الفصل الثاني

العوائد الطويلة الأجل

تتمثل نقطة البداية في أي دراسة طويلة الأجل للدورات في التساؤل عن نوع العوائد التي يمكن أن يتوقعها المستثمر في مختلف فئات الأصول المتنافسة. قد يبدو هذا سؤالًا بسيطًا، ولكن جزءًا من التحدي في الإجابة عن هذا السؤال هو أن المستثمرين يتمتعون بآفاق زمنية مختلفة جدًّا. فتختلف فترات الحيازة من مستثمر لآخر، ويمكن أن يتغير مدى استعدادهم (أو حتى قدرتهم التنظيمية) لتحمل الخسائر المحسوبة بقيمة السوق تغيرًا كبيرًا.

يتوقع معظم المستثمرين الحصول على عائد أعلى مقابل المخاطرة، وتؤكد ذلك الأمر البيانات الطويلة الأجل المستمدة من الأحداث السابقة. واستنادًا إلى سلسلة من البيانات الطويلة الأجل وباستخدام الولايات المتحدة — أكبر سوق للأوراق المالية في العالم — مثالًا، نجد أن متوسط العائد الإجمالي للأسهم الأمريكية منذ عام ١٨٦٠ قد بلغ نحو ١٠٪، على مدى أي فترة زمنية تتراوح بين سنة واحدة و٢٠ سنة، كما هو مبيَّن في جدول ٢-١.

للسندات الحكومية الأمريكية التي يمتد أجلها لعشر سنوات، والتي غالبًا ما يُنظر إليها على أنها أصول «خالية من المخاطر» (وذلك لأن الدين مدعوم من حكومة لا تتخلف عن سداد ديونها)، فقد تراوح متوسط العوائد بين ٥٪ و٦٪ خلال فترات الحيازة نفسها.

ذكر جيريمي جيه سيجل (١٩٩٤) في كتابه الشهير «أسهم طويلة الأجل» أن العوائد الحقيقية (العوائد الاسمية المعدَّلة وفقًا للتضخم) على الأسهم ظلت مستقرة استقرارًا ملحوظًا على مدى فترات مختلفة وأنظمة اقتصادية مختلفة، حيث قال: «على مدى جميع الفترات الفرعية المهمة: ٧٫٠٪ سنويًّا من ١٨٠٢ حتى ١٨٧٠، و٦٫٦٪ من ١٨٧١ حتى ١٩٢٥، و٧٫٢٪ سنويًّا منذ ١٩٢٦.»

جدول ٢-١: متوسط إجمالي العوائد السنوية لفترات حيازة مختلفة (منذ عام ١٨٦٠).*
عام واحد ٥ أعوام ١٠ أعوام ٢٠ عامًا
مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ ١١٪ ١٢٪ ١٠٪ ١٠٪
السندات الأمريكية لأجل عشر سنوات ٥٪ ٦٪ ٥٪ ٥٪
المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.
رغم أن العوائد الطويلة الأجل لحاملي الأسهم تبعث على الاطمئنان، فإن مخاطرها وتقلباتها أعلى بكثير من تلك الخاصة بالأصول الأقل خطورة، مثل السندات الحكومية (التي تتمتع بعائد اسمي مضمون). فعلى مدى فترات الحيازة لمدة عام واحد، على سبيل المثال، تزيد تقلبات الأسهم (أي تباين العوائد عن متوسط قيمتها أو وجود فروق بينهما) نحو ثلاث مرات مقارنةً بتلك الخاصة بالسندات الحكومية. وهذا يعني أنه إذا أردت أن تكون واثقًا من الحصول على عائدك، خاصةً على مدى فترات زمنية أقصر، تُرجَّح كفة السندات، حيث تكون متيقنًا أكثر من الحصول مقدمًا على العائد المحتمل. ومع ذلك، تتلاشى نوعًا ما على مدى فترات زمنية أطول ميزة توفر هذا الأمان. وبالنظر إلى فترات الحيازة التي تمتد ﻟ ٢٠ عامًا، على سبيل المثال، نجد أن تقلبات الأسهم تنخفض انخفاضًا حادًّا (انظر جدول ٢-٢).
بعبارة بسيطة، يواجه المستثمر مقايضةً بسيطة بين العائد المتوقع والتقلبات. فعلى مدى الفترات الطويلة الأجل توفر الأسهم نحو ضعف عائد السندات الحكومية، ولكن يصاحب ذلك ما يقرب من ضعف المخاطر والتقلبات. وكلما طالت فترة احتفاظ المستثمر بالاستثمار، زادت جاذبية الأسهم. وكما يُظهِر جدول ٢-٣، فقد انخفضت الأسهم في ٢٨٪ من الوقت في فترات الحيازة لمدة عام واحد، مقارنة ﺑ ١٨٪ للسندات الحكومية الأمريكية، ولكن في حالة الأسهم التي تستمر لمدة ٥ سنوات انخفضت النسبة إلى ١١٪، و١٪ في حالة السندات. وفي فترات الحيازة لمدة ١٠ سنوات، تنخفض نسبة حدوث عوائد سالبة القيمة في الأسهم انخفاضًا كبيرًا حتى ٣٪. لذلك، في حالة المستثمر الذي يمكنه تحمل المخاطر المحسوبة بقيمة السوق (الذي لا يحتاج إلى تحمل الخسائر عند حدوثها)، ويمكنه تحمل فترة استثمار طويلة الأجل (٥ سنوات على الأقل)، تميل الأسهم إلى تحقيق عائد جيد طويل الأجل حتى مع تقلبات الدورة العادية. يمكن قول إن هذه الظروف توفر أفضل فرصة للمستثمرين لتحقيق «صفقة رابحة طويلة الأجل».
جدول ٢-٢: متوسط الانحرافات المعيارية لمدة عام واحد لإجمالي العائد السنوي لفترات حيازة مختلفة (منذ ١٨٦٠).*
عام واحد ٥ أعوام ١٠ أعوام ٢٠ عامًا
مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ ١٠٪ ٢٪ ١٪ ١٪
السندات الأمريكية لأجل عشر سنوات ٣٪ ١٪ ٠٪ ٠٪
المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.
جدول ٢-٣: النسبة المئوية للسنوات ذات العوائد السالبة القيمة لفترات حيازة مختلفة (منذ عام ١٨٧١).*
عام واحد ٥ أعوام ١٠ أعوام ٢٠ عامًا
مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ ٢٨٪ ١١٪ ٣٪ ٠٪
السندات الأمريكية لأجل عشر سنوات ١٨٪ ١٪ ٠٪ ٠٪
المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

