إلى المزبلة
استمرَّ عهد المماليك الأخير مائة سنة ونيفًا (٨٠٣–٩٢٢ﻫ/١٤٠١–١٥١٦م)، حدث في أثنائها في البلاد السورية مائة فتنة وفتنة، وإليك بمثالٍ ملكي من أولئك المماليك يُدعى الملك الناصر.
هو الملك الفاجر السكِّير الذي كان يُصدِر أوامره إلى عمَّاله في سورية، وهو في ضجة من السكر منكرة. «وكان يتسلَّى في خلواته» — كما يقول الأستاذ كرد علي — «بقتل مماليكه، حتى قتل منهم زهاء ألفَي مملوك للتسلية والتحلية.»
أما التسلية فمفهومة، ولكني لم أفهم معنى صديقي المؤرخ في «التحلية». فهل كان يزيِّن القصرَ برءوس أولئك المماليك، أم كان يحلِّي شرابه بدمائهم؟
على أن الناصر كان في نهاية أمره مدحورًا مذمومًا؛ فقد لقي ما يستحقه في دمشق؛ إذ خلعه القضاة وأثبتوا عليه الكفر؛ لأنه سفَّاك للدماء، مُدمِن للخمر. خُلع، وسُجن، ثم قتله في السجن بعض الفدائيين، وألقوه على مزبلة خارج البلد، وأبقوه هناك ثلاثة أيام عِبرةً للناس، فكانوا يجيئون أفواجًا يتفرَّجون عليه.
«وكانت الدنيا في أيامه حائلة، وحقوق الناس ضائعة، وقد خربت غالب البلاد الشامية لما قُتِل من أبطال، ويُتِّم من أطفال … إلخ.»
وهاكم الملك الأشرف برسباي، خَلَفه بعد بضع سنين بالجرائر والمعاصي. هو برسباي «الرجل العظيم» برأي سيدي صاحب «الخطط».
وقد قال فيه المقريزي: «كان له من الشحِّ والبخل، والطمع والجبن، والحذر وسوء الظن، ومقت الرعية، وكثرة التلون، وسرعة التقلب في الأمور، أخبارٌ لم يسمع بمثلها. ذلك مع بلوغ آماله، ونيل أغراضه، وقهر أعدائه، وقتلهم بيد غيره … وشمل بلادَ مصر والشام في أيامه الخراب، وقلَّت الأموال فيها، وافتقر الناس، وساءت سيرة الولاة والحكام.»
فهل يستحق هذا «الرجل العظيم» غير ما كان من جزاء سلفه الملك الناصر؟
إلى المزبلة بمثل هؤلاء الملوك!