تحسين النوعية المؤسساتية
عقيم هو التفكير بلا أفعال؛ أما الفعل بلا تفكير فهو مميت.
ما يُعتد به هو ما تتعلمه بعد معرفة.
مدخل
أريد في هذا الفصل الأخير، أن أعيد النظر في السؤال الذي طرحته في بداية هذا الكتاب: ما الذي يميز القسم أو البرنامج النوعي؟ وأن أتناول سؤالين آخرين في محاولة لأن أوجز الموضوعات الأساسية في كتابي هذا: ما هي المفاتيح لإيجاد أقسام فاعلة؟ وما الذي يمكن لأعضاء هيئة القسم التعليمية وكرسيه أن يفعلوه في إحداث ثقافات التميز هذه؟
(١) خصائص القسم النوعي
لنتذكر قائمتي الخصائص التي تميز الأقسام النوعية في الفصل الأول: فهما قائمتان كانت قد وضعتهما مجموعات تتألَّف في أكثرها من كراسي الأقسام بعد أن طُلب منها تحديد مواصفات الأقسام النوعية في مؤسساتها. وإليكم هذا التوليف بين القائمتين:
خصائص الأقسام النوعية: الهيئة التعليمية والمديرون
-
رسالة ورؤية مشتركتان.
-
توازن في التركيز على الطلاب، والمجتمع، والمؤسسة، والهيئة التعليمية.
-
أفضل انسجام ممكن بين الطلاب ورسالة المؤسسة.
-
التزام بالتميز في التدريس وتعلُّم الطلاب.
-
قيمة رفيعة للاستقلال المهني.
-
مشاركة مهمة للطلاب مع الهيئة التعليمية ومع بعضهم بعضًا.
-
بحث فاعل سواء من قبل الطلاب أم من قبل الهيئة التعليمية.
-
تعاون وتأمل ذاتي.
-
ابتكار؛ مرونة في التغير.
-
زمالة وإحساس قوي بالجماعة الأكاديمية.
-
احترام تعدد الآراء؛ توتُّر خلَّاق.
-
تقويم مستمر للبرامج واستخدام معطيات التقويم.
-
روابط متينة مع الخريجين والصناعة.
-
قيادة ذات رؤيا، سواء من قِبَل الهيئة التعليمية أم من قِبَل الكرسي.
(٢) علائم النوعية في الأقسام الأكاديمية
أريد الآن أن أضيف ثلاثة مصادر أخرى للحكمة فيما يتعلق بعلائم النوعية في الأقسام الأكاديمية.
المصدر الأول
أستمد هذا المصدر من والفوورد وزملائها (٢٠٠٠م) الذين قاموا بمراجعة مكثَّفة للأدبيات التي تتناول فعالية الأقسام، وتوصَّلوا إلى هذه القائمة من السمات التي تميِّز الأقسام السليمة:
لاحظوا ثيمات المشاركة، والتأمل النقدي، والزمالة الصادقة، وجميعها مما ألح عليه هذا الكتاب. لاحظوا أيضًا التداخل مع القائمة التي وضعها الكراسي، مع أنَّ أحدًا منهم لم يقرأ كتاب والفوورد.
المصدر الثاني
-
تحديد نوعية التعليم من حيث النتائج.
-
التركيز على عملية التدريس والتعلُّم.
-
السعي وراء التماسك في المنهاج والعملية.
-
العمل بصورة تعاونية على تحقيق المشاركة والدعم المتبادلين.
-
إقامة القرارات على الواقع ما أمكن.
-
الحد من تقلُّب النوعية القابلة للضبط والتحكُّم.
-
جَعلُ تحسين النوعية المتواصل أولوية عليا (ص٥٠).
