الرياضة الضرورية
النظر النفسي إلى الصحة هو النظر المفضل في كل وقت، أو يجب أن يكون النظر الأصلي، ولكن من وقت لآخر يجب أن تكون لنا نظرة ميكانية — آلية — للصحة. لأن الجسم يسير بأعضائه على مبادئ الكيمياء والميكانيات والطبيعيات. فيجب مثلًا أن نحذر بعد الخمسين رواسب الأحماض بإيثار الأطعمة القلوية. ويجب أن نتخلص من فضلات الأمعاء من الأنقاض في الدم، ويجب أن نحافظ على لدونة الشرايين وبقاء مسالكها حسنة يجري فيها الدم حتى لا يركد في أنحائها.
والرياضة ضرورية للتخلص من الأحماض والإنقاض، وللاحتفاظ بلدونة الشرايين إلى أطول ما يستطاع من السنين. وليس شك أن لها قيمة نفسية كبيرة عند المسنين، لأن المسن الذي يمرن أعضاءه كل يوم يتوقى التيبس فيها ويحيلها إلى مرونة يرتاح إليها. لأن تجمد الأعضاء والعجز الذي يرى مثلًا في الصعود على درجات السلم أو ركوب الترام، واللهث والعرق من المجهود الصغير؛ كل هذا يوحي أسوأ الإيحاء للمسن، وكذلك الشأن في ارتجاف الساقين وانحناء الفقار.
والقليل من الرياضة المعتدلة المثابرة يقي المسن من جميع هذه العوارض التي تحط القوى الروحية في النفس كما تبلي أعضاء الجسم.
والرياضة جديرة بأن تقينا أيضًا من هوان الترهل، حتى لا يعود الستيني أو السبعيني مسخرة يضحك منه الشيوخ فضلًا عن الشبان. فالبطن المندلق، والذقن المزدوجة، والقفا الذي يتراكب طيات فوق طيات؛ كل هذا يجب أن نتوقاه بالإقلال من الطعام من ناحية وبالرياضة من ناحية أخرى. وما دام الدم يجري في شرايين لدنة مسلوكة، لم تتكلس جدرانها وتضيق وتتصلب، فإن النسيان الفسيولوجي الذي سبق أن ذكرناه لن تكون له أهمية. وعندئذ يبقي الذهن يقظًا، فلا يكون ذلك التشاؤم الذي يهد المسنين ويحملهم على الركود.
وليس المقصود من الرياضة أن نمارسها كما لو كان أحدنا بهلوانًا. وقد سبق أن ذكرنا أن إسرافًا واحدًا في الطعام. أو الانغماس في الشراب، أو اللذة الجنسية، أو العدو، أو الإرهاق بالعمل، مثل هذا الإسراف الذي قد يؤذي الشاب فقط، ربما يؤدي إلى وفاة المسن. فإذا كنا نمارس الرياضة بعد الخمسين، فيجب أن نمارسها في اعتدال، ولكن أيضًا في مثابرة، حتى نصل إلى النتيجة بقوة التراكم، أي تكرار الحركة الخفيفة على مدى الأيام والسنين. فيجب ألا نترك الرياضة شهرًا أو عامًا ثم نعود، لأننا عندئذ نحتاج إلى الحركة العنيفة التعويضية، وقد تكون هذه الحركة مضرة.
وبالرياضة الأسبوعية نتوخى الرشاقة والقوة، إذ يجب ألا تقتصر غايتنا من الرياضة أيضًا على القوة، بل يجب أن نتوخى بها الهيئة الحسنة. فنتخلص قبل كل شيء من ازدواج الذقن واندلاق البطن مثلًا، لما لهذا من أثر نفسي حسن.
وبعد الستين والسبعين تبدأ في الجسم أعراض ضعف محلية، أي في عضو دون عضو. ويرجع هذا في الأغلب إلى المهنة التي كنا نحترفها فإن الظهر ينحني عند الكاتب قبل الحمال أو ساعي البريد، والساقان ترتجفان عند الذين يتطلب عملهم القعود دون الوقوف والسعي. ولذلك يجب أن تتجه الرياضة نحو تقوية هذه الأعضاء، كل تبعًا لحاجته.
وأقل الرياضة وأهونها هو التدليك، ونعني هنا التدليك الذاتي، أي أن المسن يدلك نفسه ولا يترك هذا العمل لغيره. وهو يستطيع أن يؤدي هذه الرياضة حتى وهو بالسرير. فإن الأعضاء المترهلة كالذقن والبطن تدلك كل يوم حتى يزول ترهلها. ويجب تدليك العنق وعضلات الوجه والصدر والذراعين حتى يجري الدم ويؤجل التغضن.
ولكن التدليك لا يغني عن الرياضة. وهنا يستطيع المسن أن يسترشد بنصائح أحد المدربين في أنديتنا المختلفة لكي يعرف ما يحتاج إليه وما يستطيعه من رياضة ملائمة لجسمه وسنه. ولا نستطيع لهذا السبب أن ندلي بنصيحة عامة لجميع المسنين، لأن لكل حالته الخاصة.
أما ما يقال بوجه عام، وينطبق على كل مسن، فهو أولًا التدليك الذاتي، وقد ذكرناه. وثانيًا المشي، ولكن يجب أن يكون مشيًا سريعًا. وليس سلحفة وانية، حتى يسبق النشاط التعب. وفي أيامنا حيث تكثر الأتومبيلات ووسائل النقل الأخرى، يقل الميل إلى المشي حتى بين الشبان. ولذلك يجب أن نبقى متنبهين إلى خطر هذه الحالة التي تؤدي إلى ترهلنا جميعًا.
- (١)
أن نتجنب التضخم والترهل حتى لا تؤدي الرواسب والأنقاض إلى الإضرار بأعضائنا الرئيسية كالقلب والأوعية والكليتين.
- (٢)
أن نستبقي هيئة الشباب، فلا تنحني ظهورنا أو ترتعش سيقاننا أو تزدوج ذقوننا لما لهذا من قيمة نفسية.
- (٣)
ألا نغرق ونبالغ، لأن الاعتدال رائد الشيخوخة وشعارها.
- (٤)
يستطيع كل مسن أن يمارس التدليك الذاتي والمشي السريع، أما ما زاد على ذلك فيجب أن يستشير فيه مدربًا ماهرًا.
- (٥)
تحتاج الرياضة المعتدلة إلى مثابرة حتى لا يؤدي الانقطاع عنها إلى ترهل يستعصي على العلاج.