العوائد على مدى فترات حيازة مختلفة

ومع ذلك، فإن دراسة المتوسطات عبر سجلات البيانات السابقة الطويلة الأجل تُخفي حقيقة أن العوائد لا تختلف من سنة إلى أخرى فحسب، بل تميل إلى التحرك في دورات.

وكما سنرى في الفصول اللاحقة، تميل عوائد مستثمري الأسهم إلى التباين على مدار الدورة إلى حد كبير استنادًا إلى ما يحدث في الأساسيات الاقتصادية، مثل أسعار الفائدة وتوقعات النمو. بالإضافة إلى ذلك تتباين عوائد المستثمرين عبر الدورات. ويقدم بعضها عوائد أفضل بكثير من غيرها. يحدد عدد من العوامل هذه الاتجاهات، ولكنها عادةً ما تكون نتيجةً لتغيرات هيكلية في الأساسيات، مثل نمو المبيعات وهوامش أرباح الشركات، أو نتيجةً لتغيرات في التقييمات. إن فهم هذه العوامل، وتأثيرها على الأسواق، من الممكن أن يكون له تأثير كبير على العوائد، وعلى أقل تقدير، يساعد المستثمرين على تجنب الفترات التي تزيد فيها المخاطر. ومن المهم أيضًا التأكيد أن استخدام الولايات المتحدة كنقطة استرشادية للعوائد الطويلة الأجل قد يكون مضللًا. ففي نهاية المطاف، كانت العوائد في سوق الأسهم اليابانية منذ أزمتها المالية في ١٩٨٩ /١٩٩٠ أقل بكثير. وهناك أسباب وجيهة لذلك: فمن المؤكد أن تباطؤ إجمالي الناتج المحلي الاسمي على مدى ربع القرن الماضي في اليابان هو أحد الأسباب؛ والسبب الآخر هو المبالغة في التقييم المبدئي. سأناقش في الفصل التاسع بعض أوجه التشابه بين اليابان على مدى العقدين الماضيين والأسواق الأخرى منذ الأزمة المالية العالمية الأخيرة.

تُعَد دراسة العوائد خلال فترات حيازة محددة من الأدلة الإرشادية المفيدة للأنماط الطويلة الأجل للعوائد، وكيفية تغيرها على مر السنين. يعرض شكل ٢-١، على سبيل المثال، عوائد سوق الأسهم الأمريكية على مدى فترات حيازة محددة مدتها ١٠ سنوات (يُظهِر كل عمود في الرسم البياني العائد السنوي على الأسهم بعد التضخم بدءًا من التاريخ المبين، وعلى مدى العقد التالي).

إن النظر إلى العوائد الإجمالية على مدى فترات طويلة يمكن أن يخفي فروقًا كبيرة على مر السنين، وذلك من خلال إظهار متوسط العائد الإجمالي المتداول بالأرقام الحقيقية (المعدل وفقًا للتضخم). وقد يتوقع المستثمر أنه إذا احتفظ بالأسهم لفترة متوسطة الأجل، فمن المرجَّح أن تكون عوائده مماثلة لتلك الخاصة بفترات أخرى مماثلة في الطول. ولكن عمليًّا هذا ليس صحيحًا بالضرورة. على سبيل المثال، لقد كانت العوائد على الأسهم المشتراة في بداية الصراعين الكبيرين (الحربين العالميتين الأولى والثانية) سالبة القيمة لفترات طويلة؛ لأن التعافي من الخسائر الأولية استغرق قدرًا كبيرًا من الوقت. وشهدت أيضًا الأسهم المشتراة في ذروة سوق الثور الصاعدة في أواخر ستينيات القرن العشرين، قبل الارتفاع الحاد لمعدلات التضخم العالمي وأسعار الفائدة التي كان من المتوقع حدوثها على مدى عمر السندات، عوائد متدنية للغاية.

fig1
شكل ٢-١: مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ (العوائد الحقيقية السنوية المتداولة لمدة ١٠ سنوات).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

من الناحية التاريخية، تبرز على نحو خاص فترةُ فقاعة التكنولوجيا وانهيارها في نهاية تسعينيات القرن العشرين. فالأسهم المشتراة في ذروة فقاعة التكنولوجيا في عام ٢٠٠٠ — وحتى عام ٢٠٠٣ — حققت على مدى العقد اللاحق بعضًا من أدنى العوائد الحقيقية في الأسهم الأمريكية (إلى جانب سبعينيات القرن العشرين) منذ أكثر من ١٠٠ عام. وقد حققت الأسهم المشتراة خلال الفترة التي تلت ذلك عوائد أكبر بكثير، تتماشى مع المتوسطات الطويلة الأجل. وفي الوقت نفسه، تمتَّع المستثمرون الذين دخلوا سوق الأسهم بعد الأزمة المالية في ٢٠٠٧ / ٢٠٠٨ (آخر قراءة في الرسم البياني) بعوائد كبيرة.

