قيمة النحافة
هذا الفصل يتصل بالفصل السابق، وهو توسع فيه. فإن وفرة الطعام تؤدي إلى ترهل الجسم، فالشيخوخة المتهدمة، فالموت العاجل.
وجميع شركات التأمين التي تنظر من خلال إحصاءاتها إلى أرباحها، وتعرف أن أي خطأ فيها يؤدي إلى خسارتها، ترفض تأمين المتضخمين المترهلين حتى ولو كانوا في الشباب. وقد وجدت شركة متروبوليتان للتأمين أن زيادة الوزن لأي شخص بعد الخامسة والعشرين مضرة بالصحة. وأن من يزيد وزنهم بمقدار ٢٠ في المئة على المتوسط تزيد وفياتهم بمقدار ٣٠ في المئة. وأن زيادة الوزن بمقدار ٣٠ في المئة تؤدي إلى زيادة الوفاة بمقدار ٥٠ في المئة. أما إذا زاد الوزن على ٥٠ في المئة. فإن الوفيات عندئذ تبلغ ضعفي مقدارها بين المتوسطين. وتبلغ الوفيات بالبول السكري بين الذين يزيد وزنهم بمقدار ٢٥ في المئة على المتوسط ثمانية أضعاف عددها بين المتوسطين، وتزيد أمراض القلب والشريان التاجي بينهم أيضًا مرة ونصف مرة على عددها بين المتوسطين.
ونحن نعتمد فيما يلي على الحقائق التي ذكرها الدكتور جيمس بارتون بشأن النحاف والسمان.
فهو يقول إننا إذا بدأنا بعشرين شخصًا في سن الثلاثين، نصفهم من النحاف والنصف الآخر من السمان، وجدنا أنهم يصلون إلى الأربعين وقد مات من كل من الفريقين واحد. كأن السمن هنا لم يختلف في أثره عن النحافة. ولكن عندما يبلغ الفريقان الخمسين نجد أن النحاف لا يزالون تسعة، في حين أن السمان قد صاروا ستة. والوفيات تعود في الأكثر إلى السكتة والنقطة والبول والسكري والسرطان وحصا المرارة وحصا الكليتين.
فإذا انتقلنا من سن الخمسين إلى السبعين، وهذا هو ما يجب أن يهتم به قارئ هذا الكتاب، وجدنا من العشرة من كل من الفريقين خمسة من النحاف وثلاثة من السمان. أما في الثمانين، فإن النحاف يبلغون ثلاثة أما السمان فلم يبق منهم غير واحد.
- (١)
سوء الحركة وصعوبة التنقل، لأن الساقين تثقلان وتضطربان.
- (٢)
الارتباك من ضخامة البنية الجسمية وإحساس الخجل من ذلك.
- (٣)
نقص النشاط الجسمي والذهني، والركود النفسي بسبب ذلك، وما ينشأ عنه من قلة الطموح.
- (٤)
التهيؤ لأمراض مختلفة لا تصيب النحاف، مثل السكتة القلبية، وانسداد الشريان التاجي، والنقطة (أي انفجار الشريان في المخ)، والبول السكري، وأمراض الكليتين والكبد.
والآن كيف نميز بين النحيف والسمين؟
الجواب على هذا بصفة عامة، مع التغاضي عن الأحوال الخاصة، أن يكون وزننا مساويًا بالكيلو جرام لعدد السنتيمترات بعد المئة في قامتنا. فإذا كانت قامتنا ١٧٠ سنتيمترًا فيجب أن يكون وزننا ٧٠ كيلو جرامًا فقط. ويمكن أن ننقص نحو خمسة كيلو جرامات مع الفائدة ولكن كل كيلو جرام يزيد عن السبعين يعد زائدًا ومضرًا.
أما كيف ننقص وزننا الزائد، فالسبيل الوحيد إلى ذلك هو الإقلال من الطعام. وإذا كان النقص المراد ليس عظيمًا فإن أي إنسان يستطيع الوصول إلى هذه الغاية. أما إذا كان المراد أن ننقص وزننا عشرة كيلو جرامات، فإنه يجب ألا نعتمد على أنفسنا في ذلك بل نعتمد على المشورة الطبية. ومن الوسائل الحسنة للسمين الذي يرغب في نقص وزنه أن يمتنع يومًا كاملًا في الأسبوع عن الطعام، ويقنع بالأشربة التي لا يبالغ في تحليتها. ويجب أن نذكر فائدة الصوم للمسلم في رمضان لجميع السمان.
وقد سبق أن أوضحنا عيوب المطبخ المصري، وأن أطعمتنا كثيرة الدسم، وأننا نكثر من تناول الخبز والرز. فيجب أن يتنبه المسن إلى كل هذا إذا كل يخشي السمن، وعليه أن يشبع جوعه بالخضراوات المطبوخة واللبن ومشتقاته، وأن يجعل التأنق مكان النهم، فيتخير الألوان اللذيذة، ولا يجعل الوجبة عملًا ماديًّا محضًا لملء فراغ المعدة، وهذا التأنق يستحيل بمرور السنين إلى عادة فمزاج.
ويجب أن نذكر هنا أن المسن النشيط يستطيع أن يتحمل من السمن وأضراره أكثر مما يتحمل أولئك الذين يقضون أوقاتهم بعد الستين في ركود على القهوة أو في النادي أو بالبيت. لأن النشاط يحرك الدم، وعندئذ يتخلص الجسم من كثير من أنقاضه. ومن هنا قد تكون الرياضة علاجًا للسمن، ولكن النحافة على كل حال وفي كل وقت خير من السمن. والسبيل الميسر إليها هو الإقلال من الطعام.
وهناك قصة «لويس كورنارو» الإيطالي الذي مات سنة ١٥٥٦، وقد كتبها بنفسه، ويجب أن تكون عبرة لجميع الراغبين في حياة الصحة إلى المئة، فإن هذا الرجل يقول عن نفسه إنه حين بلغ الأربعين يئس الأطباء من علاجه وأنذروه بالموت العاجل. ولكنه عالج نفسه من طائفة من الأمراض والاضطرابات بالإقلال من الطعام، حتى كان ما يتناوله في اليوم كله لا يزيد إلا قليلًا على رطل، أي نحو ١٣ أو ١٤ أوقيه من الطعام. وهذا بالطبع غير النبيذ. وقد تجاوز المئة بهذا الطعام، مع أنه كان يوشك أن يموت في الأربعين. ويستطيع القارئ أن يجد ترجمته في إحدى اللغات الأوروبية.