الفصل العاشر

تحت الصفر: تأثير انخفاض عوائد السندات

ناقشنا في الفصل التاسع بعض الاختلافات الهيكلية الرئيسية التي ظهرت منذ الأزمة المالية مقارنةً بدورات سابقة، ومن بينها الانخفاضات الكبيرة في مستويات أسعار الفائدة العالمية وعوائد السندات.

يُعَد الانهيار في عوائد السندات الطويلة الأجل في كلٍّ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة (حيث توجد سلاسل بيانات تاريخية طويلة الأجل) أمرًا استثنائيًّا وفقًا للمعايير التاريخية، حيث بلغت عوائد السندات أدنى مستوياتها في المملكة المتحدة منذ عام ١٧٠٠ وفي الولايات المتحدة منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر (انظر شكل ١٠-١).

وقد أصبح الانخفاض في عوائد السندات حادًّا للغاية في بعض الحالات لدرجة أن ما يقرب من ٢٥٪ من الديون الحكومية على مستوى العالم كانت عوائدها بالسالب. بعبارة أخرى، كان المستثمر الذي يرغب في شراء الديون الحكومية يدفع في واقع الأمر للحكومة مقابل أخذ أمواله. حتى إن ربع سندات الشركات ذات الدرجة الاستثمارية (أي الشركات ذات الميزانية العمومية القوية جدًّا) كانت عوائدها بالسالب. تمثل فكرة الدفع مقابل إقراض المال مفهومًا غريبًا؛ لذلك دعونا نرى سبب حدوث هذا الأمر وما يعنيه لعوائد الأسهم والدورة.

قد يكون هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى هبوط عوائد السندات إلى الصفر، أو في بعض الحالات إلى ما دونه. أولًا: لقد كان هذا انعكاسًا لسياسة البنك المركزي. فقد أسفرت الأزمة المالية العالمية عن بذل جهود عالمية لخفض أسعار الفائدة بسرعة في أعقاب الأزمة المالية سعيًا للتخفيف من وطأتها على الاقتصادات وتجنب الأخطاء الناجمة عن الإجراءات البطيئة التي اتُّخذت في أعقاب الانهيارات المالية السابقة (اليابان في أواخر ثمانينيات القرن الماضي والولايات المتحدة في ثلاثينياته، على وجه الخصوص). وبعد ذلك ساهمت عوائد السندات وأسعار الفائدة الطويلة الأجل من خلال برامج التيسير الكمي في تعزيز جهود البنوك المركزية «لتثبيت» أسعار الفائدة.

fig56
شكل ١٠-١: عائد السندات البريطانية منذ عام ١٧٠٠؛ يقترب حاليًّا من أدنى مستوياته على الإطلاق.

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

وعمومًا، يُقال إن التيسير الكمي يؤثر على العوائد من خلال خفض توقعات المستثمرين بشأن أسعار الفائدة المستقبلية من خلال «تأثير الإشارة»؛ إذ يشير شراء البنك المركزي للديون الحكومية إلى أن المستوى المستهدف لأسعار الفائدة سيظل أقل مما كان من الممكن أن يكون عليه الحال لولا ذلك. وثَمة حجة أخرى مفادها أن مشتريات البنك المركزي من الأوراق المالية الحكومية تشجع المستثمرين على زيادة الطلب على أكثر الأصول خطورة من أجل تحقيق عائد مقبول؛ ومن ثَم تقليل عوائد سندات الدين الأخرى، مثل سندات الشركات، أو أسواق أكثر السندات خطورة، أو أسواق أطول السندات أجلًا.1 ورغم تباين التقديرات بشأن التأثير المباشر للتيسير الكمي على عوائد السندات، فقد خلصت أغلب الدراسات إلى أن برامج التيسير الكمي التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي (عمليات شراء الأصول الواسعة النطاق) كان لها تأثيرات اقتصادية وإحصائية كبيرة على مستوى عوائد سندات الخزانة، وتوصلت إلى استنتاجات مماثلة فيما يخص عمليات شراء الأصول في بلدان أخرى.2
ثانيًا: كان انخفاض توقعات التضخم، إلى جانب ضعف الناتج منذ الأزمة المالية، مُبرِّرًا أيضًا لانخفاض عوائد السندات. وبالطبع، يصعب فصل التأثير على توقعات التضخم عن التيسير الكمي والنمو. فعلى الرغم من أن انخفاض النمو، على سبيل المثال، كان قد ساهم بوضوح في انخفاض توقعات التضخم في اليابان لبعض الوقت، فعندما طبق البنك المركزي سياسة أسعار الفائدة السالبة في عام ٢٠١٦، انخفضت كذلك توقعات السوق بشأن التضخم المستقبلي المتوسط الأجل.3
وقد انخفضت توقعات التضخم انخفاضًا ملموسًا منذ بداية القرن الحادي والعشرين، في أعقاب انهيار التكنولوجيا، وظلت مستقرة منذ ذلك الحين. يوضح شكل ١٠-٢ هذا الانخفاض في الولايات المتحدة.
fig57
شكل ١٠-٢: استمرار انخفاض توقعات التضخم التي يتضمنها السوق.

