التقاط الأنفاس!
كان قرارُ الانتقال السريع إلى المقر السِّري الكبير بالصحراء الغربية، قرارًا صائبًا من وجهة نظر الشياطين.
وهو يُبرهن على أن رقم «صفر»، كما كان دائمًا … هو الأقدر على قيادتهم … وهو الأكثر إحساسًا بهم … وفهمًا لهم … وتقديرًا لاحتياجاتهم.
فرغم أن عملية «وحش الأعماق» لم تؤدِّ إلى النتيجة التي حُدِّدت من أجلها المهمة … إلا أنها استنفدت من طاقاتهم الكثير … ولم يكن من الحكمة استكمال المهمة … دون الحصول على قدر مناسب من الراحة … وهي فرصة جيدة لالتقاط الأنفاس … ومراجعة الحسابات.
وقد كان ﻟ «أحمد» اقتراحٌ لاقَى ترحيبَهم جميعًا … وهو عقد اجتماع مراجعة لكل ما تم في المرحلة السابقة من المهمة قبل مغادرة المقر.
وفي غرفة الاجتماعات، اتخذ كلٌّ منهم موقعَه خلف أحدِ أجهزة الكمبيوتر، وبضغطةِ بعضِ الأزرار، أصبحوا جميعًا على الشبكة الداخلية للمقر.
ووسط دهشتهم، اصطفَّت الخطوط البيانية المتراصة على الشاشة، مما يعني أن رقم «صفر» سيحضر الاجتماع. فتلفَّتوا حولهم يبحثون عن «أحمد»؛ فقد كانت لديه إجابة عن كيفية معرفة رقم «صفر» باجتماعهم هذا.
ولم تَطُل دهشتُهم … وعمَّهم المرحُ عندما سمعوا صوتَه يُلقي عليهم تحيةَ المساء. وكان الصوت يأتيهم من سماعات أجهزة الكمبيوتر … وتتحرك معه الخطوط البيانية على الشاشة، فقالت له «ريما»: ياه! ظنناك رقم «صفر»!
«أحمد»: بل أنا تحت الصفر.
«إلهام»: هل تشعر ببرد؟
«أحمد»: أتمزحون مع الزعيم؟!
«عثمان»: أين أنت الآن؟
«أحمد»: فلنبدأ الاجتماع أولًا.
«عثمان»: لا اجتماع قبل أن تُخبرَنا أين أنت؟
«أحمد»: أنا في مختبر المقر.
«ريما»: الآن نبدأ الاجتماع.
«أحمد»: هاه … ماذا لديكم؟
«إلهام»: ساندويتشات!
«أحمد»: سأحضر حالًا.
«عثمان»: لا داعي، لقد أكلناها.
وما كاد «عثمان» يُتم جملتَه، حتى رأى «أحمد» أن يبدأ معهم الاجتماع، قائلًا: أتوافقون أن أجلس مكاني؟!
فالتفتَ إليه الجميع وهم يبتسمون، فاستطرد قائلًا: موافقة.
وفي صدر القاعة اتحذ مكانه … خلف أحد أجهزة الكمبيوتر، الذي أعطاها ظهرَه مواجهًا للشياطين، وهو يقول: لقد بدأَت مهمَّتُنا دون ترتيب، ودون تكليف من أحد … ودون إعداد مسبق.
«إلهام»: نعم … فقد كنَّا في مهمة استكشافية في قاع البحر …
«ريما»: وقد كان السبب هو غرق باخرة تحمل شحنة كبيرة من الأسمدة الزراعية بالقرب من محمية «رأس محمد».
«عثمان»: وفجأة، وجدنا أنفسنا في مواجهة مع أكثر من عدو، وأكثر من خطر!
«فهد»: ولم نأخذ فرصة واحدة لنلتقط أنفاسنا، ونراجع حساباتنا إلى الآن.
«ريما»: لقد كان وقتًا عصيبًا.
«إلهام»: وليته انتهى!
