تأثير التكنولوجيا على الدورة
ناقشتُ في الفصل التاسع التغييرات التي طرأت على الدورة منذ الركود العظيم في عام ٢٠٠٨ والأزمة المالية التي أعقبت ذلك. ورغم أن هذه الدورة الاقتصادية كانت ضعيفة، فقد كانت أطول من المعتاد. وفي الوقت نفسه، كانت دورة سوق الأسهم أقوى.
ساهم تباطؤ نمو إجمالي الناتج المحلي الاسمي مقارنةً بالدورات السابقة، إلى جانب انخفاض التضخم، في تقدم أرباح الشركات تقدمًا ضعيفًا. ولكن لم تشهد جميع مجالات قطاع الشركات نموًّا بطيئًا في الأرباح. لقد كان مجال التكنولوجيا هو الاستثناء. فقد اكتسب تأثير التكنولوجيا على سوق الأسهم ودورتها اهتمامًا على مدى العقد الماضي نظرًا لزيادة حجم شركات التكنولوجيا ونفوذها، خاصة في الولايات المتحدة. وكما ناقشنا في الفصل التاسع، كانت التكنولوجيا القطاع الذي حقق أقوى نمو في الأرباح منذ الأزمة المالية.
تتسم التغيرات السريعة في التكنولوجيا في الثورة الرقمية، التي يُشار إليها أحيانًا باسم الثورة الصناعية الثالثة، بأنها جذرية. وقد كان لها تأثير كبير على كيفية تطور دورة الأسهم منذ الأزمة المالية، كما ساهمت في توسيع الفجوة بين الفائزين والخاسرين النسبيين في سوق الأسهم.

ملحوظة: القطاعات الكثيفة رأس المال: التشجير والورق، المعادن الصناعية والتعدين، السيارات وقطع الغيار، السلع الترفيهية، البناء ومواد البناء، معدات النفط وخدماته، شركات الاتصالات للخطوط الثابتة والمتنقلة، الكهرباء والغاز والمياه والمرافق المتعددة؛ والقطاعات غير كثيفة رأس المال: شركات إنتاج الأغذية والمشروبات، السلع المنزلية وبناء المنازل، السلع الشخصية، التبغ، متاجر التجزئة العامة، معدات وخدمات الرعاية الصحية، الأدوية والتكنولوجيا الحيوية، البرمجيات وخدمات الكمبيوتر، الأجهزة والمعدات التكنولوجية.
المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.
ظهور التكنولوجيا وأوجه الشبه التاريخية
ومع ذلك، تتشابه العديد من خصائص الثورة التكنولوجية الرقمية الحالية مع فترات أخرى من الابتكار التكنولوجي السريع في الماضي؛ مما يساعد في وضع الاتجاهات التي نشهدها في الدورة الحالية في سياقها الصحيح.
آلة الطباعة وثورة البيانات الكبرى الأولى

على غرار الإنترنت اليوم، عملت آلة الطباعة كنقطة انطلاق لتطوير العديد من التقنيات المهمة الأخرى، التي بدورها حفزت ظهور مشاريع تجارية وصناعية جديدة، وفي الوقت نفسه عطلت الصناعات التقليدية وأجبرت كثيرًا منها على التغيير والتطور.
ثورة السكك الحديدية والبنية التحتية المتكاملة
نتج عن القروض الميسرة والتكنولوجيا (الثورية) الجديدة حدوث طفرة في الاستثمار، التي بدورها كانت لها آثار متتابعة على زيادة عدد المصانع والتحضر وظهور أسواق تجزئة جديدة، ولم يكن السبب الحقيقي وراء حدوث كل هذه الأمور واضحًا في ذلك الوقت. وقد ساعد مد خطوط القطارات في نمو البنية التحتية للتلغراف في أربعينيات القرن التاسع عشر. وفي غضون ١٠ سنوات، أصبح إرسال البرقيات (الذي لم يكن ممكنًا في السابق) جزءًا من الحياة اليومية (وهو ما يشبه قليلًا تنامي الإنترنت بين تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين). وبحلول منتصف ستينيات القرن التاسع عشر، كانت لندن متصلة بنيويورك، وبعد ١٠ سنوات كان من الممكن إرسال الرسائل بين لندن وبومباي في غضون دقائق. وأصبحت شركات البرق والتلغراف قوية جدًّا؛ وأُنشئت شركة إيه تي آند تي (١٨٨٥).
