مقدمة
خلال الفترة نفسها، كانت هناك ثلاث فترات ركود كبرى (في معظم الأنظمة الاقتصادية) والعديد من الأزمات المالية، بما في ذلك أزمة المدخرات والقروض الأمريكية عام ١٩٨٦، وانهيار سوق الأوراق المالية في يوم الاثنين الأسود عام ١٩٨٧، وفقاعة الأصول اليابانية وانهيارها بين عامَي ١٩٨٦ و١٩٩٢، والأزمة المكسيكية عام ١٩٨٤، وأزمات الأسواق الناشئة في تسعينيات القرن الماضي (آسيا عام ١٩٩٧، وروسيا عام ١٩٩٨، والأرجنتين من ١٩٩٨ إلى ٢٠٠٢)، وأزمة العملة الخاصة بآلية سعر الصرف الأوروبية عام ١٩٩٢، وانهيار فقاعة التكنولوجيا عام ٢٠٠٠، وبالطبع الأزمة المالية العالمية الأخيرة، بدءًا بأزمة الرهن العقاري العالي المخاطر وتراجع سوق العقارات في الولايات المتحدة في عام ٢٠٠٧، وأزمة الديون السيادية الأوروبية في ٢٠١٠ / ٢٠١١.
يستكشف هذا الكتاب هذه الدورات والعوامل التي تؤثر فيها. والهدف منه إظهار أنه على الرغم من التغيرات الكبيرة في الظروف والبيئات، لا تزال هناك أنماط متكررة من الأداء والسلوك في الأنظمة الاقتصادية والأسواق المالية على مر الزمن.
ولكن على الرغم من الإقرار بالتغيرات، ومحاولة تقييم مقدار التغيير الملحوظ الذي يمكن اعتباره دوريًّا، ومقدار التغيير الذي يمكن اعتباره هيكليًّا، فإن الجزء الرئيسي من هذا الكتاب يهدف إلى دراسة ما يمكن التنبؤ به في الأسواق المالية، أو على الأقل ما يمكن أن يكون محتملًا.
إن الاهتمام بالدورات الاقتصادية وتأثيرها على الأسواق المالية والأسعار له تاريخ طويل، وهناك العديد من النظريات حول كيفية عملها. تستند دورة كيتشين، التي سُميت نسبةً إلى جوزيف كيتشين (١٨٦١–١٩٣٢)، إلى مدة ٤٠ شهرًا، وتتأثر بالسلع والمخزونات. وتُستخدم دورة يوجلار للتنبؤ باستثمار رأس المال (كليمنت يوجلار، ١٨١٩–١٩٠٥)، وتتراوح مدتها بين ٧ أعوام و١١ عامًا، في حين أن دورة كوزنتس للتنبؤ بالدخل (سايمون كوزنتس، ١٩٠١–١٩٨٥) تبلغ مدتها من ١٥ إلى ٢٥ عامًا، وتتراوح مدة دورة كوندراتيف (نيكولاي كوندراتيف، ١٨٩٢–١٩٣٨) من ٥٠ إلى ٦٠ عامًا، حيث تؤثر فيها الابتكارات التكنولوجية الكبيرة. من الواضح أن هناك مشكلات في كل هذه الدورات، وحقيقة أن هناك العديد من الأوصاف المختلفة للدورات تشير إلى وجود العديد من الدوافع المختلفة. ويصعب اختبار العديد منها إحصائيًّا، على سبيل المثال دورة كوندراتيف الطويلة جدًّا؛ نظرًا لوجود عدد قليل جدًّا من الملاحظات.
ومع ذلك، على الرغم من أن الاهتمام بالدورات الاقتصادية والمالية له تاريخ طويل، فإن الآراء حول ما إذا كان من الممكن التنبؤ بهما موضع خلاف واسع النطاق. تنبع واحدة من مجموعات الأفكار حول عدم القدرة على توقع تحركات الأسعار المستقبلية في الأسواق من فرضية كفاءة السوق (فاما ١٩٧٠)، التي ترى أن سعر السهم، أو قيمة السوق، تعكس جميع المعلومات المتاحة عن هذا السهم أو السوق في أي وقت من الأوقات؛ فالسوق يعكس الأسعار بكفاءة؛ ومن ثَم تكون الأسعار دقيقة دائمًا ما لم يتغير شيء ما، أو إلى أن يتغير شيء ما. وانطلاقًا من هذه الفكرة تأتي الحجة القائلة بأن المستثمر لا يمكنه حقًّا التنبؤ بالسوق، أو التنبؤ بأداء شركة ما. وذلك لأنه لن يكون لدى أي فرد معلومات أكثر مما ينعكس بالفعل في السوق في أي وقت؛ لأن السوق يعكس الأسعار بكفاءة، والأسعار تتغير استنادًا إلى عوامل أساسية (مثل الأحداث الاقتصادية) على الفور.
