعظمهم إنتاجًا، وأكثرهم ارتباطًا بالثقافة الأوروبية. تلقَّى دراسته الأولى في الصين؛ حيث كان أبوه قنصلًا عامًّا لبلاده هناك، ثم عاد مع اندلاع الحرب العالمية الأولى إلى أمريكا، واشتغل بدراسة اللغات الحديثة، ثم سافر إلى أوروبا فتابع دراسته هناك. فلمَّا عاد إلى وطنه عمل مدرسًا للأدب في جامعة شيكاغو. وهو الآن أستاذ الأدب في جامعة هارفارد. يتميَّز وايلدر بالاتجاه الإنساني الأخلاقي المتعلق بالإيمان، كما يتميَّز من ناحية التكنيك المسرحي بالجرأة فيما يُسمَّى بالمسرح المجرَّد عن الأوهام، مثلًا من أوهام المكان والزمان، والذي يرفع فيه الجسر بين الميت والحي. ويهتم وايلدر بصفة خاصة بتطورات الإنسان في سبيل حياة جديدة الشكل وسط العالم الذي ضاع منه الإيمان. يشمل إنتاج وايلدر إلى جانب المسرحيات؛ روايات مثل: «سيدة أندروس»، و«أفكار مارس». أمَّا مسرحياته فتُعتَبر بداية عصر جدید، مسرحيته الأولى «بلدتنا» عام ١٩٣٨م تُمثَّل على مسرح بلا ستار ولا ديكور، ويقوم مدير التمثيل بشرح أماكن الأحداث وبتقديم الأشخاص. أمَّا مسرحيته الثانية «جلد أسناننا» فيُحطِّم فيها كل النواحي الإيهامية للمسرح الواقعي، ويعرض لأسرة متوسطة عتيقة أفلتت من أهوال العصر الثلجي، ومن الطوفان، كرمز للإنسانية التي تخرج من الخطر المُحدق لتبدأ من جديد. كذلك ألَّف وايلدر مسرحيات من فصل واحد، ومسرحيات الثلاث الدقائق. من مسرحية «رحلة سعيدة»، التي تُمثِّل أسرة من مُحْدِثي النعمة، مُكوَّنة من أربعة أشخاص، تركب سيارة وتسير بها طوال بعض الطُّرُق الزراعية. ويجدُر أن نُشير هنا إلى اهتمام وايلدر هو كذلك بالكوميدي النمساوي نستروي إلى حد ترجمة بعض مسرحياته إلى الأمريكية مع توفيقها مع البيئة الأمريكية.
٢٢  مشروع أَعدَّه عام ١٩٤٧م جورج مارشال وزير الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت، يهدف إلى تقديم مساعدات إنمائية لإعادة بناء البلدان الأوروبية حتى تقف أمام الكتلة الشرقية.
٢٣  كتاب منسوب إلى يُوحَنَّا الإنجيلي، يتنبَّأ فيه بمصير المسيحية، وبانتصارها على المسيح الدَّجَّال، والكتاب بالِغ الغموض حتى اتُّخِذ رمزًا للغموض Apokalypse.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