أسفرت تقنيات أخرى عن زيادة هائلة في الطلب وجذب عدد كبير من الوافدين الجدد. فمع انطلاق البث الإذاعي، زاد بسرعةٍ الطلب على أجهزة الراديو. وبين عامَي ١٩٢٣ و١٩٣٠، اشترى ٦٠٪ من الأُسر الأمريكية أجهزة راديو؛ مما أدى إلى حدوث طفرة في محطات الراديو. وفي عام ١٩٢٠، هيمنت شركة كيه دي كيه إيه على البث الإذاعي الأمريكي، ولكن بحلول عام ١٩٢٢، افتُتحَت ٦٠٠ محطة إذاعية في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
شهدنا أنماطًا مماثلة في طفرة التكنولوجيا في تسعينيات القرن العشرين، حيث أدى الاعتقاد بأن من شأن التكنولوجيا أن تعزز استخدام البيانات إلى حدوث زيادة كبيرة في قيمة شركات الاتصالات والإعلام، فضلًا عن شركات التكنولوجيا الجديدة. وكما اتضح في النهاية، لم ينجح في مجالات التكنولوجيا الناشئة الشركات التي توقع الناس نجاحها، أو حتى تلك التي كانت موجودة، في الموجة الأولى. وعلاوةً على ذلك، تعرضت شركات اتصالات وإعلام كثيرة للاضطراب بسبب الابتكارات التكنولوجية نفسها التي كان من المتوقع قبل ٢٠ عامًا أن تكون سببًا في حدوث تغيرات جذرية. فخلال طفرة السكك الحديدية، تمخض اختراع المحرك البخاري عن إنشاء السكك الحديدية، ثم أتاح تأثير الشبكة والتواصل تطوير تقنيات أخرى. وكان هذا النمط واضحًا أيضًا على مدى العقدين الماضيين. فقد مهَّد تطور الإنترنت وانتشاره السريع الطريق أمام تطور الهواتف الذكية وانتشارها السريع. وقد أدى هذا في حد ذاته إلى ظهور قطاع من الشركات القائمة على التطبيقات المستخدمة على هذه الهواتف (على سبيل المثال، الثورة التي حدثت في خدمات سيارات الأجرة وتوصيل الطعام)، ومن هنا ظهر مصطلح «إنترنت كل شيء» (أي عالم الأجهزة المتصلة).
الكهرباء والنفط، وقود القرن العشرين
التكنولوجيا: الاضطراب والتكيف
التكنولوجيا والنمو في الدورة
أحد جوانب طفرة التكنولوجيا الحالية التي هيمنت على دورة الأسهم في السنوات العشر الماضية أو نحو ذلك هو انخفاض النمو الاقتصادي ونمو الإنتاجية عمومًا. وقد زعم البعض أن هذا يشكل مفارقةً ويوضح التأثير المحدود لمثل هذه التقنيات، وأن أسعار الأسهم لا بد أنها قد بالغت في تقدير إمكاناتها. ولكن هناك أدلة قوية من التاريخ بأن موجات التكنولوجيا السابقة أسفرت أيضًا عن تباطؤ نمو الإنتاجية والنشاط الاقتصادي أكثر مما يُعتقد عمومًا. على سبيل المثال، رغم أن جيمس وات سوَّق محركًا فعالًا نسبيًّا في عام ١٧٧٤، لم تظهر أول قاطرة بخارية ناجحة تجاريًّا إلا في عام ١٨١٢، ولم يتسارع نصيب الفرد من الناتج في بريطانيا بوضوح إلا في ثلاثينيات القرن التاسع عشر.
غالبًا ما تتمتع التقنيات الجديدة بإمكانات هائلة لنمو الإنتاجية، ولكن قد يكون من الصعب اعتمادها بكفاءة إلى أن يتم إعادة هيكلة عملية التصنيع، وفي كثير من الحالات، يقتضي الأمر وجود معيار عالمي للتقنية. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تتسبب الحاجة إلى إنشاء قاعدة مستخدمين ضخمة من أجل تحقيق تأثيرات الشبكة في إعاقة انتشار التقنية في البداية وبالتبعية في إبطاء زيادة الإنتاجية. كان استخدام المحرك البخاري والفحم للصهر أيضًا عرضة لتأثيرات الشبكة هذه. وفي نهاية المطاف، كان نقل الفحم بمثابة دفعة كبيرة للنمو والإنتاجية، ولكن لم يكن من الممكن اعتماده بالكامل إلا بعد إنشاء شبكات النقل. وبالمثل، لم يكن يمكن تعويض التكاليف الثابتة الكبيرة للاستثمار إلا عندما بدأ عدد كافٍ من المستخدمين الجدد في الاعتماد على مصدر الطاقة الجديد. وفي الوقت نفسه، تطلب استخدام الطاقة البخارية بناء مصانع ثم بناء قنوات لتسهيل نقل المواد الخام والمنتجات النهائية. وعلى نحو مماثل، قد يكون الانتقال من محركات الاحتراق الداخلي إلى المحركات الكهربية أمرًا ممكنًا من الناحية الفنية، ولكنه يتطلب نظامًا متكاملًا لإمداد الطاقة ومحطات الشحن قبل اعتماده اعتمادًا كاملًا.
