تمهيد
يتناول هذا الكتاب دورات الأسواق الاقتصادية والمالية والعوامل التي تؤثر فيها. وينبع الدافع وراء كتابة هذا الكتاب من افتتاني منذ زمن طويل بكيفية وجود أنماط متكررة من السلوك ودورات الأسواق على الرغم من التغيرات الهائلة التي حدثت في الأنظمة الاقتصادية والمجتمع والتكنولوجيا على مر الزمن.
على مدى الخمسة والثلاثين عامًا الماضية من مسيرتي المهنية، انهارت توقعات التضخم، وشهدنا أطول دورة اقتصادية في الولايات المتحدة منذ ١٥٠ عامًا، وكان نحو ربع السندات الحكومية على مستوى العالم لها عائد سالب القيمة. وخلال الفترة نفسها، حدثت تطورات هائلة في التكنولوجيا وتغيرات في الظروف السياسية. وإلى جانب ذلك، كانت هناك ثلاث فترات ركود كبرى (في معظم الأنظمة الاقتصادية) والعديد من الأزمات المالية.
على الرغم من كل التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين، فقد شهدت الأنظمة الاقتصادية والأسواق المالية أنماطًا متكررة. تعود هذه الأنماط إلى أكثر من ١٠٠ عام من أداء السوق، حيث تتفاعل دورات السوق المالية مع الدورات الاقتصادية وتتوقعها. لكنها أيضًا تتأثر إلى حد ما بالتغيرات في مشاعر الأفراد وسيكولوجيتهم. ولذا يمكن أن يساعد فهم كيفية معالجة البشر للمعلومات والتعامل مع كلٍّ من المخاطر والفرص في تفسير ظهور الدورات في الأسواق المالية.
ورغم صعوبة تحديد موقعنا في دورة معينة وقت حدوثها، وتعقيد التنبؤ بالعوائد القصيرة الأجل، فهناك معلومات مفيدة يمكن للمستثمرين استخدامها لمساعدتهم على تقييم المخاطر وفهم احتمالات النتائج المختلفة.
لا تكمن فكرة هذا الكتاب في تقديم نماذج تتنبأ بالمستقبل، بل في تحديد الإشارات والعلاقات بين الدورات الاقتصادية والمالية الموجودة. فأنا أسعى لتطوير بعض الأدوات والأُطر العملية لتقييم المخاطر والمكاسب المحتملة مع تطور دورة الاستثمار، ولتسليط الضوء على بعض المؤشرات والعلامات التحذيرية التي قد تشير إلى تزايد احتمالية وجود نقطة تحوُّل وشيكة في اتجاه السوق، إما صعودًا وإما هبوطًا.
وأخيرًا، أحاول تحديد الطرق التي تغيَّرت بها بعض العلاقات «النمطية» بين المتغيرات الاقتصادية والمالية مع مرور الوقت، وخاصة منذ الأزمة المالية.
إن إدراك هذه الظروف المتغيرة وفهمها وكيفية تأثيرها على فرص الاستثمار يمكن أن يساعد المستثمرين على تعزيز عوائدهم، والاستمتاع بتحقيق «صفقة رابحة طويلة الأجل» في أسواق الأسهم على وجه الخصوص.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء:
-
(١)
دروس من الماضي: أشكال الدورات ومحركاتها
-
(٢)
طبيعة أسواق الثيران الصاعدة والدببة الهابطة وأسبابها: العوامل المؤدية إليها والإشارات الدالة عليها
-
(٣)
دروس من أجل المستقبل: التركيز على حقبة ما بعد الأزمة المالية؛ ماذا تغيَّر؟ وماذا تعني هذه الحقبة للمستثمرين؟
يبدأ الجزء الأول بوصف بعض التغيرات الكبرى التي حدثت في الظروف الاقتصادية والسياسة والتكنولوجيا منذ ثمانينيات القرن العشرين.
يتناول الفصل الأول كيفية تكرار ظهور واختفاء أسواق الدببة الهابطة والأزمات والانهيارات المالية وأسواق الثيران الصاعدة والفقاعات على الرغم من هذه التغييرات، وكيفية تكرار الأنماط المألوفة على الرغم من الظروف المتباينة تباينًا كبيرًا. ويناقش الفصل أسباب حدوث هذه الدورات، بما في ذلك تأثير المشاعر الإنسانية وسيكولوجية الأفراد.
يوثِّق الفصل الثاني العوائد الطويلة الأجل التي تحققت في فئات أصول مختلفة وخلال فترات حيازة محددة، ويقيِّم المكسب من وراء خوض المخاطر. ويصف مدى قوة الأرباح في إجمالي عوائد الأسهم، وكذلك العوامل الرئيسية التي تميل إلى التأثير في عوائد المستثمرين.
يركِّز الفصل الثالث على ميل أسواق الأسهم الصاعدة والهابطة إلى الانقسام إلى أربع مراحل — اليأس، والأمل، والنمو، والتفاؤل — ويبين أن هناك عوامل مختلفة ذات عوائد متباينة تدفع كل مرحلة.
يُلقي الفصل الرابع نظرةً على نمط العوائد في فئات الأصول المتنافسة خلال دورة استثمار نمطية.
يركز الفصل الخامس على كيفية تطور أنماط أو عوامل الاستثمار في الأسهم على مدار الدورة.
يتعمق الجزء الثاني في طبيعة وأسباب وآثار كلٍّ من أسواق الثيران الصاعدة والدببة الهابطة في الأسهم.
يشرح الفصل السادس الأنواع المختلفة لأسواق الدببة الهابطة: الدورية، والمسيَّرة بالأحداث، والهيكلية، بالإضافة إلى العوامل التي يمكن استخدامها لتحديد مخاطر سوق الدب الهابطة.
يسرد الفصل السابع الأنواع المختلفة لأسواق الثيران الصاعدة، وعلى وجه الخصوص، الفرق بين أسواق الثيران الصاعدة الطويلة الأجل وتلك التي تكون أكثر دورية بطبيعتها، وسبب اختلافهما.
يركز الفصل الثامن بوجه خاص على الفقاعات وخصائصها، بالإضافة إلى تحديد العلامات التحذيرية الشائعة التي تكشف عن وجود فقاعة مضاربة متنامية.
يوضح الجزء الثالث العوامل والخصائص الأساسية للدورة التي تغيرت منذ الأزمة المالية لعامَي ٢٠٠٨−٢٠٠٩.
يركز الفصل التاسع على التباطؤ الطويل الأجل في الربحية، وكذلك على التضخم وأسعار الفائدة. ويناقش بعض الدروس المستفادة من اليابان وتجربتها مع الفقاعة التي أعقبت حقبة الثمانينيات.
يفسر الفصل العاشر تأثير عوائد السندات الصفرية وعواقبها، أو حتى السالبة القيمة، على العوائد والدورات.
يناقش الفصل الحادي عشر التحول الاستثنائي الذي شهدته التكنولوجيا في السنوات الأخيرة، وأوجه الشبه التاريخية، وتأثير ذلك على أسواق الأسهم والدورات.