المصدر الثالث
وتبعًا لهاورث وكونراد، فإنَّ البرامج عالية النوعية هي تلك التي «تقدِّم تجربة تعلُّم غنية تؤثِّر بصورة إيجابية وبنَّاءة على تقدم الطلاب وتطورهم» (١٩٩٧م، ص٢٧). وهو أمر يحصل حين توظِّف الأقسام الوقت والطاقة الكافيين لخلق خمس مجموعات من الصفات وتعزيزها:
على الرغم من أنَّ هاورث وكونراد يقصران نظريتهما على تطوير البرامج التعليمية عالية النوعية وتعزيزها، خاصةً برامج الدراسات العليا، إلا أنَّ الإطار الذي يقدِّمانه يظلُّ مفيدًا أيضًا في وصف خصائص البرامج النوعية ككلٍّ. لاحظوا مرة أخرى، ذلك التداخل الجوهري مع القوائم الأخرى، خاصةً المجموعتين ١ و٢. ويشير هاورث وكونراد إلى أنَّ أطروحة المشاركة التي يقدِّمانها تضع المساهمين المتعددين والمشاركين وثقافات المساهمة في المرتبة الأولى بين متساوين من علائم نوعية القسم. وهذا ما يمكن أن يوافق عليه كثير من الكراسي، إذا ما حكمنا على ذلك من التداخل بين القوائم.
(٣) خصائص القسم الأكاديمي النوعي: تركيب
لو جمعنا معًا هذه المصادر الأربعة المختلفة — والتي تقوم على التجربة العملية، والبحث، ونظرية المشاركة، والنظرية الموثَّقة أو المؤكَّدة، على التوالي — يمكن أن يتحصَّل لدينا التركيب التالي:
جماعة أكاديمية متعددة وداعمة
-
قيمة رفيعة للاستقلال المهني.
-
هيئة تعليمية وطلاب من خلفيات ومنظورات مختلفة.
-
مجال مناسب للخطاب البنَّاء: احترام تعدد الآراء؛ توتر خلَّاق.
-
دعم الابتكار، المغامرة، والمخاطرة المعقولة.
-
مرونة إزاء التغير.
ثقافة المسئولية الجماعية
-
رسالة ورؤية مشتركتان.
-
توازن في التركيز على: الطلاب، المجتمع، المؤسسة، الفرع.
-
التزام فردي بصالح المجموع.
-
التزام جماعي بصالح المؤسسة والمجتمع.
-
مشاركة مهمَّة للطلاب مع الهيئة التعليمية ومع بعضهم بعضًا.
التزام بالتميز في التعليم، وتعلُّم الطلاب، والبحث
-
أفضل انسجام للطلاب مع رسالة المؤسسة.
-
مشاركة فاعلة وفعلية للطلاب في موضوع البحث.
-
متطلبات البرنامج المترابطة والمنهاج الدراسي المتماسك.
-
البحث الفاعل من قبَل الطلاب والهيئة التعليمية.
ثقافة التأمل النقدي
-
إلحاح على التأمل الذاتي الفردي والجماعي.
-
تقويم مستمر للبرامج واستخدام حذر لمعطيات التقويم.
-
إلحاح على كلٍّ من تعلم الفرد وتعلُّم الجماعة
قيادة ذات رؤيا من طرف الهيئة التعليمية والكرسي
-
انفتاح، تعاون، وصناعة مشتركة للقرارات.
-
تفكير منظوماتي.
-
تفكير رؤيوي.
موارد كافية للطلاب والهيئة التعليمية
-
الإمدادات، والمعدات، والتسهيلات المطلوبة.
-
الموارد المكتبية والحاسوبية.
ينبغي أن نبقي في الذهن أنَّ للمساهمين من غير الهيئة التعليمية والإدارة قوائم أخرى. وتخميني، الذي يقوم على أحاديث كثيرة مع هذه الجماعات الأخرى، أنَّ قوائم النوعية لا بد أن تتداخل إلى حد بعيد. فالطلاب والأهل سيكونون أكثر اهتمامًا بقيمة البرنامج الأداتية (أي بتهيئة الطلاب لمهنهم المُختارة)، في حين ستكون المجالس والقيِّمون أكثر اهتمامًا بالاقتصاديات ومؤشرات الإنتاجية مثل التسجيل وساعات التدريس المعتمدة. غير أن القسم الأكاديمي الذي يعكس معظم النوعيات الآنفة أو كلها من المرجَّح أن يجد حظوة أبعد من هيئته التعليمية وإدارة المؤسسة المركزية.
(٤) خَلقُ القسم النوعي
ليس خلق ثقافة النوعية بالمشروع الفردي. فهو يتطلَّب جهدًا مشتركًا، ومزجًا لمواهب ومنظورات الكرسي والهيئة التعليمية.
