الانتقال من الشباب إلى الشيخوخة
يتسم الشباب بنشاط سريع، وأحيانًا انفجاري، لأن نبض الحياة فيه قوي. وهو أيضًا يتسم بالاستطلاع الذهني والعاطفي لأن الشباب يجد الدنيا ملتغزة تحتاج إلى التوضيح، فهو كثير التساؤل والاستفسار، فإذا بلغ الخمسين أو حواليها هدأت نفسه، فقل الاستطلاع وسكنت العواطف، ولكن هذا السكون يجب ألا يكون ركودًا.
وانتقال المرأة من الشباب إلى الشيخوخة يقع حوالي الخمسين وعلامته الواضحة هي انقطاع العادة الشهرية. وهذا الانتقال كثيرًا ما يحدث رجة نفسية تنشأ من التغيير الفسيولوجي في الجسم، كما تنشأ أيضًا من الاعتبارات الاجتماعية حين تحس المرأة أن الدنيا لم تعد دنياها، وهذه الاعتبارات كاذبة في معظمها. لأن جمال المرأة يبقى، مع العناية إلى ما بعد الخمسين والستين. كل ما فيه أنه ينتقل من جمال الجسم إلى جمال الشخصية. بل قد يبقي شيء كثير من جمال الجسم في من يبلغون الخامسة والخمسين والستين من الجنسين، وهم مع ذلك لم يفقدوا حتى النزق الجنسي والاستطلاع والثورات العاطفية. والرجال في مجتمعنا المصري أقدر على الاحتفاظ بشبابهم، أو بالكثير منه، من النساء، لأنهم يشتبكون في الحياة العامة ويعملون للكسب دون النساء. وهذا النشاط يكسبهم حيوية تلازمهم عشر سنوات أو عشرين سنة تزيد على سن النشاط عند المرأة التي يقضي عليها أحيانًا مجتمعنا بالانزواء والركود، فيترهل جسمها وعقلها وتعيش كأنها في إجازة من الموت الذي له أن يطلبها في أية ساعة.
وربما كانت سن المعاش بين الموظفين عندنا، وهي سن الستين، سببًا من الأسباب الاجتماعية التي تجعل جمهور الناس يخشى الشيخوخة ويستسلم لأمراضها. فإنها تعمم بيننا عقيدة زائفة هي أننا نصل إلى آخر أنفاسنا الحيوية في هذه السن، وأن من الحكمة أن نستكين ونركد ونهيئ الكرسي المسند كي نرتاح عليه ونتثاءب. مع أن هذه السن في أوربا هي سن النضج والإيناع. وهناك شبان في الستين والسبعين نراهم يلعبون في مرح في الملاعب الرياضية في جميع مدن أوربا ويمتازون بعضلات مفتولة وبطون ضامرة وعيون صافية.
وقد ألف أحد الأمريكيين قبل سنوات كتابًا بعنوان «الحياة تبدأ في الأربعين» فرد عليه إنجليزي آخر بكتاب بعنوان «الحياة تبدأ في الخمسين» وكان هذا الإنجليزي يقول لزميله الأمريكي. نحن أكثر شبابًا منكم. وكلاهما يشرح الطرق التي يجب أن يتبعها المسنون كي يعيشوا المعيشة النشيطة المثمرة، بل المعيشة الناجحة.
والمسنون في مصر — من الجنسين — جديرون بأن يحيوا ويستمتعوا بحياتهم. وعلى جمهورنا أن يكف عن مطالبتهم بهذا الوقار الكاذب الذي يحمل المسن على ألا يلعب أو يتنزه أو ينشط نشاط الشبان. فإن كثيرًا من ركود المسنين في مصر وترهلهم نفسًا وجسمًا يعود إلى هذا الوقار الزائف الذي يجيز لهم التعفن على الكراسي في القهوة، ولا يجيز لهم الوثب والجري في الملعب أو على الشاطئ.
وما يحتاج إليه كل منا عندما نبلغ الستين إنما هو أن نتحدى الشيخوخة ولا نستسلم لها. وذلك بأن نعد الجسم والذهن والعاطفة لنشاط لا يركد. وصحيح أن هذا النشاط قد يبطؤ. ولكن العدو الذي يجب أن نكافحه هو هذا الركود الآسن الذي نركن إليه فيما يشبه لذة الموت، كارهين لثقافة الذهن والجسم، قانعين بالاستقرار دون الاستطلاع حتى تبلى العواطف وتموت. وما الإنسان إذا لم يستمتع بنشاط الجسم والذهن والعاطفة؟