صحة النفس
يرى القارئ لهذا الكتاب أننا ننظر لمشكلة الشيخوخة باعتبارها مشكلة نفسية وليست مشكلة جسمية، وهي لذلك تحتاج في أكثرها إلى المعالجة السيكلوجية، وفي أقلها إلى المعالجة الطبية. بل نستطيع أن نقول إن أدواء الجسم، كالسمن والترهل والبول السكري والأمراض المفصلية، إنما هي نتيجة لأدواء نفسية أحدثتها عادات سيئة في المعيشة ويستطيع مع ذلك من يشكو مرضًا في جسمه أن يعيش المعيشة النفسية السليمة التي تهزأ بآلام الجسم وعجز الأعضاء، ولكن العكس لا يحدث أي أن النفس متى فسدت فإن الفساد يسرع إلى الجسم.
والنفس البشرية تحتاج من وقت لآخر إلى ما يشبه التحليل الكيماوي كي نقف على العناصر التي تعمل على إصلاحها أو فسادها. فإن الفرد الذي يقضي وقته في اجتراء الحقد والغبرة والحسد والخوف والقلق سرعان ما تؤثر نفسه في أعضائه، أي أن توتر النفس يؤدي إلى توتر الشرايين. فيكون تصلبها ثم الموت بعد ذلك بالنقطة أو المرض بالفالج. فهنا نفس مريضة أدت، إلى جسم مريض، ثم الموت المبكر ولكن هناك أمراضًا أخرى تخفى على الجمهور الذي يعتقد أنها جسمية صرفة، مع أن الأصل فيها مرض النفس. فإن السمن والترهل ينشآن من الكسل والسأم، وكلاهما من أمراض النفس التي لا تجد الهمة أو الاهتمام للعمل والنشاط. وكثيرًا ما يؤدي السمن إلى البول السكري أو التهاب الكليتين ثم زيادة الضغط للشرايين أو الأمراض المفصلية.
ويكاد يكون من المحال أن نجد شخصًا قد بلغ الثمانين أو التسعين يسأم حياته أو يشكو تعطله، إذ لا بد من هواية تملأ فراغه، أو عمل يطالبه بالجد والمثابرة، أو مثليات عالية يسعي لتحقيقها. فقد سمعنا مثلًا مدة الحرب عن مشروع بيفريدج لتأمين الفرد منذ ميلاده إلى وفاته. وقد وضع بيفريدج كتابًا ضخمًا يبلغ ٦٠٠ صفحة حافلة بالإحصاءات في هذا الموضوع الحيوي. ومع ذلك كانت سن هذا الرجل عندما وضع هذا الكتاب ٧٤ سنة. وقد تزوج وهو في هذه السن.
وهذا هـ. ج. ولز الكاتب الإنجليزي المعروف قد بلغ ٧٩ سنة وهو يؤلف ويخطب ويكافح من أجل المذهب العالمي ضد المذهب الوطني. وقد مضي عليه نحو خمسين سنة وهو مريض بالبول السكري الذي يعزوه إلى ضربة أصابت كليته وهو يلعب الكرة. وعاش برفقه هذا المرض لحيوية نفسه.
وهذا غاندي الذي بلغ أيضًا السابعة والسبعين ولكنه يعيش بقوة كفاحه لأجل استقلال الهند.
وجميع هؤلاء يمتازون بصحة النفس، وبأن كلًّا منهم يجاهد من أجل المثليات التي نصبها لنفسه، وهم يتشبثون بالحياة لأنهم يشعرون أنها غالية، إذ هم يؤمنون بها خدمة سامية. وكل منهم يقرأ ويدرس ويكافح ويتحمل المسئوليات، وعمله هو هوايته التي يتعلق بها ولا يبالي ما تستهلك من وقته ومجهوده. وهنا يجدر بنا أن نلاحظ أن المسنين الذين يؤدون عملًا مفيدًا، ويتخذون في الحياة خطة ارتقائية، يكونون في أكثر الأحوال من المجددين المتفائلين الذين يؤمنون بالمثليات ويبغون ارتقاء الأوساط. أما الجامدون، ففي أغلب الأحوال يائسون متشائمون. وهذا الجمود يؤثر في نفوسهم أسوأ الأثر، لأنه يحول بينهم وبين التفكير البار، ويحملهم على التقاعد والخمول اعتقادًا بأن أي مجهود لا قيمة له.
- (١)
أن يكون سلوكنا وتصرفنا بعيدين عن الغيرة والحقد والحسد والخوف والقلق، لأن هذه الهموم الأكالة تستهلك الجسم وتحدث به أمراضا كثيرة.
- (٢)
أن نتعلق بهواية منتجة أو نؤدي عملًا مفيدًا يشعرنا بفائدتنا للمجتمع، فنشعر أيضًًا بكرامتنا ولا نسقط إلى التعطل.
- (٣)
من الحسن أن يكون العمل الذي نؤديه، أو الهواية التي نتعلق بها، ارتقائية في غايتها تبعث على التفاؤل والاستبشار، وأن نتجنب الجمود. والفصول التالية هي توسع وشرح لهذه المبادئ.