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

اليابان وأوروبا هما المنطقتان اللتان انخفضت فيهما توقعات التضخم انخفاضًا حادًّا خاصةً في السنوات الأخيرة، ويتمتع كلاهما بنسبة كبيرة من السندات السالبة العائد في العالم. وعلى غرار اليابان، كان لاستمرار أسعار الفائدة السالبة القيمة في أوروبا في السنوات الأخيرة آثار غير مباشرة في أسواق السندات في أماكن أخرى، وفي ذلك تلك الموجودة في الولايات المتحدة (انظر شكل ١٠-٣).
وفي حالة أوروبا، كان للتيسير الكمي الذي طبقه البنك المركزي الأوروبي والعوائد السالبة للسندات الألمانية تأثير ملموس على فروق العوائد على السندات السيادية. فخلال ذروة أزمة الديون السيادية الأوروبية في عام ٢٠١١، ارتفعت عوائد السندات اليونانية بأكثر من ٥٠٪ في مرحلة ما، وارتفعت مرة أخرى لفترة وجيزة في عام ٢٠١٥. ومنذ ذلك الحين، ومع تلاشي المخاوف بشأن تفكك منطقة اليورو وتعزيز التيسير الكمي، كانت الآثار غير المباشرة للعوائد الألمانية السالبة على أسواق السندات الأوروبية الأخرى ملموسة؛ مما أدى إلى تقارب عوائد السندات اليونانية لأجل عشر سنوات مع تلك الخاصة بالولايات المتحدة (انظر شكل ١٠-٤).

ثالثًا: قد يعكس انخفاض عوائد السندات أيضًا انهيار ما يُسمى بعلاوة الأجل. ونظريًّا يتكون عائد السندات الحكومية الخالية من مخاطر التخلف عن السداد من مجموع سعر الفائدة المتوقعة على مدى عمر السند بالإضافة إلى علاوة الأجل. ولذلك، عادةً ما تعكس التغيرات في عوائد السندات إما إعادة النظر في توقعات سعر الفائدة القصيرة الأجل وإما في المخاطر المرتبطة بالمدة.

fig58
شكل ١٠-٣: تتصدر منطقة اليورو الارتفاع الأخير في الديون السالبة العائد (حصة السندات العالمية السالبة العائد، حسب البلد).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

fig59
شكل ١٠-٤: تقارب عائد السندات (عائد السندات اليونانية والأمريكية لأجل ١٠ سنوات).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

يرجع السبب وراء وجود علاوة الأجل هذه إلى حاجة المستثمرين إلى التعويض عن تحمل المخاطر الاقتصادية (كما هي الحال مع الأسهم وعلاوة مخاطر الأسهم). فحاملو السندات يتعرضون لنوعين مهمين من المخاطر. النوع الأول هو التضخم، حيث يضعف التضخم غير المتوقع القيمة الحقيقية للمدفوعات الاسمية الثابتة؛ مما يقلل من العوائد الحقيقية على السندات الاسمية. وهذا يعني أن مستثمري السندات سوف يحتاجون إلى علاوة أجل أكبر عندما يتوقعون ارتفاع التضخم و/أو عندما تزداد شكوكهم بشأن مساره على المدى المتوسط. والنوع الثاني هو خطر الركود. وهذا بالطبع هو الخطر الأساسي لمستثمري الأسهم. وذلك لأن الركود يعني انخفاضًا في توقعات نمو الاستهلاك والثروة، ويؤدي أيضًا إلى ارتفاع نسبة تجنب المخاطرة؛ مما يدفع المستثمرين إلى المطالبة بتعويضات أكبر مقابل الاحتفاظ بأصول محفوفة بالمخاطر، وعلاوات أقل للأصول ذات الدخل الثابت الأكثر أمانًا.