لكن النظرية تختلف عن التطبيق. على سبيل المثال، أظهر روبرت شيلر الحائز جائزة نوبل أنه في حين أن أسعار الأسهم شديدة التقلب على المدى القصير، فإن تقييمها، أو نسبة السعر إلى الأرباح، يوفر معلومات تجعلها قابلة للتنبؤ إلى حد ما على مدى فترات طويلة (شيلر ١٩٨٠)، مشيرًا إلى أن التقييم يوفر على الأقل مؤشرًا مبدئيًّا للعوائد المستقبلية. وقد جادل آخرون بأن العوائد التي يمكن للمرء أن يتوقعها من الأصول المالية ترتبط بالظروف الاقتصادية؛ ولذلك يمكن تقييم احتمالية الحصول على نتائج معينة حتى لو لم تكن التوقعات الدقيقة موثوقًا بها بما فيه الكفاية.
إن مشاعر الخوف والجشع، والتفاؤل واليأس، وقوة سلوك الجماهير وتوافق الآراء، من الممكن ألا تسود في فترات زمنية أو أحداث محددة؛ مما يدعم الميل إلى تكرار الأنماط في الأسواق المالية حتى في ظل ظروف وأوضاع في غاية الاختلاف. وهناك أيضًا ميل إلى تكرار الأخطاء عندما لا ينتبه المستثمرون لبعض الإشارات المهمة التي تُحذر من حدوث فورة وفائض في النشاط الاقتصادي، يمكن أن يتطورا عندما تكون الظروف مواتية ويكون هناك إيمان قوي يدفع الاستثمارات. سأناقش هذا الموضوع في الفصل الثامن، الذي يبحث دور المشاعر في تنمية المضاربات الزائدة والفقاعات المالية.
بالطبع، على الرغم من وجود أنماط متكررة في الأسواق مع مرور الوقت، هناك أيضًا أحداث وأوضاع اقتصادية فريدة لكل دورة أو ظرف. في الواقع، لا توجد فترتان متماثلتان تمامًا؛ وحتى عند مواجهة ظروف متشابهة إلى حد ما، فمن غير المرجَّح أن تتكرر التباديل الدقيقة للعوامل بالطريقة نفسها. يمكن للتغيرات الهيكلية في الصناعات والعوامل الاقتصادية، مثل التضخم وتكلفة رأس المال، أن تُغير العلاقات بين المتغيرات مع مرور الوقت. على سبيل المثال، قد يكون سلوك وأداء دورة سوق الأوراق المالية في حقبة تتسم بارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة مختلفين إلى حد ما عن دورة في فترة تتسم بانخفاض معدلات التضخم وأسعار الفائدة، وقد تتغير الطريقة التي تتعامل بها الشركات والمستثمرون وصنَّاع السياسات تجاه دافع معين بمرور الوقت في حين يتأقلمون مع تجارب الماضي.
من المهم أيضًا إدراك أننا عندما نحلل الأحداث التاريخية ونبحث عن علاقات بين العوامل والمتغيرات المختلفة، فإننا نستفيد من ميزة معرفة النتائج، وهذا يجعل من السهل تحديد الروابط بين العوامل والمتغيرات المختلفة التي قد لا تكون واضحة في الوقت الفعلي. إذ يمكننا تحديد الأنماط بعد حدوثها، بينما في الوقت الفعلي لحدوثها يمكن أن يكون هذا أصعب بكثير. وهذا، جزئيًّا، هو ما يجعل توافق الآراء وسلوك الجماهير على قدر كبير من الأهمية في دفع التقلبات في أسعار الأصول. على سبيل المثال، عندما يكون من المتوقع أن تتباطأ البيانات الاقتصادية وتضعف أسعار الأسهم، فمن غير المرجَّح أن يكون واضحًا في ذلك الوقت ما إذا كان هذا يمثل تصحيحًا وتباطؤًا في «منتصف الدورة»، أو ما إذا كان هذا بداية لحدوث هبوط حاد في السوق وركود؛ فلا يمكن معرفة هذا على وجه اليقين إلا عند استعراض الأمور في وقت لاحق. ومن الشائع، بالتأكيد، أن «تبالغ» الأسواق المالية في تقدير التحول المتوقع في الظروف الاقتصادية المستقبلية، وهذا أحد الأسباب التي تجعل دورات السوق ونقاط التحول على وجه الخصوص حادة للغاية. لكن التقلبات الهائلة التي تحدث في الأسواق المالية، مقارنةً بالتغيرات التدريجية التي تحدث في الأنظمة الاقتصادية، لا تضعف العلاقات بينهما. فحقيقة وجود روابط بين عوائد الأسهم والنمو المتوقع يمكن أن تساعدنا على الأقل في فهم التقديمات والتأخيرات النمطية، والقوة المتفاوتة في العلاقات بين المتغيرات، والإشارات التي يجب البحث عنها.
على المدى الطويل يمكن أن يكون الاستثمار مربحًا للغاية، حتى مع قبول التقلبات الناجمة عن الدورات. تميل الأصول المختلفة إلى تحقيق أفضل أداء في أوقات مختلفة، وستعتمد العوائد على قدرة المستثمر على تحمُّل المخاطر. لكن في حالة مستثمري الأسهم على وجه الخصوص، يشير التاريخ إلى أنهم إذا تمكنوا من الاحتفاظ باستثماراتهم لمدة خمس سنوات على الأقل، ولا سيما إذا تمكنوا من إدراك دلائل الفقاعات ونقاط التحول في الدورة، فيمكنهم الاستفادة من تحقيق «صفقة رابحة طويلة الأجل».