عادةً ما تُحقق فترات الحيازة لمدة ١٠ سنوات أعلى العوائد في فترات النمو الاقتصادي القوي؛ ومن الأمثلة الجيدة على ذلك فترات الانتعاش في عشرينيات القرن العشرين وإعادة الإعمار بعد الحرب في خمسينيات القرن العشرين. هناك فترات أخرى شهدت فيها أسعار الفائدة انخفاضًا كبيرًا أو انهيارًا، كما حدث في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، والفترات التي أعقبت أسواق الدب الهابطة الكبيرة، عندما تدنَّت التقييمات إلى مستويات منخفضة.

ولكن على الرغم من أن أداء الأسهم كان أفضل على مدى فترات الحيازة الأطول أجلًا، وأن أداءها كان جيدًا للغاية بعد الأزمة المالية على وجه الخصوص، فإن العوائد الحقيقية في سوق السندات منذ ثمانينيات القرن العشرين كانت حقًّا رائعة مقارنةً بمعظم الفترات الأخرى في التاريخ (انظر شكل ٢-٢). وقد حققت سندات الخزانة الأمريكية المشتراة في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، في ذروة دورة التضخم، عوائد حقيقية سنوية تجاوزت ١٠٪ لمدة عشر سنوات (وأكثر من ٧٪ لمدة عشرين عامًا). وهذا يعني أنه إذا استثمر أحدهم ١٠٠٠ دولار في السندات الحكومية الأمريكية في عام ١٩٨٠، فقد تصل قيمة استثماره الحقيقية (المعدلة وفقًا للتضخم)، إلى نحو ٦٠٠٠ دولار في وقت تأليف هذا الكتاب.
fig2
شكل ٢-٢: سندات أمريكية لمدة ١٠ سنوات (العوائد الحقيقية السنوية المتداولة لمدة ١٠ سنوات).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

وحتى السندات المشتراة في أوائل تسعينيات القرن العشرين حققت عوائد حقيقية سنوية بلغت نحو ٥٪ لمدة عشرين عامًا؛ وقد اعتاد المستثمرون على أن يأملوا في تحقيق ذلك النوع من العوائد الحقيقية من الأسهم. وتشير هذه العوائد الاستثنائية إلى أن المستثمرين لم يضعوا في الاعتبار على نحو كامل في البداية الانخفاض المحتمل في مستويات التضخم وأسعار الفائدة، كما أنها تؤكد الدور الحاسم الذي تلعبه التوقعات في تحديد العوائد النهائية.

في ظل الانخفاض الحالي لعوائد السندات، بالإضافة إلى التوقعات الخاصة بالتضخم، قد يتوقع المرء عوائد طويلة الأجل أقل بكثير في المستقبل. وفي ظل الظروف الحالية، يحقق ربع السندات الحكومية العالمية عوائد سالبة القيمة؛ مما يشير إلى أن معدل العوائد في المستقبل سيكون منخفضًا للغاية، إن لم يكن بقيمة سالبة. وقد أصدرت النمسا مؤخرًا سندات مدتها ١٠٠ عام بعائد يزيد قليلًا عن ١٫١٪.1 إن الظروف التي نعيشها استثنائية؛ ومن ثَم فإن الوقت غير مناسب خاصةً لانتقاء الأصول، وهو موضوع يتناوله الفصل التاسع.

مكافأة المخاطر وعلاوة مخاطر الأسهم

تمكننا مقارنة عوائد السندات وعوائد الأسهم من إلقاء نظرة على مكافآت خوض المخاطر في الماضي (الاستثمار في عائد الأسهم المستقبلي غير المعروف مقارنةً بعائد السندات الاسمي الثابت).

تقع الأسهم على الجانب الأكثر خطورة من نطاق الاستثمار لأن المستثمرين في الأسهم هم آخر من يطالب بأرباح الشركة (بعد حاملي السندات وغيرهم من الدائنين). ومن ثَم فإن للأسهم عوائد مستقبلية غير مؤكدة. ومن الممكن أن تخسر الشركة المال وينخفض سعر السهم، أو أن يحدث ما هو أسوأ من ذلك؛ إفلاس الشركة. وبالنسبة إلى المستثمرين في الأصول ذات الدخل الثابت (أي إن الدخل معروف بالقيمة الاسمية وقت الشراء)، تتمثل الخطورة في تخلف الحكومة أو الشركات عن السداد؛ يُعَد إقراض الحكومات عمومًا أكثر أمانًا من إقراض الشركات؛ لأن خسارة الشركة لأموالها أو انهيارها تمامًا أرجح من تخلف الحكومة عن سداد ديونها (على الرغم من أنه عادةً ما يُنظر إلى ذلك الأمر على أنه أكثر خطورة في الأنظمة الاقتصادية الناشئة، حيث يوجد في كثير من الأحيان كثير من حالات التخلف عن سداد الديون). بالنسبة إلى المستثمرين في الأسهم، نسبة حدوث مخاطر التطورات السلبية أعلى من العديد من الاستثمارات الأخرى، ولكن في الوقت نفسه تكون احتمالية الحصول على عوائد تفوق التوقعات أعلى.