أسعار الفائدة الصفرية وتقييمات الأسهم

إذن ما تأثير البيئة العالمية لأسعار الفائدة السالبة القيمة الخالية من المخاطر على الدورة وتقييمات الأصول والعوائد؟ يدعم كلٌّ من الإطار النظري والتاريخي الحجة القائلة بأن أسعار الفائدة المنخفضة ينبغي أن تزيد من قيمة الأسهم، إذا ما تساوت جميع العوامل الأخرى. ومن طرق قياس هذه العلاقة وكيفية تغيرها ما يُسمى بفجوة العائد؛ أي الفرق بين عائد أرباح مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ (نسبة الأرباح إلى السعر) وعائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات. وبمرور الوقت، عكست التغيرات في هذه العلاقة الارتباط بين السندات والأسهم، الذي لا يتسم بالثبات كما ناقشنا في الفصل الرابع. وبوجه عام، كانت العلاقة السائدة إيجابية على مدى فترات طويلة جدًّا من الزمن على مدار دورات الاستثمار السابقة، ولكنها تحولت إلى علاقة سلبية منذ الأزمة المالية.

fig60
شكل ١٠-٥: عائد أرباح مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ وعوائد سندات الخزانة الأمريكية (اعتبارًا من ٢٦ يوليو ٢٠١٩).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

منذ الأزمة المالية، ومع هبوط عوائد السندات بلا هوادة، اتسعت الفجوة بين الاثنين. بعبارة أخرى، ينخفض تقييم نسبة السعر إلى الأرباح في سوق الأسهم (مع ارتفاع عائد الأرباح) أكثر مما كان متوقعًا نظرًا لانخفاض أسعار الفائدة الخالية من المخاطر، أو عوائد السندات الطويلة الأجل، ويتجلى ظهور هذا التأثير في أوروبا حيث أصبحت عوائد السندات الحكومية سالبة القيمة.

عندما بدأت الأزمة المالية، كان العائد على السندات الحكومية الألمانية لأجل عشر سنوات نحو ٤٫٥٪، وهو العائد نفسه تقريبًا في الولايات المتحدة في ذلك الوقت. ولكن منذ ذلك الحين، أصبح العائد على السندات سلبيَّ القيمة، إلى جانب انخفاض توقعات التضخم والتيسير الكمي. وشهد حساب العائد المتاح للمستثمرين في سوق الأسهم (عائد توزيعات الأرباح بالإضافة إلى العائد من الشركات التي تعيد شراء الأسهم) ارتفاعًا مطردًا في السنوات الأخيرة (شكل ١٠-٦). وزادت الفجوة بين الاثنين لأعلى مستوًى لها على الإطلاق.

الفجوة بين العائد النقدي الإجمالي في سوق الأسهم وعائد السندات الحكومية في الولايات المتحدة ليست كبيرة مثلما هي في أوروبا؛ مما يعكس توقعات أقوى بشأن احتمالات النمو الطويل الأجل لأرباح الشركات في الولايات المتحدة مقارنةً بأوروبا. ومع ذلك، تغيرت العلاقة النسبية مع عوائد السندات تغيرًا كبيرًا. وفي أوائل التسعينيات، على سبيل المثال، كان يُعرَض على المستثمر عائد نقدي في سوق الأسهم بنحو ٤٪ في وقت كان فيه عائد السندات الحكومية لأجل ١٠ سنوات ٨٪. حاليًّا، انخفض عائد السندات لأجل ١٠ سنوات إلى أقل من ١٫٥٪، ولكن يُعرَض على مستثمري الأسهم عائد نقدي في سوق الأسهم يتجاوز ٥٪. ويمثل الفارق بين الاثنين انخفاضًا كبيرًا في توقعات النمو الطويل الأجل.