هذه نقطة مهمة لأنها تشير إلى أن النمو الاقتصادي الضعيف الذي شهدناه بعد الأزمة المالية ربما يكون راجعًا، على الأقل فيما يخص جزءًا ضئيلًا، إلى التقدير الخاطئ لتأثير التكنولوجيا على النمو والإنتاجية. وقد يفسر هذا أيضًا السبب في أن نمو أرباح التكنولوجيا كان أقوى كثيرًا من نمو إجمالي الناتج المحلي المقيس على مدى السنوات الأخيرة. وعلى أي حال، ربما تساهم مشكلة القياس إلى حد ما في تفسير سبب اختلاف الدورة الاقتصادية والاستثمارية إلى حد ما في فترة ما بعد الأزمة المالية (راجع الفصل التاسع).
لذلك، ورغم أن وتيرة الابتكار والفوائد الجانبية التي تنتج عن هذه التقنيات الجديدة قد تبدو أسرع من أي وقت مضى، فإن التاريخ يُظهِر أننا قد شهدنا أنماطًا مماثلة في الماضي. فالشركات المهيمنة التي قادت الموجات السابقة من التكنولوجيا ظلت مهيمنة لفترة طويلة للغاية. ولكن تأثير الشبكة الذي أحدثته هذه الشركات أدى إلى ظهور مزيد من الابتكارات والشركات الجديدة. وهنا تجدر الإشارة إلى ثلاث ملاحظات لها علاقة بفرص التكنولوجيا:
-
الشركات التي تخترع أو تبتكر (آلة الطباعة، والراديو، والتلفزيون)رغم أن الشركات المبتكِرة غالبًا ما تكون ناجحة، لا تنجح جميع هذه الشركات أو الشركات الرائدة في التكنولوجيا. والتاريخ مليء بأمثلة لشركات تدخل أحد المجالات الجديدة، لكن لا ينجح منها إلا عدد قليل. ففي عام ١٨٩٩، أنتجت ثلاثون شركة مُصنِّعة أمريكية ٢٥٠٠ مركبةً ذات محرك، ودخلت ٤٨٥ شركة في هذا المجال في العقد التالي.14 والآن تهيمن على السوق ثلاثة تكتلات. وبالمثل، بين عام ١٩٣٩ واليوم، صنعت أكثر من ٢٢٠ شركة مُصنِّعة لأجهزة التلفزيون أجهزة تلفزيون في السوق الأمريكية ومن أجل السوق الأمريكية. ومن بين هذه الشركات، يُقدَّر عدد الشركات التي ما زالت تصنع أجهزتها حتى اليوم بنحو ٢٣ شركة.15
-
الشركات التي تنشئ البنية التحتية لدعم الاختراعات الجديدة (السكك الحديدية أو النفط أو توليد الطاقة أو محركات البحث على الإنترنت)
كما ورد سابقًا، يمكن أن تصبح الشركات الداعمة للشبكات مهيمنة للغاية، ولكن من الصعب أن نعرف على وجه اليقين في البداية أي الشركات من المرجَّح أن تستمر. على سبيل المثال، كانت شركة إيه أوه إل واحدة من أوائل مقدمي خدمات الإنترنت، ولكنها خسرت في النهاية أمام شركة جوجل. وكانت ماي سبيس واحدة من أوائل الشركات التي روجت لوسائل التواصل الاجتماعي والملفات الشخصية على الإنترنت واشترتها شركة نيوز كورب، ولكنها لم تستطِع الصمود أمام فيسبوك.