«أحمد»: نعم، فلا زال أصحاب الباخرة هاربين، ولا زالت الشحنة الملوثة موجودة في قاع البحر، ولا زال حيوان «نجمة البحر» المطور بأحجامه الكبيرة، يهدِّد ليس غابات الشعاب المرجانية فقط، ولكن كل الحياة البحرية في البحر الأحمر.
«ريما»: وكيف نقول إذن إن النصف الأول من المواجهة قد انتهى؟ وما نتيجته؟!
فقال «عثمان» مازحًا: نتيجته أنك بيننا الآن … وطبعًا هذا ليس إنجازًا.
إلهام: لا … إنه إنجاز، ولدينا رجل العصابة الذي اختطفها … والذي سنعرف منه الكثير.
زبيدة: أنا أعتقد أن ما تم حتى الآن هو أهم مرحلة في المهمة.
قيس: أنا مع «زبيدة» فيما تقول؛ فقد عرفنا الكثير عن الخطر الداهم المسمَّى «نجمة البحر»، وعن شحنة السماد الملوثة إشعاعيًّا … وكيف أنها أوجدت بيئة صناعية لهذا الحيوان، الذي تم تعديل صفاته الوراثية.
بوعمير: وتحت أيدينا واحد من الذين أغرقوا الشحنة.
فهد: ولم نكن لنعرف كلَّ ذلك لولا المرحلة الأولى من المهمة.
أحمد: هذا صحيح … وأعتقد أن الأمور الآن تحت سيطرة الأجهزة الأمنية … والمراكز البحثية الحكومية في منطقة البحر الأحمر … ولينظر كلٌّ منكم إلى شاشة جهازه.
فاستدار الجميع … ليجدوا الخطوط البيانية، وقد اصطفَّت على شاشاتهم … وصوت رقم «صفر» يقول لهم: أهلًا بكم!
أحمد: حمدًا لله على سلامتك يا زعيم!
رقم «صفر»: أنا لم أَعُد بعدُ، أنا أحدِّثكم من «هايدلبرج».
إلهام: أحضرت معنا الاجتماع؟
رقم «صفر»: نعم.
عثمان: إذن، فالخطوط البيانية!
رقم «صفر»: كانت حقيقية.
ريما: و«أحمد»؟!
أحمد: لقد كانت أوامر الزعيم ألَّا تعرفون بحضوره الاجتماع، إلا حينما يرى هو ذلك!
رقم «صفر»: ولا زلتُ أرى أن هناك ضرورة لسفركم إلى المقر الكبير. ليس للاستجمام فقط … ولكن لضرورات العمل.
ريما: وهل سيسافر معنا الرجل الذي قبضنا عليه؟
رقم «صفر»: كيف … ولماذا؟!
ريما: لنقوم باستجوابه؛ فهناك الكثير نريد معرفته منه.
رقم «صفر»: هناك مَن يقوم بهذا العمل.
أحمد: ولكن يجب أن نحضر ذلك الاستجواب؛ فلدينا الكثير من علامات الاستفهام تحتاج لإجابة.
رقم «صفر»: سأبحث هذا الأمر مع القيادة العامة، والمهم الآن أننا بصدد إنشاء مركز بحوث في منطقة البحر الأحمر بالتعاون مع السيد «ليبيد»، عالم الأحياء الروسي الذي حدَّثتكم عنه، للتخلص من آثار شحنة السماد، والكائنات البحرية المدمرة التي احتوتها.
أحمد: وما الذي سنقوم بعمله في المقر الكبير؟
رقم «صفر»: ستعرفون كلَّ شيء في حينه. المهم، أن تتحركوا الآن، لتصلوا هناك قبل مغيب الشمس. وفَّقكم الله!
اختفَت الخطوط البيانية على شاشاتهم، وحلَّ محلَّها شعارُ المنظمة. فالتفتوا جميعًا إلى «أحمد»، الذي قال لهم: ليس عندي جديد … كلُّ المناقشات مؤجلة إلى أن نَصِل إلى الصحراء الغربية.
ريما: ونستطيع أن نُكملَ حديثنا في الطريق.
إلهام: معك كل الحق.
عثمان: هيَّا بنا يا رفاق … فلنبدل ملابسنا، ونتوجَّه إلى جراج المقر.