fig61
شكل ١٠-٦: تتمتع الأسهم بهامش عائد كبير (عائد سندات الخزانة الألمانية لأجل ١٠ سنوات والعائد النقدي [عائد توزيعات الأرباح وعائد إعادة الشراء]).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

fig62
شكل ١٠-٧: استمرار احتفاظ الأسهم بقيمتها المغرية خلال السنوات الأخيرة على الرغم من انخفاض عوائد السندات (عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل ١٠ سنوات والعائد النقدي [عائد توزيعات الأرباح وعائد إعادة الشراء]).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

أسعار الفائدة الصفرية وتوقعات النمو

يمكن أن تساعد المقارنة بين العائد على السندات الحكومية والأسهم في تقدير قيمة علاوة مخاطر الأسهم، أو العائد المطلوب الذي يحصل عليه المستثمرون في الأسهم مقارنةً بالسندات. وقد يتأثر هذا بعدم اليقين والتغيرات في توقعات المستثمرين للنمو الطويل الأجل، وتميل بيئة عوائد السندات الصفرية أو السالبة القيمة إلى التأثير على كليهما.

يمكن فهم هذه العلاقات باستخدام أداة تقييم قياسية يستخدمها المستثمرون لتقييم قيمة التدفق المستقبلي لتوزيعات الأرباح اليوم. ويمكِّن هذا النهج، وهو نموذج بسيط أحادي المرحلة لخصم توزيعات الأرباح (ويُشار إليه أيضًا باسم نموذج نمو جوردون)4 المستثمِر من «استخلاص» أو حساب علاوة المخاطر هذه. ويمكن كتابة الصيغة على النحو الآتي:

عائد السندات + علاوة مخاطر الأسهم = عائد توزيعات الأرباح + النمو الطويل الأجل

إذا كان العائد على السندات صفرًا (أو أقل)، فهذا يعني أن علاوة مخاطر الأسهم تساوي (أو أعلى من) مجموع النمو المتوقع على المدى الطويل وعائد توزيعات الأرباح (المُشار إليه باسم تكلفة الأسهم).

لنأخذ أوروبا مثالًا: إذا علمنا أن عائد توزيعات الأرباح هو، على سبيل المثال، ٤٪ (تقريبًا ما هو متاح في أسواق الأسهم الأوروبية حاليًّا)، وأن نمو الأرباح الطويل الأجل يعادل إجمالي الناتج المحلي الاسمي الطويل الأجل عند ٢٪ (استنادًا إلى الافتراض التحفظي لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة ١٪ والتضخم بنسبة ١٪)، فإن هذا يخبرنا أن علاوة مخاطر الأسهم تبلغ ٦٪ على الأقل، أو أعلى من ذلك إذا كان عائد السندات سالب القيمة، أو إذا افترضنا حدوث ارتفاع طفيف في التضخم على المدى الطويل (بما يتماشى مع هدف البنك المركزي الأوروبي وهو ٢٪).

يشير هذا إلى أن أحد الآثار المترتبة على عوائد السندات الصفرية هو حاجة المستثمرين إلى عائد مستقبلي أعلى مما قد يكون عليه الحال في الأسهم، ويرجع ذلك لسببين أولهما أن أسعار الفائدة الصفرية تزيد من عدم اليقين بشأن المسار المستقبلي، والثاني لأنها ترتبط أيضًا بانخفاض معدلات النمو الطويل الأجل. تنطبق الحجة نفسها على انخفاض علاوة الأجل لعوائد السندات. ومن الصعب معرفة إلى أي مدًى تؤثر هذه العوامل على العائد المستقبلي المطلوب أو علاوة مخاطر الأسهم. تكمن المشكلة في أنه في الواقع لا يوجد مستوًى محدد يمكن ملاحظته لعلاوة المخاطر المطلوبة (العائد الإضافي) التي من شأنها أن تحفز الاستثمار في الأسهم بدلًا من أكثر الأصول أمانًا مثل السندات في أي وقت، وفي كل الأحوال، أيًّا كانت علاوة المخاطر هذه، فمن المرجَّح أن تتغير بمرور الوقت.