-
الشركات التي تستفيد من الابتكارات الجديدة لتعطيل أو استبدال الشركات القائمة في الصناعات التقليدية (مثال ذلك المنصات أو الأسواق الرقمية)في السنوات الأخيرة، غالبًا ما عكس هذا الأمر تأثير المنصات أو الأسواق الرقمية التي أصبحت ناجحة لأنها تستفيد مما يُسمى بتأثيرات الشبكة. وكما ذُكر في صحيفة «ذا إيكونوميست»: «الحجم يولد الحجم؛ فكلما زاد عدد البائعين الذين يمكن لأمازون، على سبيل المثال، جذبهم، زاد عدد المشترين الذين سيتسوقون من خلال الموقع؛ مما يجذب مزيدًا من البائعين، وهكذا.»16
لكن هذه الملاحظات البسيطة قد تبالغ في تبسيط الوضع إلى حد ما. في نهاية المطاف، يعتمد نجاح الشركات عمومًا على مجموعة من العوامل مثل التوقيت (متى يحظى المنتج بقبول عام في السوق)، والإدارة الجيدة، والتمويل.
إلى متى تستطيع الأسهم والقطاعات الحفاظ على الهيمنة؟
على الرغم من الأسس الأقوى التي يتمتع بها قطاع التكنولوجيا اليوم مقارنةً بما كان عليه الحال قبل عشرين عامًا، فإن الحجم الكبير لهذا القطاع، وخاصةً في بعض الأسواق، يثير مسألة الاستدامة. وهنا يظهر السؤالان الآتيان: ماذا يمكن للتاريخ أن يخبرنا عن طول مدة هيمنة القطاعات؟ وإلى أي مدًى يمكن أن يصل حجم قطاع أو سهم؟
بالاستناد إلى تاريخ تكوين القطاعات في مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ باعتباره معيارًا مرجعيًّا، يتضح لنا أن هيمنة القطاعات ليست ظاهرة جديدة. وبمرور الوقت، أسفرت موجات التكنولوجيا المختلفة عن مراحل مختلفة من هيمنة القطاع؛ ومع تنوع أسواق الأسهم، أصبح القطاع الأكبر يشكل حصة أصغر من إجمالي السوق.

يمكن تقسيم ريادة القطاعات في سوق الأسهم الأمريكية إلى ثلاث فترات رئيسية، تعكس كلٌّ منها المحرك الرئيسي للاقتصاد في ذلك الوقت.
-
١٨٠٠–خمسينيات القرن التاسع عشر: قطاع التمويل. خلال هذه الفترة، كانت البنوك هي القطاع الأكبر. في البداية، شكلت البنوك ما يقرب من ١٠٠٪ من سوق الأسهم، حتى تطورت سوق الأسهم وتوسعت. وبحلول خمسينيات القرن التاسع عشر، انخفض حجم القطاع إلى أكثر من النصف.
-
خمسينيات القرن التاسع عشر–العقد الأول من القرن العشرين: قطاع النقل. مع بدء تمويل البنوك لنظام السكك الحديدية السريع التوسع في الولايات المتحدة (وفي أماكن أخرى)، استحوذت أسهم النقل على أكبر قطاع في المؤشر. في سنوات ازدهارها، شكَّلت ما يقرب من ٧٠٪ من المؤشر في الولايات المتحدة قبل أن تتراجع إلى نحو ثلث القيمة السوقية لمؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ بحلول نهاية الحرب العالمية الأولى.
-
عشرينيات القرن العشرين–سبعينيات القرن العشرين: قطاع الطاقة. مع النمو الهائل للصناعة، التي كانت تعتمد على النفط بدلًا من البخار والفحم، استحوذت أسهم الطاقة على القطاع الأكبر. وظلت الطاقة القطاع الرئيسي حتى تسعينيات القرن العشرين، ولكن كان يتخلل هذه المدة فترات قصيرة من ريادة قطاع التكنولوجيا الناشئ (في الموجة الأولى، قاد هذا القطاع أجهزة الكمبيوتر المركزية وبعد ذلك البرمجيات).
إلى أي مدًى يمكن أن ترتفع التقييمات؟
شهدت فترات أخرى في التاريخ وصول شركات النمو إلى تقييمات أعلى مما نشهده اليوم. فهناك فترتان سابقتان حيث هيمنت مجموعة من الأسهم على عوائد وتقييمات سوق الأسهم في ستينيات إلى أوائل سبعينيات القرن العشرين، أو ما يُسمى بعصر نيفتي فيفتي، وأواخر تسعينيات القرن العشرين، التي شهدت نهضة التكنولوجيا. شهدت فترة نيفتي فيفتي هيمنة مجموعة من ٥٠ شركة لم تركز على قطاع معين، على عكس ما حدث في وقت لاحق في تسعينيات القرن العشرين، بل على مفهوم. وكان هناك تفاؤل كبير بأن الهيمنة الاقتصادية الأمريكية ستسمح لجيل جديد من الشركات الأمريكية بأن تصبح شركات متعددة الجنسيات ورائدة في السوق العالمية.