غالبًا ما يُشار إلى العائد المحقق في الأسهم مقارنةً بالسندات باسم علاوة مخاطر الأسهم اللاحقة، أو المكافأة الفعلية التي يحققها المستثمرون على مر السنين من خلال الاستثمار في الأسهم مقارنةً بالسندات الحكومية الآمنة. ويختلف هذا عن علاوة مخاطر الأسهم المطلوبة، التي تُعَد مقياسًا للعوائد المستقبلية النسبية المحتملة، أو العلاوة المتوقعة للأصول العالية المخاطر مقابل الأصول الآمنة التي قد يطلبها المستثمر في أي وقت لوضع استثماره الهامشي في الأسهم وليس في السندات. فعندما يكون المستثمر غير متأكد بشأن المستقبل، يرتفع العائد المستقبلي المطلوب، وعلى النقيض من ذلك، إذا كانت الظروف مُواتية ومستقرة، ينخفض العائد الإضافي المطلوب مقابل تحمل المخاطر.

ركزت مجموعة كبيرة من المؤلفات على حساب وتفسير علاوة مخاطر الأسهم اللاحقة على مر السنين. في عام ١٩٨٥، ذكر مقال نُشر في «جورنال أوف مونيتاري إكونوميكس» بقلم ميهرا وبريسكوت،2 أن عوائد الأسهم الفعلية كانت مرتفعةً للغاية مقارنةً بالنماذج الاقتصادية القياسية. وعلى وجه التحديد، وجدا أن متوسط العائد الحقيقي على الأسهم في الفترة من ١٨٨٩ إلى ١٩٧٨ كان نحو ٧٪ سنويًّا (في الولايات المتحدة)، وكان معدل العائد على السندات الحكومية أقل من ١٪ بقليل. وعند طرح عائد السندات من عائد الأسهم نحصل على ما يُسمى بعلاوة مخاطر الأسهم، التي تتجاوز قيمتها ٦٪ سنويًّا، وهو ما لا يمكن تفسيره إلا بدرجة عالية من تجنب المخاطر. واستطردا مناقشتهما بقول إن المفاضلات الأخرى بين المخاطر والمكافآت في الاقتصاد تشير إلى أن المستثمرين كانوا يحصلون على علاوة مخاطر أكبر بكثير مما كان يلزم عمليًّا، وأن تدابير تجنب المخاطر في السياقات المالية الأخرى أقل بكثير، بما يتوافق مع علاوة مخاطر للأسهم بنسبة ١٪ أو أقل. وقد أطلقا على هذا اللغز اسم «أحجية علاوة مخاطر الأسهم».

منذ ذلك الحين، توصلت معظم الأبحاث إلى أن علاوة مخاطر الأسهم تتباين على مر السنين. واقترح بيرنشتاين (١٩٩٧)، على سبيل المثال، أنه بسبب تغير تقييمات الأسهم على مر السنين، فقد يؤدي ذلك إلى تحديد خاطئ للعائد المطلوب. فمثلًا، إذا كنت ستبدأ فترة المعاينة الطويلة الأجل في عام ١٩٢٦ بنسبة سعر إلى أرباح نحو ١٠ أضعاف، وتنهي الفترة بنسبة سعر إلى أرباح نحو ٢٠ ضعفًا (على سبيل المثال في تسعينيات القرن العشرين)، فسيكون العائد الفعلي على الأسهم أعلى مما توقَّعه المستثمرون أو طلبوه في البداية؛ وبذلك يكون معدل العائد المحقق فعليًّا (علاوة المخاطر اللاحقة) مبالغًا فيه مقارنة بالعائد المتوقع في المستقبل (علاوة المخاطر المسبقة). وقد عزَّز من هذه النتيجة عمل فاما وفرينش (٢٠٠٢)، الذي استخدم نموذج خصم الأرباح لإظهار أن المستثمرين منذ عام ١٩٢٦ كان لديهم علاوة مخاطر متوقعة على الأسهم بلغت نحو ٣٪ في المتوسط.

أكَّد آخرون أن التقييمات الفورية يمكن أن تؤدي أيضًا إلى اختلال توقعات العوائد. وأشار روبرت شيلر، على وجه التحديد، في كتابه «الوفرة اللاعقلانية» (٢٠٠٠) أنه من الممكن المبالغة في قيمة الأسهم؛ ولذلك نشهد فترات طويلة تكون فيها العوائد أعلى من المعدل الطبيعي يليها فترات تكون فيها أقل من المعدل الطبيعي. وعرض كذلك مقياس التقييم المسمى «نسبة السعر إلى الأرباح المعدلة لمراعاة تقلبات الدورة الاقتصادية»، الذي يستخدم بيانات أرباح العشر السنوات الماضية في عملياته الحسابية بدلًا من سنة واحدة فقط من الأرباح المستقبلية المتوقعة، كما هو الحال في «نسبة السعر إلى الأرباح» التي تُعَد من أدوات التقييم القياسية. وأضاف أن هذا التعديل يمكن أن يوفر تنبؤات أفضل للعوائد.

fig3
شكل ٢-٣: مؤشر ستاندرد آند بورز مقابل عائد السندات الأمريكية لأجل ١٠ سنوات (المتداول سنويًّا لمدة ١٠ سنوات) = علاوة مخاطر الأسهم اللاحقة.