(٥) كراسي الأقسام كعوامل في العمل النوعي
لا تقود الأقسام نفسها بنفسها. وهي تشتمل على كراسي لهذا الغرض. وقادتها يُدعَون أيضًا باسم «الكراسي» لهذا الغرض أيضًا. وهؤلاء ليسوا زعماء أو عُرَفاء، وليسوا أيضًا مجرد زملاء بمكاتب كبيرة وعقود لاثني عشر شهرًا. إنهم قادة، لكنهم قادة من نوع خاص تعرفه الأكاديميا وحدها. وهم يتدبَّرون تفاصيل القسم الإدارية، بالطبع، لكنهم مسئولون أيضًا عن تحديد عمل القسم وصياغته أو إعطائه قوامه، والموازنة بين مصالح الهيئة التعليمية الفردية ومصالح الكلِّ الجماعية. وهذا أكثر من أيِّ شيء آخر، ما يجعل كراسي الأقسام في الكليات والجامعات يختلفون عن الإدارات الوسطى في المنظمات الأخرى. إنَّهم مُيسِّرون، مفاوضون، مُضفُون للمعنى، وبناءون للجسور. وإليكم ما قالته: «المائدة المستديرة حول التعليم العالي» التي عقدتها بيو عن الدور الخاص لكراسي الأقسام: «إنَّ الكرسي، أكثر من أي شخص آخر في القسم، هو الذي ينبغي أن يدعو إلى اجتماعات الهيئة التعليمية التي تثير إجابات مهمَّة تحدِّد طبيعة عمل هذه الجماعة، وذلك لأنَّ هذه الاجتماعات تطرح أسئلة قوية» (١٩٩٦م، ص١٠). ولقد سبق أن وُضِعَت كتب كثيرة جيدة بقصد المساعدة على تطوير مهارات القيادة لدى كراسي الأقسام: غميلش وميسكن (١٩٩٣م)، تَكِر (١٩٩٣م)، لوكاس (١٩٩٤م)، سيغرين وكريسوِل وويلر (١٩٩٥م)، ليمنغ (١٩٩٨م)، هيشت وهيغرسون وغميلش وتكر (١٩٩٩م)، بنسيمون ووارد وساندرز (٢٠٠٠م)، ولوكاس ومساعدوه (٢٠٠٠م). وأريد أن أُجمِل نصائحهم الجيدة وأعيد تكرارها. غير أني أريد أيضًا أن أثير بعض النقاط التي تركِّز على مسئولية كرسي القسم في تحسين نوعية قسمه.
من الصعب أن نتخيَّل قسمًا نوعيًّا دون كرسي نوعي. والكراسي النوعية هي التي تقوم بالأشياء التالية:
وهناك الكثير من أشباه هذا التعريف تُطَبق على الأقسام الأكاديمية: فكرة التكامل واحترام الاختلاف، والغاية المشتركة (رسالة المؤسسة)، وتحمُّل المسئولية الجماعية. غير أنَّ ما يتركه هذا التعريف هو تلك الصفات الحاسمة بالنسبة لثقافة النوعية الأكاديمية: التعويل على الاستقلال وإبداع أعضاء الهيئة التعليمية الأفراد وليس على نتاجات الفريق، والمجال المتاح أمام الخلاف البنَّاء، بل الحاجة إلى هذا الخلاف، وإدراك أنَّ للمؤسسات رسائل متعددة، خاصةً في الأقسام الكبيرة، وتاليًا عدم وجود مهام واضحة يتشاطرها جميع الأعضاء.
ومن وجهة نظري، فإنَّ أفضل طريقة للنظر إلى الأقسام هي النظر إليها على أنها جماعات مصالح: وحدات تنظيمية يتقاسم فيها الأعضاء مصالح وغايات أكاديمية مشتركة، ويدركون تنوُّع أدوارهم ويثمنونه، ويتحملون مسئولية جماعية عن العمل الذي يقومون به، دون أن يتجاهلوا استقلالهم الفردي والتزامهم الحرية الأكاديمية. كما أنَّ النظر إلى الأقسام كجماعات مصالح يشير أيضًا إلى أهمية السيرورات السياسية كمحددات أساسية من محددات النوعية. وإذا ما نظرنا إلى نوعية الأقسام بوصفها تفاوضًا ناجحًا بين مصالح متعددة، فإنَّ النتيجة التي تلي ذلك هي أنَّ لدى الهيئة التعليمية مصلحة مشتركة، أو رهانًا مشتركًا، في ذلك التفاوض.