ومع ذلك، من الممكن حساب علاوة المخاطر اللاحقة، أي ما حصل عليه المستثمرون فعليًّا سابقًا مقابل الاستثمار في الأسهم مقارنةً بالسندات. وبافتراض أن المستثمرين كانوا ينجحون في تحديد أسعار الأصول على نحو تقريبي في الماضي (وبطبيعة الحال، ربما لم يكن هذا هو الحال دائمًا)، فإن هذا من شأنه أن يوفر تقديرًا معقولًا إلى حد ما لعلاوة مخاطر الأسهم المطلوبة على مدى التاريخ. وبمقارنة أداء الأسهم بأداء السندات على فتراتٍ مدتها ١٠ سنوات، نجد أن علاوة مخاطر الأسهم اللاحقة كانت نحو ٣٫٥٪ في فترة ما بعد الحرب، على الأقل في الولايات المتحدة منذ خمسينيات القرن العشرين.

أسعار الفائدة الصفرية: حساب النمو المستقبلي

إذا افترضنا أن نسبة ٣٫٥٪ تمثل علاوة مخاطرة معقولة تاريخيًّا خلال الدورة، فمن الممكن استخدام علاوة المخاطرة هذه ودمجها مع عوائد السندات ومستوى سوق الأسهم لحساب النمو المفترض (في توزيعات الأرباح أو الأرباح) المتوقع في المستقبل. يعرض شكل ١٠-٨ النتائج في حالة أوروبا (حيث تباطأ النمو الاقتصادي، وتتألف سوق الأسهم من نسبة أعلى من القطاعات الناضجة الأبطأ نموًّا). يوضح شكل ١٠-٨ النمو المفترض باستخدام علاوة المخاطرة البالغة ٣٫٥٪ وبعض البدائل الأعلى. هناك طريقة أخرى لتفسير هذا الأمر، وهي القول إنه إذا كانت نسبة ٣٫٥٪ هي العائد الإضافي المتوقع الصحيح في الأسهم مقارنةً بالسندات، فإن أسعار سوق الأسهم تُحدَّد بعدالة على أساس أن المستثمرين يتوقعون نموًّا صفريًّا في الأرباح وتوزيعات الأرباح إلى الأبد. على النقيض، لا بد أن تكون علاوة مخاطر الأسهم ٨٪ حتى يتوقع السوق نموًّا اسميًّا طويل الأجل في الأرباح بنسبة ٤٫٧٪ (نمو حقيقي للأرباح بنسبة ٢٫٧٪ تقريبًا وتضخم بنسبة ٢٪).

وأيًّا كان مستوى علاوة مخاطر الأسهم المستخدم، فيبدو أن النمو المُقدَّر (أو المتوقع) الطويل الأجل قد انخفض انخفاضًا مطردًا في العقد الماضي أو نحو ذلك. لذا، رغم أن انخفاض عوائد السندات، وفي الحالات القصوى العوائد السالبة القيمة، قد يعني انخفاض سعر الخصم للأسهم، وبالتبعية ارتفاع التقييمات، فإن تباطؤ النمو الطويل الأجل يعمل على تعويض هذا التأثير. وإذا كان من المتوقع أن ينخفض النمو، فسينخفض أيضًا النمو الطويل الأجل للتدفقات النقدية أو الأرباح في قطاع الشركات.

fig63
شكل ١٠-٨: استخدام علاوة مخاطر الأسهم بنسبة ٣٫٥٪ في نموذج خصم الأرباح ذي المرحلة الواحدة يشير إلى أن نسبة النمو السنوي لتوزيعات أرباح كل سهم في السوق تقل عن ٠٪ (أي النمو الضمني لتوزيعات الأرباح من نموذج خصم الأرباح ذي المرحلة الواحدة، باستخدام علاوة مخاطر الأسهم البديلة).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

وهنا يظهر السؤال الآتي: هل هناك مبرر لخفض توقعات النمو؟ قد لا يكون الأمر بالسوء الذي يبدو عليه. فقد حققت اليابان، في نهاية المطاف، ناتجًا محليًّا إجماليًّا اسميًّا يقترب من الصفر على مدى العقود الأخيرة (ويخشى المستثمرون أن تشير بيئة العوائد السالبة القيمة على السندات في أوروبا حاليًّا إلى أننا من المرجح أن نشهد شيئًا مماثلًا في المستقبل في أوروبا وربما في أماكن أخرى).