تمتَّع كثير من الشركات التي كانت مفضلة بعوائد مرتفعة للغاية (مختلفة إلى حد ما عن فقاعة التكنولوجيا في أواخر تسعينيات القرن العشرين، عندما كانت تهيمن على السوق شركات جديدة لا تحقق عوائد)، وكان هناك اعتقاد بأن هذه العوائد يمكن الحفاظ عليها في المستقبل البعيد. ولهذا السبب، كان يشار إليها غالبًا باسم أسهم «القرار الواحد». وعادةً ما كان المستثمرون يسعدون بشرائها والاحتفاظ بها بغضِّ النظر عن سعرها. وشاع في هذه الفترة الابتعاد عن الاستثمار القائم على القيمة والتوجه نحو استثمار النمو. ونتيجةً لذلك، ارتفعت التقييمات ارتفاعًا كبيرًا. وبحلول عام ١٩٧٢، عندما كانت نسبة السعر إلى الأرباح في مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ تساوي ١٩ مرة، تجاوز متوسط نسبة سعر إلى أرباح شركات نيفتي فيفتي ضعف هذا الرقم. وجرى تداول أسهم بولارويد عند نسبة سعر إلى أرباح تتجاوز ٩٠ مرة، وجرى تداول أسهم والت ديزني وماكدونالدز عند نسبة سعر إلى أرباح تتجاوز ٨٠ مرة من الأرباح المستقبلية المتوقعة. وعلى الرغم من هذه التقييمات المرتفعة، صرَّح البروفيسور جيريمي سيجل (١٩٩٨) بأن معظم الأسهم قد نمت بالفعل إلى تقييماتها وحققت عوائد قوية للغاية.
في وقت لاحق، دفع توجه مماثل التركيز على «الاقتصاد الجديد» في أواخر تسعينيات القرن العشرين. وحينها، خسرت أسهم القيمة (أو «الاقتصاد القديم») الاستحسان، كما حدث في ستينيات القرن العشرين. في واقع الأمر يختلف إلى حد كبير الارتفاع الحالي في شركات التكنولوجيا الذي أعقب الأزمة المالية عن الهوس الذي قاد الفقاعة في أواخر تسعينيات القرن العشرين. وفي السنوات التي سبقت الأزمة، هيمنت البنوك على نسبة كبيرة من القطاع في العديد من أسواق الأسهم (مستفيدةً من مجموعة من العوامل، وهي النمو القوي، والاستدانة العالية، والابتكار في المنتجات). ومع تراجع زعامة البنوك في الأسواق، سرعان ما أصبحت التكنولوجيا القائد الرئيسي لعوائد السوق وهيمنت على القطاع مرة أخرى. ومنذ عام ٢٠٠٨، زادت حصة قطاع التكنولوجيا في سوق الأسهم العالمية من ٧٪ إلى ١٢٪؛ وفي الوقت نفسه، زادت حصته في السوق الأمريكية إلى ما يقرب من الضعف، حيث زادت من ١٣٪ إلى ٢١٪ في مؤشر ستاندرد آند بورز. في أواخر تسعينيات القرن العشرين، ارتفعت حصة التكنولوجيا في القيمة السوقية العالمية من ١٠٪ فقط من مؤشر ستاندرد آند بورز في عام ١٩٩٦ إلى ذروة بلغت ٣٣٪ في عام ٢٠٠٠.
