دورة الأسهم: تحديد المراحل
رغم وجود تحولات طويلة الأجل في عوائد الأسهم التي تعتمد على ظروف الاقتصاد الكلي السائدة (على وجه الخصوص، المفاضلة بين النمو وأسعار الفائدة)، تميل معظم أسواق الأسهم إلى التحرك في دورات ترتبط إلى حد ما بدورات الأعمال. ولأن أسواق الأسهم تتحرك تحسبًا للأساسيات المستقبلية، تميل توقعات النمو والتضخم إلى أن تنعكس في الأسعار الحالية. ويمكن أن تؤثر هذه التغييرات أيضًا في التقييم؛ على سبيل المثال، إذا بدأ المستثمرون يتوقعون انتعاش الأرباح المستقبلية من حالة الركود، فسيرتفع تقييم سوق الأسهم في الفترة التي تسبق ظهور التحسن فعليًّا.
على مدار دورة الاستثمار، عادةً ما تكون هناك سوق دب هابطة (أي فترة تنخفض فيها الأسعار) وسوق ثور صاعدة (أي فترة ترتفع فيها أسعار الأسهم عمومًا أو تظل عوائد الأسعار مستقرة نسبيًّا). وسنناقش طبيعة هاتين السوقين وشكلهما والاختلافات بينهما بمزيد من التفصيل لاحقًا في الكتاب. أما هذا الفصل فيركز على نحو أكثر تحديدًا على نمط وشكل ومحركات دورة الاستثمار بأكملها، أي الفترة بأكملها بدءًا من أدنى مستوًى للسوق وحتى الذروة النهائية لها. وتختلف هذه الدورات في المدة، ولكن في حالة أسواق الأسهم الأمريكية فقد بلغ متوسطها عمومًا نحو ٨ سنوات في الماضي.
وبطبيعة الحال، من الصعب تحديد موقعك في هذه الدورة أثناء حدوثها؛ إذ لا يمكن معرفة هذا إلا في وقت لاحق. ولكن مجرد إدراك وجود هذه الأنماط على مر الزمن يمكن أن يكون مفيدًا في تنبيه المستثمر إلى التحولات المحتملة في العوائد والمؤشرات التي يجب البحث عنها.
وبالنظر إلى البيانات من أوائل سبعينيات القرن العشرين، يبدو أن هذه الأنماط الدورية تتكرر، وإن كان ذلك على نحو مختلف إلى حد ما في كل مرة، وفي معظم هذه الدورات يمكن تقسيم العوائد إلى أربع مراحل واضحة، كلٌّ منها مدفوعة بعوامل مميزة (على سبيل المثال، التغيرات المتوقعة في معدلات النمو المستقبلية أو في التقييمات).
المراحل الأربعة لدورة الأسهم

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.
-
(١)
مرحلة اليأس. وهي الفترة التي يتحرك فيها السوق من ذروته إلى أدنى مستوًى له، والمعروفة أيضًا باسم سوق الدب الهابطة. ويُعَد انخفاض التقييمات الدافع الرئيسي لهذا التصحيح، مثل انكماش مضاعف السعر إلى الأرباح، حيث يتوقع السوق حدوث تدهور في بيئة الاقتصاد الكلي والآثار المترتبة على ذلك من حيث انخفاض الأرباح المتوقعة ويتفاعل مع هذا الأمر.