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

ومع ذلك، مهما كانت علاوة المخاطرة، فهي تتباين باختلاف الفترات التي تعتمد مدتها إلى حد كبير على التقييم عند نقطة البداية. فقد كانت العوائد الفائضة السنوية في الأسهم مقارنةً بالسندات الحكومية متدنيةً للغاية بعد انفجار فقاعة سوق الأسهم في أواخر عشرينيات القرن العشرين، لكنها ارتفعت ارتفاعًا استثنائيًّا في سنوات ما بعد الحرب في خمسينيات وستينيات القرن العشرين (يُعزى ذلك إلى التقييمات المنخفضة في فترة ما بعد الحرب بالإضافة إلى النمو الاقتصادي القوي)، كما يوضح شكل ٢-٣.

أدَّت فقاعة التكنولوجيا في تسعينيات القرن العشرين إلى انهيار أسعار الأسهم بسبب التقييم؛ مما أدى إلى تدني قيمة علاوة مخاطر الأسهم اللاحقة (أو المحقَّقة) لقيمة سالبة لعدة سنوات. وكذلك حققت الأسهم المشتراة في ذروة سوق الأوراق المالية قبل الأزمة المالية علاوات مخاطر منخفضة للغاية على مدى العقد التالي. في المقابل، أدى انهيار أسعار الأسهم في عام ٢٠٠٨ — وما أعقب ذلك من سياسات تحفيزية جريئة — إلى تحقيق عوائد قوية على مدى العقد الذي أعقب الهبوط الذي شهدته أسعار الأسهم في مارس ٢٠٠٩.

يشير هذا إلى أنه على الرغم من أن العوائد الطويلة الأجل تميل إلى أن تكون أعلى في الأصول الأكثر خطورة، فإن الظروف الكلية السائدة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على العوائد المطلقة والنسبية على الأسهم على مر السنين.

قوة توزيعات الأرباح

يوضح شكل ٢-٤ مدى قوة توزيعات الأرباح على مر السنين، حيث يحلل الشكل أداء إجمالي العوائد لمؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ إلى تقدير مؤشر الأسعار (وهو ما ينظر إليه الناس عادةً) وتوزيعات الأرباح (وتوزيعات الأرباح المُعاد استثمارها). تُعَد إعادة استثمار توزيعات الأرباح واحدة من أقوى الطرق وأكثرها موثوقيةً لزيادة الثروة على المدى الطويل. ومنذ أوائل سبعينيات القرن العشرين، يمكن أن يُعزى ما يقرب من ٧٥٪ من إجمالي العوائد لمؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ إلى الأرباح المُعاد استثمارها وقوة تراكم رأس المال.
fig4
شكل ٢-٤: بيان بقوة توزيعات الأرباح (إجمالي عوائد مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ منذ عام ١٩٧٣).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

من عام ١٨٨٠ إلى عام ١٩٨٠، بلغ متوسط نسبة صافي توزيعات الأرباح في سوق الأسهم الأمريكية ٧٨٪ من الأرباح، وبلغ متوسط عوائد توزيعات الأرباح الناتج ٤٫٨٪. لم تمثل عمليات إعادة شراء الأسهم عادةً جزءًا رئيسيًّا من العوائد النقدية للمستثمرين، وفي الولايات المتحدة، لم تسمح بها هيئة الأوراق المالية والبورصات إلا بعد إقرار القاعدة ١٠ب−١٨ في عام ١٩٨٢. وهذا يعني أن النمو السريع في عمليات إعادة شراء الأسهم في السنوات الأخيرة جاء على حساب الأرباح العادية. ومنذ عام ٢٠٠٠، بلغ متوسط عوائد توزيعات الأرباح ١٫٩٪ وعائد عمليات إعادة شراء الأسهم ٢٫٠٪. وفي حالة إعادة استثمار عائد سنوي بنسبة ٤٫٠٪ ناتج عن توزيعات الأرباح (أو عمليات إعادة الشراء)، من المحتمل أن يضاعف المستثمر استثماره في أقل من ١٨ عامًا حتى من دون حدوث أي ارتفاع في الأسعار.

في بعض الأسواق، تكون الصناعات أكثر استقرارًا وتقلُّ أهمية الحاجة إلى إعادة الاستثمار لتحقيق النمو المستقبلي. ونتيجةً لذلك، تزداد نسب صافي توزيعات الأرباح، ويمكن أن تصبح نسبة عوائدها أكبر. في أوروبا، على سبيل المثال، ما زالت سوق الأسهم (مؤشر ستوكس ٦٠٠ الأوروبي)، حتى وقت تأليف هذا الكتاب، ليست أعلى بكثير من المستويات التي وصل إليها في عام ٢٠٠٠ أو ٢٠٠٧ أو ٢٠١٥. ولكن من حيث إجمالي العوائد، وفي ذلك توزيعات الأرباح، كانت النتائج أفضل بكثير للمستثمرين. وفي هذه الأسواق، حيث يحتوي مؤشر الأسهم على نسبة عالية من الشركات المتخصصة في صناعات مستقرة للغاية، مثل النفط والبنوك والمرافق والاتصالات، يمكن أن تصل نسبة العوائد الآتية من توزيعات الأرباح إلى نحو ٨٠٪ بناءً على المتوسط المتداول (المتحرك) لمدة ٢٠ عامًا.

