السلوك الجنسي
قبل نحو عشرين سنة دعا الدكتور فورونوف في باريس إلى عملية جراحية خاصة كان هو نفسه يمارسها، يتلخص مغزاها في أنه من المستطاع رد الشباب إلى المسنين بنقل خصي الحيوانات الشابة إليهم. وكان مما أثبته أنه استطاع أن يعيد إلى الكباش المسنة شبابها بهذه العملية، فكان الكبش الذي انحطت قواه وذبلت عيناه. وآوى إلى زاوية يركد فيها بلا حراك ويبقى في سبات دائم، عندما يطعم بخصية من خروف شاب، يستعيد نشاطه ويمرح ويلتفت إلى النعاج ويطلبها.
ثم جاء بعد ذلك الدكتور شتيناخ وروّج نظرية جديدة وهي أنه بدلًا من تطعيم الشيخ بخصية شابة يمكن قطع القناة التي تنقل الجراثيم المنوية إلى خارج الجسم. وعندئذ ينحصر نشاط الخصية في تغذية الجسم بالإفراز الداخلي، هو الإفراز الذي نرى أثره في إنبات اللحية والشارب وفي الهيئة العامة للرجال. والطريقة التي دعا إليها الدكتور شتيناخ، وهي أن إحدى الخصيتين يجري في قناتها هذا القطع — إذا كان المراد بعث الجراثيم المنوية وإخصابها حتى تحدث الحمل — وعندئذ يكثر الإفراز الداخلي من هذه الخصية فتنبه الجسم كله، وتتنبه الخصية الأخرى وتنشط، فيحدث الحمل عن طريقها وحدها لأن قناتها لا تزال سليمة. أما إذا لم يكن الحمل مطلوبًا فإن قناتي الخصيتين تقطعان معًا.
وعندئذ يقتصر نشاطهما على الإفراز الداخلي، فيزداد نشاط الجسم والذهن معًا. ولكن لا يحدث الإخصاب من التعارف الجنسي، أي أن التعارف الجنسي يقع، ولكن المرأة لا تحمل.
والعملية الثانية — عملية الدكتور شتيناخ — هي العملية المألوفة في أيامنا. وإن كان الالتجاء إليها قد قل لأن هناك عقاقير جديدة قد شاعت وأصبح استخدامها يغني عن هذه العملية. وهذه العقاقير مؤلفة من المركبات الخصوية وغيرها، أي ما نسميه الهورمونات.
وهذا الالتفات الجديد إلى القيمة الحيوية في الخصيتين هو بعض الالتفات الحديث إلى الغدد الصماء ومفرزاتها الموطرية في الجسم. ففي جسم الإنسان غدد، أي أجهزة، تفرز في الدم مفرزات — هرمونات — تبعث النشاط والحيوية والذكاء وتصون الصحة العامة. ففي العنق نجد الغدتين الدرقيتين، وفوق الكليتين نجد الغدتين الأدريناليتين، وفي قاعدة الدماغ نجد الغدة النخامية. ولكل من هذه الغدد قوة انفجارية كأنها الديناميت، وهي إذا مرضت، أو نزعت، مات الجسم كله أو صار في حكم الميت. وشأن الخصيتين في ذلك أقل من شأن هذه الغدد، ولكنه يقاربها من حيث تزويد الجسم بالنشاط والحيوية، فنحن لا نموت إذا نزعت الخصيتان، ولكنا نترهل وتشيع فينا الشيخوخة قبل الأوان، كما نرى في الخصيان (أي الأغوات).
ومستقبل هذا الموضوع حافل بالوعود والمواعيد، ونحن منه على العتبة التي تؤدي بنا إلى تحقيق أعظم الآمال في صحة الإنسان وسعادته. أما الآن فإننا قد وقفنا على معارف يوثق بها من ناحية القوة الجنسية، وأنها أساس لسائر قوانا الذهنية والجسمية والبؤرة التي يتشعع منها النشاط والحيوية والصحة العامة. وهذا الرأي الذي نستنبطه من التجارب الحسية في مفرزات الخصيتين الداخلية هو نفسه الرأي الذي وصل إليه فرويد ومدرسة التحليل النفسي، من أن الشهوة الجنسية هي بؤرة الشهوات والعواطف الأخرى ومبعث النشاط الذهني والعاطفي.
ومن المألوف الذي يتحادث به عامتنا أن أحد المسنين قد تزوج فتاة شابة فأعادت إليه شبابه، فنفض غبار الشيخوخة ونشطت وتغيرت سيماؤه. والتفسير الذي نراه في ضوء الحقائق السالفة هو أن تنبه الخصيتين عقب الزواج قد زاد المفرزات الداخلية (في الهرمونات) فتنبه الجسم والذهن بها. وكانا قبل الزواج في ركود، لأن الخصيتين كانتا راكدتين وكانت مفرزاتهما قليلة أو معدومة.
وقد كتبنا هذه المقدمة الطويلة لكي نصل إلى القول بأنه يجب على المسنين ألا يزهدوا في الحب، وألا يحيلوا شيخوختهم إلى رهبانية؛ فإن النشاط الذهني والجسمي يحتاج عندهم إلى تنبيه العاطفة الجنسية، ولهذا التنبيه قيمة سيكولوجية في شعور المسن بأنه لا يزال يستمتع بعواطفه، وأنه ليس محتاجًا إلى الاعتكاف والاعتزال تهيؤًا للموت.
وبدهي أن المسن يختلف من الشاب في حبه، ولكن هذا الاختلاف ليس كبير القيمة، وقصاراه أنه — أي المسن — يحتاج إلى الاعتدال، وأن عاطفته بطيئة تدغم في الصداقة وتبتعد عن الانفجار الشهوي الذي يتسم به الشباب. فيجب ألا يكف عن الممارسة الجنسية، ولكن يجب أيضًا ألا يعتمد على المنبهات الكيماوية العامية التي تستنفد جهده وحيويته وتحيل الممارسة المعقولة إلى استهتار جنوني قد يؤدي إلى موته.
كان اللورد بيكونسفيلد قد بلغ السبعين. ومع ذلك كان يقصد إلى الليدي برادفورد لكي يعتمد إليها ويستمتع بالتأمل في جمالها. وكان جوتيه الأديب العالمي العظيم يحب بعد الستين. وقد نبه الحب شاعريته، فعاد يؤلف في الغزل كأن الشباب قد نبض في عروقه من جديد، وكانت مدام ريكامييه في فرنسا قد أسنت وعميت، وكان شاتو بريان مشلولًا، فكان يطلب أن يحمل إليها فينطرح على فراشها ويستمع الاثنان بالحديث.
وخلاصة القول إنه يجب ألا نترك الحب يموت في قلوبنا، لأن معظم اللبنات في أساس حيويتنا جنسي. فإذا تهدمت، فإن الحيوية كلها تتهدم. فعلي المسن ألا ينقطع عن الممارسات الجنسية، ولكن مع الاعتدال الذي يجب أن يكون على الدوام رائده وشعاره.