-
(٢)
مرحلة الأمل. عادةً ما تستمر هذه المرحلة فترة قصيرة (٩ شهور في المتوسط في الولايات المتحدة)، عندما ينتعش السوق من أدنى تقييم له، أو زيادة مضاعف السعر إلى الأرباح. ويحدث هذا تحسبًا للانخفاض المرتقب في الدورة الاقتصادية، فضلًا عن نمو الأرباح المستقبلية، ويؤدي إلى ارتفاع مضاعف السعر إلى الأرباح الأخيرة. وعمومًا، تكاد تتزامن نهاية مرحلة الأمل مع ذروة مضاعف السعر إلى الأرباح الأخيرة (التي تمثل الحد الأقصى من المشاعر الإيجابية تجاه النمو المستقبلي). وهذه المرحلة حاسمة عند المستثمرين؛ لأنها عادةً ما تحدُث عند تحقيق أعلى عوائد في الدورة. ومع ذلك، تميل هذه المرحلة إلى البدء عندما تشهد بيانات الاقتصاد الكلي الفعلية ونتائج أرباح قطاع الشركات مستويات متدنية. والأهم من ذلك أن المحرك الرئيسي هنا هو التوقعات: فعلى الرغم من أن مرحلة الأمل غالبًا ما تتزامن مع وجود مستوًى ضعيف من البيانات، فإنها تحدث عندما يبدأ المشتق الثاني (معدل التغيير) في البيانات في التحسن. لذا فإن أفضل وقت للشراء في سوق الأسهم هو عادةً عندما تكون الظروف الاقتصادية ضعيفة وبعد تراجع سوق الأسهم، وبدء ظهور العلامات الأولى لتوقف الظروف الاقتصادية عن التدهور بوتيرة سريعة.
-
(٣)
مرحلة النمو. عادةً ما تستمر هذه المرحلة لأطول فترة (٤٩ شهرًا في المتوسط في الولايات المتحدة)، حيث يكون هناك نمو في الأرباح يؤدي إلى زيادة العوائد.
-
(٤)
مرحلة التفاؤل. هذه هي المرحلة الأخيرة من الدورة، عندما تزداد ثقة المستثمرين، أو ربما شعورهم بالرضا، وحيث تميل التقييمات إلى الارتفاع مرة أخرى وتتجاوز معدل نمو الأرباح؛ ومن ثَم تهيئ الظروف لعملية تصحيح السوق التالية.
يوضح هذا الإطار أن العلاقة بين معدل نمو الأرباح وأداء الأسعار تتغير تغيرًا منهجيًّا خلال الدورة. وعلى الرغم من أن نمو الأرباح هو ما يغذي أداء سوق الأسهم على المدى الطويل، فإن معظم هذا النمو في الأرباح لا يظهر تأثيره على أسعار الأسهم وقت حدوثه، بل عندما ينجح المستثمرون في توقعه في مرحلة الأمل، وعندما يفرطون في التفاؤل بشأن إمكانية حدوث نمو مستقبلي خلال مرحلة التفاؤل.
يميل إجمالي الناتج المحلي، أو النشاط الاقتصادي، إلى الانكماش خلال مرحلتَي اليأس والأمل، حيث يتراجع الإنتاج عن مستويات الإنتاج المحتملة. ويصل إلى أدنى مستوياته في الفترة بين منتصف مرحلة الأمل ونهايتها. وفي مرحلة النمو، يميل النشاط الاقتصادي إلى التوسع، وفي نهاية المطاف، يتجاوز معدل نمو الإنتاج مستويات النمو المحتملة.

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.
هناك أيضًا رابط بين الدورة والتقييمات. وباستخدام مقاييس تقييم بسيطة مثل نسبة السعر إلى الأرباح، تميل التقييمات إلى الانخفاض في مرحلة اليأس وترتفع ارتفاعًا حادًّا في مرحلة الأمل، حيث تؤدي التوقعات بشأن انتعاش الأرباح المستقبلية إلى رفع الأسعار تحسبًا لتحقيق الانتعاش فعليًّا.
وباستخدام هذا الإطار البسيط، تتطور متطلبات المستثمرين بشأن العائد الاستشرافي عبر مراحل دورة الأسهم على النحو الآتي:
-
خلال مرحلة اليأس، يزداد قلق المستثمرين بشأن العوائد المستقبلية المحتملة؛ ولذلك يطالبون بالحصول على عائد مستقبلي مرتفع ارتفاعًا متزايدًا مقابل حيازة الأسهم. ويحدث رد الفعل هذا عادةً على خلفية زيادة التقلبات، وزيادة القدرة الفائضة (التي توصف غالبًا بفجوة الإنتاج)،1 وغالبًا ما يحدث في بداية الركود خلال هذه المرحلة. ويؤدي هذا إلى انخفاض تقييمات الأسهم (مضاعفات السعر إلى الأرباح) وهبوط السوق. واستنادًا إلى بيانات منذ عام ١٩٧٣، فقد استمرت هذه المرحلة في المتوسط ١٦ شهرًا في الولايات المتحدة. وهي مرحلة لا تزال الأرباح ترتفع فيها (باعتدال)، ولكن الأسعار تنخفض انخفاضًا حادًّا، بنسبة تزيد عن ٤٠٪ في المتوسط، مع انكماش التقييمات بنسبة مماثلة.