الحجم | التقييم | ||
---|---|---|---|
النسبة في السوق | القيمة السوقية (مليار دولار) | نسبة السعر إلى الأرباح (السنة المالية القادمة) | |
إف إيه إيه إم جي | |||
أبل | ٤٫٦٪ | ١٣٠٥ | ١٨٫٧ |
مايكروسوفت | ٤٫٥٪ | ١٢٠٣ | ٢٥٫٥ |
ألفابت | ٣٫٠٪ | ٩٩٣ | ٢٥٫٠ |
أمازون | ٢٫٩٪ | ٩١٦ | ٦٥٫٩ |
فيسبوك | ١٫٨٪ | ٥٨٥ | ٢٢٫١ |
إجمالي إف إيه إيه إم جي | ١٦٫٨٪ | ٥٠٠٢ | ٢٥٫١ |
فقاعة التكنولوجيا | |||
مايكروسوفت | ٤٫٥٪ | ٥٨١ | ٥٥٫١ |
سيسكو سيستمز | ٤٫٢٪ | ٥٤٣ | ١١٦٫٨ |
إنتل | ٣٫٦٪ | ٤٦٥ | ٣٩٫٣ |
أوراكل | ١٫٩٪ | ٢٤٥ | ١٠٣٫٦ |
لوسنت | ١٫٦٪ | ٢٠٦ | ٣٥٫٩ |
إجمالي فقاعة التكنولوجيا | ١٥٫٨٪ | ٢٠٤٠ | ٥٥٫١ |
نيفتي ٥٠ | |||
آي بي إم | ٨٫٣٪ | ٤٨ | ٣٥٫٥ |
إيستمان كوداك | ٤٫٢٪ | ٢٤ | ٤٣٫٥ |
سيرس روبوك | ٣٫٢٪ | ١٨ | ٢٩٫٢ |
جنرال إلكتريك | ٢٫٣٪ | ١٣ | ٢٣٫٤ |
زيروكس | ٢٫١٪ | ١٢ | ٤٥٫٨ |
إجمالي نيفتي فيفي | ٢٠٫٠٪ | ١١٦ | ٣٥٫٥ |
إلى أي حد يمكن أن تنمو الشركات مقارنةً بحجم السوق؟
لقد زادت القيمة السوقية لشركات التكنولوجيا الرائدة زيادةً كبيرة في الدورة الحالية، وهذا يعكس النمو الكبير في الإنفاق على التكنولوجيا وقدرته على أن يحل محل الإنفاق الرأسمالي التقليدي الآخر. وفي كثير من الأحيان تكاد المنصات الجديدة تستحوذ على السوق بأكملها.
ولكن مجددًا، هذه ليست ظاهرة جديدة. على سبيل المثال، سيطرت شركة ستاندرد أويل على أكثر من ٩٠٪ من إنتاج النفط و٨٥٪ من المبيعات في الولايات المتحدة بحلول عام ١٩٠٠. وفي الوقت نفسه، تمكنت شركة يو إس ستيل، وهي شركة رائدة أخرى في قطاع مهيمن، من تجنب الانهيار، وأصبحت أول شركة تبلغ قيمتها السوقية «مليار دولار».
مع تطور أجهزة الكمبيوتر المركزية في سبعينيات القرن العشرين، كان هناك أيضًا تركيز كبير لحصة السوق في الشركات الرائدة، وخاصة في شركة آي بي إم، التي أدت هيمنتها إلى رفع وزارة العدل الأمريكية لدعوى قضائية لمكافحة الاحتكار ضدها في عام ١٩٦٩. ووفقًا لتقارير إخبارية في ذلك الوقت، كانت حصة آي بي إم في سوق أجهزة الكمبيوتر المركزية خلال هذا الوقت تبلغ نحو ٧٠٪. وقد رفعت وزارة العدل دعواها القضائية في يناير ١٩٦٩، زاعمةً أن آي بي إم كانت تقمع المنافسة من خلال تكتيكات مختلفة، مثل العروض المجمعة. واستمرت الدعوى القضائية لمدة ١٣ عامًا، وأُسقطَت في النهاية في يناير ١٩٨٢.
وعلى الرغم من عدم صدور حكم ضد شركة آي بي إم، فإن المخاطر التنظيمية كانت سببًا في انحدار مطرد في نمو المبيعات والهوامش. وكان نمو مبيعات آي بي إم ربع السنوية متقلبًا إلى حد ما في الستينيات والسبعينيات، ولكنه تحوَّل إلى الانخفاض بوضوح في الثمانينيات مع انتقال الصناعة إلى منتجات جديدة، مع استمرار التدقيق التنظيمي.
ومع تولي البرمجيات دور المحرك الرئيسي للتكنولوجيا، حدث تحول آخر في الهيمنة. وفي عام ١٩٩٢، واجهت مايكروسوفت مجموعة من الدعاوى القضائية بشأن وضعها في الصناعة، مع التركيز المتزايد على قرار ربط المتصفح إنترنت إكسبلورر بنظام التشغيل ويندوز. ورفعت الولايات المتحدة دعوى قضائية ضد مايكروسوفت في مايو ١٩٩٨، وأمر القاضي بتقسيم الشركة إلى شركتين في يونيو ٢٠٠٠. ولكن عُدِّل الحكم في الاستئناف في يونيو ٢٠٠١؛ مما أدى إلى تسوية تضمنت مرسوم موافقة، غيرت مايكروسوفت بموجبه بعض ممارساتها التجارية، مثل الاتفاقيات الحصرية. كان نظام التشغيل الخاص بشركة مايكروسوفت يعمل على أكثر من ٩٠٪ من أجهزة المستهلكين في عام ٢٠٠٠ (راجع وزارة العدل الأمريكية ٢٠١٥). ومع ذلك، قيدت الأحكام الواردة في تسوية عام ٢٠٠١ كيفية السماح لشركة مايكروسوفت بتطوير البرامج وترخيصها. وانخفض متوسط نمو مبيعات مايكروسوفت ربع السنوية من ٤٠٪ (١٩٨٨–٢٠٠٠) إلى ١٠٪ (٢٠٠١–٢٠١٨)، على الرغم من أن جزءًا من هذا التباطؤ يمكن أن يُعزى على الأرجح إلى المشهد المتغير للتكنولوجيا (على سبيل المثال، ظهور الهواتف الذكية والتحول إلى «السحابة»).