(٦) أعضاء الهيئة التعليمية كعوامل في العمل النوعي
أشرتُ في الفصل الثالث إلى أنَّ مقاومة الهيئة التعليمية عادةً ما تكون واحدًا من المُشتبَهين الذين يُحمَّلون مسئولية الحالة المؤسفة لكثير من مبادرات التغيير المؤسساتية. غير أنَّ السمعة ليست ذلك الشيء الخالي تمامًا من الأهمية، سواء حسُن ذلك أم ساء. وسد الطريق أمام التغيير ليس بالشيء الرديء على الدوام، الأمر الذي يشير إليه بوضوح مصير تلك المبادرات التي أُسيء توجيهها بعدم تخصيص الميزانيات المناسبة لها أو إدارتها بالأهداف. غير أنه كما يصعب أن نتصوَّر قسمًا نوعيًّا دون كرسي نوعيٍّ، يصعب أيضًا أن نتصور قسمًا نوعيًّا دون هيئة تعليمية تلتزم العمل النوعي. وكما قلت في الفصل الرابع، فإنَّ عمل القسم النوعي ليس مجرد محصِّلة العمل النوعي الذي ينجزه الأفراد. فعلى القسم ككلٍّ أن يلتزم التأمل النقدي، والنماء، والتغير بوصفه وحدة. وأعضاء الهيئة التعليمية في مثل هذه الأقسام يعكسون سلوك الكراسي النوعية. كما أنهم يقومون بما يلي:
الأقسام ليست مجرد حجرات محكمة الإغلاق أو حواجز أو ديناصورات؛ فهي تشتمل على عضويات تحاول أن تنجز مهام صعبة ومعقَّدة في ظروف صعبة ومعقدة. وليس من الواضح ما إذا كان بمقدور الأقسام أن تتغيَّر بما يكفي لأن تكون فعالة في العالم سريع التغير الذي تواجهه. لكن الأمل الوحيد في التغيير يكمن في البناء على بنى الأقسام الخاصة، وثقافاتها، وما تتيحه من سُبل ممكنة أمام التغيير.
المراجع
-
Bensimon, E. M., Ward, K., & Sander, K. (2000), The department chair’s role in developing new faculty into teachers and scholars, Bolton, MA: Anker.
-
Gmelch, W. H., & Miskin, V. D. (1993), Leadership skills for department chair, Bolton, MA: Anker.
-
Haworth, J. G., & Conrad, C. F. (1997), Emblems of quality in higher education: Developing and sustaining high-quality programs, Needham Heights, MA: Allyn & Bacon.
-
Hecht, I., Higgerson, M. L., Gmelch, W. H., & Tucker, A. (1999), The department chair as academic leader, Phoenix, AZ: Oryx.
-
Katzenbach, J. R., & Smith, D. K. (1993, March/April), The discipline of teams, Harvard Business Review, 111–120.
-
Knight Higher Education Collaborative, (1996, February), Double agent, Policy perspectives, 6(3).
-
Leaming, D. R. (1998), Academic leadership: A practical guide to chairing the department, Bolton, MA: Anker.
-
Lucas, A. F. (1994), Stengthening departmental leadership: A teambuilding guide for chairs in colleges and universities, San Francisco, CA: Jossey-Bass.
-
Lucas, A. F., & Associates (2000), Leading academic change: Essential roles for department chair, San Francisco, CA: Jossey-Bass.
-
Massy, W. F. (2001, July/August), Making quality work, University Business, 4, 44–50.
-
Massy, W. F., Wilger, A. K., & Cobeck, C. (1994, July/August), Overcoming “hollowed” collegiality, Change, 26 (4), 10–20.
-
Seagren, A. T., Creswell, J. W., & Wheeler, D. W. (1995), The department chair: New roles, responsibilities, and challenges, ASHE-ERIC Higher Education report, No. 1, Washington, DC: George Washington University, Graduate School of Education and Human Development, (ED 363 164).
-
Tucker, A. (1993), Chairing the academic department (3rd ed.), Washington, DC: American Council on Education/Oryx.
-
Walvoord, B. E., Carey, A. K., Smith, H. L., Soled, S. W., Way, P. K., & Zorn, D. (2000), Academic departments: How they work, how they change, ASHE-ERIC Higher Education Report, 27 (8), San Francisco, CA: Jossey-Bass.