على الرغم من تفوق سوق الأسهم الأمريكية بقدر كبير على أوروبا واليابان في السنوات التي تلت الأزمة المالية، فبالنظر إلى إجمالي العوائد (انظر شكل ٢-٥ و٢-٦) نجد أن الفجوة بين أوروبا والولايات المتحدة قد بدأت تقل. وعلى هذا الأساس تكون اليابان قد تخلفت حقًّا عن الركب. وعلى غرار أوروبا، عانت اليابان من انخفاض نمو الأرباح في السنوات الأخيرة، ولكنها، على النقيض من أوروبا، لم تدفع الكثير من توزيعات الأرباح. من المهم أن يدرك المستثمرون هذه الاختلافات عند اختيار الأسواق.
fig5
شكل ٢-٥: تشابه أوروبا واليابان في أداء الأسعار (عوائد الأسعار: سوق الأسهم).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

fig6
شكل ٢-٦: تفوق أوروبا على اليابان في إجمالي العوائد (إجمالي العوائد: سوق الأسهم).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

العوامل التي تؤثر على عوائد المستثمرين

يمكننا القول عمومًا إن أسواق الأسهم تُقدم أفضل أداء عندما تكون الظروف الاقتصادية ضعيفة، وتكون التقييمات منخفضة، ولكن يوجد تحسُّن في المشتق الثاني من النمو؛ بمعنى أن معدل التغير يتوقف عن التدهور.

تُعاني أسواق الأسهم مع ارتفاع التقييمات و/أو بدء تأثر الأسعار بالمخاوف بشأن النمو في مرحلة متأخرة من الدورة عندما يبدأ المشتق الثاني للنمو في التدهور.

يدعم كذلك انخفاض معدل تقلب المتغيرات الكلية العوائد (إذ يجعل التنبؤ بالظروف أسهل؛ ومن ثَم يقلل من المخاطر المُتصوَّرة)، في حين يُشكل ارتفاع معدل التقلب الكلي عائقًا بوجه عام.

لكن هناك عوامل أخرى تؤثر في عوائد المستثمرين.

يعتمد النمط التاريخي للعوائد في أسواق الأصول على عاملين رئيسيين، غالبًا ما يكونان مرتبطين:

  • توقيت الاستثمار (ظروف الشراء).

  • التقييم في وقت الاستثمار.

توقيت الاستثمار

عندما تفكر في الاستثمار، فإن اختيار التوقيت الأمثل للاستثمار هو على الأرجح العامل الأصعب، خاصةً على المدى القصير. لكن النتيجة يمكن أن تختلف اختلافًا كبيرًا من مستثمر لآخر. على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى الفترة من بداية عام ٢٠٠٩ (قبل وقت قصير من الهبوط الذي حدث بعد الأزمة المالية)، التي كانت مثمرة للمستثمرين عمومًا، نجد أن المستثمر الذي اشترى أحد صناديق المؤشرات واحتفظ به كان سيشهد ارتفاعًا في سعر الصندوق بنحو ٢٥٠٪ في الولايات المتحدة (أي ما يعادل عائدًا سنويًّا يزيد عن ١٢٪).

بالرغم من عدم وجود مستثمر ذكي أو محظوظ بما يكفي لتجنب كل الأوقات الصعبة على أرض الواقع، لا يزال تحديد الوقت المناسب أمرًا مهمًّا للغاية حتى مع تمديد فترات تحديد الوقت المناسب. فالمستثمر الذي تجنَّب أفضل شهر في السنة سيحقق عوائد أسهم تقترب من ٢٪ في المتوسط منذ عام ١٩٠٠، في حين أن المستثمر الذي تمكَّن من تجنُّب أسوأ شهر سيحقق عوائد سنوية تقترب من ١٨٪؛ أي أعلى من المستثمر الذي استثمر طوال العام بنحو ٨٠٪. وعلى الرغم من أن هذه النتائج توضح تأثير تجنب الخسائر الكبيرة، فهي تظهر أيضًا أن تفويت الشهور الأفضل للاستثمار يمكن أن يتسبب في تكبد خسائر فادحة.

تمتد مسألة تحديد التوقيت المناسب للاستثمار إلى الأسواق المالية كافة. وكان من الممكن أن تحقق المحفظة المرجعية «المتعددة الأصول» — على سبيل المثال، تلك التي تتكوَّن دائمًا من ٦٠٪ أسهمًا و٤٠٪ سندات — عائدًا سنويًّا بنسبة ٢٪ تقريبًا من خلال تفويت أفضل الشهور وأكثر من ١٢٪ من خلال تجنب أسوأ الشهور