-
في مرحلة الأمل، يبدأ المستثمرون في توقع نهاية الركود أو الأزمة مع تباطؤ معدل التدهور وفقًا للبيانات (أي إن الأمور لا تزال سيئة ولكنها لا تتدهور)؛ وتحدُّ هذه الشفافية من احتمال مواجهة مخاطر التطورات السلبية. ومع انخفاض مخاطر طرف المنحنى يزداد قبول المستثمرين للعوائد المستقبلية الأقل (والتقييمات الأعلى)؛ إذ تنخفض علاوة مخاطر الأسهم وترتفع التقييمات نظرًا لأن «الخوف من تفويت الفرصة» غالبًا ما يؤثر في سلوك المستثمرين. وعلى الرغم من أن معدل التقلبات لا يزال مرتفعًا، فإنه يميل إلى الانخفاض قرب نهاية مرحلة الأمل، حيث تبدأ بيانات النشاط الاقتصادي في الاستقرار، وإن كان بمعدل منخفض. وفي هذه المرحلة، يدفع المستثمرون بالأساس مقدمًا مقابل الانتعاش المتوقع في الأرباح خلال مرحلة النمو. وعلى الرغم من أن مرحلة الأمل عادةً ما تكون أقصر المراحل (نحو ٩ شهور في المتوسط)، فإنها تميل إلى أن تكون الجزء الأقوى من الدورة، حيث يبلغ متوسط العوائد ٤٠٪، وترتفع التقييمات بنسبة أكبر؛ لأن الأرباح عادةً ما تكون في حالة انكماش عند هذه المرحلة من الدورة.
-
في بداية مرحلة النمو، يستفيد المستثمرون بالفعل من نمو الأرباح المستقبلية المتوقعة خلال مرحلة الأمل، على الرغم من أن النمو لم يتحقق بعد. وعادةً ما تصل فجوة الناتج إلى ذروتها في وقت ما خلال مرحلة الأمل إلى جانب البطالة، ولكنها تظل مرتفعة للغاية في بداية مرحلة النمو. وكثيرًا ما يتبنى المستثمرون نهج الانتظار والترقب، حيث يأخذون مهلة للتحقق من توقعات النمو على المدى الطويل. والنتيجة هي أن قيمة العوائد المستقبلية المتوقعة يُعاد تقديرها خلال مرحلة النمو حيث يتجاوز معدل نمو الأرباح العوائد وتنخفض التقلبات. وقد استمرت هذه المرحلة من الدورة في الولايات المتحدة لمدة ٤٩ شهرًا في المتوسط، محققةً متوسط عوائد بنسبة ١٦٪ مدعومة بزيادة في الأرباح بنسبة ٦٠٪. ونتيجةً لذلك، تميل مضاعفات السعر إلى الأرباح إلى الانكماش بنحو ٣٠٪ خلال هذه الفترة.
زادت خلال هذه المرحلة المطالبة بعائد حقيقي أعلى في سوق الأسهم، وتُعَد زيادة العائد الحقيقي التي نشهدها عادةً في أسواق السندات أحد الدوافع المحتملة لحدوث هذا الأمر.
-
لاحقًا، في مرحلة التفاؤل، تصبح القيمة المتراكمة كبيرة بما يكفي لجذب المزيد من المستثمرين الذين يخشون فقدان الفرصة؛ إذ تفوق العوائد الأرباح؛ ومن ثَم تنخفض العوائد المستقبلية المتوقعة. ومع اقتراب نهاية المرحلة، يزداد معدل التقلبات، حيث يختبر السوق مدى استدامة العوائد المرتفعة. وتستمر هذه المرحلة ٢٣ شهرًا في المتوسط، ولكنها تشهد مرة أخرى ارتفاعًا قويًّا في الأسعار وزيادة مضاعف السعر إلى الأرباح (كلاهما يزيد عن ٥٠٪) ونموًّا ضئيلًا للغاية في الأرباح.