في الآونة الأخيرة، ومع هيمنة الحوسبة المحمولة وتطبيقات الإنترنت، تحول اتجاه تركيز السوق مرة أخرى. ففي مجال البحث على الإنترنت، على سبيل المثال، تمتلك جوجل حصة سوقية تزيد عن ٩٠٪، وتبلغ حصة منافسها الأكبر الذي يليها — بينج — ٣٫٢٪ (حصة سوق المتصفحات على مستوى العالم، بدون تاريخ). ولذلك أصبحت العديد من شركات التكنولوجيا كبيرة للغاية ومهيمنة في الدورة الحالية أيضًا، وتثار تساؤلات حول المنافسة والتشريعات والتنظيمات المحتملة. ومجددًا، هذا لا يقتصر على الدورة الحالية. ومثلما حدث مع القطاعات، ظلت الشركات الكبيرة في الصدارة، وغالبًا ما كانت تتمتع بمكانة مهيمنة في السوق، لفترات طويلة تعكس الأوضاع الاقتصادية. وكانت أكبر الشركات في مؤشر ستاندرد آند بورز على مر التاريخ على النحو الآتي:
-
١٩٥٥–١٩٧٣: جنرال موتورز: خلال «العصر الذهبي للرأسمالية»، تجاوزت أرباح جنرال موتورز ١٠٪ من مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠.
-
١٩٧٤–١٩٨٨: آي بي إم: «عصر أجهزة الكمبيوتر المركزية» (بلغت ذروتها عند ٧٫٦٪ من القيمة السوقية).
-
١٩٨٩–١٩٩٢: إكسون: شركة فرعية من ستاندرد أويل، التي كانت مهيمنة لفترة طويلة قبل قرن تقريبًا (بلغت ذروتها عند ٢٫٧٪ من القيمة السوقية).
-
١٩٩٣–١٩٩٧: جنرال إلكتريك: (بلغت ذروتها عند ٣٫٥٪ من القيمة السوقية).
-
١٩٩٨–٢٠٠٠: مايكروسوفت: «عصر البرمجيات» (بلغت ذروتها عند ٤٫٩٪ من القيمة السوقية).
-
٢٠٠٠–٢٠٠٥: جنرال إلكتريك (مرة أخرى): (بلغت ذروتها عند ٣٫٥٪ من القيمة السوقية.)
-
٢٠٠٦–٢٠١١: إكسون (مرة أخرى): (بلغت ذروتها عند ٥٫٢٪ من القيمة السوقية) على الرغم من أن بنك أوف أمريكا وسيتي جروب كانا لفترة وجيزة أكبر الأسهم بين عامَي ٢٠٠٦ و٢٠٠٧ قبل الأزمة المالية.
-
٢٠١٢ حتى اليوم: أبل (وأحيانًا مايكروسوفت): (بلغت ذروتها عند ٥٫٠٪ من القيمة السوقية.)
كانت حصة الشركات المهيمنة في الفترات السابقة أكبر بكثير في السوق الأوسع مما هي عليه اليوم. ومع ذلك، فإن إحدى النقاط المثيرة للاهتمام هي أن أكبر الشركات، وخاصةً تلك التي كانت موجودةً منذ فترة طويلة، لم تكن كبيرة مثل الشركات الحالية من حيث حصتها في السوق أو قيمتها السوقية. على سبيل المثال، قبل حل شركة إيه تي آند تي، كانت قيمتها نحو ٤٧ مليار دولار، وهو ما يعادل ١٢٠ مليار دولار اليوم. إن نطاق الشركات المهيمنة الحالية وقوة أرباحها أكبر بكثير مما رأيناه في الماضي. والحجم الهائل لهذه الشركات المهيمنة يجعل من الصعب عليها أن تنمو، ولكن من غير المرجح أن يحد هذا من المساهمة المهيمنة لقطاع التكنولوجيا على نطاق أوسع مع تطور الشركات الأحدث.