وبالنظر إلى نمو الإيرادات، فقد اتجهت معدلات النمو التاريخية نحو الانخفاض في السنوات الأخيرة (انظر شكل ١٠-٩). وتفوقت بقية دول العالم، ومن بينها أوروبا، بسهولة على اليابان في تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على الرغم من تضاؤل الفجوة.
fig64
شكل ١٠-٩: تباطؤ نمو المبيعات في أوروبا واقترابه حاليًّا من مستوى اليابان (متوسط معدل نمو المبيعات المتداول على مدى ١٠ سنوات، حسب المنطقة؛ العملة المحلية، عالميًّا بالدولار الأمريكي).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

ينتج انخفاض نمو الإيرادات من انخفاض التضخم وضعف النمو الاقتصادي الحقيقي على مدى العقد الماضي. علاوةً على ذلك، تراجعت التوقعات الجماعية بشأن نمو إجمالي الناتج المحلي المتوسط الأجل تدريجيًّا، من ٢٫٥٪ في منتصف تسعينيات القرن العشرين إلى ما يقرب من ١٪ لمنطقة اليورو اليوم.

fig65
شكل ١٠-١٠: تراجع توقعات نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي الحقيقي الطويل الأجل إلى أدنى مستوًى لها على الإطلاق (نمو إجمالي الناتج المحلي الطويل الأجل [من ٦ إلى ١٠ سنوات] بإجماع آراء خبراء الاقتصاد).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

إن إلقاء نظرة على توقعات خبراء الاقتصاد الجماعية الطويلة الأجل (من ٦ إلى ١٠ سنوات) يُظهِر أنه منذ الأزمة المالية، تراجعت توقعات نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي الطويل الأجل، على الرغم من التيسيرات القوية للسياسات النقدية وتطبيق التيسير الكمي، وفي حالة الولايات المتحدة، الزيادة الكبيرة في الإنفاق المالي (انظر شكل ١٠-١٠).
في السياق العام لتراجع توقعات النمو على مستوى العالم، شهدت أوروبا واليابان أكبر انخفاض للعوائد، بالإضافة إلى أعلى حصة من عوائد السندات العالمية السالبة القيمة (انظر شكل ١٠-١١).
ورغم أن النظرية ربما كانت ستقترح أن مثل هذه الانخفاضات الكبيرة في أسعار الفائدة الخالية من المخاطر كانت سترفع القيمة الحالية للتدفقات النقدية المستقبلية، وتدفع التقييمات في الأسهم إلى الارتفاع، فإن العكس في الواقع صحيح. فنسبة السعر إلى الأرباح تتساوى في سوق الأسهم بأوروبا واليابان، لكن تنخفض نسبة كلٍّ منهما عن سوق الأسهم الأمريكية، التي تتمتع بعوائد سندات أعلى. تفسير ذلك أن عوائد السندات السالبة القيمة في كلٍّ من اليابان وألمانيا ترتبط بتراجع توقعات النمو الطويل الأجل (انظر شكل ١٠-١٢)
fig66
شكل ١٠-١١: تقارب العوائد الألمانية مع المستويات اليابانية (وما دونها) (نسبة عائد السندات الحكومية لأجل ١٠ سنوات).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

fig67
شكل ١٠-١٢: تماثل نسبة السعر إلى الأرباح في أوروبا واليابان (نسبة السعر إلى الأرباح في اثني عشر شهرًا قادمة).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

إن تباطؤ معدل النمو الطويل الأجل في أرباح الشركات، وهو التطور الذي حدث في اليابان لمدة ٢٠ عامًا، بدأ يظهر أيضًا في أوروبا مع انخفاض عوائد سنداتها، مثل تلك في اليابان، إلى ما دون الصفر (انظر شكل ١٠-١٣).
ومن بين الآثار المترتبة على هذا الأمر التحديات التي واجهتها هوامش البنوك. فقد تعثر أداء البنوك أمام ضعف نمو القروض وأسعار الفائدة السالبة القيمة. على سبيل المثال، في دراسة أُجريَت على ٦٥٥٨ بنكًا من ٣٣ دولة من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بين عامَي ٢٠١٢ و٢٠١٦، أظهرت الأبحاث أن تطبيق سياسة أسعار الفائدة الصفرية أدى إلى تقليص الإقراض المصرفي.5 ومن المثير للاهتمام أنه عند مقارنة الأداء النسبي للبنوك بأسواق الأسهم الأوسع نطاقًا، يتضح أن أداء البنوك اليابانية كان دون المستوى على نحو ثابت إلى حد ما منذ نهاية أزمتها المالية في عام ١٩٩٠ وبداية انخفاض النمو وأسعار الفائدة السالبة القيمة. وقد ظهر نمط مماثل في أوروبا منذ بداية الأزمة المالية الأخيرة في عام ٢٠٠٨ وانخفاض النمو وأسعار الفائدة السالبة القيمة التي أعقبت ذلك.
fig68
شكل ١٠-١٣: انخفاض نمو نصف سوق اليابان على مدى السنوات العشرين الماضية؛ وتكرر الأمر نفسه مؤخرًا في أوروبا (النسبة المئوية للشركات ذات النمو المنخفض حيث من المتوقع أن تنمو المبيعات بنسبة تقل عن ٤٪ في السنة المالية الثالثة).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