نستنتج من هذه الأنماط ما يأتي:
-
تتحقق أعلى العوائد السنوية (متوسط العائد الذي كان المستثمر سيحققه خلال فترة زمنية محددة إذا أُعيد استثمار العائد بمعدل سنوي) خلال مرحلة الأمل. في حالة الولايات المتحدة وأوروبا، يتراوح متوسط العائد في هذه المرحلة بين ٤٠٪ و٥٠٪ (مع ارتفاع إجمالي الأسعار بالقيمة الحقيقية سنويًّا بما يزيد عن ٦٠٪ في حالة الولايات المتحدة). يتبع ذلك مرحلة التفاؤل (حيث يتجاوز متوسط العائد ٣٠٪ سنويًّا في الولايات المتحدة وأوروبا)، ولا تتحقق سوى نسبة ضئيلة جدًّا من العائد خلال مرحلة النمو. وفي مرحلة اليأس تبلغ الخسائر السنوية في كلٍّ من الولايات المتحدة وأوروبا نحو ٤٥٪.
-
من المثير للدهشة عدم تزامن النمو الفعلي للأرباح مع العوائد. فمرحلة النمو تشهد معظم الزيادات في الأرباح لكل منطقة؛ على سبيل المثال، في حالة الولايات المتحدة، ارتفع معدل نمو الأرباح الحقيقية (المعدلة وفقًا للتضخم) في المتوسط بنحو ٦٠٪ (٤٠٪ في أوروبا)، في حين أن معدل الأرباح في كلتا الحالتين لا يزال ينخفض خلال مرحلة الأمل، عندما يتحقق فعليًّا جزء كبير من العائد في السوق. وهذا يؤكد النقطة الأساسية التي مفادها أن المستثمرين يميلون إلى الدفع مقدمًا مقابل النمو المتوقع في المستقبل عندما تكون التقييمات منخفضة.
هذا النقاش يتناول، بطبيعة الحال، المتوسطات على مدى عقود عديدة؛ ولذلك يوفر إطارًا مفيدًا. ولكن في واقع الأمر، تختلف كل دورة اختلافًا طفيفًا؛ فقد تتغير ديناميكيات التضخم من فترة إلى أخرى، أو قد يكون هناك نمو اقتصادي أقوى مما كان عليه في الماضي. ويبدو أيضًا أنه بمرور الوقت يهيمن على كل دورة عاملٌ معين أو آخر.
مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ | ||||
---|---|---|---|---|
اليأس | الأمل | النمو | التفاؤل | |
المدة (بالشهر) | ١٦ | ٩ | ٤٩ | ٢٣ |
التراكمي | ||||
عائد السعر الحقيقي (٪) | −٤٣ | ٤٤ | ١٦ | ٦٢ |
النمو الحقيقي للأرباح لكل سهم | −٢ | −٩ | ٦٢ | −٤ |
زيادة نسبة السعر إلى الأرباح (نقطة) | −٩ | ٦ | −٥ | ٧ |
نسبة العائد | - | ٣٦٪ | ١٣٪ | ٥١٪ |
سنويًّا | ||||
عائد السعر الحقيقي (٪) | −٤٥ | ٦٤ | −١ | ٣١ |
النمو الحقيقي للأرباح لكل سهم | ٤ | −٥ | ١٩ | −٤ |
مؤشر ستوكس ٦٠٠ الأوروبي | ||||
---|---|---|---|---|
اليأس | الأمل | النمو | التفاؤل | |
المدة (بالشهر) | ١٣ | ١٣ | ٢٧ | ١٤ |
التراكمي | ||||
عائد السعر الحقيقي (٪) | −٣٩ | ٤٣ | ١٣ | ٣٢ |
النمو الحقيقي للأرباح لكل سهم | −٢ | −٨ | ٤٠ | ٠ |
زيادة نسبة السعر إلى الأرباح (نقطة) | −٧ | ٦ | −٣ | ٥ |
نسبة العائد | - | ٤٩٪ | ١٥٪ | ٣٧٪ |
سنويًّا | ||||
عائد السعر الحقيقي (٪) | −٤٩ | ٧٤ | ٢ | ٤٢ |
النمو الحقيقي للأرباح لكل سهم | −٤ | −٦ | ١٨ | ٤ |
نستعرض فيما يأتي الدورات الرئيسية التي شهدناها منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي:
وعمومًا، تميل الدورات التي تنجم فيها الانتكاسة الأولية عن مشكلات هيكلية إلى أن تشهد مراحل نمو أطول من الدورات الأخرى، ويُعزى ذلك إلى أن المستثمرين يستغرقون وقتًا أطول ليستعيدوا الثقة التي تجعلهم على استعداد لدفع المزيد مقابل الأرباح؛ ومن ثَم نقل السوق إلى مرحلة التفاؤل. ويتجلى هذا بخاصة في الولايات المتحدة، حيث كانت مرحلة النمو في سبعينيات القرن العشرين واحدة من أطول المراحل المسجَّلة. وتتضمن نهاية الدورة بداية دورتَي الركود المتتاليتين في الولايات المتحدة أوائل ثمانينيات القرن الماضي.
