المزاج النفسي في الشيخوخة
يختلف الناس في المزاج النفسي كما يختلفون في المزاج الذهني، فكما أن أحدنا يهوى موضوعًا معينًا في الدراسة دون غيره، كذلك يميل أحدنا إلى التفاؤل أو التشاؤم، أو هو ينزع إلى الطموح أو يقنع بحاله راضيًا بمركزه الاجتماعي. ومنا العدواني الهجومي كما أن منا الانكساري الدفاعي.
وهذا المزاج يعود إلى البيئة في الأكثر، والوراثة في الأقل. وعندما نتجاوز الخمسين نجدنا قد استقررنا على أسلوب نفسي لا يكاد يتغير. وفي اختلاف الأمزجة فسحة للأطرزة المختلفة من المسنين. فإن المتفائل الذي تعود رؤية الدنيا بنظارة زاهية سيحتفظ بربيع حياته إلى الوفاة. والمتشائم الذي تعود رؤية المصباح الأحمر في كل خطوة، سيترقب الخطر والشر، وسيبلغ الشيخوخة والمرض والهموم الزائفة قبل الخمسين. وهناك فرق عظيم بين المزاج الهجومي والمزاج الانكساري. فإن الأول يندفع في الحياة بقوة موطرية وحيوية جسمية ونفسية. وقد يقع لهذا الاندفاع في إسراف مؤذ. ولكنه إذا كان قد انتفع باختباراته، فإنه سيتعقل ويعتدل. والمسنون يحتاجون إلى هذا المزاج الهجومي الذي يحملهم على النشاط. ويثير فيهم المطامع بعد الستين والسبعين، حين تعود هذه المطامع روحية أكثر مما تكون مادية. بل إن المطامع المادية نفسها خير من الركود النفعي.
وأسوأ الأمزجة ذلك المزاج الانكساري الذي يقنع من الدنيا بالدفاع. وأولئك المسنون الذين يقضون الأسبوع كاملًا بالبيت لا يخرجون منه، وأولئك الذين يقنعون بالعيش — أي عيش — لا يفكرون في ارتقاء أو تطور، وأولئك الذين يزهدون ويذبلون لقلة الغذاء المادي والذهني والنفسي، بل أولئك الذين يفكرون في الانتحار؛ كل هؤلاء يتسمون بالمزاج الانكساري.
وقد قلنا إن المزاج النفسي يكاد يتجمد بعد الخمسين. ولكن المسن الذي يعرف في نفسه مزاجًا معينًا يستطيع أن يقاوم ويغير، لأن الوجدان — أي الدراية — يجعل التغير ميسورًا. إما إذا بقي المزاج خفيًّا في العقل الكامن، يجهله صاحبه ويطاوعه في سلوكه، فإنه لن يفكر في التغيير.
والرغبة في الموت تكاد تكون طبيعية في كثير من المسنين بل إن فرويد كان يقول إنها كذلك في جمع الناس. وربما كان المزاج الانكساري بعض هذه الرغبة، أو لعلهما شيء واحد. وليس من الضروري أن تؤدي الرغبة في الموت إلى اختيار الوسائل المباشرة إليه. فإن القناعة، والزهد، والقعود عن الحركة، واليأس، وقلة المبالاة بالصحة، والجمود، وكراهة التجدد؛ كل هذا يدل إلى حد ما على رغبة في الموت تكمن في نفوسنا ولا يبرزها إلا التحليل النفسي.
ولهذه الرغبة في الموت صور خداعة مختلفة. فقد نجد أحد المسنين يعمد إلى ألعاب رياضية خطرة لا تلائم سنة، لأن قلبه لا يتحملها، وقد تتفجر شرايينه من المجهود الذي يحتاج إليه. وهو بوجدانه يصرح بأنه يطلب الصحة بهذه الرياضة، ولكن عقله الكامن ينشد بها الموت. ونجد آخر يتباهى بقدرته على الشراب، أو الانغماس الجنسي، وهو في أعماق عقله الكامن يطلب الموت أيضًا عن سبيل الخمر.
فيجب على المسن أن يراقب نفسه ويحلل العوامل والأسباب التي تحمله على سلوك يضر بصحته النفسية أو الجسمية. وعليه أن يحاول التغيير كلما استطاع، من الجمود إلى التطور، ومن الإحجام إلى الإقدام، ومن الانكسار إلى الهجوم. وهو يحسن إذا استعان بالظواهر التي تحيله من التشاؤم إلى التفاؤل ومن الاكتئاب إلى البشر.
وقد يكون لكأس من الخمر هنا قيمة كبيرة لما تحدثه من اليوفوريا أي إحساس الانبساط والسرور في نفس المسن.