أسعار الفائدة الصفرية والمعلومات الديموجرافية

في كلتا الحالتين، قد تكون عوائد السندات المنخفضة هذه ناتجة عن عوامل هيكلية أخرى مرتبطة بالديموجرافيا. وكما يظهر في شكل ١٠-١٤، فإن الصورة الديموجرافية الطويلة الأجل في كلٍّ من أوروبا واليابان، حيث عوائد السندات أقل من الصفر في كلٍّ منهما، تشير أيضًا إلى أن سن السكان يتقدم على نحو أسرع. وتزعم فرضية دورة حياة الاستثمار (موديلياني وبرومبرج ١٩٨٠) أن الناس يقترضون أكثر عندما يكونون صغارًا في السن ويدخرون أكثر عندما يكبرون؛ ومع تزايد نسبة كبار السن أو متوسطي العمر، ينبغي أن يزيد الطلب على الأصول الآمنة المُدرَّة للدخل (مثل السندات الحكومية)، ما من شأنه أن يدفع الأسعار إلى الارتفاع، والعوائد إلى الانخفاض. وقد زعم آخرون أن نسبة السكان المتوسطي العمر إلى الشباب تساعد في تفسير مستوى أسعار الفائدة الطويلة الأجل.6
fig69
شكل ١٠-١٤: سوف يتراجع عدد السكان في كلٍّ من أوروبا واليابان في العقود المقبلة ولكن بوتيرة أسرع في اليابان.

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

أسعار الفائدة الصفرية والطلب على الأصول الخطرة

أحد الجوانب الأخرى المثيرة للاهتمام في أسعار الفائدة الصفرية أو السالبة القيمة هو تأثيرها على تفضيل مؤسسات الاستثمار الطويل الأجل، مثل صناديق المعاشات وشركات التأمين، للأصول الخطرة.

