دولة المماليك
عفَّ هولاكو عن دمشق، فجاء بعد خمس عشرة سنة حفيده غازان بجيشٍ من التتر جرَّار، فكسر المسلمين في جوار حمص، وتتبَّع المنهزمين حتى بلغ دمشق، فضربها واستولى عليها، ونهب ضياعها، وسبى أهلها.
قال المؤرِّخ: «أسروا من الصالحية نحو أربعة آلاف نسمة، وقتلوا نحو ثلاثمائة، أكثرهم في التعذيب على المال.»
وقال غازان إنه حارب حكَّام مصر والشام لأنهم خارجون من طريق الدين، غير متمسكين بأحكام الإسلام، وكان أولئك الحكَّام المسلمون يحاربون النصارى لأنهم كَفَرة مشرِكون. سبحان الله!
وقال مغلطاي إنه حُمل إلى خزانة غازان ثلاثة آلاف ألف دينار، سوى ما لحق من التراسيم (المقرَّرات) والبراطيل والاستخراج لغيره من الأمراء والوزراء. هو ذا طريق الدين القويم!
وهاكم بعد غازان مائة سنة (٦٩٠–٧٩٠ﻫ/١٢٩٠–١٣٨٧م) من دولة المماليك البحرية، المماليك الشركس والأتراك، الشديدي النعرة الدينية، القليلي العدل والحكمة، الضعيفي الحلم والإرادة، الجالسين على العرش بالقاهرة، الحاكمين بأمرهم في بلاد الشام …
فما كاد يزول كابوس الصليبيين عن البلاد، حتى احتدم القتال بين عمال المماليك والتتر، فسرتْ شروره إلى لبنان، فقام الكسروانيون ثانيةً يناوئون الشاميين، من أجل مَن تبقَّى في السواحل من الإفرنج.
وكانت وقعة عند جبيل، فكسر الكسروانيون الجيش الشامي، وقتلوا أكثر رجاله، فغنموا أمتعتهم مع أربعة آلاف رأس من الخيل.
واستمر النزاع بين الفريقين، فجاء الأفرم نائب دمشق بنفسه يقود جيشًا عظيمًا، ليفتح كسروان من الجهة الشمالية (فسُمِّيت تلك الجهة الفتوح!) بل كانت الحملة على بلاد الظنيين (الضنية)، «فدخل العسكر تلك الجبال فحرقوا القرى، وقطعوا الكروم، وهدموا البِيَع، وقتلوا جميع مَن صادفوا من الكسروانيين».
ثم ظهرت في حوران فتنة بين اليمنية والقيسية، فتقاتلوا قتالًا شديدًا، وبلغت المقتلة ألف نفس.
وهاكم جيش التراكمين والعربان يزحف إلى آمد، فيباغتها وينهب أهلها المسلمين والنصارى.
وهاكم الأرمن (كان قد سبق لهم مع المسلمين مواقع ومناجزات وغزوات وكسرات) يعودون إلى مدينة سيس فيملكونها، ويطردون مَن كان فيها من المسلمين، ويُعمِلون أيدي النهب والخراب في آذنة وطرسوس، مثل سواهم من المتغلِّبين.
يوم لنا، ويوم علينا، ولا يوم للرحمة، ولا يوم للحكمة، ولا يومَ واحدًا للتساهل.
وهاكم الإفرنج يعودون إلى بيروت في عشرين مركبًا، فيقوم من يدعو الناس للجهاد في سبيل الله، فيلبِّي الدعوة جماعةٌ من البيروتيين، فيَحُولون بين الإفرنج والبحر، ويذبحونهم، ويغنمون مراكبهم.
ومن الأحداث: أن نائب الشام يَلْبَغا اليحباوي هرب منها، فتبعه جماعة من عسكرها، فتقاتل معهم، فقطعوا رأسه، وحملوه إلى السلطان بمصر. ولماذا هرب يَلْبَغا؟ الجواب في التوراة (أمثال ٢٨: ١).
واشتدَّ غضب نائب حلب بَيْبَغا آروس (أخو يَلْبَغا في الجنسية والهمجية)، فأمر عسكره بأن ينهبوا دمشق وضياعها، ويقطعوا الأشجار، فنهبوا فوق ذلك «النساء والبنات والقماش، وجرى على أهل دمشق من بَيْبَغا آروس (السلام على أَسِتز بن أوق) ما لم يجرِ عليهم من عسكر غازان».
وظهر في جبال النصيرية (العلويين) رجل يدَّعي أنه الإمام المنتظر، الإمام الثاني عشر، وأنه المهدي، وأنه علي بن أبي طالب، وأنه المصطفى! فتبعه نحو ألفين من أهل تلك الجبال، فهجم بهم على جبلة، والناس في صلاة الجمعة، فنهبوها باسم علي والمهدي والإمام المنتظر.
وفتح المسلمون جزيرة أرواد، فذبحوا ألفين ممن كانوا فيها من الإفرنج، وأسروا الباقين.
وقتل السلطان نائبه في الشام تنكز (التتري)، الذي قتل أناسًا كثيرين، فارتاحت البلاد.
السُّنيون يذبحون النصارى، والإسماعيليون العلويون ينهبون ويذبحون السُّنيين، ويَلْبَغا وبَيْبَغا وتنكز وأتباعهم ينكِّلون بالسُّنيين والعلويين والنصارى جميعًا.
أنتِ سورية بلادي!
أنتِ عنوان الفخامة!