التكنولوجيا واتساع الفجوات بين الرابحين والخاسرين
على الرغم من أنني أزعم أن هيمنة التكنولوجيا في دورة سوق الأسهم الحالية ليست ظاهرة جديدة، تتمثل إحدى الطرق التي أحدثت بها التكنولوجيا تغييرًا في هذه الدورة في كيفية تأثيرها في أنماط القيادة في أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم. وعلى مدى العقد الماضي، على وجه الخصوص، هناك طريقتان وسعت بهما التكنولوجيا الفجوات بين الرابحين والخاسرين.
الأولى من خلال الفارق المتزايد بين أجور العمال والأرباح التي تُحققها الشركات، أو حصة الناتج التي تُخصَّص للعمالة في مقابل الحصة المخصصة للشركات. وقد أكدت بعض الدراسات الأكاديمية على دور تراكم رأس المال والتطور التكنولوجي المعزز لرأس المال في التأثير على كيفية تقسيم الناتج بين العمال والشركات (على سبيل المثال، بنتوليلا وسانت بول ٢٠٠٣؛ هتشينسون وبيرسين ٢٠١٢).
وبالطبع، ليست التكنولوجيا هي السبب الوحيد وراء هذا. فقد ساهم تأثير الإجراءات التقشفية، وكذلك تأثير التيسير الكمي. وقد ساعدت هذه العملية في خفض مستوى أسعار الفائدة وتعزيز أرباح الشركات (فضلًا عن الاتجاه نحو إعادة شراء الشركات لأسهمها في الولايات المتحدة). وبالمثل، على الرغم من أن العديد من شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة تستخدم عمالة أرخص خارج الولايات المتحدة، تفعل الشركات المصنعة الأخرى الشيء نفسه، وقد سبقت هذه الاتجاهات الإنترنت والكمبيوتر والهاتف الذكي. واستفاد كذلك أصحاب الدخل المنخفض في كثير من الحالات من القدرة على الاتصال التي توفرها التكنولوجيا، وخاصةً فيما يتعلق بخفض المنصات الإلكترونية لأسعار الكتب والملابس والألعاب والسلع الكهربائية. ومن ثَم ربما تكون التكنولوجيا قد ساهمت في الطفرة في الاستهلاك.
حدث التحول الثاني من خلال مكافأة شركات النمو في هذه الدورة مقارنةً بشركات القيمة. وهذه طريقة أخرى لقول إن الشركات ذات النمو المرتفع (التي يوجد كثير منها في قطاع التكنولوجيا) تفوقت بقدر كبير على الشركات التي تبدو «رخيصة» (بنسب سعر إلى أرباح منخفضة أو توزيعات أرباح مرتفعة).
إن تفوق أسهم النمو مقارنةً بالقيمة ناتج عن عوامل عديدة وليس مجرد انعكاس لنجاح التكنولوجيا. ومن الأسباب التي أدت إلى ذلك الضعف المستمر الذي أصاب البنوك في أعقاب الأزمة المالية ومواجهة الأرباح لتحديات مستمرة نتيجةً لأسعار الفائدة المنخفضة للغاية، والسالبة القيمة في كثير من الحالات. وعلاوةً على ذلك، كان الانخفاض الطويل الأجل في عوائد السندات منذ الأزمة المالية، إلى جانب التضخم، عاملًا مساهمًا مهمًّا.
يُنظَر إلى شركات النمو على أنها «طويلة الأمد» مقارنةً بشركات القيمة. بعبارة أخرى، فإن حساسية صافي القيمة الحالية لشركات النمو (حيث من المتوقع أن تنمو الإيرادات في المستقبل البعيد) للتغيرات في مستوى أسعار الفائدة أعلى من شركات القيمة، التي تميل إلى أن تكون في الصناعات الأكثر نضجًا والأبطأ نموًّا. وهذا يعني أنه في فترة انخفاض أسعار الفائدة، يكون التأثير الإيجابي على صافي القيمة الحالية لشركات التكنولوجيا أعلى مما هو عليه لشركات القيمة، أو تلك التي تتسم بحساسية خاصةً للتطورات الاقتصادية القصيرة الأجل. وقد ناقشتُ في الفصل الخامس محركات الأنماط في السوق، والطرق التي تغيرت بها هذه المحركات منذ الأزمة المالية في الفصل التاسع.