ومن الآثار الرئيسية التي واجهتها هذه المؤسسات عند انخفاض أسعار الفائدة زيادة صافي القيمة الحالية للالتزامات المستقبلية (أي القيمة المخفضة للتدفقات النقدية المستقبلية) لخطة تقاعد أو شركة تأمين. وفيما يتعلق بخطة معاشات تقليدية محددة المزايا، فإن انخفاض عائد السندات الطويلة الأجل بمقدار ١٠٠ نقطة أساس قد يعني، مع ثبات كل العوامل الأخرى، زيادة فورية في الالتزامات بنحو ٢٠٪.7
من النتائج المحتملة لهذا الأمر اضطرار هذه المؤسسات إلى زيادة حجم الأصول الخطرة من أجل تلبية أهداف العوائد الطويلة الأجل. وعلى حد تعبير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: «الشاغل الرئيسي بشأن التوقعات هو مدى انخراط صناديق المعاشات وشركات التأمين، أو احتمال انخراطها، في «البحث عن العائد» بحثًا مفرطًا في محاولة لمضاهاة مستوى العوائد التي وُعد بها المستفيدون أو حاملو الوثائق عندما كانت الأسواق المالية تقدم عوائد أعلى، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة مخاطر حدوث تعسر مالي.»8
هناك دلائل تشير إلى تأثر الولايات المتحدة بهذا الأمر، حيث تحملت المؤسسات في المجمل مزيدًا من المخاطر مع انخفاض أسعار الفائدة الخالية من المخاطر ومعدلات التمويل.9 وأظهرت مؤشرات أخرى أن السعي إلى تحقيق العوائد لا يقتصر على المؤسسات فقط، بل ينطبق على المستثمرين كذلك.10
وهناك أيضًا تداعيات واسعة النطاق على صناديق المعاشات. فقد تأثرت الشركات التي تتحمل التزامات معاشات مستقبلية كبيرة تأثرًا شديدًا بالأزمة والانخفاضات التي تلتها في أسعار الفائدة (التي أدت إلى زيادة صافي القيمة الحالية للعجز).11 وفيما يخص شركات التأمين، فإن انخفاض أسعار الفائدة قد يهدد العوائد المضمونة لعقود التأمين على الحياة، ويجعلها أقل قدرة على الصمود في مواجهة الركود أو مقيدة بعوائد منخفضة هيكليًّا إذا زاد حجم استثماراتها في السندات الحكومية.12
في بعض المناطق، وخاصةً في أوروبا، تتسبب المخاطر العالية المرتبطة بأسهم شركات المعاشات والتأمين لأغراض تنظيمية في جعل زيادة حجم الاستثمارات في الأصول الخطرة أمرًا صعبًا للغاية. وأحد التأثيرات المحتملة لهذا الأمر أن الطلب المتزايد على السندات، من خلال الحاجة إلى التحوط من مخاطر أسعار الفائدة والالتزامات، يفرض مزيدًا من الضغوط الخافضة لعوائد السندات. وقد يؤدي هذا بدوره إلى تفاقم مشكلة التمويل فيما يخص صناديق المعاشات وشركات التأمين، فضلًا عن فرض مزيد من الضغوط الخافضة لعوائد السندات بوجه عام. وفي الواقع، وكما يظهر في شكل ١٠-١٥، واصلت شركات المعاشات والتأمين الأوروبية في المجمل التركيز على استثمارات الديون مثل السندات الحكومية في السنوات الأخيرة حتى مع انخفاض عوائد السندات إلى ما دون الصفر.
fig70
شكل ١٠-١٥: تستمر صناديق المعاشات والتأمين في التركيز على استثمارات الديون (وتتجاهل الأسهم إلى حد كبير) (مليار يورو، تدفقات ربع سنوية إلى الأسهم والديون الطويلة الأجل من جانب صناديق المعاشات والتأمين في منطقة اليورو).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

ختامًا، يمكننا أن نستخلص عدة ملاحظات حول عوائد السندات الصفرية أو السالبة القيمة:

  • لقد كان الانهيار في عوائد السندات العالمية منذ الأزمة المالية حدثًا لم يسبق له مثيل، ونتج عنه عوائد سالبة القيمة لنحو ربع السندات الحكومية. وقد عكس هذا الانهيار أمرين: أولهما تراجع توقعات التضخم بسبب انخفاض النمو، والثاني تأثير التيسير الكمي وخفض علاوة الأجل على توقعات التضخم.

  • عوائد السندات عند الحد الصفري لا تفيد بالضرورة الأسهم. وبوجه عام، تشير تجربة اليابان وأوروبا على وجه الخصوص إلى أن انخفاض عوائد السندات قد تسبب في ارتفاع علاوة مخاطرة الأسهم المطلوبة؛ أي العائد الإضافي الذي يطلبه المستثمرون لتحمل المخاطر وشراء الأسهم مقارنةً بالسندات الحكومية الخالية من المخاطر.

  • قد تؤثر عوائد السندات الصفرية أو السالبة القيمة على الدورة من خلال جعلها أقل تقلبًا، ولكن في الوقت نفسه يتسبب ذلك في جعل الأسهم أكثر تأثرًا بتوقعات النمو الطويلة الأجل. إذا أدت الصدمة إلى حدوث ركود، فقد نشهد تأثيرًا سلبيًّا على تقييمات الأسهم أعظم بكثير مما شهدناه في الدورات الماضية.

  • تتعرض صناديق المعاشات وشركات التأمين لخطر عدم تطابق الالتزامات مع انخفاض عوائد السندات إلى الصفر أو دون ذلك. وقد يؤدي هذا إلى تحمل بعض المؤسسات لقدر كبير من المخاطر من أجل تحقيق العوائد المضمونة، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى زيادة الطلب على السندات مع انخفاض العوائد؛ مما يؤدي إلى انخفاض أكبر لعوائد السندات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