على الرغم من أن كل هذا يوضح مدى أهمية اختيار التوقيت المناسب، لكنه ليس واقعيًّا؛ لأن معظم المستثمرين لا يستطيعون التركيز على التحركات اليومية أو حتى الشهرية في السوق. ومع ذلك، فإن القدرة على تجنب أسوأ الفترات والاستثمار في الفترات الأفضل قد تكون أكثر جدوى عندما تبلغ مدة الاستثمار عامًا واحدًا. وكما يظهر جدول ٢-٤، فقد شهدت أسوأ سنوات سوق الأسهم انخفاضات تتراوح بين ٢٠٪ و٤٠٪، وشهدت أفضل السنوات ارتفاعات تتراوح بين ٤٠٪ و٦٠٪. ونظرًا لتزامن معظم أسوأ السنوات مع فترات الضغط الاقتصادي، مثل فترات الركود أو الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة، وتزامن أفضل السنوات مع فترات النشاط الاقتصادي القوي أو المتعافي، وانخفاض أسعار الفائدة والمخاطر المتصورة و/أو فترات التقييمات المنخفضة، يمكننا فهم سبب الأهمية الكبيرة للدورات في الأسواق.
في حالة أسواق السندات، يكون التباين أقل حدة، ويُعزى ذلك لعدم تمتُّع أسوأ السنوات بالقدر نفسه من الأهمية. ومع ذلك، فقد حققت أفضل السنوات عوائد تتماشى مع، إن لم تكن أعلى، متوسط عوائد الأسهم على مر السنين (انظر جدول ٢-٥).
جدول ٢-٤: أفضل وأسوأ سنوات في إجمالي العوائد لمؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠.*
أفضل أداء سنوي أسوأ أداء سنوي
١٨٦٢ ٦٧٪ ١٩٣١ −٤٤٪
١٩٣٣ ٥٣٪ ٢٠٠٨ −٣٧٪
١٩٥٤ ٥٢٪ ١٩٣٧ −٣٥٪
١٨٧٩ ٥٠٪ ١٩٠٧ −٣٠٪
١٨٦٣ ٤٨٪ ١٩٧٤ −٢٧٪
١٩٣٥ ٤٧٪ ١٩٣٠ −٢٥٪
١٩٠٨ ٤٥٪ ١٩١٧ −٢٥٪
١٩٥٨ ٤٣٪ ٢٠٠٢ −٢٢٪
١٩٢٨ ٤٣٪ ١٩٢٠ −٢٠٪
١٩٩٥ ٣٨٪ ١٨٩٣ −١٦٪
المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.
جدول ٢-٥: أفضل وأسوأ سنوات في إجمالي عوائد السندات الأمريكية لأجل ١٠ سنوات.*
أفضل أداء سنوي أسوأ أداء سنوي
١٩٨٢ ٣٩٪ ١٩٣١ −١٣٪
١٩٨٥ ٣٠٪ ٢٠٠٩ −١٠٪
١٩٩٥ ٢٦٪ ٢٠١٣ −٩٪
١٩٨٦ ٢١٪ ١٩٩٩ −٨٪
١٨٦٣ ٢٠٪ ١٩٩٤ −٧٪
٢٠٠٨ ٢٠٪ ١٩٠٧ −٦٪
١٩٧٠ ١٩٪ ١٩٦٩ −٦٪
١٩٢١ ١٩٪ ١٩٢٠ −٤٪
١٩٩١ ١٩٪ ١٩٦٧ −٣٪
١٩٨٩ ١٨٪ ١٩٥٦ −٣٪
المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

تقييمات وعوائد الأسهم مقابل السندات

يركز معظم المحللين والمستثمرين اهتمامهم، لأسباب مفهومة، على المحركات «الأساسية» للعوائد، مثل: آفاق النمو الاقتصادي، ونمو الأرباح، ومعدلات العائد على رأس المال، والهوامش، وما إلى ذلك. لكن المناخ الاقتصادي والمرحلة التي تمر بها دورة الأعمال ليسا العاملين الوحيدين اللذين يمكن أن يفسرا تفسيرًا وافيًا عوائد المساهمين على مدى فترات زمنية محددة.

على سبيل المثال، شهدت نهاية العقد الأخير من القرن الماضي (عندما انفجرت فقاعة التكنولوجيا) نموًّا قويًّا في الاقتصاد والأرباح إلى حد غير عادي في أغلب المناطق. وكان التضخم عمومًا منخفضًا ومستقرًّا، وفي الولايات المتحدة وأوروبا، ارتفعت حصص أرباح إجمالي الناتج المحلي وعائد الأسهم إلى مستويات غير مسبوقة. وعلى الرغم من كل هذا، كانت العوائد على الأسهم ضعيفة للغاية على مدى العقد اللاحق في حال شرائها في ذروة فترة الانتعاش، عندما كان المستثمرون في أوج ثقتهم. في المقابل، لم تكن هذه الأساسيات متوفرة بكثرة خلال قسم كبير من ثمانينيات القرن العشرين، ولكن عوائد الأسهم كانت أعلى بكثير. والسؤال هنا: كيف يمكننا تفسير هذا التناقض الظاهري؟

يعتمد جزء كبير من التفسير على التقييمات. ومن المفهوم أن ذروة التقييمات (١٩٢٩، ١٩٦٨، ١٩٩٩) تميل إلى أن تتبعها عوائد ضعيفة للغاية نظرًا لانخفاض المخاطر، وتميل العوائد المنخفضة للغاية، في حالات هبوط السوق (١٩٣١، ١٩٧٤، ٢٠٠٨) إلى أن تتبعها عوائد قوية.

تشير التقييمات المرتفعة إما إلى ارتفاع خطورة حدوث تصحيح/هبوط في السوق وإما فترة طويلة من العوائد المنخفضة في المستقبل. تختلف العلاقة بين التقييم والعوائد المستقبلية من مقياس إلى آخر، كما أنها مؤشر أفضل للعوائد المتوسطة الأجل مقارنة بالعوائد القصيرة الأجل. على سبيل المثال، استنادًا إلى بيانات الولايات المتحدة مجددًا، فإن معامل التحديد التربيعي بين نسبة السعر الحقيقي إلى الأرباح لشيلر (السعر الحقيقي/متوسط الأرباح الحقيقية لعشر سنوات) وعوائد الأسهم المستقبلية لعشر سنوات مرتفع جدًّا (نحو ٠٫٧٠). في الوقت نفسه، فإن معامل التحديد التربيعي يبلغ ٠٫٢٠ لعوائد الأسهم لمدة عامين، و٠٫٤٠ لمدة ٥ سنوات و٠٫٦٠ لمدة ٢٠ عامًا (انظر شكل ٢-٧).

