هـ. ج. ولز
يبلغ هـ. ج. ولز الكاتب الإنجليزي المشهور سن الثمانين بعد عام، وهو أديب مجاهد، يحتقر الأبراج العاجية وساكنيها. ومع أنه في التاسعة والسبعين الآن، فإنه في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية قد أخرج كتابًا في كل من هذه السنين أحدهما يزيد على ٤٠٠ صفحة. وهذا الكتاب هو قصة حافلة بالفلسفة والاجتماع والغرام. وقد أخرج في حياته أكثر من ستين كتابًا في الأدب والعلم والفلسفة.
وهو يختلف عن غاندي وشو من حيث إنه ليس له نظام غذائي خاص. فهو يشرب الخمر، ويدخن، ويأكل اللحم. وقد أصيب منذ أربعين سنة بالبول السكري. وقد يعزو بعض القراء هذا المرض إلى أنه لم يعن باتخاذ النظام الغذائي الذي اتبعه الآخرون، ولكن ولز يعزو هذا المرض إلى ضربة أصابته وهو يلعب الكرة فأحدثت تلفًا في إحدى كليتيه.
ونحن في هذه التراجم الموجزة التي نرجو أن يجد القارئ فيها الإيماء والإيحاء، لا ننكر قيمة الغذاء في الصحة، ولكنا نعزو الشيخوخة اليانعة إلى الجهاد والتدين لما يبعثان من نشاط وحيوية في النفس. والمجاهد في شأن عظيم، أو قضية عامة، إنما ينبعث إلى الجهاد بما يحسه من دين، أي بما يحسه من يقظة الضمير وقوة الإيمان. وهذا هو الفرق بين المجاهد من أجل الكسب الشخصي في تجارة، وبين من ينصب أمامه الأهداف ويرسم المثليات يتوخى الوصول إليها وتحقيقها. فإن الأول ينتهي عند شيخوخته إلى إدراك التفاهة في مجهوده، في حين يجد الثاني أنه يكبر ويرتفع إلى مستوى جهاده السامي العظيم.
ويجاهد ولز في جبهات متعددة، فهو اشتراكي، ولكنه يختار من الاشتراكية بعض مبادئها دون بعضها. ولذلك لا يعد من المؤمنين السنيين بهذا المذهب. وكثيرًا ما يجد لهذا السبب ألد خصومة بين الاشتراكيين. وهو متدين، تندغم ديانته في جهاده، وقد ألف كثيرًا في الدين من الناحيتين الإيجابية والسلمية كما يدل على هذا كتابه الأخير عن كنيسة رومه، وقد ألفه في يونيه من سنة ١٩٤٤. والواقع أن بعض جهاده يتجه نحو إيجاد ديانة بشرية عامة للعالم كله؛ لأنه يعتقد أن السلام العام يحتاج إلى هذه الديانة.
ومن يقرأ مؤلفات ولز يتعجب لوفرة اهتمامه. فإنه يكتب مثلًا في الدعوة إلى الجمهورية في بريطانيا، أو في إنشاء موسوعة عالمية تترجم إلى جميع اللغات، أو في إيجاد لغة عامة لأبناء هذا الكوكب، أو في إلغاء الإمبراطورية البريطانية، أو في تعميم المكتبات، أو في الاشتراكية. وهو يتخذ جملة وسائل للتعبير عن أغراضه كالقصة والمقالة والكتاب.
وليست العبرة في أن شو قد بلغ التسعين، أو أن غاندي وولز قد يبلغ كلاهما الثمانين، ولكن العبرة أنهم قد بلغ كل منهم سنًّا متقدمة وهو مع ذلك نشيط يقظ قد احتفظ بذكائه. يعمل كل يوم، ويوجه نشاطه إلى اهتمامات مختلفة، ويجاهد في سبيل البر بروح التدين البشري.
ويتلخص جهاد غاندي في أنه دعوة إلى تغيير أخلاقنا من العدوان الفردي والأممي إلى التعاون.
ويتلخص جهاد شو في أنه دعوة إلى التغيير الاقتصادي للإنتاج والاستهلاك، وهو بالطبع ينتظر من هذا التغيير نتائج أخلاقية وسياسية ودينية وسيكلوجية.
ويتخلص جهاد ولز في أنه دعوة إلى استخدام العلم — دون التقاليد — في تنظيم هذا الكوكب مع رفض الغيبيات الدينية.
وواضح أن جهاد كل منهم يؤدي إلى التدين، كما يؤدي إلى اشتغال الذهن والنفس والجسم في نشاط ومواظبة طيلة الحياة. وهو سر الصحة الجسمية، وسلام النفس، ونشاط الذهن عندهم جميعًا. بل هذا هو سر تفاؤلهم في كفاح يبدو للمتأمل أنهم مهزومون فيه، لأنهم يكافحون جبالًا من التقاليد والجمود والاستعراض المذهبي أو المصلحي.
وعلي كل مسن أن يدرك المغزى من حياة هؤلاء الثلاثة، وهو أنه يجب ألا يعيش في خواء الذهن والنفس، عاطل الجسم، يركد في البيت أو المقهى. وإنما ينبغي عليه أن يملأ أيامه بالعمل المثمر، وأن يتخذ جهادًا يكسبه تفاؤلًا وكرامة، ويبعث فيه النشاط والمواظبة على العمل اليومي، ولا يشترط في الجهاد أن يكون على المقاييس أو الآفاق العالمية التي بلغها هؤلاء الثلاثة. فإن في مساعدة عائلة منكوبة أو فقيرة، وفي خدمة حزب يتفق مع أمانينا السياسية، وفي الانتماء لجمعية خيرية، نشاطًا يبلغ مستوى الجهاد النبيل في تنشيط النفس.