وثانيًا: كانت هذه الدورة مختلفة عن غيرها بسبب تميزها بتيسيرات غير تقليدية في السياسات (وبدء تطبيق التيسير الكمي)، بالإضافة إلى انخفاض معدلات التضخم وعوائد السندات إلى مستويات لم يسبق لها مثيل.
كان نمو الأرباح الضعيف نسبيًّا سمةً أخرى مميِّزة لهذه الدورة، إلى جانب ارتفاع التقييمات. وقد كانت أيضًا بمثابة دورة من التشتت الكبير بين الفائزين والخاسرين النسبيين. وقد انعكس هذا في التفوق الاستثنائي لأداء سوق الأسهم في الولايات المتحدة مقارنةً بأوروبا والأسواق الناشئة، وفي تحقيق قطاع التكنولوجيا لأرباح وعوائد أعلى بكثير من بقية السوق (وهو ما يفسر جزئيًّا أيضًا الاختلافات بين عوائد الأسهم الإقليمية).
دورات صغيرة/عالية التواتر ضمن دورة الاستثمار
من الناحية العملية، يمكننا العثور على أدلة على وجود أنواع مختلفة من الدورات على مر التاريخ. وكما أوضحنا، تتباين مدة دورات الاستثمار، خاصةً خلال أطول مرحلة نمو. ويعكس هذا جزئيًّا حقيقة أن هذه الدورات الكبرى تتخللها أيضًا دورات أقصر عمرًا تتزامن مع فترات تباطؤ النشاط الاقتصادي وتوسعه. وتعكس هذه الدورات في كثير من الأحيان حدوث تغييرات في دورات المخزون والسياسات، ويمكن تكرار هذه الدورات القصيرة المدة عدة مرات ضمن دورة استثمار أطول. لذلك، بالإضافة إلى تحليل دورات الاستثمار التي تمتد طوال الفترة بين سوق هابطة وأخرى، من الشائع أيضًا أن يكون هناك أكثر من دورة صغيرة، وأحيانًا عدة دورات صغيرة لفترات تباطؤ النشاط الاقتصادي وتسارعه خلال دورة استثمار كاملة. وتحدث هذه الفترات غالبًا ضمن مراحل النمو بوجه خاص، كما هو الحال في الدورة الأخيرة، التي طالت مدتها وأصبحت مدعومة بفترة طويلة من أسعار الفائدة المنخفضة والمستقرة. وعادةً، لا تتضمن هذه الدورات الصغيرة فترات ركود، بل مجرد فترات توقف أو تباطؤ في إطار توسع اقتصادي أطول.