ويزيد تأثير التقييم عندما يكون عند مستويات قصوى (إما منخفضة جدًّا وإما مرتفعة جدًّا). ولكن هذا الأمر متفاوت نظرًا لتأثر العوائد بعوامل أخرى.

fig7
شكل ٢-٧: العلاقة بين نسبة السعر إلى الأرباح المعدلة دوريًّا والعوائد المتوقعة (لمدة تزيد عن ١٠ سنوات) (مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ منذ عام ١٩٥٠).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

يتجلى تأثير التقييمات على التنبؤ بالعوائد المستقبلية عند مقارنة العوائد بين مختلف فئات الأصول وضمن فئة أصول واحدة. عند إجراء مقارنة بين عدد من فئات الأصول، هناك طرق مختلفة لتوضيح العائد النسبي المستقبلي المحتمل. تتمثل إحدى الطرق البسيطة في استخدام فجوة العائد الحقيقي في الولايات المتحدة (الفرق بين عائد توزيعات الأرباح وعائد السندات الحقيقي) كبديل.

عند مقارنة تطور التقييم بالأداء النسبي بعد خمس سنوات، يمكن ملاحظة وجود علاقة معقولة. فتقييمات الأسهم المبدئية المرتفعة نسبيًّا تعني انخفاض عوائد الأسهم نسبيًّا في المستقبل، والعكس صحيح. وتُعَد منتصف التسعينيات الفترة الرئيسية التي انهارت فيها هذه العلاقة. ففي ذلك الوقت، لم تبدُ الأسهم رخيصة على نحو خاص مقارنةً بالسندات، ولكن على مدى السنوات الخمس التالية تفوقت تفوقًا كبيرًا على السندات بسبب ظهور فقاعة التكنولوجيا. وعلى الرغم من أن التقييم لا يُعَد العامل الوحيد الذي يدفع العوائد النسبية، فهو يتمتع بأهمية كبيرة.

تأثير التنويع على الدورة

تسير الأسهم والسندات في اتجاهين مختلفين (وإن لم ينطبق هذا الأمر طوال الوقت)، أو على الأقل لدى كلٍّ منهما مخاطر وتقلبات مختلفة؛ ولذلك من الحكمة الجمع بين هاتين الفئتين الرئيسيتين من الأصول عند إنشاء محفظة. وبهذا يمكن الحد من التقلبات من خلال التخفيف من تأثير التصحيحات الحادة في الأسهم (حتى لو انخفضت أسعار السندات عند انخفاض أسعار الأسهم، فمن المرجح أن تنخفض بمعدل أقل)، ولكن عادةً ما تكون العوائد الإجمالية أقل. وعلى المنوال نفسه، قد يؤدي هذا إلى تقليل احتمالية زيادة العوائد في المحفظة. وبمرور الوقت، ومن خلال العديد من الدورات المختلفة، قد يؤدي الجمع بين الأسهم والسندات الحكومية (على سبيل المثال، بنسبة ٦٠ / ٤٠، على الترتيب) إلى الحصول على دورات متفاوتة المدة والقوة. وباستخدام الأسهم والسندات الحكومية الأمريكية كمرجع، يوضح شكل ٢-٨ مدة كل دورة وقوتها.
fig8
شكل ٢-٨: نحن في أطول سوق ثور صاعدة بنسبة ٦٠ / ٤٠ دون تراجع إجمالي العوائد بنسبة ١٠٪ (أسواق الثور الصاعدة والدب الهابطة بنسبة ٦٠ / ٤٠ [ تراجع إجمالي العوائد الحقيقية بأكثر من ١٠٪]).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

ومع ذلك، فإن الجمع بين فئتَي الأصول يمكن أن يوفر في كثير من الأحيان عائدًا جيدًا للغاية ويخفف من حدة المخاطر في الوقت نفسه. وباستخدام بيانات تعود إلى عام ١٩٠٠ يتضح أن سوق الثور الصاعدة المتوسطة تستمر لمدة ثلاث سنوات تقريبًا، وتُدرُّ عوائد إجمالية حقيقية (معدلة وفقًا للتضخم) بنسبة ٥٠٪، أو ١٥٪ سنويًّا. وقد استمرت سوق الدب الهابطة المتوسطة لمدة عام ونصف، وبلغ إجمالي الخسائر الحقيقية ٢٥٪، أو ٢٢٪ سنويًّا. وكانت أقوى فترة للمحفظة المتوازنة في عشرينيات القرن العشرين، حيث تجاوز إجمالي العائد الحقيقي ٣٦٠٪، بمعدل سنوي يقارب ٢٠٪ لمدة ٩ سنوات. في الواقع، نتج عن الفترة التي تلت الأزمة المالية أطول سوق ثور صاعدة متوازنة؛ إذ استمرت لأكثر من ٩ سنوات وحققت عوائد سنوية بالقيمة الحقيقية بلغت نحو ١٠٪. وبالطبع، كانت كلتا الفترتين استثنائيتين. وبلغ متوسط سوق الثور الصاعدة لمؤشر قياسي متعدد الأصول (٦٠ / ٤٠) في الولايات المتحدة ٨١٪ (٢٢٪ سنويًّا) على مدى ثلاث سنوات ونصف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