يصعب في بعض الأحيان اكتشاف هذه الدورات الصغيرة باستخدام نقاط بيانات غير متكررة مثل إصدارات إجمالي الناتج المحلي، التي تُنشَر كل ثلاثة أشهر، وغالبًا ما تُنقَّح لاحقًا. ويميل المشاركون في السوق إلى التركيز بقدر كبير على نقاط البيانات العالية التواتر، التي يعتمد كثير منها على استطلاعات الثقة في الأعمال أو سجلات الطلبات وليس على نقاط البيانات «الجامدة». ومن المقاييس الشائعة الاستخدام في أماكن مثل الصين وأوروبا ما يُسمى بمؤشر مديري المشتريات، وفي الولايات المتحدة، مؤشر معهد إدارة التوريد الذي يُعَد موثوقًا فيه ومؤثرًا على نطاق واسع في توجيه قرارات السوق. ويتابع المستثمرون هذه المؤشرات على نطاق واسع؛ لأنها على الرغم من ارتباطها الوثيق بإجمالي الناتج المحلي، تتمتع بميزة كونها شهرية؛ ولذلك فهي ذات تواتر أعلى من التقارير ربع السنوية لإجمالي الناتج المحلي.
وكما نجد في دورات الاستثمار الأوسع نطاقًا والأطول عادةً، هناك علاقة بين أداء سوق الأسهم وفئات الأصول الأخرى وهذه الدورات الصغيرة.

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.
إن فترة التسارع التي تتحسن فيها معدلات النمو هي في أغلب الأحيان ثاني أفضل فترة، وتتوافق توافقًا وثيقًا مع مرحلة النمو في دورة الاستثمار. وفي المتوسط، تُعَد فترة «التباطؤ» ثاني أضعف فترة بعد الانكماش عندما تكون قيمة مؤشر معهد إدارة التوريد موجبة ولكن في تدهور. وهذا ليس سيئًا بقدر الانكماش نفسه، ولكنه لا يزال مرتبطًا عمومًا بالعوائد الباهتة أو المسطحة في سوق الأسهم.
التفاعل بين الدورة وعوائد السندات
على الرغم من أن متوسط العوائد في مرحلة الانتعاش يكون في أعلى مستوياته (عندما يكون مؤشر معهد إدارة التوريد أقل من ٥٠ ولكنه يرتفع)، هناك فرق كبير في العوائد اعتمادًا على ما إذا كانت عوائد السندات ترتفع أو تنخفض في الوقت نفسه. وعمومًا، تكون العوائد أعلى إذا انخفض معدل عوائد السندات، وهذا هو الحال في جميع مراحل الدورة الصناعية.
ولكن، كما سنرى في الفصل الآتي، فإن العلاقة بين سوق الأسهم وعوائد السندات معقدة. وعمومًا، على مدى الفترات الطويلة، ترتفع قيمة العوائد عند انخفاض عوائد السندات مقارنةً بالفترات التي ترتفع فيها عوائد السندات والتضخم ارتفاعًا هيكليًّا؛ على سبيل المثال، حصل المستثمرون في ثمانينيات القرن الماضي على عوائد أعلى مقارنةً بسبعينياته، عندما استمر التضخم في الارتفاع وارتفعت عوائد السندات. ولكن على مدى الفترات القصيرة الأجل، تكون التقلبات التي تشهدها عوائد السندات — والشكل العام لمنحنى العائد (سواء كانت عوائد السندات أعلى أو أقل من أسعار الفائدة القصيرة الأجل) — ذات أهمية كبيرة جدًّا. واعتمادًا على ما يحدث لتوقعات التضخم، فمن الممكن أن يرتبط تحسن آفاق النمو إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة بأقوى العوائد في أسواق الأسهم. ويصح هذا الأمر بخاصة — كما هو الحال في الدورة الأخيرة — عندما تبدأ أسعار الفائدة من مستوًى منخفض للغاية، حيث قد يعكس ارتفاع عوائد السندات، بالإضافة إلى توقعات النمو، قدرًا أكبر من الثقة في نجاح السياسة وتلاشي مخاطر الركود. وبالمثل، فإن انحدار منحنى العوائد (عوائد السندات الطويلة الأجل التي تتجاوز مستويات أسعار الفائدة القصيرة الأجل) ينطوي عمومًا على وجود سياسات نقدية داعمة من البنك المركزي، ويعكس منحنى العوائد المقلوب، عندما تكون عوائد السندات أقل من أسعار الفائدة القصيرة الأجل التي تحركها السياسة، موقفًا نقديًّا تقييديًّا.